الخميس، 31 أكتوبر 2013

Life of Pi 2012


Life of Pi

تجربة روحية شاعرية تدعو إلى التفكير والتأمّل في أعماق الحياة!!

 

فيلم "حياة باي" للمخرج التايواني المبدع "أنغ لي" هو إنجاز مبهر في السرد القصصي والبراعة البصرية، وقد تم اقتباسه من كتاب حقّق أعلى المبيعات، وأغلب القرّاء لم يتوقعوا تحوّل مادته القصصية إلى فيلم سينمائي. إنه فيلمُ انتصارٍ على المصاعب، وأيضاً هو تجربة روحية تدعو إلى التأمّل. عنوان الفيلم يمكن أن يُختَصر إلى عنوان آخر، وهو "الحياة".
تدور القصة حول الـ 227 يوماً التي قضاها فتى مراهق وهو منجرف عبر المحيط الهادئ في قارب نجاة مع نمر بنغالي شرس. إنهما يجدان نفسيهما معاً في نفس القارب بعد مقدّمة تمهيدية مسلّية وملوّنة، والتي في حد ذاتها يمكن أن تنطلق لتكون فيلماً عائلياً ممتعاً. في لحظة الصعود إلى القارب تتحول القصة إلى قصة صراع من أجل البقاء وقبول الآخر والتكيّف. أتصوّر أن الجميع دُهِشوا بمشاهدة هذا الفيلم، وعلى رأسهم الكاتب الكندي "يان مارتل" الذي ألّف الرواية، فقد أُتيحت الفرصة له وللمشاهدين كي يشاهدوا تحفة بصرية شاعرية ليس لها مثيل.
يفتتح الفيلم مشاهِدَه في حديقة حيوانات صغيرة بقرية "بونديشري" في الهند، وبطل القصة هو "بيسين" ابن مالك الحديقة. بترجمة اسمه من الفرنسية إلى الإنجليزية يصبح المعنى "حوض سباحة"، ولكن أغلبية السكّان في الهند يتكلمون الإنجليزية أكثر من الفرنسية، فيطلق عليه زملاؤه بالمدرسة الاسم المستعار "بي"، والذي يعني "البول" بالإنجليزية.
يصمم بطلنا الصغير على وضع حدٍ لذلك، فيقوم باتخاذ "باي" كإسم له، وهو رمز يستخدم في المسائل الحسابية، ويبدأ بكتابة الرمز على اللوحة الخشبية بالفصل، ويحل المسائل التي تبدأ بقيمة 3.14 ولا تنتهي أبداً. إذا كان "باي" هو عدد غير محدود، سيكون اسماً مناسباً جداً لبطلنا الذي يبدو أنه يقبل القيام بكل شيء دون حدود.
تتعرض حديقة الحيوانات لأزمة مالية، فيقرر والد "باي" مغادرة الهند والذهاب إلى كندا على متن سفينة كبيرة مع زوجته وولديه، ويقوم بشحن الحيوانات أيضاً. بعد سلسلة أحداث مؤسفة، نلتقي بـ "حمار وحشي" و"قرد" و"ضبع" و"نمر" في قارب النجاة مع "باي" والأمواج تجرفهم إلى وسط المحيط.
إنّ "باي" المسكين في وضع لا يُحسَد عليه، والفيلم يرفض بقوّة أن يُشعِرنا بالحب والعطف تجاه النمر الذي يُدعى "ريتشارد باركر". هناك مشهد حاسم بحديقة الحيوانات في بداية الفيلم يبيّن أنّ الحيوانات المفترسة هي حيوانات حقاً ومفترسة حقاً، وهو بمثابة تحذير للمشاهدين وخصوصاً الأطفال كي لا يقعوا في خطاً التفكير بأنّ هذا نمر أفلام ديزني.
قلب الفيلم يركّز على الرحلة البحرية والتي يمكن للإنسان من خلالها أن يفكّر ببراعة شديدة، وكذلك النمر يمكنه أن يتعلم. لن أفسد عليكم كيف تحدث تلك الأمور، فالاحتمالات تثير الدهشة. ما أذهلني حقاً هو الاستخدام المميّز للمؤثرات الثلاثية الأبعاد، فلم أشاهد هذه التقنية تستخدم على نحو أفضل من هذا الفيلم، ولا حتّى في فيلم "أفاتار"، فلم يستخدمها المخرج من أجل المفاجآت والرعب، بل من أجل تعميق الشعور نحو مواقع وأحداث الفيلم. الممثل الشاب "سُراج شارما" قدّم أداءاً مميّزاً في ظهوره السينمائي الأول لشخصية "باي"، وكذلك باقي الممثلين أبدعوا في أداء أدوارهم.
حاز الفيلم على 4 جوائز أوسكار لأفضل إخراج وأفضل تصوير وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مؤثرات بصرية، وترشّح لنيل 7 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل أغنية وأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية، وذلك بعام 2012.
الفيلم يجمع بين التقاليد الدينية المختلفة بهدوء لينعش قصّته التي تدور حول عجائب الحياة. كم كان رائعاً أن نقابل كل تلك الحيوانات والطيور والأسماك، والأروع هو انتقالنا إلى الجزيرة العائمة المليئة بالأسرار. قام "أنغ لي" بعمل مبهر في خلق الجو الشاعري الذي يدعو للتفكير والتأمل في كل عجائب الحياة وأسرارها. كتب النص السينمائي المبدع "ديفيد ماغي"، والذي أتحفنا قبل سنوات بنصّه الرائع لفيلم "العثور على نيفرلاند".
تلك الجزيرة تثير التساؤلات. هي هي حقيقية؟ هل تلك القصّة حقيقية؟ أنا أرفض أن أسأل هذا السؤال. فيلم "حياة باي" هو حقيقي كليَاً، ثانية بثانية، دقيقة بدقيقة. في نهاية المطاف يتيح الفيلم لكل مُشاهد أن يتّخذ قراراً حاسماً. أنا اتّخذت قراري بأنّ هذا الفيلم هو من أروع أفلام عام 2012.
 


 

Silver Linings Playbook 2012


Silver Linings Playbook

شخصيات معقّدة غير متّزنة تنظر إلى الحياة من الجانب الإيجابي المشرق

 

فيلم "الجانب الإيجابي المشرق" هو فيلم يدور حول تعقيدات الحياة، وسيجعلكم تضحكون في أغلب المَشاهِد، ولكن لا تتوقعوا أنكم تستطيعون تصنيفه ضمن نوع معيّن. إنّه فيلم درامي وعاطفي لدرجةٍ تفطر القلب، ومع ذلك هو ممتع بطريقة خبيثة. يمتلك الفيلم خاصيّة فنّية نادرة تؤهّله للمُضي قُدماً دون اكتراث بالعواقب التي قد تحدث جرّاء التحوّلات الدرامية المتعدّدة في القصة والشخصيات، ويعود الفضل للمخرج الموهوب "ديفيد أوراسل".
قبل عامين، قدّم "أوراسل" فيلمه المميّز "المُقاتل" وقبله بأعوام فيلم "ثلاثة ملوك"، وأثبت أنّه مخرجٌ بارع. نحن لا نراقب الحياة ببرودٍ في أفلامه، بل نضطر لعيشها كاملة مع شخصياته، وهذا ليس أمراً سهلاً. قام أيضاً بكتابة النص السينمائي بإبداع وإتقان، وقد اقتبسه من رواية جذّابة للكاتب "ماثيو كويك".
تتمحور القصّة حول شاب وشابة غير متّزنَيْن تتعرض حياتهما للعديد من المشاكل التي تصعب السيطرة عليها. إنهما يصارعان بكل وسيلة كي يظّلا عاقِلَيْن. "بات" و"تيفاني" بانجذابهما نحو أحدهما الآخر تتضاعف مشاكلهما ويصبحان أكثر جنوناً مما هما عليه. يمرّ "بات" بعدّة تجارب عاطفية صعبة، والمخرج "أوراسل" يرصد لنا ذلك بأحاسيس صادقة من خلال تصوير وضع الإنسان في تلك اللحظات حين يشعر بالغرابة تجاه المنطق والخطر المحدق الذي يحيط به والشكوك القاتلة، والأهم من ذلك الخوف من مفاجآت المستقبل.
نقابل "بات" وهو يغادر مستشفى الأمراض العقلية بعد أن قضى فترة علاجه التي استمرت لثمانية أشهر، وحين يعود إلى المنزل نجده مشوّشاً ولم يستوعب بعد سبب دخوله إلى المستشفى، فقد انتباته وساوس نحو زوجته "نيكي". على الرغم من أنّ أسباب رفض "نيكي" بالعيش مع "بات" قوّية ومقنعة بما يكفي لأنْ تحمي نفسها بالابتعاد عنه وفق حكم قضائي، إلّا أنّه يرفض الرضوخ لذلك ويبقى متفائلاً ويسعى لتحقيق نهاية سعيدة لحياته بأيّة طريقة.
في سعيه لاستعادة زوجته، يقوم "بات" بمحاولة الاختلاط الاجتماعي بتلبيته دعوة جاره للعشاء في منزله، وهناك يلتقي بـ "تيفاني"، وهي أرملة شابة لديها مشاكل عدّة ناتجة من ظروف وفاة زوجها. بشكل غير متوقع ينجذب الإثنان لبعضهما وتتعقّد الأمور، وقد تكون للأفضل أم للأسوأ.
الفنان "برادلي كوبر" قدّم أداءاً رائعاً جداً لشخصية "بات"، وقد تمكّن من الحفاظ على توازنه خلال التحوّلات الكثيرة التي تمر بها شخصيته المعقّدة، وكذلك الفنانة "جينيفر لورانس" أبدعت هي الأخرى في أدائها لشخصية "ستيفاني" التي لا تقّل تعقيداً عن "بات"، فقد جسّدت السعادة والحزن والغضب والمرح في آنٍ واحد، وأشعرتنا حقّاً أنها مجنونة وغير متّزنة.
الفنان المخضرم "روبرت دي نيرو" لعب دور والد "بات" بشكل مدهش، وهذه الشخصية أيضاً غير متّزنة إن صحَّ القول، فوالد "بات" مهووس بمتابعة الأحداث الرياضية والرهان عليها مع أصدقائه دون اكتراث بالخسائر المادية والمعنوية الفادحة التي قد تودي به إلى الهلاك، والضحية الكبرى هي زوجته "دولوريس" التي أدّت دورها الفنانة "جاكي ويفر" بشكل رائع ومميّز. إنّ "دولوريس" هي الشخصية الوحيدة المتّزنة في الفيلم، وستشفقون عليها ما إن تتخيّلوا صعوبة العيش مع زوجها وابنها.
فازت الفنانة "جينيفر لورانس" بجائزة أوسكار لأفضل ممثلة عن دورها الرائع في هذا الفيلم الذي ترشّح لنيل 7 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل مونتاج وأفضل ممثل "برادلي كوبر" وأفضل ممثل مساعد "روبرت دي نيرو" وأفضل ممثلة مساعدة "جاكي ويفر"، وذلك بعام 2012. كان الأمر مفاجئاً جداً بحصول الفيلم على هذا القدر من الترشيحات وخصوصا في فئات التمثيل الأربع.
الحياة عبارة عن "رقصة" في نظر البعض، و"لعبة" في نظر البعض الآخر، وفيلم "الجانب الإيجابي المشرق" يرقص ويلعب على كل المشاعر الإنسانية ثم يعيد تشكيلها لكي تتوافق مع الحياة الطبيعية المليئة بالتفاؤل. إنّه يجعلنا نؤمن بالأشخاص الموهوبين الذين يعملون معاً من أجل تحقيق غاية نبيلة. لن نحصل على نهاية سعيدة لحياتنا إنْ لم نتعايش مع الآخرين بالحب والإخلاص، والجنون أحياناً. سيظل الفيلم محتفظاً بجانبه المشرق لأنّه من أجمل الأفلام الواقعية.
 


 

Snow White and The Huntsman 2012


Snow White and The Huntsman

القصة الأسطورية الشهيرة تعود بأسلوب مبتكر ومميّز

 

فيلم "سنووايت والصيّاد" يعيد صياغة القصة الأسطورية الشهيرة بجمالٍ خلّاب وخيالٍ مدهش. إنّه آخرُ شيءٍ يتوقّعه المُشاهِد من فيلمٍ بعنوانٍ كهذا، والفيلم يتعثّر في سرد القصة، لأنّ "سنووايت" يجب أن تكون طيّبة جداً و"الملكة" يجب أن تكون شريرة جداً. ليس هناك مجال لفارقٍ بسيط، ولهذا السبب النهاية محدّدة سلفاً، ولكن كم هي رحلة رائعة.
إنّ "سنووايت" هنا أكبر سنّاً من أيّ فيلم آخر، وقد أمضت سنوات طويلة وهي حبيسة في غرفة مظلمة بقلعة والدها الراحل على يد زوجته الشريرة، وحين تهرب تخطّط لتصحيح الأمور ووضع حدّ لما يحصل في مملكتها. إنّها الآن فتاة ناضجة، وتلقى اهتمام شابّين ينضمّان في مهمّتها، ولكن الفيلم لا يتلفّ حول الرومانسية، وبطريقةٍ ما أعتقد أنّ الأمر حكيم.
الصيّاد هو شابٌ شجاع وذو بنية قويّة، وتكلّفه الملكة لتعقّب "سنووايت" وإعادتها للقلعة. لا يمضي وقتٌ طويل حتى يقابلها، وبشكلٍ غير متوقع يُعجَب بشجاعتها. هناك أيضاً الأمير الوسيم "وليام" الذي يحبّها منذ الطفولة، والشابّين ينضمّان في تحالف غير معلن.
الملكة تعيش في رعب وهي خائفة أن تفقد جمالها وشبابها، ولذلك تتغذّى على دماء الفتيات لاستعادة ذلك. بشكلٍ مستمر تقوم بسؤال مرآتها السحرية عمّا إذا كانت هي أجمل امرأة في العالم. إنّها تمتلك قوى خارقة للطبيعة، وتستطيع أن تتحوّل إلى سربٍ من الطيور السوداء، وشقيقها يساعدها أيضاً في الأعمال الشريرة.
يتم تقديم كل ذلك بمؤثّرات بصرية متقنة جداً، ولا ننسى الغابة المظلمة المحظورة وأرض الجنّيات السحرية. هاذان العالمان الخياليان يقعان بالقرب من القلعة، وبالمؤثرات المدهشة نشعر وكأنهما حقيقيَيْن. يتم الاستعانة بالصيّاد في تلك المهمة الصعبة لأنه يعرف الغابة جيّداً والتي يخافها الجميع، حيث لا توجد بها حياة وهي مكتظة بالعظام السميكة والأشجار الميتة، كما لو أنّ هناك لعنة حلّت بكل ما هو أخضر. تشعر "سنووايت" بالخوف في هذه الغابة، وبعد أن ينقذها الصيّاد يسعدان جداً بالعثور على الأقزام الثمانية.
نعم، ثمانية. على الرغم من أنّ أحدهم يلقى حتفه، فيرجع العدد إلى سبعة، كما هو معروف في القصة الأصلية. هذه الشخصيات تبدو مألوفة بشكلٍ غريب، ولا عجب باستخدام المؤثرات الخاصة التي قدّمت نخبة من الممثلين البريطانيين في أدوار الأقزام، كالنجوم "إيان ماكشين" و"بوب هوسكينز" و"توبي جونز" وغيرهم، والذين جميعهم أدّوا أدوارهم بشكل مميّز.
نصل معهم إلى أجمل بقعة في الفيلم، وهي أرض الجنيات المسحورة، وننبهر بالمخلوقات الغريبة فيها، وكم هو جميل منظر الفطر وهو ينظر للزوّار، وكذلك الحيوانات اللطيفة التي تعدو وتقفز فرحاً في الغابة، وأعتبر ذلك بمثابة تكريم واحتفاء بمشهد الغابة في فيلم ديزني الأول بعام 1937 "سنووايت والأقزام السبعة". المخلوقات والجنيّات عراة وبشرتهم شاحبة والحكمة تملأ وجوههم، وتتجسّد روح الغابة في ظبيّ أبيض جميل بعينيه الرائعتين والقرون الممتدة بتعقيدٍ رهيب. هذا مشهدٌ خلّاب، ويعود الفضل للمخرج "روبرت ساندرز" الذي صاغ كل هذا الإبداع في أول عمل سينمائي له على الإطلاق.
الممثلة "كريستين ستيوارت" بشخصية "سنووايت" والنجم "كريس هيمسوورث" بشخصية "الصيّاد" كانا مناسبين جداً لأداء أدوارهما، وقد قدّما أداءاً مميّزاً. الفنانة الرائعة "شارليز ثيرون" فاتنة كعادتها على الرغم من أدائها لدور الملكة الشريرة، إلّا أنّها فنانة موهوبة وتستطيع تقمّص كل الشخصيات بإبداع. ترشّح الفيلم لجائزة أوسكار لأفضل تصميم أزياء بعام 2012.
هناك الكثير من المعارك الضارية كالتي شاهدناها في أفلام العصور الوسطى كسلسلة "سيّد الخواتم" العظيمة وغيرها، وقد كانت متقنة جداً وممتعة بصرياً. إنّه فيلمٌ رائع، وقد سمح بتعقيد القصّة الأصلية التي كتبها الأخوان "غريم"، وبأسلوب مبتكر قام بتحريفها وإعادة رسم الشخصيات من جديد والاستعانة بمؤثرات بصرية مدهشة. "سنووايت والصيّاد" مغامرة لا تُنسى.
 


