The Legend of 1900
حكاية جميلة حول رجلٍ يستطيع فعل أيّ شيءٍ ما عدا أن يكونَ شخصاً عاديّاً!!
فيلم "أسطورة
1900" هو فيلمٌ رائع بكل المقاييس، وستستمتعون بمشاهدته بكل تأكيد. المخرج الإيطالي
الكبير "جوزيبي تورناتوري" برؤيته السينمائية الخلّابة يخلق جوّاً عاطفياً
ساحراً تصعب مقاومته، وفي هذا الفيلم يقدّم لنا أغرب شخصية قد نقابلها في فيلم
سينمائي أو على أرضِ الواقع. تبدأ الغرابة من اسم الشخصية، حيث يُدعى بطل الفيلم
"1900"!! نعم، إنّه اسمه الذي سُمِّيَ به في العام الذي وُلِدَ فيه.
في مطلع القرن
العشرين، تم العثور على طفلٍ لقيط على متن سفينة "فيرجينيا"، وقد وجده
أحد العُمّال في غرفة الطعام التابعة للدرجة الأولى أثناء بحثه عن الأشياء الثمينة
المفقودة من الأثرياء. يقرّر هذا العامل أن يربّي الطفل بنفسه، ويُطلق عليه ذلك
الاسم الغريب. "1900" بالنسبة للجميع هو الطفل الذي يكبر في أحشاء
السفينة وتحيط به عائلة كبيرة ومُحِبّة، والذي يقوم برحلات إلى ما لا نهاية بين
أوروبا وأمريكا، ولا يغادر السفينة أبداً، ولذلك هو غير معروف للعالم الخارجي.
قد تكون شهادة
الميلاد وسجلّات الهويّة غير موجودة، ولكن "1900" ترك أثراً دائماً على شخصٍ
واحدٍ على الأقل. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نلتقي بعازف البوق البائس
"ماكس" وهو يتجوّل في أحد متاجر الموسيقى في لندن، حيث يكتشف اسطوانة
موسيقية نادرة تحتوي على تسجيلٍ لمعزوفة بيانو لـ "1900"، والتي يستحيل
أن تكون موجودة في العالم الخارجي. "1900" لم يخطُ أيّة خطوة خارج
السفينة، وشركات الإنتاج لا تقوم بتسجيلات على متن السفن.. ألَيْس كذلك؟! يبدأ
"ماكس" بسرد قصّة "1900" للبائع في المتجر ولنا أيضاً.
يتجوّل
"1900" وهو في الثامنة من عمره في قاعة الحفلات بالسفينة متجاهلاً جميع
الأنظمة، وفي إحدى الليالي يقوم وبشكل تلقائي بالعزف على البيانو. في الوقت الذي
ينضم "ماكس" لفرقة العزف بالسفينة، نرى "1900" وهو شاب ذائع
الضيت لكونه أبهر الجميع بموهبته الفذّة في عزف مقطوعات موسيقية ليس لها مثيل.
إنّ
"1900" هو شخصية غامضة، والنجم "تيم روث" قدّم أروع أداء في
مسيرته السينمائية بهدوئه وخجله المفرط. نشعر بشغفه للموسيقى والحياة على مفاتيح
البيانو. تعابير وجهه المتضاربة تُغنيه عن الكلام، ولذلك كان أداؤه أكثر تأثيراً
في المَشاهد الصامتة، وحين يخوض مبارزة ساخنة بالبيانو مع عملاق موسيقى الجاز
"جيلي رول مورتون" ستعرفون تماماً ما أعنيه. حين نشاهده وهو يحاول
الخروج من السفينة ويقف في منتصف الطريق عاجزاً عن إكمال السير، لا نستمع لأيّة
كلمة منه ولكننا نرى في وجهِه مشاعرَ الخوف والحيرة والذهول من العالَم الخارجي
الواسع الذي لم يعِش فيه لحظة واحدة.
إضافة إلى الإخراج
المميّز، قام "تورناتوري" بكتابة النص السينمائي مستنداً على نص مسرحي
لـ "أليساندرو باريكو". لقد تمكّن من خلق العالم المحدود لشخصية البطل،
وشعرنا بخوفه الشديد من العالم الخارجي. برغم مدّة عرض الفيلم التي تقارب 3 ساعات،
لم نشعر أبداً بالملل أو التعب، خصوصاً ونحن نعيش حكاية نادرة لشخصية غريبة، ولا ننسى
الموسيقى الرائعة والمؤثرة للموسيقار الإيطالي "إينيو موركوني" الذي
يأسرنا دائماً بموسيقاه التي تمتلك طابعاً خاصّاً ومميّزاً.
قدّم "تورناتوري"
جميع أفلامه مع "موركوني"، وقد أتحفانا بالفيلم الإيطالي المدهش
"سينما باراديسو"، والذي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي بعام
1989. قدّما لاحقاً أفلاماً رائعة جداً مثل "مالينا" و"المرأة
المجهولة" و"باريا". بالرغم من أنّ فيلم "أسطورة
1900" هو إنتاج إيطالي، إلّا أنّه
الفيلم الوحيد الذي يتحدّث باللغة الإنجليزية من بين جميع أفلام
"تورناتوري"، وقد أُنتج بعام 1998.
هذه الحكاية
البريئة لم تكن لتستهوينا من غير الموسيقى الخلّابة والتصوير المُبهِر، وكذلك
الطريقة المميزة في سرد القصّة التي تشعرنا بقراءة رواية مشوّقة ونتوق لمعرفة
النهاية. عاش "1900" طوال حياته على متن سفينة "فيرجينيا"،
وحين يُسأَلْ عن الأرض، يجيب قائلاً: "الأرض؟ الأرض هي سفينة كبيرة بالنسبة
لي.. إنّها امرأة جميلة جداً.. إنّها رحلة طويلة جداَ.. إنّها عطرٌ قويٌ جداً!!".
أنا أقول: "إنّه فيلمٌ رائعٌ جداً".