A Beautiful Mind
قصةُ عقلٍ جميلٍ يرى العالم بطريقةٍ لا يستطيع تصوُّرها الآخَرون!!
فيلم "عقل
جميل" هو معادلة حسابية وقانون حلّها هو الحُب. تمّت كتابة النص السينمائي
بروعة وإتقان، وأداء الممثلين مذهل ومؤثر، وقد أُنتِج بحرفيّة عالية الجهد. الفيلم
هو عبارة عن سلعة ثمينة لأنه يندر وجودها في هوليوود هذه الأيام. إنّه يروي سيرة
حياة البروفيسور "جون ناش" الحائز على جائزة "نوبل" والذي خاض
صراعاً نفسياً شرساً خلال معظم فترات حياته مع مرض انفصام الشخصية.
المخرج المبدع
"رون هاورد" برؤيته الفنيّة الجميلة جعل القصة ليست فقط حول معركة رجلٍ
للتغلّب على مشكلته الخاصة، بل قصةٍ حول انتصار قوّة الحُب، وذلك مثل الفكرة التي
تبنّاها الفيلم الكلاسيكي المذهل "إنّها حياة رائعة" للمخرج "فرانك
كابرا". كل من يشاهد فيلم "عقل جميل" سوف يقع أسيراً في قبضته
الناعمة وستنهمر الدموع من عينيه فرحاً، والسبب يعود للدقّة والحرفية العالية في
تجميع خيوط القصة وسرد الأحداث. على الرغم من طول مدّة عرضه، إلّا أنّه ليس ممّلاً
أبداً وليس كبقية الأفلام التي تُغرِق المُشاهد في المشاعر الكاذبة. الشخصيات
غارقون في مِحَنِهم الخاصة، ونحن كمشاهدين لا نستطيع إلّا أن نسير خلفهم ونحاول
حلّ رموز معادلات حياتهم الغامضة.
الأمر المميّز في
الفيلم هو عدم تحوّله لعمل وثائقي جامد حول شخصية بارزة في مجال علمي، فقد ظلّ
طوال الوقت فيلماً سينمائياً مليئاً بالعاطفة. نلتقي بـ "جون ناش" في
البداية كطالب في جامعة برينستون بعام 1947. إنّه شابٌ عبقريٌ في الرياضيات لكنّه
غريب الأطوار ويفتقر إلى مهارات الحياة الاجتماعية، وقد ساعده شريكُه بالغرفة "تشارلز"
في تخطّي تلك السنوات الصعبة. بعد فترة لاحقة، نجد "جون" أستاذاً جامعياً
وأيضاً مُفكّك رموز شفرة سرّية للعميل الحكومي المشبوه "ويليام بارتشر".
خلال ذلك يلتقي "جون" بـ "أليشيا" ويقع في حبّها ويتزوّجها،
ولكنّ حياته السعيدة سرعان ما تبدأ بالانهيار. إنّه يعاني من هلوسة شديدة، وحين
يُنقل إلى مستشفى الأمراض العقلية تحت إشراف الطبيب الغامض "روسين" يتم
تشخيص مرضه بأنّه حالة متقدّمة من انفصام الشخصية.
الفنّان
"راسل كرو" تمكّن بإبداع من تقمّص شخصية "جون ناش"، وكما جرت
العادة فهو لا يُظهر أيّة صعوبة في دخول شخصية واقعية تمتلك قوة الفكر أكثر من قوة
الجسد، وفي مراحل تطوّر الشخصية وتحوّلاتها المعقّدة ينجح في إبرازها بأفضل ما
يُمكن. الفنانة "جينيفر كونولي" تألّقت في شخصية "أليشيا"
التي تتمزّق حياتها بحُبّها لرجلٍ والخوف منه. النجوم "إد هاريس"
و"بول بيتاني" و"كريستوفر بلامر" قدّموا أدوارهم بمنتهى
الإتقان. حاز الفيلم على 4 جوائز أوسكار بعام 2001 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل
ممثلة مساعدة "جينيفر كونولي" وأفضل نص سينمائي مقتبس، وترشّح لنيل 4
جوائز أخرى لأفضل ممثل "راسل كرو" وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مونتاج
وأفضل مكياج.
المُشاهد بالتأكيد
لا يحتاج لأن يكون خبيراً في الحسابات لتقدير ما يقدّمه فيلم "عقل جميل".
إنّه يقذف النظريات الرياضية نحو المشاهدين، لكنّه يفسّرها بيُسر وإشراق، إذ لا
أحد سوف يتوه في الأحداث أو يشعر بالملل. الفيلم ليس حول الرياضيات بقدر ما هو حول
ضعف الإنسان وقدرته على الانتصار على ذلك. يمكن لـ "جون ناش" أن يكون
طبيباً أو محامياً أو عاملَ بناء، ولكن جوهر القصّة لن يتغيّر.
في
قلب الفيلم تكمن العلاقة بين "جون" و"أليشيا"، وبالروابط
القوية التي تجمعهما يتغلّبان على المِحَن. في إحدى المناسبات، يقوم شخص بسؤال
"أليشيا" حول كيف يمكنها الاستمرار في البقاء مع زوجها المضطرب، وهي
تجيبه بردٍّ وجيز يفهمه كل من وقع في الحب. فيلم "عقل جميل" يتحدّى
الحكمة الهوليوودية التقليدية بأنّ الحُبّ هو عاطفة ورومانسية. بالنسبة لـ
"جون" و"أليشيا" هو شيء مؤلم ومفجع. إنّه أعظم تعبير عن
المشاعر والذي يمسُّ أعمق أوتار العاطفة. كم هو أمر رائع أن نمتلك "عقلاً
جميلاً"، ولكن الأروع هو أن نكتشف في أعماقنا "قلباً جميلاً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق