Jane Eyre
قصة فتاة بسيطة تملك أجمل وأطيب قلب في العالم
القصص الرومانسية الكلاسيكية تجذبنا بقوة،
وهي تشتهر بالبطلات العفيفات البسيطات والأبطال المكتئبين الغامضين الذين يتجوّلون
في قصورهم، حيث الظلام يسود المكان والأسرار الدفينة تختبئ في الزوايا. رواية "جين إير" للكاتبة
"شارلوت برونتي" تعتبر من أعظم الروايات الكلاسيكية، فقد كانت قفزة
مدهشة وقوية في الأدب العالمي.
التوتّر غالباً ما يتولّد بسبب انجذاب فتاة
عذراء لرجل خطير، ولكن الأمر البائس هو أن البطلة هي الأفضل، ويجب عليها أن تكون
فخورة وشريفة وشجاعة ومثالية. انجذابها للرجل المشؤوم يجب أن يكون مبنياً على
الشفقة وليس على الخوف، وهو يجب عليه أن يستحق مثاليتها.
هذا الفيلم الرائع "جين إير" والذي
سبقته عشرات الاقتباسات لنفس الرواية، استطاع فهم الصفات الدقيقة للشخصيات، وأيضاً
الفن المعماري الذي يجسّد تلك الحقبة الزمنية. الفيلم يبدأ مع البطلة "جين
إير" وهي تركض في العراء والخوف يملأ قلبها، فقد هربت من مكان كئيب لتجد
نفسها تسير في شوارع أكثر كآبة، كما لو أن الطبيعة تتآمر عليها. لم تكن هذه الافتتاحية
التي توقعناها و"جين" فتاة شابة، ولكن بعد ذلك ترجع بنا ذاكرة الفيلم
لمرحلة طفولتها البائسة مع عمّتها القاسية، والمدرسة الداخلية التي تستمتع بتعذيب
الطالبات.
"جين" وُصِفَت في الرواية بالفتاة
البسيطة. هنا تلعب دورها النجمة "ميا واسيكوسكا" التي أدّت دور البطولة
في فيلم "أليس في بلاد العجائب" مع الفنان "جوني ديب"، وهي
بعيدة جداً عن البساطة، وقد حوّلت نفسها إلى فتاة شاحبة وحادّة الطباع، وتحتاج لأن
تُسقى قليلاً من الحب. تم توظيفها من قبل الشاب المتزمّت "روشيستر" لكي
تقوم بتوفير الرعاية للفتاة الصغيرة "أديل" التي تعيش في قصره المعزول.
كيف وصل به الأمر ليقوم برعاية طفلة صغيرة تحت وصايته؟؟ هذا سؤال مهم ويندرج ضمن
قائمة أسئلة كثيرة والتي يمكن أن تجيب عليها السيدة "فيرفاكس" مدبّرة
القصر الطيّبة.
سواء قرأتم الرواية أم لا، هنالك أسرار
نكتشفها لأول مرة، أو أنّنا لم ننتبه إليها مسبقاً، ووظيفتها هي تزويد
"روشيستر" بسبب شريف لكي يقوم بعمل غير مشرّف، وبالتالي المحافظة على
القيم الأخلاقية في ذلك الوقت. الرواية في الواقع تدور حول الجاذبية الممنوعة
للطرفين والتوتر الناجم بين "جين" و"روشيستر". كثيرٌ من القوة
تتولّد من المشاعر المكبوتة، أو بالأحرى "شارلوت برونتي" كانت تكتب عن
مشاعر النساء الرقيقات في عصرها واللّاتي لا يفترض بهن أن "يشعرن".
الفيلم من إخراج "كاري فوكوناغا" والذي
قام في هذه النسخة الحديثة بإظهار المشاعر بكثافة بين الشخصيات المنغلقة على
نفسها. إنه مخرج يتمتع بحس بصري فائق، فقد أضفى على الفيلم لمسة جمالية بمواقع
التصوير المذهلة وتصميم الديكور الخلاّب، وقد ترشّح لجائزة أوسكار عن أفضل تصميم
أزياء بعام 2011، ومن العناصر المهمة في الفيلم هي الموسيقى الرقيقة الناعمة التي
قام بتأليفها المبدع "داريو ماريينيلي".
روعة الفيلم من روعة الرواية، وطاقم التمثيل
مميز جداً. "مايكل فاسبندر" أبدع في تقديم شخصية "روشيستر"
كما في الرواية تماماً، والفنان الموهوب "جيمي بيل" يعود مجدداً إلى
عالم الإبداع بشخصية مهمة في الفيلم بعد دوره الآسر في فيلم "بيلي
إليوت"، ولا ننسى الفنانة المخضرمة "جودي دنش" التي تبدو حقاً من
نساء ذلك العصر الجميل، ولا طالما كانت وستظل من أعظم نجوم السينما وخصوصاً في
أدوار شخصيات العصور القديمة.
"ميا
واسيكوسكا" أثبتت جدارتها وموهبتها من خلال شخصية "جين إير" والتي
بدت مناسبة للدور لأنه في الواقع يفترض بـ "جين إير" ألاّ تبدو جميلة بل
مقبولة الشكل. هذه هي أوصاف الكاتبة للشخصية في الرواية، وأنا أجد ذلك أمراً مميّزاً
حقاً، فنادراً ما نقرأ عن بطلة قصة رومانسية تفتقر للجمال الخارجي، ولكن كم مرة
قرأنا قصة عن فتاة بسيطة جداً تملك أجمل وأطيب قلب في العالم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق