Les Miserables
في أي عالمٍ وفي أي زمان سيصبح فيه البؤساء سُعداء؟!
المخرج المبدع
"توم هوبر" أتحفنا قبل عامين بفيلم "خطاب الملك" وقد حاز على
جائزة الأوسكار لأفضل مخرج، وها هو يعود الآن بفيلم خلّاب ومدهش صاغه بلمسة
إبداعية من خلال اختيار نجومٍ مميّزين. الفنان "هيو جاكمان" قدّم أروع
أداءٍ في مسيرته السينمائية لشخصية "جان فالجان"، سارق الخبز الهارب من
العدالة. هذه الشخصية تعتبر من أشهر الشخصيات في الأدب الكلاسيكي، وقد قام
"جاكمان" بتقمّصها بكل مشاعر وأحاسيس من خلال تعابير وجهه المعبّرة
وصوته الحزين.
الفنانة "آن
هاثاواي" بظهورها القصير قدّمت أجمل أداء في الفيلم من خلال شخصية
"فانتين" التي تعمل في مصنع وتتعرض للخيانة ثم تنجرف لطريق الدعارة في
محاولة يائسة لإعالة ابنتها الصغيرة "كوزيت". قامت "هاثاواي"
بتأدية أغنية "حلمتُ حلماً" بشكل مذهل يحبس الأنفاس في لقطة واحدة
استمرت نحو ثلاث دقائق.
أصرّ المخرج على
أن تكون مَشاهد الغناء حيّة وفي مواقع التصوير بدلاً من أن تكون مسجّلة مسبقاً ومن
ثم يقوم الممثلون بتحريك شفاههم لمزامنتها مع الصوت كما جرت العادة مع الأفلام
الموسيقية. هذا القرار الحكيم من المخرج أضفى شعوراً طبيعياً وصادقاً للأغاني،
والأمر نفسه للممثلين الذين قاموا بتأديتها، فقد غمروا الفيلم بالعواطف والشاعرية
بتفاعلهم مع الغناء والموسيقى والتمثيل.
الفنان "راسل
كرو" أدى دور المحقق "جافير" بكل روعة وإتقان، وكذلك النجمة
"أماندا سايرفريد" أبدعت في أداء شخصية "كوزيت"، ولا ننسى
الفنانَيْن "ساشا بارون كوهن" و"هيلينا بونهام كارتر" اللذين
قاما بأداء دورَي السيد والسيدة "تيناردييه" بشكل رائع ومبهج، فقد أضافا
بعض المرح للقصة المأساوية برغم قسوتهما وجشعهما.
النجم "إيدي
ريدمين" كان بصيص الأمل في الفيلم بأدائه شخصية "ماريوس"، وكذلك
النجمة "سامانثا باركس" بشخصية "إيبونين". بقية طاقم الممثلين
أبدعوا في تقمّص أدوارهم، وكذلك طاقم الفنيين بذلوا كل ما بوسعهم لجعل الفيلم بهذا
المستوى الراقي، فقد كانت مواقع التصوير مدهشة والأزياء كذلك.
حاز الفيلم على 3 جوائز أوسكار لأفضل
ممثلة مساعدة "آن هاثاواي" وأفضل مكياج وأفضل تحرير صوتي، وترشّح لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل فيلم
وأفضل ممثل "هيو جاكمان" وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل
أغنية، وذلك بعام 2012.
أغاني الفيلم لن
تكون رائعة وخلّابة لولا مرورها بموسيقى "كلاود ميشيل شونبيرغ" وكلمات
"ألين بوبلي" و"هيربرت كربتزمر". على الرغم من أنّ أحداث
الفيلم تدور في فرنسا بالقرن التاسع عشر، إلّا أنّها تبدو مألوفة وقريبة جداً من
النضالات الثورية الحالية في الدول العربية وغيرها.
مدة عرض الفيلم
تتجاوز الساعتين والنصف، ولكنه استحقّ ذلك من خلال البراعة في تقسيم أحداث القصة
دون إهمال الأجزاء الأساسية منها، ولن تشعروا بالملل لأنكم ستشهدون إبداعاً لا
يُوصف. المخرج "هوبر" نقل لنا العالم الذي صوّره الكاتب "فيكتور
هوغو"، ونحن كمشاهدين نشعر بالإنتماء لهذا العالم المليء بالقسوة والظلم
والكراهية، ونحاول أن نكون "جان فالجان" أو "فانتين" أو
"كوزيت" أو "ماريوس" أو "إيبونين" لكي نحوّل القسوة
إلى عطف، والظلم إلى عدل، والكراهية إلى حب.
لم
يكن "فيكتور هوغو" ليكتب روايته هذه لولا تجاربه المريرة في المجتمع ومعاصرته للظلم والقسوة، وبالتأكيد لن يكون
عنوان الرواية مأساوياً كهذا. مضى قرنان على رواية "البؤساء"، ولا زلت
أتساءل: "في أي عالمٍ وفي أي زمان سيصبح فيه البؤساء سُعداء؟!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق