Miss Potter
خيالها الخصب يأخذها إلى المكان الذي تنتمي إليه
قد لا تكون
"بياتريكس بوتر" مشهورة باسمها اليوم كـ "هاري بوتر"، ولكن
مَن مِن الأطفال لا يعرف "الأرنب بيتر"، الذي يعتبر من أشهر الشخصيات في
أدب الأطفال الإنجليزي، وقد ابتكرته الآنسة "بوتر". "بيتر"
ليس فقط شخصية ابتكرتها، بل هو صديقها أيضاً. فيلم "الآنسة بوتر" للمخرج
"كريس نونان" هو فيلم ممتع للغاية ويتناول سيرة حياتها. أكثر المشاهدين
سيقدّرون "بياتريكس" كإنسانة رقيقة أكثر من كونها كاتبة ورسّامة.
تم إنتاج الفيلم
بعام 2006، وتدور أحداثه في بدايات القرن العشرين مع لقطات سريعة حين كانت
"بياتريكس" تنّمي خيالها الخصب وهي فتاة صغيرة في لندن. إنها الآن امرأة
في الثلاثين، عزباء وجامحة، وتنشر كتابها الأول "حكاية الأرنب بيتر"
بالتعاون مع ناشرها "نورمان وارن" الذي يتكفّل بنشر أعمالها اللاحقة.
يقع الإثنان في الحب، وأثناء ذلك، تصبح "بياتريكس" صديقة مقرّبة لـ
"ميلي"، شقيقة "نورمان". حين يقوم "نورمان" بطلب
يدها للزواج، تبدأ المشكلات. "بياتريكس" سعيدة بالخطبة ولكن والديها
مذعوران، ولا يريدان لها أن تتزوج ويفضّلان أن تبقى معهما في المنزل.
فيلم "الآنسة
بوتر" يبدو بشكل كبير كرواية لـ "جين أوستِن"، وإن كان في وضع أكثر
عصرية. العديد من الأفكار والموضوعات المألوفة حاضرة في القصة. البطلة هي امرأة
قوية وحازمة، تتمرّد ضد النقاشات اليومية، وتقع في الحب بطريقة غير معتادة، ووالداها
يهتمّان بالوضع الاجتماعي المكتسب من الزواج أكثر من سعادتها. على الرغم من أنّ
والدها يبدي قليلاً من الاحترام لرغبات ابنته، إلاّ أنّ والدتها عنيدة ومتسلّطة
وتفرض آراءها على الجميع. عشّاق روايات "جين أوستِن" سيجدون الكثير من
اللحظات المألوفة من خلال الجو الرائع الذي خلقه المخرج "كريس نونان"
وكاتب النص السينمائي "ريتشارد مالتبي" بنقل حياة الآنسة
"بوتر".
الفنانة
"رينيه زيلويغر" قامت بأداء دور "بياتريكس" بشكل رائع للغاية.
تلعب هنا دور امرأة مختلفة تعيش في عالم الخيال أكثر من الواقع. أصدقاؤها هم
الحيوانات التي ترسمهم وتكتب القصص حولهم، والمخرج يعبّر عن تعلّقها بما ترسم من
خلال جعل الحيوانات تتحرك كما في الأفلام الكارتونية، بحيث نراهم من خلال
عينَيْها. "بياتريكس" تعيش في عزلة، إلى أن تلتقي بـ "ميلي"،
فهي ليس لديها صديقات، ووالداها فقط يريدان الحفاظ على الوضع الراهن بإبقائها تعمل
كخادمة في المنزل.
قصة الحب شُيِّدَت
بشكلٍ جميل. هناك بعض العاطفية، ولكن المخرج كان حذراً جداً في عدم التوغّل في هذه
المرحلة من القصة لتجنّب التلاعب بمشاعر المشاهدين وإحباطهم، فهذه ليست قصة
رومانسية معتادة. الفنانة "رينيه زيلويغر" تظهر بشكل جميل في الشخصية
ولا تضع الكثير من مساحيق التجميل، ووجهها يبدو نقياً وطفولياً.
الفنان
"إيوان ماكغريغور" يحتفظ بقليل من سحره الصبياني في شخصية
"نورمان" كما شاهدناه في الفيلم الموسيقي الرائع "مولان روج"."ميلي"
كشخصية ثانوية، أضاف وجودها نكهة مميزة للفيلم، وقد أدّت دورها الفنانة
"إيميلي واتسون".
هذا فيلمٌ عائلي
مميّز، وقد لا يعجب جميع الأطفال باستثناء المَشاهد القليلة التي تحتوي على حركات
كارتونية. البعض قد يقارنه بالفيلم الرائع "العثور على نيفرلاند"،
فالفيلمين يدوران حول كاتبَيْ قصصٍ للأطفال، وهناك الكثير من التشابه في شخصيتيهما.
"جيمس باري" و"بياتريكس بوتر" عاشا في لندن بنفس الحقبة
الزمنية، ومن الغريب أنهما لم يجتمعا معاً.
"الآنسة
بوتر" هو فيلم يستحق المشاهدة، والنص السينمائي مذهل ويسير على نحو مترابط.
لا توجد هناك رسائل خفية عميقة أو أجندات مكشوفة. التصوير مبهر للغاية وخصوصاً
المناظر الجميلة بالقرب من البحيرة، والموسيقى التصويرية ناعمة ورقيقة للغاية. إنه
من الأفلام النادرة التي تمتع المشاهدين وتترك لمسة رقيقة على القلب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق