الجمعة، 31 يناير 2014

The Legend of 1900 1998


The Legend of 1900

حكاية جميلة حول رجلٍ يستطيع فعل أيّ شيءٍ ما عدا أن يكونَ شخصاً عاديّاً!!

 

 

فيلم "أسطورة 1900" هو فيلمٌ رائع بكل المقاييس، وستستمتعون بمشاهدته بكل تأكيد. المخرج الإيطالي الكبير "جوزيبي تورناتوري" برؤيته السينمائية الخلّابة يخلق جوّاً عاطفياً ساحراً تصعب مقاومته، وفي هذا الفيلم يقدّم لنا أغرب شخصية قد نقابلها في فيلم سينمائي أو على أرضِ الواقع. تبدأ الغرابة من اسم الشخصية، حيث يُدعى بطل الفيلم "1900"!! نعم، إنّه اسمه الذي سُمِّيَ به في العام الذي وُلِدَ فيه.

في مطلع القرن العشرين، تم العثور على طفلٍ لقيط على متن سفينة "فيرجينيا"، وقد وجده أحد العُمّال في غرفة الطعام التابعة للدرجة الأولى أثناء بحثه عن الأشياء الثمينة المفقودة من الأثرياء. يقرّر هذا العامل أن يربّي الطفل بنفسه، ويُطلق عليه ذلك الاسم الغريب. "1900" بالنسبة للجميع هو الطفل الذي يكبر في أحشاء السفينة وتحيط به عائلة كبيرة ومُحِبّة، والذي يقوم برحلات إلى ما لا نهاية بين أوروبا وأمريكا، ولا يغادر السفينة أبداً، ولذلك هو غير معروف للعالم الخارجي.

قد تكون شهادة الميلاد وسجلّات الهويّة غير موجودة، ولكن "1900" ترك أثراً دائماً على شخصٍ واحدٍ على الأقل. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نلتقي بعازف البوق البائس "ماكس" وهو يتجوّل في أحد متاجر الموسيقى في لندن، حيث يكتشف اسطوانة موسيقية نادرة تحتوي على تسجيلٍ لمعزوفة بيانو لـ "1900"، والتي يستحيل أن تكون موجودة في العالم الخارجي. "1900" لم يخطُ أيّة خطوة خارج السفينة، وشركات الإنتاج لا تقوم بتسجيلات على متن السفن.. ألَيْس كذلك؟! يبدأ "ماكس" بسرد قصّة "1900" للبائع في المتجر ولنا أيضاً.

يتجوّل "1900" وهو في الثامنة من عمره في قاعة الحفلات بالسفينة متجاهلاً جميع الأنظمة، وفي إحدى الليالي يقوم وبشكل تلقائي بالعزف على البيانو. في الوقت الذي ينضم "ماكس" لفرقة العزف بالسفينة، نرى "1900" وهو شاب ذائع الضيت لكونه أبهر الجميع بموهبته الفذّة في عزف مقطوعات موسيقية ليس لها مثيل.

إنّ "1900" هو شخصية غامضة، والنجم "تيم روث" قدّم أروع أداء في مسيرته السينمائية بهدوئه وخجله المفرط. نشعر بشغفه للموسيقى والحياة على مفاتيح البيانو. تعابير وجهه المتضاربة تُغنيه عن الكلام، ولذلك كان أداؤه أكثر تأثيراً في المَشاهد الصامتة، وحين يخوض مبارزة ساخنة بالبيانو مع عملاق موسيقى الجاز "جيلي رول مورتون" ستعرفون تماماً ما أعنيه. حين نشاهده وهو يحاول الخروج من السفينة ويقف في منتصف الطريق عاجزاً عن إكمال السير، لا نستمع لأيّة كلمة منه ولكننا نرى في وجهِه مشاعرَ الخوف والحيرة والذهول من العالَم الخارجي الواسع الذي لم يعِش فيه لحظة واحدة.

إضافة إلى الإخراج المميّز، قام "تورناتوري" بكتابة النص السينمائي مستنداً على نص مسرحي لـ "أليساندرو باريكو". لقد تمكّن من خلق العالم المحدود لشخصية البطل، وشعرنا بخوفه الشديد من العالم الخارجي. برغم مدّة عرض الفيلم التي تقارب 3 ساعات، لم نشعر أبداً بالملل أو التعب، خصوصاً ونحن نعيش حكاية نادرة لشخصية غريبة، ولا ننسى الموسيقى الرائعة والمؤثرة للموسيقار الإيطالي "إينيو موركوني" الذي يأسرنا دائماً بموسيقاه التي تمتلك طابعاً خاصّاً ومميّزاً.

قدّم "تورناتوري" جميع أفلامه مع "موركوني"، وقد أتحفانا بالفيلم الإيطالي المدهش "سينما باراديسو"، والذي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي بعام 1989. قدّما لاحقاً أفلاماً رائعة جداً مثل "مالينا" و"المرأة المجهولة" و"باريا". بالرغم من أنّ فيلم "أسطورة 1900"  هو إنتاج إيطالي، إلّا أنّه الفيلم الوحيد الذي يتحدّث باللغة الإنجليزية من بين جميع أفلام "تورناتوري"، وقد أُنتج بعام 1998.

هذه الحكاية البريئة لم تكن لتستهوينا من غير الموسيقى الخلّابة والتصوير المُبهِر، وكذلك الطريقة المميزة في سرد القصّة التي تشعرنا بقراءة رواية مشوّقة ونتوق لمعرفة النهاية. عاش "1900" طوال حياته على متن سفينة "فيرجينيا"، وحين يُسأَلْ عن الأرض، يجيب قائلاً: "الأرض؟ الأرض هي سفينة كبيرة بالنسبة لي.. إنّها امرأة جميلة جداً.. إنّها رحلة طويلة جداَ.. إنّها عطرٌ قويٌ جداً!!". أنا أقول: "إنّه فيلمٌ رائعٌ جداً".


 

الأربعاء، 8 يناير 2014

Gone With The Wind 1939


Gone With The Wind

كبسولة زمنية من التجوية العاطفية لتاريخٍ عريقٍ ذهب مع الريح

 


 
فيلم "ذهب مع الريح" يوجّه نظرة عاطفية للحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب في أمريكا، والتي تخاضُ بقوّة ليس من أجل تحرير الأرض والعبيد بقدر إعطاء الآنسة "سكارلت أوهارا" قصاصها العادل. هذه التحفة الكلاسيكية الرائعة لم تفقد سحرها مع مرور الوقت.
بالنسبة للقصّة، هذا هو الفيلم المناسب في الوقت المناسب. "سكارلت أوهارا" التي نراها هي ليست فتاة من زمن القصة الفعلي، بل من الثلاثينيات. إنّها فتاة عصرية وممتلئة بالحيوية، والطريق ممهّدٌ لها بواسطة زعانف عصر الجاز والممثلات الشقراوات في تلك الفترة، ولا ننسى الأزمة الاقتصادية الكبرى التي أجبرت النساء على العمل خارج منازلهن.
كانت "سكارلت" تريد التحكّم بمغامراتها العاطفية الخاصة، وهذا هو المفتاح الرئيسي في جاذبيتها، وأيضاً سعت للتحكّم بمصيرها الاقتصادي في السنوات التي تلت انهيار "الجنوب القديم" بشروعها في زراعة القطن ومن ثم إدارتها لمشروع تجاري ناجح. بالطبع، لا يمكنها الهروب بزواجها ثلاث مرّات: الطمع من "أشلي" زوج "ميلاني" الرقيقة، ومنع زوجها الثالث من فراش الزوجية وذلك من أجل حماية خصرها الرقيق من الحمل. لقد فتنت المشاهدين ولا تزال، برؤيتها صامدة وقويّة في عالمٍ قاسٍ. لكن في نهاية المطاف، سلوكاً كهذا يجب أن ينال عقاباً، ولهذا العبارة الأشهر في تاريخ السينما: "بصراحة يا عزيزتي.. أنا لا أهتم" هي كل العقاب.
قائل العبارة هو "ريت باتلر"، والذي اعتاد الحديث مع "سكارلت" بأسلوب عاطفي جريء. حوارٌ من هذا القبيل من شأنه إشعال أحاسيس معظم الناس وإدخالهم في أوهام عاطفية تُنسيهم الواقع الأليم. ارتباك "سكارلت" يقع بين علاقتها العاطفية الفاترة بالسيّد النبيل "أشلي ويلكس" وانجذابها الغريزي للرجل الجريء "ريت باتلر"، الذي يحبّها بصدق ولكنّها تقابل حبّه بالكراهية والانتقام. الصراع الأكثر إثارة في الفيلم هو ليس بين الشمال والجنوب، بل بين شهوة "سكارلت" وغرورها.
الفنانان "كلارك غيبل" و"فيفيان لي" قدّما دورين مميزين في الفيلم الأبرز بتلك الحقبة، فقد جلبا الخبرة والغرور والذوق الرفيع لعدسة الكاميرا في أدائهما الرائع الذي لا يمكن أن يكون كذباً، فبذلك أظهرا أكثر مما تريده القصة. مركز الدراما هو صعود وهبوط المغامرات العاطفية، وخلافاً لمعظم الملحمات التاريخية، الفيلم يولّد إحساساً مقنعاً بمرور الوقت، فهو يُظهر الجنوب الأمريكي قبل وخلال وبعد الحرب، وكل ذلك نراه من خلال عينَي "سكارلت".
من خلال مشاهدة الفيلم نكتشف أهمية الشخصيات الزنوج في إضافة عنصر الإنسانية في القصة، والفنانة "هاتي ماكدانييل" بشخصية الخادمة "مامي" هي الأكثر منطقيةً من بين الشخصيات وذات رؤية واضحة طوال الأحداث. أخرج الفيلم المبدع "فيكتور فليمينغ"، وأنتجه "ديفيد أوه سيلزنيك" الذي فهِم أنّ المفتاح لجذب الجماهير هو الربط بين الميلودراما مع القيم الفنّية العالية. بعض المَشاهد في الفيلم لا تزال تمتلك القوة على حبس أنفاسنا، مثل مَشاهد حريق أتلانتا، والرحلة إلى تارا، وشارع الموتى، و"سكارلت" وهي تسير في الطُرُقات المغطّاة بالدماء، ونشعر حقاً أن الكاميرا تنزف.
تم اقتباس النص السينمائي من الرواية الشهيرة للكاتبة "مارغريت ميتشيل"، و"سكارلت" كانت انعكاساً دقيقاً لشخصيتها الجامحة. طاقم الممثلين أبدعوا جميعاً في تقمّص أدوارهم، ولا ننسى الفنانة المخضرمة "أوليفيا دي هافيلاند" التي لعبت دور الفتاة اللطيفة "ميلاني" بشكل رائع للغاية. هذه الفنانة لا تزال على قيد الحياة بعد مرور أكثر من 7 عقود على إنتاج الفيلم، وقد كان دورها فيه بداية لمسيرة سينمائية ناجحة.
حاز الفيلم بعام 1939 على 8 جوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي وأفضل ممثلة "فيفيان لي" وأفضل ممثلة مساعدة "هاتي ماكدانييل" وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع وأفضل مونتاج، كما حاز على جائزة الأوسكار الفخرية لقاء الإنجاز البارز في استخدام تقنية الألوان الحديثة، فالجميع يعلم أنّ أفلام تلك الفترة كانت غير ملوّنة، وظلّت كذلك لسنوات عديدة نظراً للتكلفة الباهضة للألوان، وأيضاً حاز الفيلم على جائزة الإنجاز التقني الخاصة لاستخدامه معدّات منسّقة في الإنتاج. ترشّح الفيلم لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل ممثل "كلارك غيبل" وأفضل ممثلة مساعدة "أوليفيا دي هافيلاند" وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات بصرية.
فيلم "ذهب مع الريح" هو مثالٌ رائع للفن الهوليوودي الأصيل، وكبسولة زمنية من التجوية العاطفية. في ذلك العالم الجميل، هناك في أرض الفرسان وحقول القطن، حيث كانت البسالة تسطر في تلك الحقبة سطورها الأخيرة بفرسانها وجمال سيداتها، وبسادتها وعبيدها. هناك في الجنوب القديم أحداث بعيدة تجدونها فقط في صفحات الكتب لأنّها الآن ليست أكثر من مجرّد حُلمٍ ذهَبَ مع الريح.