تحفة فنية حاصلة
على ٤ جوائز أوسكار ...
Parasite
هناك شعورٌ يفوق
الوصف حين تشاهد فيلماً وأنت لا تتوقع أنه سيكون تحفة فنية، ومن أفضل الأفلام التي شاهدتها في حياتك.
نعم، وبكل تأكيد.
لقد اختبرت هذا الشعور الرائع خلال وبعد مشاهدتي للفيلم الكوري المدهش
"طُفيلي"، الذي حصل بجدارة على ٤ جوائز أوسكار، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل فيلم عالمي، ليصبح أول فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية يفوز بجائزة أفضل فيلم في تاريخ الأوسكار، كما ترشّح لنيل جائزتين أيضاً، لأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع.
إنه فيلم تراجيدي
تشويقي مذهل ومتوغّل بكوميديا سوداء ساخرة وغريبة، ولا يخلو من الإثارة الدموية
العنيفة والغموض، ويطرح مواضيع قوية وواقعية حول الوضع الاجتماعي المادي، والنظام
الطبقي، والطموح، والأحلام والأمنيات، ووحدة وترابط وحب أفراد الأسرة، والأشخاص
الذين يقبلون فكرة امتلاك الطبقة العاملة.
الكاتب والمخرج
المبدع "جون هو بونغ" استطاع التلاعب بعقولنا وعواطفنا من خلال وضعنا في
دوّامة من المشاعر المبعثرة والأحداث غير المتوقعة والحبكات الملتوية، لدرجة أننا
لا نستطيع أن نحدد هل الشخصيات طيبة أم شريرة، ولا نعرف هل يجب أن نضحك أو أن نبكي
على الواقع المرير؟!
بالنسبة عن نفسي،
فقد أحببت الشخصيات وتقبّلت دوافعهم، وإنْ كنت فعلاً لا أؤمن بمقولة "الغاية
تبرر الوسيلة"، ولكن هناك قوة تفوق إرادتي من خلال قدرة المخرج في إظهار
رسالته الواقعية المريرة حول وضع البشر، ليس في كوريا الجنوبية وحسب، بل في العالم
أجمع. بالرغم من كل ذلك، ضحكت بكل قوتي في كثير من المَشاهد واللقطات التي لا
يُفترض أن تكون كوميدية، إلّا أنني أؤمن وبشدة بمقولة "شر البليّة ما يُضحِك".
من الممكن أن يكون
هذا الفيلم أكثر دناءة وشرّاً، وأشدّ خطراً وعنفاً في إيصال رسالته لو استلمه
المبدع "كوينتين تارانتينو"، حيث أن ثيمة الفيلم وأجواءه العامة تذكّرني
كثيراً به، مع بعض البهارات الهيتشكوكية الفريدة، لكن النتيجة العامة كانت فيلماً
ممتعاً وأنيقاً وخادعاً بمزجه الطبقي بين الشخصيات.
تدور أحداث الفيلم
حول أسرة كورية فقيرة، مثقلة بالديون وتعيش في مكان بائس في الطابق السفلي في
سراديب المدينة، لدرجة أنهم يحاولون التقاط إشارة الواي فاي من الجيران في الطابق
العلوي، وأن يتحملوا رؤية الأشخاص المُشرّدين السُكارى الذين يتقيّئون ويتبوّلون عند
نافذتهم، وحين يحصلون على فرصة للخروج من هذه الحياة الفاسدة بعدما يقوم الابن
الشاب "كي وو" بالاحتيال لينال وظيفة معلّم دروس خصوصية لابنة أسرة غنية
تعيش في منزل فاخر.
يعلم "كي
وو" لاحقاً أن هذه الأسرة الغنية تبحث أيضاً عن معلّم خاص للفنون لابنهم
الصغير والغريب الأطوار، فيقوم بتزكية شقيقته "كي جونغ" كمعلمة فنون
مختصة وخبيرة، وبعد تعيينها تقوم بنصب كمين لسائق الأسرة الخاص لتسريحه وتوظيف
والدها "كي تاك" مكانه. بعد ذلك تأتي مهمة استبدال مدبرة المنزل
المخلصة والمتفانية في العمل، حتى تحل مكانها الأم "تشونغ سوك"، إذ
سرعان ما توغلت تلك الأسرة في حياة أسرة أخرى بالاحتيال والخداع باتخاذ هويات
وأسماء جديدة. لا أريد أن أكشف مزيداً من الأحداث، لأن ذلك سيفسد متعة مشاهدة هذه
التحفة الفنية.
النص السينمائي
المحبوك بقوة من خلال خط سير القصة وأحداثها بانسيابية متقنة جداً، بالحوارات الواقعية
الرهيبة والساخرة، والتلميحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، جعل الفيلم يسير
بنا دون أن نشعر بالوقت، حيث أن مدة عرضه تتجاوز الساعتين، إلّا أنّي شخصياً كنت
منجذباً للشاشة طوال الوقت ومستمتعاً بكل لحظة، والفضل أيضاً يعود لطاقم الممثلين
المبدعين الذين تقمّصوا أدوارهم بشكل رائع ومميز، حيث اتّسم أداؤهم بعفوية مُطلقة،
جميعهم دون استثناء، وأما الجوانب الفنية الأخرى كالتصوير والمونتاج والموسيقى
والديكور، فقد كانت متميزة جداً. لقد حقّق هذا
الفيلم نجاحاً منقطع النظير من خلال تقييمات النقاد وأصداء الجماهير.
بالرغم من أن
المخرج "جون هو بونغ" يريدنا أن نتعاطف مع جميع شخصيات فيلمه الأغنياء
والفقراء، إلّا أن خط سير الأحداث سيجعلنا نتشوّش ومشاعرنا ستتأرجح. كل شخصية في
نهاية المطاف تمتلك أنانيتها الخاصة فيما يتعلّق بأهدافها، والفيلم يركّز على
الفقر المادي والمعنوي، واليأس والإحباط، وإلى أي درجة يمكن أن يصل إليها الإنسان
للحصول على ما يُفترَض أن يكون له. لم أشهد توتراً في النظام الطبقي كما في هذا
الفيلم.
كعنوانه تماماً،
فيلم "طفيلي" سيظل عالقاً وملتصقاً بالمُشاهد للأبد، بغض النظر عن
جنسيته وديانته وثقافته، فقوة القصة وُجدت في الطريقة الواقعية الملتوية في احتكاك
"الدراما" و"الكوميديا" لتوليد قليلٍ من "الإثارة"
التي تتحول إلى "الرعب"، حتى يلتقي "اليأس" بـ
"الكراهية"، ثم تنطق "الحياة" قائلة: "التَهِم الغني،
بكل الوسائل، واملأ بطنك، ولكن سرعان ما ستشعر بالجوع مرة أخرى، وستظل فقيراً".