Little Women
نموذج الحياة المثالية لنساءِ القرن التاسع عشر
إنّه اقتباس مذهل ودقيق وراقٍ جداً لرواية
"لويزا ماي ألكوت" الشهيرة، وليس فيلماً سطحياً للأطفال كما يظنّه
البعض. تتمحور القصة حول عائلة "مارش" المكوّنة من الأم وبناتها الأربع
"ميغ" و"جو" و"بيث" و"إيمي".
بما أنّ البنات يحظين بتودّد جارهم الشاب
اللعوب "لوري" ومعلّمه الخاص "جون بروك"، وبما أنّ
"جو" تقع تحت تأثير أستاذ ألماني يدعى "فريدريك"، فبالتالي
هذا الفيلم يدعونا للدخول إلى العالم الجميل لهذه الروائية المبدعة، ونرى كيف أنّ
الحياة تبدو ممتدة أمامنا حين نكون صغاراً، وتقدّم لنا فرصاً كثيرة لاختيار
مصيرنا.
منذ وقت طويل كنت أرى هذه الرواية نموذج للحياة
المثالية وهي حقاً رواية رائعة. أذكر أنّي قرأت "نساء صغيرات" بتركيز
كبير. بالتأكيد كنت حينها في المرحلة الابتدائية، ولكن هذه الرواية تبدو وكأنها
تنمو مع الوقت، أو ربّما المخرجة "جيليان آرمسترونغ" تطرّقت للمواضيع
المهمة ورفضت تبسيط القصة إلى "صيغة عائلية".
يبدأ الفيلم في شتاء عام 1862 أثناء الحرب
الأهلية، وأفراد عائلة "مارش" في وضع سيئ، فرجل العائلة يقاتل في الحرب.
الأوقات صعبة، والخشب والزيت أصبح الحصول عليهما بشق الأنفس. الفيلم لا يأخذ
المسار المعتاد بالتخصيص الواضح للمَشاهد لكل واحدة من البنات، وبدلاً من ذلك
نتعرّف عليهن تدريجياً ونفهم شخصياتهن ونرى كيف ينتمين لبعضهن البعض. أقوى شخصيات
العائلة هي شخصية الابنة الثانية "جو"، وبأداء قوي ورائع من الفنانة
"وينونا رايدر" التي تبدو مرحة وشمس التفاؤل تشع من وجهها.
"جو" تريد أن تصبح كاتبة، وتقوم بعمل مسرحيات صغيرة في المنزل وعلى
الجميع أن يلعب دوراً فيها، بما فيهم القط.
البنات الأخريات هن "ميغ" الابنة
الكبرى الحكيمة، و"إيمي" الابنة الصغرى الفاتنة، و"بيث"
الفتاة المسكينة التي يتمكّن منها المرض. ليست هناك تحوّلات صريحة في حياتهن، ولكن
هذه هي الرواية المثالية حول النساء في القرن التاسع عشر. نراهم يجلسن ويتناقشن بعمق
حول طموحاتهن وما يؤمِنَّ به وحول أحلامهن، ولا ننسى الأمور المتعلقة بزواجهن.
تنتقل "جو" إلى نيويورك وتبدأ
بكتابة روايات درامية مليئة بالمآسي بعناوين غريبة مثل "جثة الآثم". تمر
الأيام وتقع في حب أستاذ جامعي ألماني يدعى "فريدريك بير"، والذي يأخذها
على محمل الجد بما فيه الكفاية لكي ينتقد كتاباتها. إنه يعلم بأنها تستطيع أن
تقدّم شيئاً أفضل، وأنا أعلم أنها قادرة على كتابة رواية باسم "نساء
صغيرات"، إن أرادت ذلك.
فيلم "نساء صغيرات" هو فيلم مؤثر
جداً وشعرت بالدفء بعد مشاهدته، والفضل يعود لإبداع المخرجة "جيليان
آرمسترونغ" التي نقلت الرواية بإخلاص وحافظت على مضمونها. التقدير أيضاً
للإبداع من الطاقم الفني بأكمله وفي مقدمتهم الممثلات الخمس الذين أوجدن الحب
والألفة للعائلة الحقيقية، خصوصاُ الفنانة "سوزان سوراندن" التي أبدعت
في أداء شخصية الأم.
ترشّح الفيلم بعام 1994 لنيل 3 جوائز أوسكار
لـ "وينونا رايدر" كأفضل ممثلة بأدائها لشخصية "جو" بكل روعة،
وترشّح أيضاً لأفضل تصميم أزياء وأفضل موسيقى تصويرية، وقد ألّفها الموسيقار
المبدع "توماس نيومان" وقد كانت حقّاً مذهلة ومؤثرة.
الأمور المدفونة في
القصة إلى حدٍ ما هي عصرية: كيف تستطيع المرأة أن تحدّد اختيار الطريق الصحيح بين
مفاهيم المجتمع للزواج ورعاية المنزل، وبين أحلامها الخاصة بتحقيق شيء مميز حقاً،
وكل ذلك لوحدها؟! في أحد الأيام قالت السيدة "مارش": "إنْ كنتِ
تشعرين أنّ قيمتكِ تكمن فقط في كونكِ جميلة، أخشى أنه في أحد الأيام قد تجدين نفسكِ
في لحظات خداع للنفس وتصدّقين ذلك. الوقت يمر ويسرق هذا الجمال، ولكن ما لا يستطيع
سرقته هو الإبداع في عقلكِ". أتّفق معها تماماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق