الخميس، 12 سبتمبر 2019

Joker 2019


يتكوّن حتى يكتمل، فيضحك ويضحك، ثم يخرج من رحم الحياة مضرجاً بالدماء..

Joker





لو سألني أحدهم يوماً، كيف تصف فيلم "جوكر"؟ لا أستطيع أن أجيبه بإجابة مستوفية تليق بالسؤال، فالفيلم السينمائي المعتاد هو تشكيلة من عناصر أساسية مجتمعة، كالمخرج والكاتب والممثلين وطاقم العمل والمؤثرات الفنية والتقنية، ولكن هنا أنا لا أشاهد فيلماً بالمعنى الدقيق. أنا فقط أشاهد "خواكين فينيكس"، وكأنما الفيلم هو مجرد رداء، و"خواكين" هو الجسد الذي يرتديه.


هذا الفيلم عبارة عن عناصر خواكينيّة مجتمعة ومتناغمة بشكل لم يسبق رؤيتها واختبارها إطلاقاً، فقد شهدت إبداعاً لا يُوصف من ممثل مدهش انسلخ حرفياً من ذاته وفقد أكثر من 23 كيلو من وزنه وتقمّص شخصية مضطربة وصعبة، وأظهر فيها كل المشاعر المتوغلة في النفس البشرية، من حب وكره وخوف وحقد وألم ووحدة ومعاناة.

الشعور بالنقص، وعدم التقدير، والاحتقار والسخرية والتنمّر من قِبَل الآخرين، ونظرة المجتمع، والتجاهل واللامبالاة، وأمور أخرى كثيرة نرى انعكاساتها في تلك الشخصية. إلى أي مدى يمكن أن تتحمل النفس البشرية كل هذا الأذى؟ لا شيء أصعب من السعي إلى الكمال في عالمٍ ناقص.



في مدينة غوثام بعام 1981، نرى "آرثر فليك" جالساً أمام المرآة، ويتأمّل نفسه كمهرّج محترف وهو يضع المساحيق والأصباغ على وجهه، محاولاً أن يبتسم باستخدام يديه لتمديد شفتيه حتى تصل ابتسامته إلى أُذنَيْه. تلك الابتسامة تنسفها دمعة صغيرة، لتكشف لنا عن رجل حزين وتعيس ومريض نفسياً، وأكثر ما يتمناه هو أن يصبح فناناً كوميدياً. "ابتسم" أو "Smile" هي الأغنية الشهيرة من الفيلم الكلاسيكي العريق "Modern Times" للفنان الكبير "تشارلز شابلن"، وهي مرتبطة روحياً بالفيلم وبـ "آرثر".



كالماء والزيت، لا يستطيع "آرثر" أن يندمج مع العالم، وذلك يدفعني لمعرفة أسباب ذلك، ولعل أحدها هو أنه يعاني من حالة مرضية غريبة تدعوه للضحك اللا إرادي في مواقف غير ملائمة على الإطلاق، كالضحك بعد موت شخص عزيز أو خلال تقديم عرض كوميدي فاشل. الأمر أشبه بدراسة للشخصية ومعرفة أصولها والعوامل التي أدّت إلى وصولها إلى ما هي عليه الآن، وكيف ستصبح في نهاية المطاف واحدة من أكثر الشخصيات اضطراباً وجنوناً في تاريخ الشخصيات السينمائية الشريرة.



الكاتب والمخرج "تود فيليبس" ليس اسماً مألوفاً في فيلمٌ كهذا، فتاريخه الفني ينطوي في أفلام كوميدية ساخرة وبذيئة كثلاثية "The Hangover"، وبالتالي فيلم "جوكر" يعتبر تجربة جديدة ومختلفة كلياً بالنسبة له ككاتب ومخرج، ولذلك أشيد بجهوده هنا. المستوى الفني والتقني للفيلم بشكل عام كان مميزاً، من تصوير ومونتاج وموسيقى ومواقع تصوير وأزياء ومكياج، ولا أنسى أداء طاقم الممثلين أيضاً.


فيلم "جوكر" لا يبدو أبداً كواحد من أفلام DC ولا يريدنا أن نشعر بذلك، فهو فيلم مستقل بذاته وشخصيته، ولا يدعونا لترقّب جزءٍ ثانٍ أو سلسلة جديدة،  برغم ظهور شخصيات معروفة مثل "توماس وين" و"بروس وين" في الفيلم. لقد نال الفيلم جائزة الأسد الذهب في مهرجان فينيسيا السينمائي بكل جدارة، فهو من أفضل أفلام عام 2019.



انتابتني أثناء المشاهدة لحظات من التفكير في أفلام "سكورسيزي" الرائعة، وكأنما هذا الفيلم من إخراجه، فهناك ارتباط وثيق بين هذا الفيلم وفيلمين سابقين له، وهما "Taxi Driver" في جانب العوامل التي جعلت البطل يصل إلى ما وصل إليه، وفيلم "The King of Comedy" الذي يدور أيضاً عن مهرج يحاول تحقيق حلمه وإضحاك الآخرين، والأمر المثير أن الفنان الكبير "روبرت دي نيرو"، الذي كان البطل الرئيسي في الفيلمين السابقين، يشارك في هذا الفيلم، وقد ابدع برغم ظهوره القصير.


في هذا الفيلم يؤدي "روبرت دي نيرو" شخصية الفنان الكوميدي "موراي فرانكلين" الذي يقدّم برنامجاً كوميدياً شهيراً، و"آرثر" معجب به جداً، ويعتبره قدوته ويتمنى أن يصبح مثله، حيث اعتاد مشاهدة البرنامج مع والدته في شقتهما، ويقول لها: "أتمنى أن أصبح فناناً كوميدياً"، وهي ترد قائلة: "كيف تصبح كوميدياً وأنت لست مضحكاً؟!".



الفنان المبدع "خواكين فينيكس" في هذا الفيلم يقدّم أقوى أداء له في مسيرته السينمائية، وأتوقع أنه سيكتسح الجوائز لهذا الموسم وخصوصاً جائزة الأوسكار لأفضل ممثل، فبجسمه الهزيل والمخيف، وبإيماءات وجهه ونظراته المريبة، وبطريقة سكونه وحركته ومشيته وركضته وجلسته، وبابتسامته وضحكته، لا يحاول أبداً أن يقترب من جوكر "هيث ليدجر" أو جوكر "جاك نيكلسون" أو حتى جوكر "جاريد ليتو"، ولا يريدنا أن نقارن شخصيته وأداءه بهؤلاء إطلاقاً، فجوكر "خواكين" ليس ذلك الجوكر الذي تم تجسيده عشرات المرات في الأفلام والمسلسلات والكوميكس، فهذا جوكر بلا "باتمان"، كما لو لم نره من قبل أبداً، كالجنين الذي يتكوّن ويتشكّل شيئاً فشيئاً، حتى يكتمل، فيضحك ويضحك ويضحك، ثم يخرج من رحم الحياة مضرجاً بالدماء.


الجمعة، 16 أغسطس 2019

Parasite 2019

تحفة فنية حاصلة على ٤ جوائز أوسكار ...
Parasite


هناك شعورٌ يفوق الوصف حين تشاهد فيلماً وأنت لا تتوقع أنه سيكون تحفة فنية، ومن أفضل الأفلام التي شاهدتها في حياتك.
نعم، وبكل تأكيد. لقد اختبرت هذا الشعور الرائع خلال وبعد مشاهدتي للفيلم الكوري المدهش "طُفيلي"، الذي حصل بجدارة على ٤ جوائز أوسكار، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل فيلم عالمي، ليصبح أول فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية يفوز بجائزة أفضل فيلم في تاريخ الأوسكار، كما ترشّح لنيل جائزتين أيضاً، لأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع.


إنه فيلم تراجيدي تشويقي مذهل ومتوغّل بكوميديا سوداء ساخرة وغريبة، ولا يخلو من الإثارة الدموية العنيفة والغموض، ويطرح مواضيع قوية وواقعية حول الوضع الاجتماعي المادي، والنظام الطبقي، والطموح، والأحلام والأمنيات، ووحدة وترابط وحب أفراد الأسرة، والأشخاص الذين يقبلون فكرة امتلاك الطبقة العاملة.
الكاتب والمخرج المبدع "جون هو بونغ" استطاع التلاعب بعقولنا وعواطفنا من خلال وضعنا في دوّامة من المشاعر المبعثرة والأحداث غير المتوقعة والحبكات الملتوية، لدرجة أننا لا نستطيع أن نحدد هل الشخصيات طيبة أم شريرة، ولا نعرف هل يجب أن نضحك أو أن نبكي على الواقع المرير؟!
بالنسبة عن نفسي، فقد أحببت الشخصيات وتقبّلت دوافعهم، وإنْ كنت فعلاً لا أؤمن بمقولة "الغاية تبرر الوسيلة"، ولكن هناك قوة تفوق إرادتي من خلال قدرة المخرج في إظهار رسالته الواقعية المريرة حول وضع البشر، ليس في كوريا الجنوبية وحسب، بل في العالم أجمع. بالرغم من كل ذلك، ضحكت بكل قوتي في كثير من المَشاهد واللقطات التي لا يُفترض أن تكون كوميدية، إلّا أنني أؤمن وبشدة بمقولة "شر البليّة ما يُضحِك".


من الممكن أن يكون هذا الفيلم أكثر دناءة وشرّاً، وأشدّ خطراً وعنفاً في إيصال رسالته لو استلمه المبدع "كوينتين تارانتينو"، حيث أن ثيمة الفيلم وأجواءه العامة تذكّرني كثيراً به، مع بعض البهارات الهيتشكوكية الفريدة، لكن النتيجة العامة كانت فيلماً ممتعاً وأنيقاً وخادعاً بمزجه الطبقي بين الشخصيات.
تدور أحداث الفيلم حول أسرة كورية فقيرة، مثقلة بالديون وتعيش في مكان بائس في الطابق السفلي في سراديب المدينة، لدرجة أنهم يحاولون التقاط إشارة الواي فاي من الجيران في الطابق العلوي، وأن يتحملوا رؤية الأشخاص المُشرّدين السُكارى الذين يتقيّئون ويتبوّلون عند نافذتهم، وحين يحصلون على فرصة للخروج من هذه الحياة الفاسدة بعدما يقوم الابن الشاب "كي وو" بالاحتيال لينال وظيفة معلّم دروس خصوصية لابنة أسرة غنية تعيش في منزل فاخر.
يعلم "كي وو" لاحقاً أن هذه الأسرة الغنية تبحث أيضاً عن معلّم خاص للفنون لابنهم الصغير والغريب الأطوار، فيقوم بتزكية شقيقته "كي جونغ" كمعلمة فنون مختصة وخبيرة، وبعد تعيينها تقوم بنصب كمين لسائق الأسرة الخاص لتسريحه وتوظيف والدها "كي تاك" مكانه. بعد ذلك تأتي مهمة استبدال مدبرة المنزل المخلصة والمتفانية في العمل، حتى تحل مكانها الأم "تشونغ سوك"، إذ سرعان ما توغلت تلك الأسرة في حياة أسرة أخرى بالاحتيال والخداع باتخاذ هويات وأسماء جديدة. لا أريد أن أكشف مزيداً من الأحداث، لأن ذلك سيفسد متعة مشاهدة هذه التحفة الفنية.


النص السينمائي المحبوك بقوة من خلال خط سير القصة وأحداثها بانسيابية متقنة جداً، بالحوارات الواقعية الرهيبة والساخرة، والتلميحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، جعل الفيلم يسير بنا دون أن نشعر بالوقت، حيث أن مدة عرضه تتجاوز الساعتين، إلّا أنّي شخصياً كنت منجذباً للشاشة طوال الوقت ومستمتعاً بكل لحظة، والفضل أيضاً يعود لطاقم الممثلين المبدعين الذين تقمّصوا أدوارهم بشكل رائع ومميز، حيث اتّسم أداؤهم بعفوية مُطلقة، جميعهم دون استثناء، وأما الجوانب الفنية الأخرى كالتصوير والمونتاج والموسيقى والديكور، فقد كانت متميزة جداً. لقد حقّق هذا الفيلم نجاحاً منقطع النظير من خلال تقييمات النقاد وأصداء الجماهير.


بالرغم من أن المخرج "جون هو بونغ" يريدنا أن نتعاطف مع جميع شخصيات فيلمه الأغنياء والفقراء، إلّا أن خط سير الأحداث سيجعلنا نتشوّش ومشاعرنا ستتأرجح. كل شخصية في نهاية المطاف تمتلك أنانيتها الخاصة فيما يتعلّق بأهدافها، والفيلم يركّز على الفقر المادي والمعنوي، واليأس والإحباط، وإلى أي درجة يمكن أن يصل إليها الإنسان للحصول على ما يُفترَض أن يكون له. لم أشهد توتراً في النظام الطبقي كما في هذا الفيلم.
كعنوانه تماماً، فيلم "طفيلي" سيظل عالقاً وملتصقاً بالمُشاهد للأبد، بغض النظر عن جنسيته وديانته وثقافته، فقوة القصة وُجدت في الطريقة الواقعية الملتوية في احتكاك "الدراما" و"الكوميديا" لتوليد قليلٍ من "الإثارة" التي تتحول إلى "الرعب"، حتى يلتقي "اليأس" بـ "الكراهية"، ثم تنطق "الحياة" قائلة: "التَهِم الغني، بكل الوسائل، واملأ بطنك، ولكن سرعان ما ستشعر بالجوع مرة أخرى، وستظل فقيراً".

الجمعة، 3 مايو 2019

Avengers: Endgame 2019




اللعبة تصل إلى نهايتها ..

Avengers: Endgame





الأمر أشبه بالحُلم، حين أنجرف عن العالم الحقيقي وأهوي إلى عالم خيالي ويأسرني بكافّة معالمه وتفاصيله وشخوصه، تماماً مثل ما حدث لي وأنا أشاهد سلسلة "هاري بوتر" العظيمة، وأيضاً سلسلة "سيد الخواتم"، وممّا لا شك فيه أنّ حُلم الإنسان ينتهي حين يستيقظ من النوم، وقد ينساه حالاً، حتى وإن كان حُلماً جميلاً ومليئاً بالأحداث.

بعض الأحلام تعلَق بالذاكرة، لأسباب لا نعرفها، وكأنها رسائل من السماء، وبعضها تتبخّر. الإنسان بطبيعته يحتاج لأن يحلم لكي يهرب من عالمه الحقيقي، ليس لأنّه عالمٌ سيئ أو أنّه غير قادر على مواجهته، بل لأنّ رغبات الإنسان اللاعقلانية وأفكاره غير المنطقية تحتاج إلى تلبية وإشباع، وهذا ما يحدث وأنت نائم.

أن تعيش حُلماً وأنت مستيقظ ليس بالأمر السهل على الإطلاق، إذ يجب أن تكون منسلخاً عن واقعيتك، ومنقاداً بشغفك نحو شغفك. صانع الأفلام أو الأحلام المبدع والشغوف يبدأ مشواره بحُلم، ثم يبني عالمَ حُلمِه بنفسه، ثم يعيش فيه، ثم يدخلنا إليه، فنعيش فيه.



ليس بهذه البساطة تماماً، فالأمر ليس بأيدينا، ولا بيد صانع الأفلام. لا أحد يستطيع أن يجبرك أن تحلم حلم معيّن، أو أن تعيش حلم شخصٍ آخر، ولكن بين الفينة والأخرى، قد نرى توليفة سحرية بين المرسل والمتلّقي، تقودهما لا إرادياً على التواصل والتناغم. ليس سببها ذكاء المرسل أو نباهة المتلّقي، ولكن عبارة عابرة استوقفتني قبل سنوات في الفيلم الرائع "La La Land"، والتي وردت على لسان الفنانة "إيما ستون"، حيث قالت: "الناس يحبّون ما يحبّه الآخرون بشغف". السر يكمن في الشغف، والشغف فقط.

من أصعب اللحظات التي تمر على الإنسان في حياته، هي لحظات النهاية. نهاية علاقة أو نهاية رحلة أو نهاية حياة. النهاية دائماً ما تكون صعبة، وتترك أثراً دائماً، سواء كانت سعيدة أو حزينة. على قدر تعلّقنا بالشيء نتعلّق بالنهاية، ولذلك نهاية الفيلم السينمائي الناجح تترك فينا أثراً، والسلسلة السينمائية التي استمرت لعقود تترك أثراً أكبر.

حين وصلت سلسلة "هاري بوتر" إلى نهايتها المحتومة قبل سنوات، لم أتمالك نفسي، لأني عشت معها حياة كاملة، بطفولتها ومراهقتها وشبابها، والنهاية كانت رائعة ومدهشة ولا تشوبها شائبة، والأمر نفسه ينطبق على النهاية الأسطورية لسلسلة "سيد الخواتم".




الأخوان المخرجان "أنتوني روسو" و"جو روسو"، بدآ في إخراج مجموعة  أفلام من عالم مارفل السينمائي، وأثبتا جدارتهما كمخرجَيْن متمكّنَيْن، فقد أبدعا حقاً في فيلمهما الأخير "Avengers: Endgame"، الذي تفوّق بمراحل على الفيلم السابق "Avengers: Infinity War"، وعلى كل أفلام عالم مارفل السابقة، وبالتأكيد على كل أفلام عالم DC التي لم تصل إطلاقاً إلى مستوى أفلام مارفل، ولذلك حاولت DC أن تسير على خطى مارفل بالأسلوب المتبّع في معظم أفلامها لكي تنجح جماهيرياً، كفيلمي DC الأخيرين "Aquaman" و"Shazam!"، اللذين كانا ممتعين حقاً، بطريقة أفلام مارفل، على عكس أفلام DC السابقة والفاشلة التي أخرجها المخرج الغير مؤهّل إطلاقاً "زاك سنايدر".

بعد انطلاقة أفلام عالم مارفل السينمائي في عام 2008 مع فيلم "Iron man"، الذي لاقى نجاحاً جماهيرياً باهراً وإشادة من النقّاد، تم إنتاج العديد من الأفلام الرائعة والمتميزة على مدى الأعوام اللاحقة، حتى وصلت إلى 22 فيلماً سينمائياً، وآخرها فيلم "Avengers: Endgame".

بلا أدنى شك، هذا الفيلم هو أفضل فيلم لمارفل على الإطلاق، فقد كان متكاملاً ومدهشاً وممتعاً ومبكياً، وبرغم مدة عرضه التي تصل إلى 3 ساعات، إلا أنني لم أشعر بالوقت أبداً، إذ لم تكن هناك أية لحظة مملّة، بل على العكس، فقد شعرت أنني أريد وقتاً أطول لأقضيه مع هذا الفيلم.



نهاية الفيلم!! لا يمكنني أن أتصور نهاية أفضل، فقد كانت مستوفية ومنصفة لكل الأحداث والشخصيات والأمور العالقة، والفضل يعود لكاتِبَيْ النص "كريستوفر ماركوس" و"ستيفن ماكفيلي"، فقد أبدعا حقاً في صياغة النص السينمائي للفيلم. أداء طاقم الممثلين كان رائعاً من الجميع دون استثناء، ولا أنسى المستوى الفني والتقني المبهر للغاية.

أنا وللعلم من الأشخاص الذين لا يُخترقون بسهولة في الأفلام، ولست ممّن يتأثرون بهذه البساطة، إذ دائماً ما تكون لدي نظرة عميقة على الفيلم، وأركّز على كل زاوية فيه، ناهيك عن ذائقتي السينمائية الصعبة، لكوني صانع أفلام ومتابع شغوف، ولذلك حين أشاهد فيلماً سينمائياً عظيماً، أقف له وقفة تحية وإعجاب وتقدير.

بدأت منذ أعوام بإنشاء قائمة لأجمل 100 فيلم شاهدتهم في حياتي على موقع الأفلام الشهير imdb ومعظم تلك الأفلام كتبت عنها مقالات تحليلية في كتابي السينمائي "رأيت ذات فيلم"، وكان أحدث فيلم أضفته للقائمة هو الفيلم الجميل والمدهش والرائع "The Hateful Eight" للمبدع "كوينتين تارانتينو"، وذلك في عام 2015، وقد مضت 4 أعوام منذ ذلك الوقت، ولم أشاهد أي فيلم يستحق أن يدخل في قائمتي، حتى شاهدت فيلم "Avengers: Endgame"، الذي أبهرني جداً، وأنا سعيد لأضمّه لتلك القائمة بكل جدارة.



بعد الأحداث المؤسفة في فيلم "Avengers: Infinity War"، حيث قام الشرير "ثانوس" بإبادة نصف الكائنات الحية من الأرض، ومن بينهم مجموعة من الأبطال الخارقين كـ "سبايدرمان" و"دكتور سترينج" و"بلاك بانثر"، وقد ظلّ الأبطال الآخرون، "آيرون مان" و"كابتن أمريكا" و"ثور" و"هالك" و"بلاك ويدو" و"كابتن مارفل" والبقية، يحاولون إيجاد حلٍ لذلك، حيث أن "ثانوس" لا يزال حُرّاً طليقاً، ولا يستطيع أيٌ منهم مجابهته، وخصوصاً بامتلاكه للأحجار الستة، التي تعطيه قوة خارقة لا تُقهر.

الفنان المبدع "روبرت داوني جونيور" هو سر جمال الفيلم، فهو البطل الرئيسي بشخصية "آيرون مان" الذي انطلقت منه أفلام عالم مارفل، وهو البطل الأكثر حكمة والأكثر ذكاءً والأكثر تهوّراً، ووجوده في فريق "الأفنجرز" مهم جداً. في هذا الفيلم نراه بائساً ويائساً وغاضباً، حيث أنه يشعر بالخيبة والعار من فشلهم في المعركة مع "ثانوس".

الفنان "كريس إيفانز" بشخصية "كابتن أمريكا"، لا يزال محافظاً على رباطة  جأشه، إذ يحاول إبراز نفسه كالبطل الشجاع الذي لا ييأس، ويخفي حزنه وشعوره بالحنين لحياته الماضية التي تجدّمت لـ 70 عاماً، والتي فقد خلالها كل ما يمكن أن يكون الآن ذكرى جميلة، وخصوصاً عشيقته "بيغي كارتر" التي لم يستطع نسيانها أبداً.



الفنان "كريس هيمسوورث" بشخصية "ثور"، هو بالطبع البطل الوسيم والمفتول العضلات، والذي يعتبر نفسه أقوى بطل في فريق "الأفنجرز"، ونراه هنا بمظهر يثير الشفقة، حيث يعزل نفسه وينطوي عن شعبه بعد محاولة يائسة وفاشلة بإنقاذ العالم من "ثانوس".

الفنان "مارك روفالو" بشخصية "هالك"، قد يكون هو البطل الأكثر تقبّلاً للوضع الحالي، إذ كأنه يحاول أن يعيش حياته ويطوّر خط التواصل بين شخصيته الحقيقية كـ "بروس بانر"، مع شخصية "هالك"، وقد نجح في ذلك.

الفنان "بول رود" بشخصية "آنتمان"، هو البطل الوحيد الذي لم يكن موجوداً أثناء عملية إبادة "ثانوس" للجميع، فقد ظلّ حبيساً في عالم الذرّية الكمّية في مهمة خاصة، وحين يخرج مصادفةً يجد أن العالم انقلب رأساً على عقب. شخصيته لها دور كبير في تحديد مسار بقية الأبطال في خط أحداث الفيلم.



الفنانة "سكارليت جوهانسون" بشخصية "بلاك ويدو"، والفنان "جيرمي رينر" بشخصية "هوك آي"، والفنان "دون تشيدل" بشخصية "جيمس رودز"، والفنانة "كارن غيلان" بشخصية "نيبولا"، كان لهم دور كبير في أحداث الفيلم.

الفنانة "بري لارسون" برغم ظهورها القصير بشخصية "كابتن مارفل"، إلّا أن وجودها مهم وملموس، وكذلك الفنان "بينديكت كومبارباتش" بشخصية "دكتور سترينج"، الذي هو وحده يعرف كيف سينتهي الأمر وماذا يجب أن يحدث حتى يتم القضاء على "ثانوس". الفنان "توم هولاند" بشخصية "سبايدرمان" هو البطل المراهق الوحيد، والذي يبدو كشعلة من النشاط والأمل، وكأنه صورة مصغّرة لـ "آيرون مان".

قد تكون شخصية "بلاك بانثر" التي أدّاها "تشادويك بوسمان" هي الشخصية الوحيدة التي لا أستسيغها، حيث أنني معجب بكل أفلام مارفل، ما عدا فيلم "Black Panther"، الذي أعتبره الأضعف، ولا يستحق أبداً ذلك الزخم الذي حققه على مستوى الجماهير والنقاد، وأستغرب كثيراً ترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم.



شخصيات فريق "حراس المجرة" الذين انضموا إلى أبطال فريق "الأفنجرز" هم جميعهم ظريفون ووجودهم يضيف للفيلم لمسات جميلة ومميزة، وخصوصاً شخصية "روكي"، الذي قام بأداء صوته الفنان "برادلي كوبر"، وبقية النجوم "كريس برات" بشخصية "ستارلورد" و"زوي سالدانا" بشخصية "غامورا" و"ديف باتيستا" بشخصية "دراكس".

الفنان "جوش برولين" بشخصية "ثانوس" قدّم واحداً من أقوى أدوار الشر في أفلام الكوميكس. "ثانوس" ليس شريراً بمعنى الكلمة، فشخصيته غامضة وبها جانب إنساني، ولا أستطيع أن أكرهه حقاً، وفي نفس الوقت لا أريده أن ينتصر. شخصيته الهادئة والباردة الأعصاب تذكّرني بـ "فولدمورت"، ذلك الساحر الشرير الذي سبّب رعباً لا يوصف لعالم السحرة في سلسلة "هاري بوتر".

فيلم "Avengers: Endgame" هو فيلم رائع ومتقن ومتميز، ومن عوامل روعته أيضاً الموسيقى التصويرية الجميلة للمبدع "ألان سلفيستري". هناك الكثير من اللحظات المضحكة واللحظات المبكية واللحظات التي تحبس الأنفاس. إنه فيلم يهيّج المشاعر والعواطف بشكل غير مسبوق لفيلم من أفلام الكوميكس. من المؤسف أن الفنان "ستان لي" رحل قبل أن يشاهد هذه التحفة الفنية، ولكني سُعدت بإطلالته الأخيرة في أحد المشاهد.



من منا يحلم دائماً أن يعود بالزمن إلى الوراء لكي يصحّح أخطاء الماضي ويعيد الأمور إلى نصابها؟! أو أن يلتقي بوالده الراحل أو بوالدته الراحلة أو محبوبته الراحلة؟! هذا الفيلم يحقّق لنا ذلك، ويرينا كم نحن نحتاج أن نتعلم من الماضي لنعيش الحاضر بشكل لائق كي نكون مستعدين لما يخبّئه المستقبل. "آيرون مان" و"كابتن أمريكا" و"ثور" كانوا محظوظين كثيراً في رحلة العودة بالزمن، ليس لأجل خطتهم للإطاحة بـ "ثانوس"، بل لأنهم استطاعوا أن يجدوا منفذاً من حياتهم المشتتة ويعيشوا لحظات قصيرة لا تُعوّض مع أشخاص عزيزين لا يُقدّرون بثمن. ربّما ليست لحظات قصيرة وحسب، بل حياة كاملة قد تصل إلى 70 عاماً.

قد يكون هذا الفيلم هو رحلة الوداع لأولئك الأبطال الثلاثة، الذين سيسلّمون الراية لبقية فريق "الأفنجرز"، وستتضح الرؤية أكثر مع الفيلم الأخير للمرحلة الثالثة لأفلام عالم مارفل السينمائي، وهو فيلم "Spider-Man: Far From Home"، الذي سيُعرض في السينما في يوليو 2019.

هناك عبارة علقت في ذهني، والتي وردت على لسان أحد الشخصيات، حيث قال: "جزء من الرحلة هو النهاية". بالطبع، النهاية!! ربما الآن، أكثر من أي وقت مضى.