الاثنين، 9 ديسمبر 2013

Out of Africa 1985


Out of Africa

ملحمة رومانسية في رُبوع أفريقيا مع صيادٍ وبارونة

 



في أحد المشاهد نعيش تلك اللحظة، حيث كانت هناك لبؤة على وشك أن تهجم، ولكنها لم تفعل. البارونة كانت تمتطي حصانها وتتجول في المرج، ثم تنزل من على ظهرهِ وتترك بندقيتها بعد أن اندفع الحصان بعيداً. الآن يبدو أنّ اللبؤة ستقوم بتغيير موقفها، ولكن نسمع من وراء البارونة صوتاً هادئاً ينصحها بعدم التحرّك والبقاء ساكنة. الصوت يقول: "إنها ستذهب بعيداً"، وبالفعل تذهب اللبؤة بعد أن تشبع فضولها. هذا المشهد يؤسّس اللحظة الرئيسية لفيلم "خارج أفريقيا". البارونة في رحلة السفاري مع صاحب الصوت الهادئ وهو صيّاد يدعى "دينيس".
الفيلم مبني على حياة وكتابات البارونة الدنماركية "كارين بليكسن" التي تزوّجت من شقيق عشيقها بشكل عفوي وغير مخطط له وانتقلت معه إلى كينيا بشرق أفريقيا، وهناك أدارت مزرعة بُنّ على منحدرات كيليمانجارو، ولاحقاً حين أفلست المزرعة بدأت بكتابة كتبٍ حول تجاربها. "خارج أفريقيا" و"سبع حكايات قوطية" هما أروع كتبها التي نشرتها تحت اسم مختلف، ولكن ليست الكتب هي مصدر الإلهام الكلّي للفيلم. ما نراه هو قصّة حب عميقة وقديمة الطراز تُروى بهدوء وعناية فائقة وتجعلنا نتوغّل في مشاعر الشخصيات.
بالإضافة للبارونة "كارين" والصيّاد "دينيس"، هناك أيضاً شخصية رئيسية أخرى، وهو البارون المفلس "برور" الذي تتزوجه البارونة. إنه يبتسم دائماً ووجهه بشوش ويحبها بما فيه الكفاية، ولكن مع ذلك لا يبدو أبداً أنه يتوافق مع طبيعتها. تصاب "كارين" بمرض الزهري وتعود إلى وطنها لتلقّي العلاج وكانت الحرب قد اندلعت حينها، وفي نفس الوقت نراها تدخل حرباً مع مرضها، وسلاحها هو الدواء، وبعد أن تتماثل للشفاء ترجع مجدداً إلى أفريقيا التي تشعر فيها بأنها في منزلها أكثر من وطنها الدنمارك. تكتشف "كارين" لاحقاً أن "برور" يخونها مع امرأة أخرى وتطلب منه بهدوء مغادرة المنزل. يعود إليها لاحقاً ويطلب المال بعد أن انتقل "دينيس" للعيش في مزرعتها.
تدور أحداث الفيلم في فترة غريبة من التاريخ، حيث كانت دول شرق أفريقيا – كينيا وأوغندا وروديسيا وغيرها – تجذب المواطنين الأوروبيين للعيش فيها والاستقرار بعد أن شعروا بالقلق والاستياء إثر بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى. الكثير منهم اختار الاستقرار في كينيا لأن جوَّها لطيف والحياة فيها هادئة نسبياً. في أحد المشاهد المؤثرة نرى "كارين" وهي تتوسّل إلى المحافظ البريطاني وتدعوه إلى تقديم أرضٍ للإفريقيين الذين يعيشون في مزرعتها المفلسة.
قبل تلك اللحظة، لم يبدُ أنها كانت مهتمة بالإفريقيين بهذا الشكل، ما عدا مشرف الأعمال العجوز بمزرعتها الذي يصبح صديقاً مقرّباً لها. إنّها تغرق في أمواج المشاعر التي تجتاح حياتها.
إنّه يريد أن ينقل "أشياءه" إلى منزلها، ولكنّه لا يريد أن ينقل "نفسه". إنّه يريد الالتزام، وكذلك يريد الحرّية الشخصية. غموضه نحوها مثل غموضه نحو الأرض. هكذا هو "دينيس"، ولأنّ فيلم "خارج أفريقيا" تمّ إخراجه وكتابته وتمثيله بمنتهى الإتقان، لا نرى تصرفاته متعمّدة أو فاسدة ولكن كجزء من التناقضات هو يحتاج للبقاء بمفرده في أرضٍ مجتمعها الأبيض منظّم بشكلٍ صارم.
البارونة لا تحتاج لمثل هذه الأمور، فإنها تجسّد تناقضات كافية في حياتها. في أرضٍ إفريقية حيث السود أجانب حسب الاعتقاد السائد لدى المستعمرين، هي تعتبر نفسها أجنبية بيضاء وتضع لنفسها حدوداً لا تتجاوزها. إنّها تكتب وتفكّر بدلاً من الثرثرة والشرب، وتدير مزرعتها الخاصة بنفسها ولا تعير اهتماماً بما يدور من أقاويل وإشاعات في المنطقة. في ذلك الصيّاد، تجد البارونة روحاً تطابق روحها والتي تقود في نهاية المطاف إلى تراجع العلاقة بينهما.
"خارج أفريقيا" هو فيلم مذهل ويستحق المشاهدة، حيث يتمحور حول المشاعر المعقّدة والمنجرفة نحو المجهول، والمخرج "سيدني بولاك" ينجح في تكوين الرؤية السينمائية الدقيقة لهذا الفيلم بعبقريته وفنّه. الفنانة العظيمة "ميريل ستريب" هي هديّة ثمينة لكل مخرج يريد تحقيق الإبداع في السينما، وهي تصلح لأداء مختلف الشخصيات، وفي هذا الفيلم تؤدي دور البارونة "كاريل" بأسلوب مميّز ورائع، خصوصاً حين نستمع إليها وهي تتحدث الإنجليزية بلكنة تبدو وكأنها ليست لغتها الأصلية، ونصدّق فعلاً أنها دنماركية.
الفنان "روبرت ريدفورد" أبدع في أداء شخصية الصيّاد "دينيس"، حيث أظهر فيها الجانب الغامض والمثير للريبة، مما يجعل المشاهدين في حيرة من أمرهم. أدّى دور البارون "برور" النجم النمساوي "كلاوس ماريا برانديور".
كتب النص السينمائي "كرت ليودك" وبقي مخلصاً لكتاب البارونة "كارين بليكسن"، واستطاع جمع خيوط القصة وصياغة الأحداث بالشكل المطلوب. الموسيقار الراحل "جون باري" يستحوذ طوال الوقت على مشاعرنا بموسيقاه الخلّابة التي تنقلنا إلى رحلة السفاري مع الشخصيات، ولا تكتمل الروعة إلاّ بعدسة الفنان "ديفيد واتكن" الذي يتيح لنا رؤية المناظر الرائعة في أدغال أفريقيا.
حاز الفيلم على 7 جوائز أوسكار بعام 1985 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير وأفضل تحرير صوتي، وقد ترشّح أيضاً لنيل 4 جوائز أخرى لأفضل ممثلة "ميريل ستريب" وأفضل ممثل مساعد "كلاوس ماريا برانديور" وأفضل تصميم أزياء وأفضل مونتاج. هذا الفيلم هو ملحمة رومانسية راقية، ويقول "دينيس": "لم يُخلَق صوت مثل صوت موسيقى موزارت"، وأنا أؤكد قوله هذا والفيلم كذلك، حيث افتتح الفيلم مَشاهده بمعزوفة كلارينيت لهذا الموسيقار العملاق.
البارونة "كارين" موهوبة في سرد القصص الارتجالية وهي تحتاج فقط إلى الجملة الافتتاحية للقصة حتى تبدأ بسردها. كان "دينيس" يجلس مع "كارين" وزوجها، وقد زوّدهت بجملة افتتاحية حول رجل صيني باسم غريب يعيش في منطقة غريبة، و"كارين" أكملت القصة بأسلوب مشوّق وأدهشتهما، فاستغرب "دينيس" من معرفتها بتلك المناطق وثقافاتها، وهي أخبرته أنها تحب السفر بعقلها وذلك لا يحتاج للطعام أو النوم.
نصل لاحقاً مع توالي الأحداث في الفيلم إلى جملة افتتاحية أخرى من "دينيس" تقول: "كانت هناك امرأة شابة من الدنمارك، صعدت على متن باخرة متّجهة نحو قناة السويس..." وتكملها "كارين" وتقول: "وكانت هناك عاصفة... قادمة من المغرب، وانجرفت الباخرة باتجاه اليابسة على شاطئٍ... على شاطئٍ أبيض... شاطئٍ شديد البياض". لم تستطع حتى إكمال الجملة الافتتاحية في قصة حياتها، فقد كانت متوترة وتشعر بالضيق، والحزن بادٍ على وجهها، فتنهض من على الطاولة متوجهّة إلى الخيمة. كم كان مشهداً مؤثراً.
الفيلم يلتقط وبشكل جميل ومؤلم آخر الأوقات إثارةً في آخر الأماكن البريّة على وجه الأرض، ممّا يجعلني أشعر حقّاً بأنّي غبت عن شيءٍ رائع بكوني وُلِدْتُ بعد فوات الأوان.
 


 

الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

Stardust 2007


Stardust

فنتازيا رومانسية مليئة بالمغامرات والتشويق مع "تريستان" و"إيفين"

 

كم هو أمرٌ رائع ومدهش أن نشاهد قصّة خيالية حول السحرة واللصوص والأمراء والقراصنة. فيلم "رماد نجمة" يروي قصة نجمة تسقط من السماء ويلتقطها رجلٌ شاب. إنّه فيلم جميل وفاتن، يأخذنا في رحلة مدهشة تفوق الخيال. الفيلم مأخوذ من رواية الكاتب الشهير "نيل غيمان"، وأخرجه "ماثيو فون" الذي قام أيضاً بكتابة النص السينمائي مع زميلته "جين غولدمان"، والنتيجة هي تحفة خيالية كلاسيكية لا تُنسى.
الشاب "تريستان" يعيش في قرية غريبة يُطلق عليها اسم "الجدار"، وذلك بسبب الطوب القديم الذي يحيط بها من كل جانب، وسكّانها يشعرون بالأمان والطمأنينة لأن هذا الجدار يحميهم من الأخطار التي تكمن خلفه. بطلنا الشاب مفتون بفتاة جميلة ومغرورة تُدعى "فيكتوريا"، وفي إحدى الليالي تَعِدُه بالزواج بشرط أنْ يُحضر لها نجمة سقطت من السماء، وهكذا يهرب "تريستان" من قرية الجدار للسعي وراء مهمّته الصعبة، وحينها لم يدرك أن النجمة التي يبحث عنها ستكون في هيئة فتاة مضيئة.
هذه الحبكة لوحدها تكفي لأيّة قصة خيالية، فماذا سيكون أجمل من نجمة تسقط من السماء في هيئة فتاة؟! تلك هي البداية فقط، حيث ستحيط بمغامرات "تريستان" عدّة حبكات لا تخطر على البال. ننتقل إلى مملكة "ستورمهولد" السحرية، ونلتقي بالملك العجوز الذي يحتضر، ومن حوله نرى أبناءه المتعطّشين للسلطة، والذين هم على استعداد لقتل أحدهم الآخر من أجل الفوز بالعرش الملكي.
الأمراء المقتولون يظلّون موجودين في القصة كأشباح، وبالنسبة لهم هذه هي مرحلة مؤقتة تسبق الموت، ولن يموتوا ما لم يعثر أحد الأشخاص على الحجر الكريم الذي أخفاه الملك العجوز قبل موته، حيث من يعثر عليه سيكون هو ملك "ستورمهولد". الحجر بالتأكيد هو بحوزة النجمة "إيفين".
تأخذنا المغامرة أيضاً إلى ثلاث ساحرات شريرات يتمنين الحصول على قلب نجمة من أجل استعادة شبابهن وجمالهن وخداع الموت مرّة أخرى. تقوم إحداهن باستخدام ما تبقّى من السحر لاسترجاع شبابها بشكل مؤقت حتى تتمكن من الذهاب والبحث عن النجمة. تلك الساحرة الشريرة تُدعى "لميا". سنكون أيضاً على موعد مع القبطان الغامض "شكسبير" الذي يملك سفينة قرصنة تتجول بين الغيوم، وهو معروف لدى الجميع بأنّه شرير ولا يرحم، فما هو المصير الذي ينتظر بطلنا الشاب إنْ يمسك به هذا القبطان الشرير؟!
يبدو الأمر أنّ كل تلك الحبكات ستكون كثيرة لفيلم واحد، ولكن هناك توازن دقيق في النص السينمائي الذي تمت صياغته من المخرج، ولا يعني ذلك أنّ كل حبكة تأتي بعد الأخرى، بل جميع الحبكات تتداخل مع بعضها وتتفاعل بأسلوب مشوّق للغاية. في منتصف رحلة السحر والعجائب هناك جرعة كبيرة من الفكاهة والمرح كالتي اختبرناها في الفيلم الرائع "الأميرة العروس" للمخرج المبدع "روب راينر".
الفنان الكبير "روبرت دي نيرو" لعب شخصية القبطان "شكسبير" بشكل رائع جداً، واستطاع أن يجمع الشر مع الكوميديا في أدائه المتقن، ولا ننسى الفنانة الرائعة "ميشيل فايفر" التي لعبت دور الساحرة "لميا" بإبداع، ولم نعهدها سابقاً بهذا الشر. الفنان "تشارلي كوكس" لم يكن مشهوراً في بداياته البسيطة، وكانت فرصة العمر بالنسبة له بأداء شخصية البطل الشاب "تريستان"، وقد استطاع أن يبهرنا بأدائه المميّز. النجمة "كلير دينس" لعبت دور النجمة "إيفين" التي سقطت من السماء، وقد أدت الدور بشكل مذهل جداً. الفنانة "سيينا ميلر" بظهورها القصير قدّمت أداءاً مميّزاً لشخصية "فيكتوريا"، وكذلك الفنان المخضرم "بيتر أوتول" أتحفنا بإطلالته الرائعة في دور الملك العجوز.
طاقم الممثلين كان مدهشاً جداً بوجود نجومٍ كبار ومواهب شابّة مميزة، والفضل يعود للمخرج "ماثيو فون" الذي تمكّن من بناء فيلمه على أساس قوي، ابتداءاً بالنص السينمائي الدقيق، مروراً بالموسيقى المذهلة لـ "إيلان إشكيري"، وجميع الفنّيين المبدعين الذين جعلوا الفيلم بهذا المستوى الراقي من خلال التصوير الخلّاب والمؤثرات البصرية المتقنة. فيلم "رماد نجمة" الذي أنتِج بعام 2007 هو وليمة للعيون والقلوب.
كيف سيكون حال النجمة "إيفين" وهي مُطارَدة من شاب عاشقٍ يريد تقديمها هدية لمعشوقته، ومن أمراء متعطّشين للسلطة، ومن ساحرة شريرة تحلم باستعادة شبابها وجمالها، وكثيرين غيرهم؟! ستجدون الإجابة من خلال مشاهدتكم لهذا الفيلم المدهش.
 


 

الأحد، 1 ديسمبر 2013

The Count of Monte Cristo 2002


The Count of Monte Cristo

 رائعة "أليكساندر دوما" تعود لمجدها العريق في رؤية سينمائية عظيمة

 


فيلم "الكونت دي مونت كريستو" يجسّد القرصنة و"نابليون بونابرت" في المنفى والخيانة والسجن الانفرادي ورسائل سريّة وأنفاق للهروب وخريطة كنز ومجتمع باريسي مخملي وانتقام لذيذ. كل هذه الأمور سنراها خلال ساعتين مع ممثلين في غاية الروعة. هذه هي المغامرة التي احتلّت العصر الذهبي، والآن نشعر بأننا نعيشها لأول مرّة.
النجم "جيمس كافيزيل" يؤدي دور "إدموند دانتيس" وهو شاب بسيط يهوى المغامرة ويتعرّض للخيانة من قِبَل صديقه المقرّب "فيرناند مونديغو" الذي يؤدي دوره النجم "غاي بيرس". بهذا يُرسَل "إدموند" للحبس الانفرادي في جزيرة السجون النائية، ويمضي سنيناً هناك وينمو غضبه ببطىء بقدر ما ينمو شَعره، إلى أن يأتي ذلك اليوم ويحدث شيءٌ مدهش.
يتحرّك حجرٌ في الزنزانة ويظهر "فاريا" العجوز. إنّه يملك شَعراً أكثر من "إدموند" نفسه، ولكنّه أكثر مرحاً وحيوية منه، وقد احتفظ بالأمل على مرّ السنين من خلال حفر نفقٍ للهروب. للأسف، بالحفر في الاتجاه الخاطئ وصل إلى زنزانة "إدموند" بدلاً من الوصول لخارج القضبان!!
يقول "فاريا" لـ "إدموند": "هناك 5119 حجراً في جدران زنزانتي، وقد أحصيتهم جميعاً". إنّه يستطيع التفكير في أفضل الطرق لقتل الوقت، ويقوم بتجنيد "إدموند" للعمل معه من جديد في حفر أنفاق للهروب، ويعطيه دروساً خاصة في الفنون العقلية والجسدية، ويدرسان معاً فلسفات "آدم سميث" و"مكيافيللي". يقوم "فاريا" أيضاً بتعليمه فنون الدفاع عن النفس والقدرة على الحركة بسرعة عمياء.
منتصف الفيلم يدوم بما يكفي لتوضيح ما ستبدو عليه النهاية، ولكن الفصل الثالث يعيدنا من جديد للمجتمع بعد أن قام "فاريا" بتزويد "إدموند" بخريطة كنز، وتلك الكنوز ستموّل حفلته التنكّرية وستكشف النقاب عن الشخصية الوهمية "الكونت دي مونت كريستو".
غنيٌ، غامضٌ، ومليء بالألغاز. إنّه يبهر الإرستقراطيين ويقيم حفلات مترفة، وكلها كمينٌ لـ "فيرناند مونديغو"، في حين يستعيد لحظات حبّه القديم بلقاء الشابة الجميلة "ميرسيدس". القصة بالطبع مقتبسة من رواية شهيرة للكاتب الفرنسي "أليكساندر دوما"، وهذا الفيلم كان مخلصاً للرواية وأظهرها بالهيئة الرائعة التي هي عليها.
الكاتب "جاي وولبرت" أتقن صياغة نصّه السينمائي الأول بشكل متسلسل ومنتظم ودقيق، والذي كتب من بعده نصوصَ سلسلة "قراصنة الكاريبي" الشهيرة. المخرج "كيفن رينولدز" له الفضل في إعادة مجد هذه الرائعة الأدبية من خلال هذه التحفة السينمائية، وهو متميّز في الأعمال التاريخية التي لا تخلو من المغامرات، كفيلمه السابق "روبن هود: أمير اللصوص"، وأيضاً فيلم "تريستان وإيزولد" الذي يعتبر من أشهر الملحمات الرومانسية التاريخية.
النجمان "جيمس كافيزيل" و"غاي بيرس" نشعر بارتباطهما معاً كثنائيّ بقدر ما يحملانه من حقدٍ تجاه أحدهما الآخر في أحداث الفيلم. لقد تقمّصا شخصيتيهما بشكلٍ عميق ونحن كمشاهدين نعيش الحرب النفسية التي يخوضها البطلان ونترقّب ما سيحدث بفارغ الصبر. الفنان الراحل "ريتشارد هاريس" في آخر أدواره السينمائية غير سلسلة "هاري بوتر" العظيمة، والذي أدّى فيها دور "دامبلدور" ووافته المنيّة قبل إكمال الأفلام الستّة اللاحقة. في هذا الفيلم نشعر بجهوده المبذولة في تقمّص الشخصية برغم كبر سنّه، فشخصية السجين "فاريا" تتطلّب قوة جسدية وهذا الفنان بذل كل ما في وسعه لكي تظهر الشخصية بالشكل المطلوب، وقد أبدع حقاً. تم إنتاج الفيلم بعام 2002.
المنحدرات المختلفة والحُصون والسُجون وجزر الكنز والقصور ظهروا بالشكل المناسب تماماً، ومَشاهد القتال تمّت تأديتها بمهارة وإتقان. لا شيء أغرب من طبيعة الإنسان التي تجعل من الانتقام طبقاً لذيذاً حين يكون الغفران هو الشيء الذي يجب فعله، ولكن "هوليوود" دائماً ما تستفيد من هذا "الفشل الإنساني" في إنتاج أفلام رائعة ومؤثرة كهذا الفيلم. لكي نكون منصفين، جزء من الانتقام لا يخلو من العدالة، فجميعنا نريد تحقيق العدالة وأن نقف في وجه الظلم والغدر. "إيدموند دانتيس" تعرّض لأبشع خيانة وسُلِبت منه كرامته ومحبوبته وسنوات عمرِه، فكيف له أنْ لا ينتقم؟!