 

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

The Impossible 2012


The Impossible

قصة حقيقية حول الروح الإنسانية التي تنبثق من جديد حين ينهار كل شيء


 

فيلم "المستحيل" هو فيلمُ كوارثٍ مذهل، ويدور حول واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ. في 26 ديسمبر 2004 دمّر إعصار "تسونامي" القرى والمنتجعات السياحية على طول الساحل الغربي بـ "تايلند"، والفيلم يرصد لنا الكارثة بشكل مدهش، ويدعونا للتأمُّل في الحياة من خلال القدر والأمل والشجاعة والبقاء، لنكتشف في النهاية أنّ الحياة هي عبارة عن لحظات عابرة، ولن ندرك كم هي ثمينة إلّا في الأوقات العصيبة.
تدور أحداث الفيلم حول عائلة أجنبية مكوّنة من رجل وزوجته وأولادهما الثلاثة، والذين يذهبون إلى "تايلند" لقضاء عطلتهم المثالية وهم غير مدركين للكابوس الرهيب الذي ينتظرهم. الفيلم لن يصمد من غير الرباط العائلي القوي وإرادة البقاء والتمسّك بالأمل. نلتقي بالزوج "هنري" الذي يعمل في إحدى الشركات، وزوجته "ماريا" التي تعمل طبيبة، وأولادهما الثلاثة "لوكاس" و"توماس" و"سايمون"، ونرى السعادة على وجوههم وهم يقضون عطلة جميلة في فندق فاخر يطل على الساحل. تلك السعادة ماهي إلّا صورة للجمال الزائل وتأكيد على هشاشة الخط الفاصل بين الحياة والموت.
مشهد الإعصار يبدو واقعياً جداً ومروّعاً ويشعرنا أنّه سيخترق الشاشة، والفضل يعود للمخرج الأسباني المبدع "خوان أنتونيو بايونا" الذي نقل لنا ذلك بتصوير سينمائي متقن ومؤثرات صوتية مدهشة، حتى أغرقنا في رعب عالَمٍ جُنَّ جنونه. "بايونا" ليس ساديّاً، ولكنه لا يُخفي قسوة الطبيعة.
"ماريا" وابنها الأكبر "لوكاس" ينجرفان مع الإعصار ولا يعرفان أين البقيّة، مع اعتبار أنّه يمكن أن يكونوا قد لاقوا حتفهم. "ماريا" المذهولة من الصدمة تستخدم ما تبقّى من قوّتها في إرشاد "لوكاس" لينقذ طفلاً صغيراً فُصِل عن والديه، وخبرتها الطبّية تكشف لها مدى خطورة الإصابات المنتشرة في جسمها، وبالتأكيد لن تخبر ابنها بكل ما تعرف. حافظ "بايونا" على عنصر التشويق في الأحداث، وبذلك جعلنا منتبهين طوال الوقت وفي ترقّب لما سيحدث بأعصاب مشدودة.
يقدّم الفيلم فترة استراحة لقصة "ماريا ولوكاس"، ويأخذنا إلى "هنري" والولدين الصغيرين "توماس" و"سايمون"، والوضع الرهيب يذكّرنا بهوْل وفداحة الحروب، وذلك برؤية "هنري" وهو يعرج بقدميه الحافيتين باحثاً عن بقيّة أفراد عائلته في أنحاء الجزيرة. الفنان "إيوان ماكغريغور" قدّم أداءاً رائعاً ومؤثّراً بشخصية "هنري"، التي تمرّ بعدّة تحوّلات وفق الأحداث المريرة التي تندفع على القصة. جسّد "ماكغريغور" الشجاعة والحنان والخوف والضعف واليأس، وأبدع في ذلك.
الفنانة الرائعة "نيومي واتس" قدّمت أجمل أداء في مسيرتها السينمائية من خلال شخصية "ماريا"، وبرغم قلّة ظهورها على الشاشة، إلّا أنّها ظلت مسيطرة على الفيلم وشعرنا بوجودها طوال الوقت. إنها البطلة الرئيسية ولقاء تقمّصها المذهل للشخصية فقد ترشّحت لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وذلك بعام 2012. النجوم الواعدون "توم هولاند" و"سامويل جوسلين" و"أوكلي بيندرغاست" أبهرونا بأدائهم الرائع لأدوار الأولاد "لوكاس" و"توماس" و"سايمون"، وأتوقع لهم مستقبلاً سينمائياً مشرقاً إنْ استمروا في التمثيل بهذا الإبداع.
معظم أفلام الكوارث الشهيرة تعامل شخصياتها كضحايا يُمكن الاستغناء عنهم بقدر الإمكان لإيصال فكرة أنّ الكارثة رهيبة والبقاء للأقوى فقط، وفي الحالات الهوليوودية المعتادة، البقاء للنجم والنجمة الأبرز من أجل النجاح التجاري. في هذا الفيلم هم "أفراد" يُمَثّلون بكرامة وإنسانية.
نرى "لوكاس" وهو يصارع أفكار رهيبة لم تطرأ في عقله قط، في حين والدته "ماريا" المعرضّة للموت تكلّفه بمساعدة الآخرين بقدر ما يستطيع. "هنري" وزوجته "ماريا" يواجهان المأساة بكل شجاعة، ولن يصمدا من غير عطف الغرباء الذين صادفوهما في أكثر اللحظات حرجاً على الإطلاق. إنها الروح الإنسانية التي تنبثق من جديد حين ينهار كل شيء. لا نشاهد أفلاماً كثيرة تُشعرنا بمدى أهميّة الحياة وكيف نتمسّك بها مهما وصلنا إلى أشد حالات اليأس. هذا فقط ما يجعل "المستحيل" ممكناً حقّاً.
 


 

Ruby Sparks 2012


Ruby Sparks

فنتازيا أدبية فلسفية رومانسية حول حُلمٍ مستحيل يتحوّل إلى واقع

 


 إنّه لأمرٌ ممتع ومشوّق جداً أنْ لا نعرف إلى أين سيقودنا الفيلم، فنحن نحتاج للمفاجآت والحبكات الغريبة. فيلم "روبي سباركس" يدور حول كاتب ومُلهمته ومن ثم يصبح حول المُلهمة وكاتبها. إنّه فيلم رائع ومبتكر، وما يبدأ بحلمِ يقظةٍ مشمس يتحوّل إلى شيء أكثر جدّية وخطورة.
المخرج "جونثان دايتون" وزوجته "فاليري فارس" عملا معاً كثنائي لإخراج هذا الفيلم بعد أن أبهرانا قبل أعوام بعملهما الأول سينمائياً "ملكة الجمال الصغيرة"، والذي حقّق نجاحاً مبهراً بكونه كوميديا سوداء، وقد أدهش النقّاد والجماهير في كل مكان، وكان له نصيباً مُرضياً من جوائز الأوسكار. المخرجان "دايتون" و"فارس" لم يضيفا لهذا الفيلم جرعة الكوميديا كالفيلم السابق، وذلك لأنّ القصة لا تحتمل ذلك بكونها جدّية وغريبة. النجمة "زوي كازان" كتبت النص السينمائي للفيلم والذي احتوى على العديد من عناصر الكوميديا الرومانسية التقليدية، ولم نكن ندرك أن تلك العناصر ستهوي في طريق التراجيديا المأساوية.
الكاتب الشاب "كالفن" يقول لشقيقه "هاري" بنبرة حزن ويأس: "هي لا تعلم بأنّي ألّفتها". هذا الكاتب لم يستطع أن يكتب لمدة طويلة بسبب عدم وجود ما يلهمه للكتابة، وهو الآن يعاني من مشكلة فريدة من نوعها. أثناء محاولاته اليائسة في الكتابة يقوم بابتكار شخصيةِ فتاةٍ شابةٍ فاتنة ويُطلق عليها اسم "روبي سباركس"، وبعد ذلك تنبعث الشخصية في هيئة فتاة حقيقية بالمواصفات التي رسمها تماماً، كالحلم إذا تحقّق حرفياً. هي تعتقد أنّها عشيقته، وهو غير متأكد من أنها حقيقية.
الفيلم ينجح وبشكل مدهش في تحقيق التوازن المطلوب في الأحداث. إنّها قصّة حب غريبة، وهي أيضاً قصّة شاب غارقٍ في همومه الخاصة ومن المستحيل أن يدع أيَّ أحدٍ يدخل إلى عالمه، وكذلك هي قصّة فتاة شابة تتلقّى صدمات، كالمسافرة على متن طائرةٍ تواجه اضطرابات جوّية، إذ تعجز عن فهم ما يحدث ولا تجد تفسيراً لما تشعر به.
النجمة "زوي كازان" استطاعت صياغة النص بدقّة وعبقرية هائلة، وبجانب ذلك لعبت دور البطولة في الفيلم بشخصية "روبي سباركس"، وقد أذهلتنا بموهبتها المميّزة في الكتابة والتمثيل. هذه النجمة في الواقع هي حفيدة المخرج الراحل "إليا كازان"، والذي يعتبر من كبار المخرجين في هوليوود قبل عقود، كما أنّ والديها هما أيضاً كاتِبَا نصوص سينمائية شاركا في عدّة أعمال رائعة مثل "نساء صغيرات" و"الحالة المحيّرة لبنجامين بوتن" و"مذكرات فتاة الغيشا". النجم "بول دانو" أدّى دور الكاتب "كالفن" بإبداع وإتقان، ولا ننسى الفنانة الرائعة "أنيت بينينغ" التي كانت لها إطلالة مميّزة بشخصية الأم "غيرترود"، وكذلك الفنان "أنتونيو بانديراس" الذي أضفى للفيلم نكهة مرِحة بأدائه المميّز لشخصية زوج الأم "مورت".
فيلم "روبي سباركس" يختبر العلاقة بين شخصين من منظور مختلف. أقصد بذلك منظور الخيال والفن والأحلام، ولا ننسى منظور المخرِجَيْن "دايتون" و"فارس"، فقد قدّما الفيلم بأسلوب بصري مبهج وجريء. لقد خاطرا بتقديم قصّة قد يمقتها البعض نظراً لغرابتها واستحالة أن تكون واقعية، ولكنّهما لم يكترثا للجوانب السلبية وركّزا على الجوانب الإيجابية التي تطرحها القصّة، والتي أجدها مهمّة وتدعونا للتفكير. لا أستطيع أن أصنّف الفيلم في فئة الكوميديا الرومانسية، لأنّه أعمق من ذلك، فهو أشبه بفنتازيا أدبية فلسفية رومانسية بعناصر كوميديّة ومأساوية. تم إنتاج الفيلم بعام 2012.
إنّ "روبي سباركس" هي كلُّ ما أراده "كالفن"، ومع ذلك لم يكن سعيداً. كيف له أن لا يكون سعيداً وحلمه قد تحقّق؟! ماذا كان ينقصه وما هو الشيء الذي تمنّاه؟؟ أسئلة كثيرة سترد في أذهانكم وأنتم تشاهدون هذا الفيلم الرائع، ولن تجدوا الإجابات ما لم تكن مخيّلتكم واسعة الآفاق!!
 


 

Brave 2012


Brave

مغامرة مدهشة مع الأميرة "ميريدا" في ربوع أسكتلندا

 


 تقدّم لنا شركة "ديزني" واستديوهات "بيكسار" للرسوم المتحركة حكاية مشوّقة حول فتاة شجاعة في أسكتلندا القديمة. الشاشة غنية بالألوان الفاخرة والتفاصيل الفنية الدقيقة لما نراه من مناظر مميزة للجبال والتلال، والتمازج الجميل بين الشخصيات البشرية والحيوانات.
بعد مسيرة سينمائية ناجحة من الرسوم المتحركة التقليدية، لا يزال هذا الفيلم كلاسيكياً من الناحية القصصية وإن تطوّرت تقنيات الإنتاج. فيلم "الشُجاعة" هو فيلم أميرات تقليدي، والأميرة "ميريدا" هي فتاة في سن الزواج، ووالدها الملك "فيرغس" ووالدتها الملكة "إلينور". إنّها فتاة مستقلة بذاتها وترفض اتباع قواعد الأسرة، كما أنها موهوبة في الرماية وتحب التجوّل في الغابة على حصانها الأسود "أنغوس".
نشعر بِروح "ميريدا" من خلال شعرها الأحمر الناري، ومحاولات الملكة في جعل ابنتها تتوافق مع سلوك الأميرة اللائق كلها تبوء بالفشل. في هذه المرحلة من تاريخ هوليوود الحديث، نرى أنّ كل الأفكار أصبحت مستهلكة، ولكن مخرجِي الفيلم الثلاثة وكاتبِي النص السينمائي "مارك أندروز" و"بريندا شابمان" و"ستيف بورسيل" تمكنّوا بإبداع من الحفاظ على وتيرة التشويق التي تمهّد الطريق لمتعة سحرية ودراما غنيّة مع توالي الأحداث.
لم تتقبل "ميريدا" القواعد المتّبعة بشأن الزواج، وتصل الأحداث إلى قمّتها حين يحين الوقت لكي تختار زوجاً مناسباً من أبناء عشيرة النبلاء. إنّه التقليد العريق الذي أبقى السلام في المجتمع لعدّة قرون. حين يأتي المتقدّمون للزواج إلى الحفلة بالقلعة، تنتفض الأميرة على مرأى عيونهم، وتنقلب الحفلة رأساً على عقب بسبب ذلك، ويتوتر الجميع. بعد ذلك تتحوّل درجة الفيلم من الإشراق إلى الظلام، والعروس تهرب على حصانها بعيداً نحو الغابة. غيابها المفاجئ يرسّب مزيداً من الفوضى وتهديداً بحربٍ وشيكة بين اللوردات والعائلة الملكية.
حين تتفاقم الأحداث في الفيلم، تصبح الأمور مثيرة جداً، حيث تتوق الأميرة للتخلّص من واجبها في الزواج الملكي، ومن شدّة يأسها لم تكن حذرة في محاولة حل تلك المشكلة. تلجأ إلى ساحرة غريبة الأطوار، والتي تعطيها وصفة سحرية تترتب عليها عواقف وخيمة. "ميريدا" تواجه الآن احتمال فقدان أحد أفراد أسرتها للأبد بسبب شيء هي فعلته.
مخرجو الفيلم مرنون جداً في سرد القصة، بالإنتقال من كوميديا تهريجية إلى مغامرة مدهشة ومن ثمّ إلى لحظات مأساوية حين يكون الأملُ كلَّ شيءٍ بعد فوات الأوان. فيلم "الشُجاعة" يجبر المشاهدين على الضحك والبكاء.
الدُب الكبير في القلعة يخلق فصلاً ممتعاً من الكوميديا اللذيذة، والمعركة الشرسة في الغابة تجلب الإثارة والتشويق، ولن يكون كل ذلك رائعاً ومميّزاً من غير الفنانين المبدعين الذين استخدموا أصواتهم في هذا الفيلم. الفنانة "كيلي ماكدونالد" أدّت دور الأميرة "ميريدا" بإبداع، ولا ننسى الفنان "بيلي كونولي" والفنانة الرائعة "إيما تومبسون" في دورَي الملك "فيرغس" والملكة "إلينور"، واللذين قّدما أدوارهما بشكل مميّز باللهجة الأسكتلندية الشعبية. الفنانة "جولي وولترز" كانت رائعة في دور الساحرة، وكذلك الفنان "روبي كولترين" أبدع في دور اللورد "دينغوول". حاز الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم كارتوني بعام 2012.
علاقة الأميرة بوالدتها تبدو صادقة، وكل المشاهدين يريدون الحفاظ عليها. إنّها قصة حول أم وابنتها أكثر من كونها حول مصير مجهول، ونتعلّم منها الإلتزام بواجباتنا تجاه العائلة وتحمّل المسئولية ووضع حدّ للأنانية الطفولية. الفيلم ممتع جداً ومليء بالمرح ويخاطب المشاعر، وسيعجب الكبار قبل الصغار. في مشهد مميّز، تقول الأميرة "ميريدا": "سيأتي اليوم الذي لا يتوجّب فيه أن أكون أميرة. اليومٌ الذي يتحقّق فيه أي شيء. اليوم الذي أستطيع فيه أن أغيّر مصيري".
 


 

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

Extremely Loud & Incredibly Close 2011


Extremely Loud & Incredibly Close

شهادة سينمائية عاطفية وقوية حول ذلك اليوم الصيفي المروّع
 

لا نجد أفلاماً راقية تدور حول واقعة "11 سبتمبر"، وقد يكون السبب هو أنّه لم يمضي عليها وقت طويل والجرح لم يلتئم بعد. كما أنّ المخرجين يدركون تماماً أنّ زلّة صغيرة قد تقودهم إلى اتهامات باستغلال الواقعة للمكاسب الماديّة. فيلم "صاخب جداً وقريب للغاية"، المقتبس من رواية لـ "جونوثان سفران فور" وأخرجه المبدع "ستيفن دالدري"، هو بمثابة شهادة سينمائية قوية وعاطفية حول ذلك اليوم الصيفي المروّع.
الفيلم لا يتطرّق لـ "11 سبتمبر" كحدث عالمي. إنّه لا يكترث للإرهاب والإرهابيين، ولا يُبالي بردود فعل الدولة أو العالم. بدلاً من ذلك، يقدّم لنا قصة إنسانية حول ولدٍ صغير يفقد والده. الفيلم يوضح الألم الذي غالباً ما يُنسى في مناقشات "11 سبتمبر" والذي تعيشه العائلات التي لديها كرسي فارغ على مائدة العشاء.
كان يشغل هذا الكرسي شخص عزيز عليهم والآن فقد رحل بلا عودة. على الرغم من أنّ هذه الواقعة هي عنصر حسّاس في الفيلم، إلّا أنّه لا يدور حولها، والقصة الرئيسية هي بعد عام كامل من الحدث المشؤوم. نعم، إنّها قصة حول فقدان شخصٍ عزيز ومواجهة تلك المحنة، ولكنّها أقرب إلى حكاية أب وابنه والروابط التي تجمع بينهما.
حبكة الفيلم قد تكون سطحية في البداية بكونها تشير إلى واقعة شهيرة وتناولتها العديد من الوسائل الإعلامية مؤخراً، إلّا أنها معقّدة جداً ومليئة بالأحداث الشيّقة، مما يجعل الفيلم مهضوماً. إنّه سيسرق دموعكم وأنتم غير مدركين ذلك، ومن خلاله ستتاح لكم فرصة لتفريغ عواطفكم بقدر ما ترونها في شخصيات الفيلم.
بعض الأشخاص قد يلمحون طاقم الممثلين ويرون أسماء نجومٍ حائزين على الأوسكار كالنجمين "توم هانكس" و"ساندرا بولوك"، ويصرفون النظر عنه بادعائهم أنّه فيلم يتلاعب بالعواطف ويهدر الدموع طمعاً في الجوائز الكبرى. هذه الهجمة الاستباقية لا تسيء للعمل، ورغم أن "هانكس" و"بولوك" هما أكبر نجوم الفيلم، إلّا أنهما يشغلان أدواراً ثانوية وبالكاد نراهما.
يؤدّي "توم هانكس" دور الأب "توماس شيل" والذي توفي قبل بداية الفيلم ولا نراه إلّا من خلال ذكريات الماضي. الفيلم في الحقيقة هو مخصّص كلياً للنجم الواعد "توماس هورن" في ظهوره الأول بعمل سينمائي، وهو يظهر تقريباً في كل مشاهد الفيلم.
يؤدّي هذا النجم الموهوب شخصية "أوسكار شيل"، وهو طفل استثنائي في التاسعة من عمره. إنّ ذكاءه يفوق سنّه، ولكنه غريب في التعامل مع المواقف الاجتماعية ويواجه صعوبة في التحكّم بمشاعره، وهو مذعور من أشياء كثيرة. إنّه ليس كأيِّ طفل نموذجي في فيلم درامي، وليس ظريفاً لتقرصوا وجنتيه، وليس مزعجاً لتضربوه. إنّه طفل مختلف وسترون الفيلم من خلال عينيه.
ليس هناك أي اختلال في عائلة "شيل". "توماس" هو صاحب متجر مجوهرات ناجح ويحب ابنه كثيراً ويُمضي أكبر قدرٍ ممكن من الوقت معه، وهو يحب زوجته "ليندا"ً التي هي الأخرى تكرّس حياتها من أجل زوجها وابنها. الجدّة تعيش في المبنى المجاوز و"أوسكار" يتحدّث معها بواسطة جهاز إرسال. بعد ذلك تحدث واقعة "11 سبتمبر"، و"توماس" يعلق في الطابق 150 بالبرج ويترك 6 رسائل عبر جهاز البريد الصوتي بمنزله في الساعات الأخيرة.
بعد مرور عام، يعثر "أوسكار" على مفتاح صغير بداخل مزهرية في خزانة والده. هو يعتقد أن السعي لاكتشاف القفل الذي يتطابق مع المفتاح سيطلعه على أمرٍ مهم حول والده الراحل، فيبدأ برحلة البحث في أنحاء نيويورك ويرافقه النزيل الذي يقطن في نفس المبنى مع جدّته، وهو رجل عجوز فقد القدرة على الكلام لأسباب ستعرفونها لاحقاً من خلال أحداث الفيلم. رغم ما يبدو من استحالة في مهمة "أوسكار" إلّا أنّ رغبته الجامحة في تحقيق هدفه تدفعه للتقدّم نحو الأمام، ويستعين بدروس تعلّمها من والده في تخطّي بعض المواقف الصعبة.
واقعة "11 سبتمبر" تُقدَّم بكل احترام ومن غير دوافع استغلالية، ويتم التعامل مع الحدث بعناية فائقة. المخرج "ستيفن دالدري" لا يُسهب في عرض لقطات للمباني وهي تتحطّم، بل يعتمد على مقتطفات إخبارية عابرة. الفيلم لا يصرّ على نتيجة واضحة من مهمة "أوسكار" المستحيلة، ولكن من خلالها يكتشف هذا الطفل أموراً حول نفسه وحول والده وحول سكّان مدينته الذين يقابلونه بلطف وشفقة وأحياناً بوقاحة ولا مبالاة.
يتعلّم "أوسكار" أن يرى والدته والرجل العجوز من منظور مختلف، ويحاول مواجهة مخاوفه العديدة والتغلّب عليها بطرقٍ تجعل والده فخوراً به. المخرج في أفلامه الأربعة لم يعرقل سير القصص مهما زادت تعقيداتها، وفي فيلم "القارئ" أثبت أنّ هناك أموراً مهمة في القصة ويفضّل أن تبقى خارج إطار الفيلم، وذلك ينطبق أيضاً على فيلمه المعقّد والرائع "الساعات" الذي تم اقتباسه من رواية تستند على رواية أخرى. هذا الفيلم هو أقرب في رأيي إلى فيلمه الأول "بيلي إليوت" لكونهما يسيران وفق حركة البطل الصغير في القصة.
هذا المزيج السينمائي يثبت جدارته وروعته مع المخرج "دالدري" وكاتب النص "إيريك روث" الذي يبق وأن كتب نصوصاً رائعة لأفلام مميزة مثل "فورست غامب" و"الحالة المحيّرة لبنجامين بوتن"، ولا ننسى الأداء الرائع للنجم "توماس هورن" في شخصية "أوسكار"، والآن أنا أترقّب أعماله القادمة بشغف كبير. هذا الفيلم يفتح لنا بوابة نادرة نرى من خلالها "نظرة الأطفال للواقع"، والتي تختلف بالتأكيد عن منظور الكبار، ونواجه كل تلك المآسي والتساؤلات والمخاوف كما يواجهها "أوسكار" تماماً.
الفنان "توم هانكس" والفنانة "ساندرا بولوك" رائعان كعادتهما بدور الأب والأم برغم ظهورهما القصير، وكذلك الفنانة "فيولا ديفيس" لها إطلالة مميزة بدور "آبي بلاك"، والفنان السويدي المخضرم "ماكس فون سايدو" قدّم أحد أجمل أدواره في شخصية الرجل العجوز، فقد كان أداءاً مؤثراً ولقاء ذلك ترشّح لنيل جائزة أوسكار لأفضل ممثل مساعد، والمفاجأة الغير متوقعة هي ترشيح الفيلم لجائزة أفضل فيلم بعام 2011.
فيلم "صاخب جداً وقريب للغاية" هو أقرب للحبكة السعيدة من الحزينة. إنّه يلمس القلب من غير أن يُغضِب العقل. يقول "أوسكار" وهو حزين: "إذا انفجرت الشمس، لن تعرف ذلك لمدة 8 دقائق لأنّها المدة التي يستغرقها الضوء للوصول إلينا، وطوال هذه المدة سيبقى العالم مشرقاً ودافئاً.. ومضت سنة منذ أن توفّي والدي وشعرت بدقائقي الثمانية معه وهي تمضي... ثانية... ثانية!!".