Kramer vs. Kramer
صراع حاسم وقرارات مصيرية ولحظات لا تُنسى من واقع الحياة
فيلم "كريمر
ضد كريمر" لن يكون رائعاً وممتعاً وجاذباً للانتباه لو تحيّزَ لجانبٍ معيّن،
فهو يدور حول مسألةٍ غنيّة بالفُرَص المتاحة لاختيار أحد الجانبين. تتمحور الأحداث
حول قضية طلاق وصراع من أجل حضانة طفل، ولكنّ المهم في قصةٍ كهذه – سواء في
الأفلام أو الحياة على أرض الواقع – ليس مَن هو على صواب أو على خطأ، بل قدرة
الأشخاص المعنيين بالحدث على التصرّف بشكلٍ أفضل وفقاً لطبيعتهم الخاصة.
يبدأ الفيلم مع
زواجٍ مليءٍ بالتعاسة والأنانية وينتهي بشخصَيْن منفصلَيْن كلاهما تعلّم أموراً
مهمّة حول الطريق الذي يجب أن يسلكه. هناك طفلٍ حُشِرَ في وسط كل ذلك، وهو
"بيلي" الطالب في الصف الأول. لكن هذا الفيلم ليس حول محنة الطفل، بل هو
حول محنة الآباء.
جرت العادة في
الأفلام أن يقوم المخرجون برصد مثل هذه القصص من خلال وجهة نظر الطفل، وإظهاره في هيئةٍ
تثير الشفقة بملامح الحزن والإحباط، وأن يُلاقي إهمالاً من الكبار، ولكن ماذا لو كان
الكبار ليسوا كباراً حقاً؟ وماذا عن عائلةٍ كلُّ فردٍ فيها عبارة عن طفلٍ يبكي
ليلقى الاهتمام ويبحث عن هويّته؟
هذا هو الحال هنا.
السيد "كريمر" هو رجل مدمن على عمله كمديرٍ تنفيذي لإحدى شركات
الإعلانات، وأفكاره كلّها متركّزة حول عمله، لدرجة أنّه حين يعود للمنزل وزوجته تبلغه
عن عدم تحمّلها لهذا الزواج، بالكاد يستمع إليها ولا يأخذ حديثها على محمل الجد،
لكن السيّدة "كريمر" تخرج من المنزل وتقول إنها تحتاج وقتاً لكي تجد
نفسها الضائعة.
على الفور نصبح
على مقربة من اختيار الجانبين وإلقاء اللوم، فنسأل: كيف لها أن تخرج من المنزل
وتترك ابنها؟ ولكن لا يمكننا حقاً طرح هذا السؤال بكل مصداقية، لأنّ ما رأيناه من
الزوج هو سبب مقنع فعلاً للقرار المصيري الذي اتّخذته الزوجة، فربّما هي استغنت عن
أسرتها وغادرت، ولكنّه بالكاد كان جزءاً منها. إنّه غير منظّم، ويتأخر في عمله،
وحين يأخذ ابنه إلى المدرسة في اليوم الأول بعد مغادرة زوجته، يسأله: "في أيّ
صف دراسي أنت؟!". السيّد "كريمر" لم يكن يعرف ذلك!!
الفيلم يُبعِد
السيّدة "كريمر" عن الشاشة لبعض الوقت، وتُتاح الفرصة للأب وابنه
ليتعرّفا على بعضيهما بشكل أفضل. المسئولية تُثقل كاهل السيّد "كريمر"
ممّا يصل الأمر في نهاية المطاف إلى إقالته من الشركة. هذه المَشاهد هي الأروع في
الفيلم، والمخرج والكاتب "روبرت بينتون" زوّد شخصياته بحوارٍ متقن يتغذّى
على التفاصيل اليومية الدقيقة في حياتنا، وأمّا السيّد "كريمر" وابنه
"هنري" قرّرا الارتجال قدر الإمكان. يتّم ضبط المواقف وترك الحرية المُطلقة
للطفل في الرد، وبهذه الخطوة الحكيمة من المخرج نقل لنا لحظاتٍ عفوية مميّزة من
واقع الحياة.
ما يعنيه ذلك هو
أنّه يمكننا رؤية الأب وابنه وهما مجتمعين سوياً وقريبين من بعضهما. لا أعتقد أنّ
فيلماً آخر يستطيع رصد هذه العلاقة كالتي نراها في هذا الفيلم. إنّه فيلم واقعي
حول أشخاصٍ حقيقيين يتّخذون قرارات حقيقية، ويصبح الأمر مؤكّداً حين تصل القصة إلى
قمّة ذروتها بعودة السيّدة "كريمر" وإعلانها أنّها مستعدة للمطالبة
بحضانة ابنها.
بوصولنا لهذه
النقطة، ليست لدينا أيّة رغبة باختيار أحد الجانبين. قد تميل عواطفنا لناحية الأب
بعد أن شاهدناه وهو يتغيّر إلى الأفضل خلال وقتٍ قصير، ولكن الآن نحن فقط نتصرّف
كشهودٍ على الدراما، وقد شجّعَنا الفيلم على أن نُدرك أنّ هؤلاء الأشخاص عميقون
ومعقّدون بما فيه الكفاية، كما هي حال كل البشر، ولا يمكننا تحديد مشاعرهم ودخول
أحاسيسهم وبالتالي لا نستطيع أن نحكم عليهم بناءاً على الأمور الظاهرة. مشاعر
الإنسان هي أكثر الأمور تعقيداً وخطورة، ولذلك يجب أن نحرص جيداً في التعامل معها
قدر الإمكان.
أداء الممثلين
رائع للغاية، والفنان "داستن هوفمان" قدّم شخصية السيّد
"كريمر" بشكلٍ عفوي وواقعي جداً، ونشعر حقاً بالتعاطف معه على الرغم من
غرابة أطواره وتقلّب شخصيته في خط سير القصة. الفنانة العظيمة "ميريل
ستريب" أبدعت في ثالث ظهورٍ سينمائي لها في شخصية السيّدة "كريمر" التي
قدّمتها بأسلوب مميّز وغنّي بالمشاعر الحزينة والغاضبة والحنونة.
حاز الفيلم على 5
جوائز أوسكار بعام 1979 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل
"داستن هوفمان" وأفضل ممثلة مساعدة "ميريل ستريب". كما ترشّح
لجائزة أفضل تصوير وأفضل مونتاج، والنجمة "جين أليكساندر" ترشّحت لأفضل
ممثلة مساعدة عن دورها المميّز لشخصية الجارة "مارغريت"، والمفاجأة الكبرى
هي ترشّح النجم الموهوب "جستن هنري" لأفضل ممثل مساعد عن دور الطفل
"بيلي"، وبذلك حقّق رقماً قياسياً بكونه أصغر شخصٍ يترشّح لجائزة
الأوسكار وهو في الثامنة من عمره، وقد أبدع حقاً في تقمّص الشخصية.
المخرج
"روبرت بينتون" يوفّر قدراً كبيراً من الاهتمام على الفوارق الدقيقة
للحوار. إنّ الشخصيات لا يتحدّثون مع بعضهم البعض وحسب، ولكنّهم يكشفون أموراً عن
أنفسهم، ويمكن رؤية ذلك في محاولات التعرّف على دوافعهم الخاصة، وهذا ما يجعل فيلم
"كريمر ضد كريمر" مؤثّراً للغاية. على مشارف النهاية، يلتقي السيّد
"كريمر" بالسيّدة "كريمر"، ويقول لها: "لماذا لا تصعدين
للأعلى وتقابلين بيلي وأنا سأنتظر هنا؟". تمسح دموعها وتقول: "كيف أبدو؟".
يقول لها: "تبدين رائعة!!".
شكرا لكاتب المقال ولكن وجدت أن نهاية الفلم تركها معلقة بين ثلاث خيرات عودة السيدة كرامر إلى زوجها أو تأخذ الطفل إلى حضانتها أو تترك الطفل للسيد كرامر
ردحذف