Million Dollar Baby
دراما رائعة للمخرج "كلينت إيستوود" حول ثلاثة أشخاص لكَمَتهُم
الحياة!!
فيلم "فتاة
المليون دولار" للمخرج الرائع "كلينت إيستوود" هو تحفة فنية، نقيّة
وبسيطة، عميقة وحقيقية. تدور القصة حول مدرّب ملاكمة مسنّ وفتاة بسيطة تعتقد أنّ
بإمكانها أن تصبح مُلاكِمة، ويقوم بدور الراوي ملاكمٌ سابق وهو أفضل صديق للمدرّب.
لكن الفيلم ليس حول المُلاكَمة، بل حول مُلاكِمة، ولا أستطيع الإفصاح عن المعاني
العميقة التي يحتويها الفيلم لأنّي حينها سأفسد عليكم تجربة عيش هذه الرحلة التي
تصل إلى أعمق أسرار الحياة والموت. إنّه حقاً فيلم رائع ومؤثّر.
إضافة إلى كونه
مخرج ومنتج ومؤلف موسيقى الفيلم، يلعب الفنان "كلينت إيستوود" دور
المدرّب "فرانكي" الذي يُدير مركزاً رياضياً بمدينة لوس أنجلِس ويهوى
قراءة الشِعر في أوقات الفراغ. الفنانة "هيلاري سوانك" تقوم بدور
"ماغي" التي قضت حياتها تعمل كنادلة منذ أن كانت في الثالثة عشرة من
عمرها، وهي الآن ترى الملاكمة أفضل طريق للهروب من تلك الحياة التعيسة.
الفنان المخضرم
"مورغان فريمان" يلعب دور "سكراب" الذي درّبه
"فرانكي" للوصول إلى اللقب في بطولات الملاكمة قبل عقود وأصبح أفضل
أصدقائه، وهو يعيش الآن في غرفة بالمركز الرياضي. حين يرفض "فرانكي"
تدريب "ماغي" بحجّة أنها فتاة، يقوم "سكراب" بإقناعه
ليدرّبها.
تلك الشخصيات
الثلاث نراها بوضوح وعُمق، وهذا أمر نادر جداً في الأفلام. "إيستوود"
الذي لا يملك قطعَ غيار لجسده الهزيل، نشعر بجهوده المبذولة في صنع هذا الفيلم،
والأمر المميّز هو خلوّه من الحشو الزائد برغم أنّ الفيلم يغرق في العواطف العميقة
بمَشاهِده الأخيرة. بعض المخرجين يفقدون التركيز عندما يكبرون في
السن، ولكن "إيستوود" استطاع عرض عملٍ يحتوي على كل شيء يحتاج إليه ولا
شيء آخر على الإطلاق.
هذا هو الفيلم
الخامس والعشرون له كمخرج، وقبله بعام أخرج فيلم "النهر الغامض" الذي لا
يقل روعة عنه. فيلم "فتاة المليون دولار" يتميّز بالبساطة والصراحة في
صياغة القصّة، وهو من الأفلام التي تجعلنا نريد الجلوس بهدوء أمام الشاشة ونتوغّل
إلى أعماق الشخصيات التي نهتم لأمرها كثيراً.
الفنان
"مورغان فريمان" هو الراوي، تماماً كما كان في الفيلم العظيم
"الخلاص من شاوشانك"، حيث يصف شخصية رجل عاصره طوال حياته. إنّه لا يسعى
إلى عرقلة القصّة بكلمات منمّقة، بل يريد فقط إخبارنا بما حدث. يتحدّث عن الفتاة
التي أتت إلى المركز الرياضي ولم تغادر، وكيف وافق المدرّب "فرانكي" على
تدريبها وما حدث بعد ذلك. لكن "سكراب" ليس فقط مراقباً للأحداث، فالفيلم
يتيح له مساحة خاصة به. النص السينمائي تمت صياغته بإحكام من قِبَل الكاتب
"بول هاغيس"، ومن خلاله مهّد لظهور الشخصيات بشكلٍ مميّز.
الفنانة
"هيلاري سوانك" مدهشة بقدر شخصية "ماغي". دقّقوا في مشهد
المطعم مع "ماغي" و"سكراب" أثناء تناولهما وجبة الغداء حين يخبرها
كيف فقد البصر في إحدى عينيه، وكيف يلوم "فرانكي" نفسه على الماضي
الأليم. إنّه بالتأكيد مشهد رائع بالأداء المذهل للفنان "مورغان فريمان"،
ولكن أريد منكم ملاحظة كيف قامت "هيلاري سوانك" بجعل "ماغي"
عاجزة عن فعل أي شيء غير الإصغاء إلى حديث "سكراب". لا "ردود
فعل"، لا "إيماءة وجه"، ولا "لغة جسد" ما عدا سكون تام واهتمام
بالغ ونظرة عميقة.
المصوّر السينمائي
"توم ستيرن" أبدع في استخدام الإضاءة في المَشاهد، حيث نرى وجوه
الممثلين تدخل وتخرج من الظل، وأحياناً لا نستطيع رؤية وجوههم، فقط نستمع إليهم.
راقبوا كيف تتناغم الإضاءة مع الكلمات!! إيقاع جميل حقاً. إنّه فيلم داكن على أيّة
حال، مليء بالظلال والمشاهد الليلية وبالشخصيات التي تخوض صراعات مصيرية. الفيلم يسير
مع "ماغي" ونشاهد العديد من مباريات الملاكمة، وهي تنتصر منذ البداية،
لكن ليس هذا هو المهم. باختصار، "فتاة المليون دولار" هو فيلم حول امرأة
تعقد العزم على تحقيق شيءٍ في حياتها ورجل لا يريد فعل أي شيء لهذه المرأة، وفي
نهاية المطاف يفعل كل شيء من أجلها.
حاز الفيلم على 4
جوائز أوسكار بعام 2004 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثلة "هيلاري
سوانك" وأفضل ممثل مساعد "مورغان فريمان"، وترشّح لنيل 3 جوائز
أخرى لأفضل ممثل "كلينت إيستوود" وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل مونتاج.
الكثير
من الأفلام في الآونة الأخيرة تستخدم المؤثرات والأحاسيس المصطنعة، ولكن هذا
الفيلم مختلف، فهو يرصد حياة ثلاثة أشخاص وكيف تقودهم مشاعرهم إلى رحلة الحياة.
وراء صمتهم يختبئ الماضي.. وراء أحلامهم تختبئ المشاعر.. وراء آمالهم تختبئ
الذكريات.. وراء رحلتهم يختبئ الحُب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق