Driving Miss Daisy
دعوة لركوب السيارة مع الآنسة "ديزي"
"توصيل الآنسة
ديزي" هو فيلم حول حبٍ عظيم، ويحكي قصة تستغرق 25 عاماً لتتكشّف، وبذلك نتعرّف
على الشخصيات بعمق، ليس كبقية الأفلام التي لا تراعي هذا العنصر الهام. مع نهاية
الفيلم، نكون قد سافرنا في رحلة طويلة مع أهم شخصيتين فيه: الآنسة "ديزي ويرذن"،
وهي امرأة عجوز مغرورة، وسائقها الخاص "هوك كولبرن".
أحداث الفيلم تمتد
لربع قرن في حياة هاتين الشخصيتين، من عام 1948 حين يقرّر "بولي" ابن الآنسة
"ديزي" أنّ الوقت قد حان لوالدته كي تتوقف عن قيادة السيّارة وتقوم
بتوظيف سائقٍ خاصٍ لها، إلى عام 1973 حيث نجد شخصين مسنّين يشعران بالرابط القوي
الذي يجمعهما.
إنّه فيلمٌ رقيقٌ
وحسّاس لدرجة تصعب معرفة أهم المعلومات والتفاصيل من النص السينمائي وحده، لأنّ لغة
الجسد، والنغمة والصوت، أو نظرةِ عينٍ قد تكون من أهم الأمور في المشهد. بعد
مشاهدة أفلامٍ كثيرة حول أشخاصٍ سطحيين ومضطربين ينكرون إنسانيتهم، لَكَم هو درسٌ
قيّم أن نشاهد فيلماً يخاطب القلب.
كما نراها في
بداية الفيلم، لا تزال الآنسة "ديزي" مفتخرة باكتفائها الذاتي، ومن
الجيّد أنها تتقبّل وجود خادمتها في المنزل. إنّها تحب أن تكون مستقلة بذاتها وأن
تقود سيارتها وقتما تشاء، إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي تصطدم السيارة بالحائط
وتقتحم مزرعة الجيران. يضع ابنها القانون الآتي: "لقد حان الوقت لتوظيف سائقٍ
خاص".
إنها ترفض وبشدّة.
لا حاجة لهذا الشيء. كم هو مزعجٌ وجود خدمٍ في المنزل على أيّة حال. إنهم يتصرّفون
مثل الأطفال، ودائماً يقحمون أنفسهم في ما لا يعنيهم. هذا ما تقوله الآنسة "ديزي"!!
لكن ابنها يقوم بتوظيف سائق على الرغم من عدم تقبّلها للأمر، وفي لقائهما الأول
يخبر "هوك" بأنّ الأمر عائد إليه في طريقة إقناع الآنسة "ديزي"
بأن تتقبّل أنها لن تقود السيارة بعد اليوم. بطريقة أو بأخرى، ولمدة 25 عاماً، استطاعا
أن يتعايشا مع الوضع برغم عنادهما.
أسلوب
"هوك" في العمل يعتمد على الصبر الغير محدود، والذي أدّى دوره بإبداع الفنان المخضرم "مورغان فريمان". "هوك"
لا يتملّق ولا يجامل، وهو حكيم جداً، وإنْ كانت الآنسة "ديزي" لا تريد
"هوك" أن يقود، إذاً لا يريد هو الآخر، ولتفعل ما تراه هي مناسباً.
الفنان
"مورغان فريمان" يعتبر من أعظم فناني هوليوود على الإطلاق، ويستطيع
تأدية أي دورٍ كان، ولكن أنا شخصياً أجد دوره في هذا الفيلم أعظم أداءٍ له في
مسيرته السينمائية. "هوك" رقيق جداً وحاد الإدراك وصبور.
إنّه أداءٌ عظيم،
ولا يقل عظمة عن أداء الفنانة الراحلة "جيسيكا تاندي" التي اختتمت
مسيرتها السينمائية بتحفة فنية رائعة، فقد استطاعت أن تتقمّص الشخصية بمراحلها
العمرية بكل إتقان. في البداية نراها امرأة في الستّين، حيوية ويقظة، إلى أن تصبح
في التسعين من العمر، عاجزة وضعيفة. أرى أنّ دورها هو أفضل تجسيد سينمائي لشخصية
تسير في مراحل الشيخوخة، واستحقت وبكل جدارة جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وبذلك
تكون قد حقّقت رقماً قياسياً بكونها أكبر ممثلة تفوز بالجائزة، فقد كان عمرها 81
عاماً.
حاز الفيلم أيضاً بعام
1989 على 3 جوائز وهي أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس، وكذلك جائزة أفضل مكياج،
والتي استحقها حقاً، فقد بذل الفنّيون جهداً في إظهار الممثلين بالشكل المطلوب مع
مرور السنوات في القصة. ترشّح لنيل 5 جوائز أخرى، لأفضل ممثل "مورغان فريمان"، وأفضل ممثل
مساعد "دان آيكرويد" الذي أدّى شخصية "بولي" ابن الآنسة
"ديزي" بشكل مميز، وأيضاً لأفضل تصميم مواقع، وأفضل تصميم أزياء، وأفضل
مونتاج. الموسيقار "هانز زيمر" أضاف للفيلم لمسة مميزة بموسيقاه المؤثرة
والمنعشة.
فيلم "توصيل الآنسة
ديزي" من إخراج الأسترالي "بروس بيرسفورد"، وقد شعرنا بأحاسيسه
العميقة من خلال هذا الفيلم، وشاركه الإبداع الكاتب "ألفريد أوري"
بتحويل ذكريات عائلته إلى فيلم سينمائي مميز. المخرج قادر على تحريكنا خطوة تلو
الأخرى نحو قلوب الشخصيات. لم يخطئ أبداً في تغيير مسارنا، إلى أن نصل لمشهدٍ
أخيرٍ مشرق، يدعونا فيه إلى تقدير أحد أثمن أسرار الحياة.. تلك اللحظة التي يقوم
فيها شخصان برؤية بعضهما من الداخل.. لحظة الصمت.. لحظة حديث القلوب!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق