Planes, Trains, & Automobiles
طائرات وقطارات وسيارات وكوميديا لا تنتهي مع "نيل"
و"دِل"
فيلم "طائرات
وقطارات وسيارات" تكمن روعته في جوهر شخصياته، فقد تم اختيار أفضل الممثلين
للاندماج مع نصِّ سينمائيٍّ رائع. الفنانان "ستيف مارتن" و"جون
كاندي" لا يؤديّان شخصية، بل يجسّدان نفسيهما، والكوميديا تتشكّل بهدوء مع
بداية الصداقة وعلى امتداد الرحلة البرّية والجوّية، ومن خلالهما نتعرّف على كثير
من الحقائق المزعجة والمشاعر الصادقة.
بعض الأفلام هي
عظيمة بالتأكيد، وأخرى لا نشعر بعظمتها إلا بمرور الوقت. حين عُرِض هذا الفيلم
لأول مرة بعام 1987 استمتع به المشاهدون لأقصى درجة وكذلك النقّاد، ولكن خلال
السنوات اللاحقة ومع تكرار عرضه في القنوات الفضائية رسخ الفيلم في الذاكرة واكتسب
شعبية هائلة بكونه فيلم أعياد ولا يخلو من الكوميديا العفوية. كبقية الأفلام
المميزة مثل: "إنها حياة رائعة" و"إي تي"
و"كازابلانكا"، هذا الفيلم لا يتضمّن فقط موضوعاً إنسانياً، بل أيضاً
يكافؤه بالممثلين الملائمين والنص السينمائي المذهل، ولذلك أصبح أحد أعظم أفلام
الأعياد على مر العقود.
قصة الفيلم
مألوفة. الفنان "ستيف مارتن" يلعب دور "نيل"، وهو رجل يعمل في
الإعلانات من مدينة شيكاغو، ومظهره أنيق بالبدلة الرمادية وشعره المرتّب، وتفوح
منه رائحة الثقة بالنفس والنجاح. الفنان الراحل "جون كاندي" يلعب دور
"دِل"، وهو بائع متجوّل من شيكاغو أيضاً، والذي يبيع حلقات ستائر
الحمّامات. إنّه طويل جداً وضخم البُنية ومغطّى بطبقات القمصان الغير متطابقة
والمعاطف والسترات الرياضية، وشاربه الخشن يبدو كما لو كان عالقاً في شيء قبل
دخوله، وحتّى ربطة عنقه تبدو مقوّسة.
إنّ هاذين الرجلين
كلاهما في مدينة منهاتن قبل يومين من عيد الشكر، ويريدان الذهاب إلى منزليهما
لقضاء العطلة مع العائلة. القدر يجمع مصيريهما معاً، ومن خلال ذلك يجب عليهما
تحمّل كل المشاكل التي تسبّبها وسائل السفر الحديثة، وما سيعذّبهما أكثر هو الوقوع
في شِباك أحدهما الآخر.
"دِل"
فقط يريد الإرضاء والإبهاج، و"نيل" لا يحب المتطفّلين ويفضّل البقاء
وحيداً. كتب وأخرج وأنتج الفيلم الفنان الراحل
"جون هيوز". المحرّك الدفين لقصّة هذا الفيلم لا ينمّي فقط صداقة رجلين
غير منسجمين، بل التعاطف بكافة معانيه. إنّه حول محاولة فهم ما يشعر به الشخص
الآخر.
نشعر أنّ
"دِل" وُلِدَ من أجل التعاطف مع الآخرين، وبشكلٍ ما يتفاعل مع
"نيل". إنّه يشعر بالأسف حقّاً حين يعرف أنّه قام بسرقة سيارة الأجرة
التي كان يفترض لـ "نيل" ركوبها، ويسرع بتقديم المساعدة حين تمّ تحويل
رحلتهما من شيكاغو إلى مطار ويتشيتا بمدينة كانساس. لا توجد هناك غرف فندقية شاغرة،
و"نيل" يعتمد على البطاقات الائتمانية ويريد أن يخطط بنفسه لما يريد
فعله في مثل هذه الظروف العصيبة، كأن يحجز غرفة فندقية وسيارة خاصة. إنّه يقضي
معظم وقت الفيلم وهو يحاول التخلّص من "دِل" ويخفق في ذلك.
"دِل" على الجانب الآخر، يمضي معظم الوقت ومشاعره تُجرَح، ومع ذلك لا
يتخلّى عن "نيل".
تتوالى المَشاهد
وتُتاح لنا الفرصة لنتعرّف على البطلين بما فيه الكفاية كي نفسّر سبب غرابة
أطوارهما. المَشاهد الأخيرة من الفيلم تحمل مكافأة عاطفية كنّا ننتظرها طوال الوقت،
وهي ليست لنا بقدر ما هي لـ "نيل" لأنها تعكس "نهضة أخلاقية"
مثل تجارب العجوز "سكروج" في قصة "أنشودة عيد الميلاد" للكاتب
"تشارلز ديكينز". لقد تعلّم درسه جيّداً ولن يحكم على الآخرين من خلال
مظهرهم أو وفقاً لمعاييره الخاصة. هناك عاطفة حقيقية في المشهد الذي يجد فيه
"نيل" صديقه "دِل" وهو يجلس وحيداً عند محطة القطار.
الفنان "ستيف
مارتن" هو سيّد الكوميديا في هوليوود، وأدواره كلها رائعة وممتعة، والأداء
المميّز لدور "نيل" لا يُنسى أبداً، فقد شعرنا بشيء جميل ونحن نعيش
الشخصية معه بكل إيجابياتها وسلبياتها. الفنان "جون كاندي" الذي توفي
إثر سكتة قلبية وهو شاب بعام 1994، أبهرنا بسذاجته وطيبة قلبه في شخصية
"دِل" الذي يخفي ألمه ووحدته أمام الجميع بما فيهم نفسه، فقد قدّم
أداءاً رائعاً للغاية. المخرج "جون هيوز" توفي هو الآخر إثر سكتة قلبية
قبل أعوام تاركاً خلفه مجموعة أفلامٍ مميزة لجميع أفراد العائلة.
الأفلام
التي تدوم هي التي نعود إليها مراراً وتكراراً، وقد لا تناقِش موضوعاً نبيلاً أو
تعقيدات فلسفية، فأحياناً تدوم لأنها مثل السهام الموجّهة نحو القلب. حين يطلق
"نيل" العنان لنفسه بتوجيه خطبة جارحة لـ "دِل" بغرفة الفندق
مسبّباً له الحزن، يقول: "أوه.. فهمت!!". إنّها ليست مجرّد لحظة حقيقة
تعرّفنا على حياة "دِل" وحسب، بل هي نقطة تحوّل في حياة "نيل"
لأنّه أيضاً وحيد، وبسبب روتينه اليومي لا يشعر بذلك. إنّه لأمرٌ غريب أن نجد
كمّاً من العواطف تزحف في هذه الكوميديا، ولا تُصبح أقوى إلّا حين نضحك!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق