الاثنين، 7 أكتوبر 2013

Howl's Moving Castle 2004


Howl’s Moving Castle

فنتازيا رائعة حول الحياة والحُب والحرب بصحبة "سوفي" و"هاول"

 العملاق "هياو ميازاكي" هو الروح الحارسة للرسوم المتحركة اليابانية، وقد توغّلت هذه الروح في منعطفات وعرة، كالزهرة التي تقاوم الجفاف والرياح كي تحافظ على رحيقها وحيويتها. "ميازاكي" ظل صامداً على الرغم من كون فنّهِ على وشك أن يندثر إلى الأبد. إنّه فنان حقيقي يعمل على الصور المرسومة يدوياً وفق الأسلوب القديم كما عهدناه دائماً، في حين نجد الجميع من حوله مغمورين كلّياً في تقنيات الحاسوب الحديثة.

"قلعة هاول المتحرّكة" هو فيلم تمّ تصميمه بوضوح لفئة المشاهدين الصغار، إلاّ أنّه أيضاً يطرح أسئلة صعبة وتظل مُحاطة ضمن إطار سياقات الأطفال المحدودة. بشكل غير متوقّع، هذه الإحاطة تجعل الأسئلة تبدو أكثر بلاغة وذات مغزى، وبذلك يصبح الفيلم موجّه للكبار قبل الصغار.

تمّ اقتباس الفيلم بحريّة تامّة من قصة أطفال للروائية البريطانية "ديانا وين جونز". القصة تحتوي على قدرٍ من السحر والتعاويذ، وتذكّرنا بسلسلة "هاري بوتر" الرائعة لـ "جي كي رولينغ". النص السينمائي لـ "ميازاكي" يضيف للرواية الأصلية لمسة سحرية مميّزة.

إنّه فيلم مؤثّر حول تقلّبات درجات الحب وعبء الفتوّة والشباب المخيف. تدور أحداثه في مدينة أوروبية خيالية تعج بالمباني الخلّابة والساحات المليئة بالناس، وبرغم جمال المدينة إلّا أنها تقع تحت أسْر الحرب. نلتقي بـ "سوفي" وهي صانعة قبّعات في الثامنة عشرة من عمرها، والتي تعتقد أنها فتاة بسيطة وأقل من عادية، بينما نجد شقيقتها الجميلة "ليتي" محاطة بعدد كبير من الشباب المعجبين لكونها تعمل في أحد المقاهي.

حياة "سوفي" تنقلب رأساً على عقب حين يقوم "هاول" بإنقاذها من جنديين فظّين قاما بمضايقتها. "هاول" هو ساحر سيئ السمعة، ويُشاع أنّه يقوم بأكل قلوب الآنسات الشابّات، والذي يعيش في قلعته الخاصّة المتحرّكة التي تسير على أربعة أرجل طويلة وضعيفة كحشرة عملاقة وتصدر أصواتاً مزعجة، ولكن الشيء الجميل هو أنها محاطة بمناظر طبيعية خلّابة.

واحدة من شخصيات "ميازاكي" الغريبة بشكلها البشع، "ساحرة النفايات" الشريرة والسمينة، وهي عدوّة "هاول". تقوم الساحرة بإلقاء تعويذة سحرية على "سوفي" وتحوّلها إلى امرأة عجوز. كثّفت الساحرة مقدار التعويذة بقسوة مما يصبح مستحيلاً لـ "سوفي" أن تفصح لأحدٍ عمّا حدث لها. كيف يمكن ابطال التعويذة؟ إنّها تعقد العزم على إيجاد "هاول" الذي وقعت في حبّه بطريقة ما وقد لا تعلم بذلك، وتقوم بطلب المساعدة. المغامرات تكشف عن انتكاسات غير متوّقعة، والتي تحوّل الأعداء إلى أصدقاء.

المفارقة الحلوة والمرّة هي حين يكشف "ميازاكي" عن محور حكايته بجعل "سوفي" تصاب بالذعر في البداية عندما تكتشف أنّها أصبحت امرأة عجوز، وبعد ذلك يتلاشى خوفها بحزن وغموض. تُواسي نفسها بمخاطبة انعكاس ظلها البشع: "أنتِ لا تزالين مفعمة بالصحة والحيوية، وهذه الملابس أصبحت تلائمكِ أخيراً". إنّ وجهها تغيّر، ولكن ملابسها لم تتغيّر. هذه الفتاة عانت الكثير في حياتها لأنها تختلف عن معظم الفتيات في سنّها. في وقتٍ لاحق، تجد "سوفي" نفسها قويّة بمقولتها الخاصة: "الأمر الجيّد عندما تكون مسنّاً هو أنّه ليس لديك الكثير لتخسره".

أحد الحقائق العظيمة في فيلم "قلعة هاول المتحرّكة" هي أن "الحياة الشابّة" ليست دائماً نعمة بديعة مهدرة على الشاب. إنّها "تعذيب" للشاب الذي لا يفهمها و"لعنة" على الشاب الذي لا يستحقها. "الحياة الشابّة" يمكن أن تكون اختباراً.

في الوقت الذي لا تعرف مَن مِن المفترض أن تكون، وما تريده في حياتك، وحين لا تملك مالاً أو مكانة أو عائلة أو أصدقاء أو طموحاً، أو على الأرجح حين تقع في حب شخص لا يبادلك نفس الشعور، وحتى الآن لم يتجعّد جلدك الخارجي اللازم لتحمّل الألم، عندئذٍ هنيئاً لكَ حياة التعاسة!! وما أكثر تعاسة من حياةٍ شابّةٍ ذبلت بها زهرة الشباب؟! حياة شاخت قبل أوانها!! هذا الفيلم يحمل رسالة عميقة في هذا الجانب ويدعو بأسلوب مبتكر إلى تقدير الحياة بكل مراحلها العمرية. بالتأكيد هذه أمور لا يفهمها كل الأطفال.

أمّا بالنسبة لـ "هاول"، فلديه مشاكله الخاصة. لقد تمّت مطاردته من قِبَل ساحرة النفايات وساحرة الملك الخاصة، إلى أن تحوّل وجهه الوسيم فجأة إلى شكلٍ بشع. تملأ قلبه الحسرة والغم، ويسأل "سوفي": "ما هي الفائدة من الاستمرار بالحياة إن لم أكن جميلاً ؟! إنّه سؤال مهم، على الرغم من كونه "غير لبق" لأن يُطرح على "سوفي" العجوز. إنّ "سوفي" منزعجة كثيراً من "هاول" وتصرفاته الطائشة، ولكن مع ذلك تحاول السيطرة على نفسها، إلاّ أنّ الغضب يصل بها أحياناً إلى التعبير عمّا يزعجها. تتغيّر ملامح وجهها بشكل ملحوظ عندما تتعمّق في مشاعرها.

"قلعة هاول المتحرّكة" هي الموقع الرئيسي للأحداث، ويجب أن تتعرّفوا على الطاقم بأكمله. "هاول" هو الساحر الشاب الذي يملك القلعة، وبعد أن يصاب بلعنة في قلبه يسعى لتعويض النقص بطرق مختلفة، كأن يطير ليلاً للمشاركة في القتال. عفريت النار "كالسيفر" هو رجل القلعة في غياب "هاول"، وهو الآخر يصاب بلعنة، ومصيره مرتبط بـ "هاول". أيضاً هناك "ساحرة النفايات" والطفل "ماركل" الذي يتدرّب على السحر.

بشكل عشوائي وغير مخطط له، تنضم "سوفي" العجوز إليهم بعد تعرّضها لتلك التعويذة التي لا تستطيع الإفصاح عنها، وقد رحلت عن المنزل دون أن تودّع والدتها وشقيقاتها، وكان هدفها هو الوصول إلى "ساحرة النفايات" لكي تبطل السحر. لم تكن لتدخل القلعة لو لم تشاهد "الرجل الفزّاعة" الذي يتخبّط يميناً ويساراً إلى أن قادها إلى بوابة القلعة، والذي سُمِّي لاحقاً بـ "رأس الفجل". ما إن تدخل القلعة تميل مشاعرها لأن تكون أمّاً لتلك الأرواح الضائعة" "هاول"، و"كالسيفر"، و"ماركل". تكتشف "سوفي" روحها الشابّة، ومثاليتها، وحبّها للمغامرة.

لم يتوغّل "ميازاكي" في تفاصيل الحرب الطاحنة، والتي تبدو كما لو أنها الحرب العالمية الثانية، فالكثير من الأفلام العالمية والبرامج الوثائقية تناولت هذا الموضوع بكل دقّة وتفصيل، ولأنّ "ميازاكي" يبني ركائز قصصه الخيالية على مجريات واقعية، عرض لنا نبذة لما تعنيه حرب الشعوب، ولكنه فضّل أن يعرض لنا حرب الإنسان مع نفسه. هذه الحرب هي أخطر ممّا تبدو عليه، فصراع الإنسان مع عقله وعاطفته و"شكله الخارجي" لن يكون أمراً سهلاً، بل يحتاج للعزيمة والقوة والإيمان والحب كي ينتصر على نفسه ويجد "السعادة"، وإنْ لم تتوفر تلك الأمور فسينهزم شرَّ هزيمة، ولن يجد غير "التعاسة".

عالم أفلام "ميازاكي" يتطلّب استثماراً واعياً من التركيز، وعليكم بإغراق أنفسكم في هذا العالم، وسرعان ما ستجدون أنفسكم عائمين ومنتعشين برقّته وعبقريته وعاطفيته. إنْ كان هناك من يستحق التقدير والثناء بعد "ميازاكي" على روعة أعماله، فلن يكون غير الموسيقار المبدع "جو هيسايشي" الذي صاحبه في كل الأفلام بموسيقاه العذبة الرائعة. الجدير بالذكر هو أنّ هذا المخرج بدأ مسيرته الفنيّة في الستينييات من القرن الماضي، وكان أحد أعماله التلفزيونية الناجحة "فتى المستقبل" أو "عدنان ولينا" الذي قامت بدبلجته للّغة العربية مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، ولا يزال يعرض على القنوات العربية ويحرص الصغار والكبار على متابعته بشغف.

تم إنتاج الفيلم باللغة اليابانية، وبعد ذلك قامت شركة "ديزني" بدبلجته للإنجليزية بالاستعانة بممثلين رائعين، كالفنان "كريستيان بيل" الذي أدى شخصية "هاول" بشكل جميل، و"سوفي" نالت صوتين مختلفين للقيام بأداء شخصيتها وهي شابة وعجوز، وقد أبدعتا كلٌ من "إيميلي مورتيمر" و"جين سيمونز" في هذه المهمة. "لورين باكال" و"بلايث دانر" قامتا بأداء دورَيْ الساحرتَين بإتقان. الفنان الكوميدي "بيلي كريستال" أضاف لمسات جميلة على الفيلم بأدائه لشخصية "كالسيفر". ترشّح الفيلم بعام 2005 لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم كارتوني.
"قلعة هاول المتحركّة" ستظل دائماً تتحرّك في قلوبنا مهما حدث، لأن هذا الفيلم استطاع بطريقة ما أن يلقي تعويذة سحرية استهدفت قلوبنا، ولكننا لن نحاول أن نبطل السحر مثل "سوفي"، بل نريد أن نظل تحت تأثيره. في مشهد مؤثر بين العجوز "سوفي" والطفل "ماركل" حينما كانا يجلسان في أحد أجمل بقاع الأرض، تقول له بصوت هادئ والابتسامة مرتسمة على وجهها: "حين تكون مسنّاً، كل ما توّد فعله هو أن تجلس محدّقاً بمنظرٍ كهذا.. إنّه لأمرٌ غريب!! لم أشعر بمثل هذا الهدوء والأمان من قبل!!".



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق