الاثنين، 9 ديسمبر 2013

Out of Africa 1985


Out of Africa

ملحمة رومانسية في رُبوع أفريقيا مع صيادٍ وبارونة

 



في أحد المشاهد نعيش تلك اللحظة، حيث كانت هناك لبؤة على وشك أن تهجم، ولكنها لم تفعل. البارونة كانت تمتطي حصانها وتتجول في المرج، ثم تنزل من على ظهرهِ وتترك بندقيتها بعد أن اندفع الحصان بعيداً. الآن يبدو أنّ اللبؤة ستقوم بتغيير موقفها، ولكن نسمع من وراء البارونة صوتاً هادئاً ينصحها بعدم التحرّك والبقاء ساكنة. الصوت يقول: "إنها ستذهب بعيداً"، وبالفعل تذهب اللبؤة بعد أن تشبع فضولها. هذا المشهد يؤسّس اللحظة الرئيسية لفيلم "خارج أفريقيا". البارونة في رحلة السفاري مع صاحب الصوت الهادئ وهو صيّاد يدعى "دينيس".
الفيلم مبني على حياة وكتابات البارونة الدنماركية "كارين بليكسن" التي تزوّجت من شقيق عشيقها بشكل عفوي وغير مخطط له وانتقلت معه إلى كينيا بشرق أفريقيا، وهناك أدارت مزرعة بُنّ على منحدرات كيليمانجارو، ولاحقاً حين أفلست المزرعة بدأت بكتابة كتبٍ حول تجاربها. "خارج أفريقيا" و"سبع حكايات قوطية" هما أروع كتبها التي نشرتها تحت اسم مختلف، ولكن ليست الكتب هي مصدر الإلهام الكلّي للفيلم. ما نراه هو قصّة حب عميقة وقديمة الطراز تُروى بهدوء وعناية فائقة وتجعلنا نتوغّل في مشاعر الشخصيات.
بالإضافة للبارونة "كارين" والصيّاد "دينيس"، هناك أيضاً شخصية رئيسية أخرى، وهو البارون المفلس "برور" الذي تتزوجه البارونة. إنه يبتسم دائماً ووجهه بشوش ويحبها بما فيه الكفاية، ولكن مع ذلك لا يبدو أبداً أنه يتوافق مع طبيعتها. تصاب "كارين" بمرض الزهري وتعود إلى وطنها لتلقّي العلاج وكانت الحرب قد اندلعت حينها، وفي نفس الوقت نراها تدخل حرباً مع مرضها، وسلاحها هو الدواء، وبعد أن تتماثل للشفاء ترجع مجدداً إلى أفريقيا التي تشعر فيها بأنها في منزلها أكثر من وطنها الدنمارك. تكتشف "كارين" لاحقاً أن "برور" يخونها مع امرأة أخرى وتطلب منه بهدوء مغادرة المنزل. يعود إليها لاحقاً ويطلب المال بعد أن انتقل "دينيس" للعيش في مزرعتها.
تدور أحداث الفيلم في فترة غريبة من التاريخ، حيث كانت دول شرق أفريقيا – كينيا وأوغندا وروديسيا وغيرها – تجذب المواطنين الأوروبيين للعيش فيها والاستقرار بعد أن شعروا بالقلق والاستياء إثر بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى. الكثير منهم اختار الاستقرار في كينيا لأن جوَّها لطيف والحياة فيها هادئة نسبياً. في أحد المشاهد المؤثرة نرى "كارين" وهي تتوسّل إلى المحافظ البريطاني وتدعوه إلى تقديم أرضٍ للإفريقيين الذين يعيشون في مزرعتها المفلسة.
قبل تلك اللحظة، لم يبدُ أنها كانت مهتمة بالإفريقيين بهذا الشكل، ما عدا مشرف الأعمال العجوز بمزرعتها الذي يصبح صديقاً مقرّباً لها. إنّها تغرق في أمواج المشاعر التي تجتاح حياتها.
إنّه يريد أن ينقل "أشياءه" إلى منزلها، ولكنّه لا يريد أن ينقل "نفسه". إنّه يريد الالتزام، وكذلك يريد الحرّية الشخصية. غموضه نحوها مثل غموضه نحو الأرض. هكذا هو "دينيس"، ولأنّ فيلم "خارج أفريقيا" تمّ إخراجه وكتابته وتمثيله بمنتهى الإتقان، لا نرى تصرفاته متعمّدة أو فاسدة ولكن كجزء من التناقضات هو يحتاج للبقاء بمفرده في أرضٍ مجتمعها الأبيض منظّم بشكلٍ صارم.
البارونة لا تحتاج لمثل هذه الأمور، فإنها تجسّد تناقضات كافية في حياتها. في أرضٍ إفريقية حيث السود أجانب حسب الاعتقاد السائد لدى المستعمرين، هي تعتبر نفسها أجنبية بيضاء وتضع لنفسها حدوداً لا تتجاوزها. إنّها تكتب وتفكّر بدلاً من الثرثرة والشرب، وتدير مزرعتها الخاصة بنفسها ولا تعير اهتماماً بما يدور من أقاويل وإشاعات في المنطقة. في ذلك الصيّاد، تجد البارونة روحاً تطابق روحها والتي تقود في نهاية المطاف إلى تراجع العلاقة بينهما.
"خارج أفريقيا" هو فيلم مذهل ويستحق المشاهدة، حيث يتمحور حول المشاعر المعقّدة والمنجرفة نحو المجهول، والمخرج "سيدني بولاك" ينجح في تكوين الرؤية السينمائية الدقيقة لهذا الفيلم بعبقريته وفنّه. الفنانة العظيمة "ميريل ستريب" هي هديّة ثمينة لكل مخرج يريد تحقيق الإبداع في السينما، وهي تصلح لأداء مختلف الشخصيات، وفي هذا الفيلم تؤدي دور البارونة "كاريل" بأسلوب مميّز ورائع، خصوصاً حين نستمع إليها وهي تتحدث الإنجليزية بلكنة تبدو وكأنها ليست لغتها الأصلية، ونصدّق فعلاً أنها دنماركية.
الفنان "روبرت ريدفورد" أبدع في أداء شخصية الصيّاد "دينيس"، حيث أظهر فيها الجانب الغامض والمثير للريبة، مما يجعل المشاهدين في حيرة من أمرهم. أدّى دور البارون "برور" النجم النمساوي "كلاوس ماريا برانديور".
كتب النص السينمائي "كرت ليودك" وبقي مخلصاً لكتاب البارونة "كارين بليكسن"، واستطاع جمع خيوط القصة وصياغة الأحداث بالشكل المطلوب. الموسيقار الراحل "جون باري" يستحوذ طوال الوقت على مشاعرنا بموسيقاه الخلّابة التي تنقلنا إلى رحلة السفاري مع الشخصيات، ولا تكتمل الروعة إلاّ بعدسة الفنان "ديفيد واتكن" الذي يتيح لنا رؤية المناظر الرائعة في أدغال أفريقيا.
حاز الفيلم على 7 جوائز أوسكار بعام 1985 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير وأفضل تحرير صوتي، وقد ترشّح أيضاً لنيل 4 جوائز أخرى لأفضل ممثلة "ميريل ستريب" وأفضل ممثل مساعد "كلاوس ماريا برانديور" وأفضل تصميم أزياء وأفضل مونتاج. هذا الفيلم هو ملحمة رومانسية راقية، ويقول "دينيس": "لم يُخلَق صوت مثل صوت موسيقى موزارت"، وأنا أؤكد قوله هذا والفيلم كذلك، حيث افتتح الفيلم مَشاهده بمعزوفة كلارينيت لهذا الموسيقار العملاق.
البارونة "كارين" موهوبة في سرد القصص الارتجالية وهي تحتاج فقط إلى الجملة الافتتاحية للقصة حتى تبدأ بسردها. كان "دينيس" يجلس مع "كارين" وزوجها، وقد زوّدهت بجملة افتتاحية حول رجل صيني باسم غريب يعيش في منطقة غريبة، و"كارين" أكملت القصة بأسلوب مشوّق وأدهشتهما، فاستغرب "دينيس" من معرفتها بتلك المناطق وثقافاتها، وهي أخبرته أنها تحب السفر بعقلها وذلك لا يحتاج للطعام أو النوم.
نصل لاحقاً مع توالي الأحداث في الفيلم إلى جملة افتتاحية أخرى من "دينيس" تقول: "كانت هناك امرأة شابة من الدنمارك، صعدت على متن باخرة متّجهة نحو قناة السويس..." وتكملها "كارين" وتقول: "وكانت هناك عاصفة... قادمة من المغرب، وانجرفت الباخرة باتجاه اليابسة على شاطئٍ... على شاطئٍ أبيض... شاطئٍ شديد البياض". لم تستطع حتى إكمال الجملة الافتتاحية في قصة حياتها، فقد كانت متوترة وتشعر بالضيق، والحزن بادٍ على وجهها، فتنهض من على الطاولة متوجهّة إلى الخيمة. كم كان مشهداً مؤثراً.
الفيلم يلتقط وبشكل جميل ومؤلم آخر الأوقات إثارةً في آخر الأماكن البريّة على وجه الأرض، ممّا يجعلني أشعر حقّاً بأنّي غبت عن شيءٍ رائع بكوني وُلِدْتُ بعد فوات الأوان.
 


 

الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

Stardust 2007


Stardust

فنتازيا رومانسية مليئة بالمغامرات والتشويق مع "تريستان" و"إيفين"

 

كم هو أمرٌ رائع ومدهش أن نشاهد قصّة خيالية حول السحرة واللصوص والأمراء والقراصنة. فيلم "رماد نجمة" يروي قصة نجمة تسقط من السماء ويلتقطها رجلٌ شاب. إنّه فيلم جميل وفاتن، يأخذنا في رحلة مدهشة تفوق الخيال. الفيلم مأخوذ من رواية الكاتب الشهير "نيل غيمان"، وأخرجه "ماثيو فون" الذي قام أيضاً بكتابة النص السينمائي مع زميلته "جين غولدمان"، والنتيجة هي تحفة خيالية كلاسيكية لا تُنسى.
الشاب "تريستان" يعيش في قرية غريبة يُطلق عليها اسم "الجدار"، وذلك بسبب الطوب القديم الذي يحيط بها من كل جانب، وسكّانها يشعرون بالأمان والطمأنينة لأن هذا الجدار يحميهم من الأخطار التي تكمن خلفه. بطلنا الشاب مفتون بفتاة جميلة ومغرورة تُدعى "فيكتوريا"، وفي إحدى الليالي تَعِدُه بالزواج بشرط أنْ يُحضر لها نجمة سقطت من السماء، وهكذا يهرب "تريستان" من قرية الجدار للسعي وراء مهمّته الصعبة، وحينها لم يدرك أن النجمة التي يبحث عنها ستكون في هيئة فتاة مضيئة.
هذه الحبكة لوحدها تكفي لأيّة قصة خيالية، فماذا سيكون أجمل من نجمة تسقط من السماء في هيئة فتاة؟! تلك هي البداية فقط، حيث ستحيط بمغامرات "تريستان" عدّة حبكات لا تخطر على البال. ننتقل إلى مملكة "ستورمهولد" السحرية، ونلتقي بالملك العجوز الذي يحتضر، ومن حوله نرى أبناءه المتعطّشين للسلطة، والذين هم على استعداد لقتل أحدهم الآخر من أجل الفوز بالعرش الملكي.
الأمراء المقتولون يظلّون موجودين في القصة كأشباح، وبالنسبة لهم هذه هي مرحلة مؤقتة تسبق الموت، ولن يموتوا ما لم يعثر أحد الأشخاص على الحجر الكريم الذي أخفاه الملك العجوز قبل موته، حيث من يعثر عليه سيكون هو ملك "ستورمهولد". الحجر بالتأكيد هو بحوزة النجمة "إيفين".
تأخذنا المغامرة أيضاً إلى ثلاث ساحرات شريرات يتمنين الحصول على قلب نجمة من أجل استعادة شبابهن وجمالهن وخداع الموت مرّة أخرى. تقوم إحداهن باستخدام ما تبقّى من السحر لاسترجاع شبابها بشكل مؤقت حتى تتمكن من الذهاب والبحث عن النجمة. تلك الساحرة الشريرة تُدعى "لميا". سنكون أيضاً على موعد مع القبطان الغامض "شكسبير" الذي يملك سفينة قرصنة تتجول بين الغيوم، وهو معروف لدى الجميع بأنّه شرير ولا يرحم، فما هو المصير الذي ينتظر بطلنا الشاب إنْ يمسك به هذا القبطان الشرير؟!
يبدو الأمر أنّ كل تلك الحبكات ستكون كثيرة لفيلم واحد، ولكن هناك توازن دقيق في النص السينمائي الذي تمت صياغته من المخرج، ولا يعني ذلك أنّ كل حبكة تأتي بعد الأخرى، بل جميع الحبكات تتداخل مع بعضها وتتفاعل بأسلوب مشوّق للغاية. في منتصف رحلة السحر والعجائب هناك جرعة كبيرة من الفكاهة والمرح كالتي اختبرناها في الفيلم الرائع "الأميرة العروس" للمخرج المبدع "روب راينر".
الفنان الكبير "روبرت دي نيرو" لعب شخصية القبطان "شكسبير" بشكل رائع جداً، واستطاع أن يجمع الشر مع الكوميديا في أدائه المتقن، ولا ننسى الفنانة الرائعة "ميشيل فايفر" التي لعبت دور الساحرة "لميا" بإبداع، ولم نعهدها سابقاً بهذا الشر. الفنان "تشارلي كوكس" لم يكن مشهوراً في بداياته البسيطة، وكانت فرصة العمر بالنسبة له بأداء شخصية البطل الشاب "تريستان"، وقد استطاع أن يبهرنا بأدائه المميّز. النجمة "كلير دينس" لعبت دور النجمة "إيفين" التي سقطت من السماء، وقد أدت الدور بشكل مذهل جداً. الفنانة "سيينا ميلر" بظهورها القصير قدّمت أداءاً مميّزاً لشخصية "فيكتوريا"، وكذلك الفنان المخضرم "بيتر أوتول" أتحفنا بإطلالته الرائعة في دور الملك العجوز.
طاقم الممثلين كان مدهشاً جداً بوجود نجومٍ كبار ومواهب شابّة مميزة، والفضل يعود للمخرج "ماثيو فون" الذي تمكّن من بناء فيلمه على أساس قوي، ابتداءاً بالنص السينمائي الدقيق، مروراً بالموسيقى المذهلة لـ "إيلان إشكيري"، وجميع الفنّيين المبدعين الذين جعلوا الفيلم بهذا المستوى الراقي من خلال التصوير الخلّاب والمؤثرات البصرية المتقنة. فيلم "رماد نجمة" الذي أنتِج بعام 2007 هو وليمة للعيون والقلوب.
كيف سيكون حال النجمة "إيفين" وهي مُطارَدة من شاب عاشقٍ يريد تقديمها هدية لمعشوقته، ومن أمراء متعطّشين للسلطة، ومن ساحرة شريرة تحلم باستعادة شبابها وجمالها، وكثيرين غيرهم؟! ستجدون الإجابة من خلال مشاهدتكم لهذا الفيلم المدهش.
 


 

الأحد، 1 ديسمبر 2013

The Count of Monte Cristo 2002


The Count of Monte Cristo

 رائعة "أليكساندر دوما" تعود لمجدها العريق في رؤية سينمائية عظيمة

 


فيلم "الكونت دي مونت كريستو" يجسّد القرصنة و"نابليون بونابرت" في المنفى والخيانة والسجن الانفرادي ورسائل سريّة وأنفاق للهروب وخريطة كنز ومجتمع باريسي مخملي وانتقام لذيذ. كل هذه الأمور سنراها خلال ساعتين مع ممثلين في غاية الروعة. هذه هي المغامرة التي احتلّت العصر الذهبي، والآن نشعر بأننا نعيشها لأول مرّة.
النجم "جيمس كافيزيل" يؤدي دور "إدموند دانتيس" وهو شاب بسيط يهوى المغامرة ويتعرّض للخيانة من قِبَل صديقه المقرّب "فيرناند مونديغو" الذي يؤدي دوره النجم "غاي بيرس". بهذا يُرسَل "إدموند" للحبس الانفرادي في جزيرة السجون النائية، ويمضي سنيناً هناك وينمو غضبه ببطىء بقدر ما ينمو شَعره، إلى أن يأتي ذلك اليوم ويحدث شيءٌ مدهش.
يتحرّك حجرٌ في الزنزانة ويظهر "فاريا" العجوز. إنّه يملك شَعراً أكثر من "إدموند" نفسه، ولكنّه أكثر مرحاً وحيوية منه، وقد احتفظ بالأمل على مرّ السنين من خلال حفر نفقٍ للهروب. للأسف، بالحفر في الاتجاه الخاطئ وصل إلى زنزانة "إدموند" بدلاً من الوصول لخارج القضبان!!
يقول "فاريا" لـ "إدموند": "هناك 5119 حجراً في جدران زنزانتي، وقد أحصيتهم جميعاً". إنّه يستطيع التفكير في أفضل الطرق لقتل الوقت، ويقوم بتجنيد "إدموند" للعمل معه من جديد في حفر أنفاق للهروب، ويعطيه دروساً خاصة في الفنون العقلية والجسدية، ويدرسان معاً فلسفات "آدم سميث" و"مكيافيللي". يقوم "فاريا" أيضاً بتعليمه فنون الدفاع عن النفس والقدرة على الحركة بسرعة عمياء.
منتصف الفيلم يدوم بما يكفي لتوضيح ما ستبدو عليه النهاية، ولكن الفصل الثالث يعيدنا من جديد للمجتمع بعد أن قام "فاريا" بتزويد "إدموند" بخريطة كنز، وتلك الكنوز ستموّل حفلته التنكّرية وستكشف النقاب عن الشخصية الوهمية "الكونت دي مونت كريستو".
غنيٌ، غامضٌ، ومليء بالألغاز. إنّه يبهر الإرستقراطيين ويقيم حفلات مترفة، وكلها كمينٌ لـ "فيرناند مونديغو"، في حين يستعيد لحظات حبّه القديم بلقاء الشابة الجميلة "ميرسيدس". القصة بالطبع مقتبسة من رواية شهيرة للكاتب الفرنسي "أليكساندر دوما"، وهذا الفيلم كان مخلصاً للرواية وأظهرها بالهيئة الرائعة التي هي عليها.
الكاتب "جاي وولبرت" أتقن صياغة نصّه السينمائي الأول بشكل متسلسل ومنتظم ودقيق، والذي كتب من بعده نصوصَ سلسلة "قراصنة الكاريبي" الشهيرة. المخرج "كيفن رينولدز" له الفضل في إعادة مجد هذه الرائعة الأدبية من خلال هذه التحفة السينمائية، وهو متميّز في الأعمال التاريخية التي لا تخلو من المغامرات، كفيلمه السابق "روبن هود: أمير اللصوص"، وأيضاً فيلم "تريستان وإيزولد" الذي يعتبر من أشهر الملحمات الرومانسية التاريخية.
النجمان "جيمس كافيزيل" و"غاي بيرس" نشعر بارتباطهما معاً كثنائيّ بقدر ما يحملانه من حقدٍ تجاه أحدهما الآخر في أحداث الفيلم. لقد تقمّصا شخصيتيهما بشكلٍ عميق ونحن كمشاهدين نعيش الحرب النفسية التي يخوضها البطلان ونترقّب ما سيحدث بفارغ الصبر. الفنان الراحل "ريتشارد هاريس" في آخر أدواره السينمائية غير سلسلة "هاري بوتر" العظيمة، والذي أدّى فيها دور "دامبلدور" ووافته المنيّة قبل إكمال الأفلام الستّة اللاحقة. في هذا الفيلم نشعر بجهوده المبذولة في تقمّص الشخصية برغم كبر سنّه، فشخصية السجين "فاريا" تتطلّب قوة جسدية وهذا الفنان بذل كل ما في وسعه لكي تظهر الشخصية بالشكل المطلوب، وقد أبدع حقاً. تم إنتاج الفيلم بعام 2002.
المنحدرات المختلفة والحُصون والسُجون وجزر الكنز والقصور ظهروا بالشكل المناسب تماماً، ومَشاهد القتال تمّت تأديتها بمهارة وإتقان. لا شيء أغرب من طبيعة الإنسان التي تجعل من الانتقام طبقاً لذيذاً حين يكون الغفران هو الشيء الذي يجب فعله، ولكن "هوليوود" دائماً ما تستفيد من هذا "الفشل الإنساني" في إنتاج أفلام رائعة ومؤثرة كهذا الفيلم. لكي نكون منصفين، جزء من الانتقام لا يخلو من العدالة، فجميعنا نريد تحقيق العدالة وأن نقف في وجه الظلم والغدر. "إيدموند دانتيس" تعرّض لأبشع خيانة وسُلِبت منه كرامته ومحبوبته وسنوات عمرِه، فكيف له أنْ لا ينتقم؟!


 

السبت، 30 نوفمبر 2013

The Secret Life of Bees 2008


The Secret Life of Bees

قصة تتوغّل في اكتشافات الماضي ومشاكل الحاضر وآمال المستقبل

 

كصورةٍ واقعية للحياة في ريفِ "كارولاينا الجنوبية" بعام 1964، فيلم "الحياة السرّية للنحل" يحلم حلماً مستحيلاً. كقصةِ حبٍّ وأمل، إنّه ساحرٌ وخلّاب. هل يجب أن يكون مؤلماً؟ ليس بالضرورة، فنحن نستشعر الألم في قلب السعادة، والحياة بلا ألم لا تجلب الأمل.
إنّ هذا الفيلم سيُرضي كل عشّاق الرواية الشهيرة التي كتبتها "شو مونك كيد"، وقد وصفها أحد النقّاد بالرواية الخضراء، الحلوة، الرقيقة، وكذلك وصفها بـ "الصحّية"، وكم هو وصفٌ غريب ونادر. بمشاهدة هذا الفيلم سنرى أنّ كل تلك الصفات موجودة في قلب القصّة.
قبل كل شيء، الفيلم يحتوي على شخصيات رائعة يؤديها نجومٌ رائعون. الفنانة "كوين لاتيفا" تمزج الإيمان والفكاهة والعظمة في شخصية "أوغست بوترايت"، والتي تبدو كعرّابة جنيّة. إنّها تعيش في منزلٍ لونه مثل لون أرنب عيد الفصح، وتقوم بجمع العسل من أجل كسب لقمة العيش، ومعها شقيقتيها "جون" وهي عازفة على آلة التشيلو وناشطة حقوق مدنية، و"ماي" التي تعيش حالة اكتئاب ولا تقوى على أي شيء يثير الحزن والألم.
على بُعد أميال، تعيش الفتاة المراهقة "ليلي أوينز" مع والدها القاسي. صديقتها المقرّبة ومن تدافع عنها هي الخادمة السوداء "روزالين"، وتتحمّل قسوة الأب لأنّها لا تريد الابتعاد عن "ليلي". في أحد الأيام تصل الجرأة بـ "روزالين" لأن تحاول تسجيل اسمها في التصويت العام، وإثر ذلك تتلقّى الضرب المبرح من العنصريين. النتيجة بالطبع هي اعتقالها، فتقوم "ليلي" بمساعدتها على الهروب، ومعاً تتّجهان إلى مدينة "تيبورون" التي تعرفها بسبب عثورها على شيء أثار فضولها في مقتنيات والدتها الراحلة، وهذا الشيء هو ملصق لزجاجة عسل.
تصل "ليلي" و"روزالين" إلى عتبة باب منزل "أوغست". تقوم بإدخلاهما على الرغم من استياء شقيقتها "جون". هنا تماماً تبدأ القصة الرئيسية التي تتضمن اكتشافات الماضي ومشاكل الحاضر وآمال المستقبل. هناك العديد من الأحداث الميلودرامية في الفيلم، وقد تم عرضها بأسلوبٍ شيّق، ولن يفيد أن أكشفها لكم هنا.
النجمة "داكوتا فانينغ" لطالما بدت كامرأة ناضجة أكثر من مجرد فتاة مراهقة، وفي هذا الفيلم أبدعت في تقمّص شخصية "ليلي" بجرأتها وصراحتها. النجمة البريطانية "سوفي أوكونيدو" تضفي للفيلم نكهة حزينة ولكن رائعة من خلال أدائها المميز لشخصية "ماي" التي تمر بالعديد من التحوّلات العاطفية، والأسباب مقنعة جداً. أداؤها المبهر في فيلم "فندق رواندا" كان سبباً رئيسياً لاختيارها لهذا الدور. الفنانة "أليشا كيس" تثبت أنها ليست فقط مغنيّة بل ممثلة موهوبة أيضاً، فقد لعبت شخصية "جون" المعقّدة بشكل جميل للغاية.
الفنانة "جينيفر هادسون" أبهرت الجميع بأدائها المذهل في الفيلم الموسيقي الاستعراضي "فتيات الأحلام"، وقد كان فيلمها الأول، إلّا أنّ ذلك لم يمنعها من الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة. في هذا الفيلم أدّت دور الخادمة "روزالين" بإبداع وأثبتت لنا موهبتها الفريدة. المخرجة "جينا برينس بيثوود" قدّمت عملاً رائعاً في تجربتها الاخراجية الأولى للسينما، وهي أيضاً من كتبت النص السينمائي باقتباسه من الرواية الأصلية.  تم إنتاج الفيلم بعام 2008.
"الحياة السرّية للنحل" هو فيلم رائع ومؤثر يعيدنا إلى الماضي لنعرف مِن أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون، ويعلّمنا كيف نتغلّب على الحزن لنجعل حياتنا أكثر إشراقاً وسعادة. لقد تأثرت كثيراً بالفيلم لأنه يكرّم رواية أحبّها الكثير من القرّاء لأسباب كثيرة. وجود عائلة مثل "أوغست بوترايت" وشقيقتيها هو حلم جميل، وفي تلك الأيام العصيبة، كان المجتمع بحاجة لأن يحلم.
 


 

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

Seabiscuit 2003


Seabiscuit

قصة ثلاثة رجال وأسطورة عظيمة!!

 

"سيبيسكِت" كان حصاناً صغيراً وكسولاً، ووظيفته الوحيدة هي الأكل والشرب، ولم يكن يحسن التصرّف. كان هذا قبل أن يقابل الرجال الثلاثة الذين جعلوا منه أعظم أسطورة رياضية محبوبة من قبل الجماهير في ثلاثينيات القرن الماضي.
الرجال الثلاثة هم: المالك "تشارلز هاورد" الذي برع في مجال السيارات، والمدرب "توم سميث" الذي سُمِّيَ بالأحمق لمجرد التفكير في أن بإمكانه معالجة الأحصنة التي يعجز غيره عن معالجتها فيقتلونها، والفارس "ريد بولارد" الذي بدأ بالعمل كمنظّف اسطبل، ولأنه يمر بحالة من الإكتئاب الشديد، لم يتردّد في أداء أي عملٍ كان.
فيلم "سيبيسكِت" مقتبس من الكتاب الذي حقّق أعلى المبيعات للمؤلفة "لورا هيلينبراند" وهو يحكي بالتفصيل قصة هؤلاء الرجال الثلاثة مع الحصان في ظل الأزمة الاقتصادية في تلك الفترة. الاكتئاب سيطر على أمريكا لأقصى درجة، وأفراد المجتمع أرادوا شيئاً يؤمنون به، وبطريقة ما وجدوا الحصان "سيبيسكِت" والرئيس "روزفيلت" شيئين جديدين.
القصة تمتلك المادة الكلاسيكية لفيلم رياضي، وتدعو الجميع للجلوس على المدرّج لمشاهدة سباقِ أحصنةٍ رهيب في النهاية، ولكن المخرج فضّل التروّي في فصول الفيلم، وافتتحه بمقدمة عذبة لتلك الفترة من الزمن، وحياة هؤلاء الرجال الثلاثة قبل ظهور الحصان، ومن جديد نرى المعركة الكلاسيكية بين السيارة والحصان، لكون السيارة اختراعاً حديثاً يطغى على بساطة الحصان.
"تشارلز هاورد" يبدأ حياته كبائع دراجات، وبعد فترة يتخصّص في تصليح السيارات، وإذا به يتحوّل إلى مليونير يشتري مزرعة ضخمة ويحوّل الاسطبلات إلى مواقف للسيارات، وبعد مأساة عائلية يغيّر نشاطه ويصبح مالك ومربّي أحصنة، ومع توالي الأحداث يلتقي بـ"ريد بولارد" و"توم سميث"، ويكتشف "تشارلز" أنه يمتلك كل شيء إلا حصاناً، و"توم" لديه ثقة بالحصان "سيبيسكِت"، ويشعر أنه يستطيع أن يتواصل معه بقلبه.
الفيلم لا يرتكب الخطيئة الكبرى بمعاملة الحصان كإنسان. إنه حصان طوال الوقت!! حصان قادر على الركض بسرعة رهيبة وتصعب هزيمته، وذلك حين يكون تحت تأثير استراتيجية "توم" وحُب "ريد". السباقات في الفيلم مثيرة جداً، والأمر يعود للمخرج "غاري روس" والمصوّر المبدع "جون شوارتزمان"، ونشاهد مدى روعة التصوير باللقطات القريبة للمتسابقين، ويصعب علينا أن نحدّد مكان الكاميرا، لأنّ عيوننا معلّقة طوال الوقت على الأحصنة والفرسان الذين يسعون للفوز بأيّة طريقة.
ليست الأحصنة وحدها من تتنافس، ولكن مالِكيها يتنافسون أيضاً، ونراهم ينظّمون للسباق القادم بكل جهد، ويبدأ الرهان بين الجماهير، وظهور الإشاعات، والتضخيم الإعلامي، وتوقّف الحياة تماماً إلى حين انتهاء السباق.
من أكثر الشخصيات تأثيراً في الفيلم هي شخصية "توم سميث"  الذي يلعب دوره الفنان "كريس كوبر"، وقد بدا مسناً وشاحباً وضعيفاً، ولا ننسى الفنان "جيف بريدجز" الذي أدى دور "تشارلز هاورد" بإبداعٍ وإتقان، والنجم "توبي ماغواير" في شخصية "ريد بولارد" أبدع هو الآخر في أدائها.
فيلم "سيبيسكِت" هو فيلمٌ رائعٌ جداً ويحمل رسالة إنسانية في الشجاعة والعزيمة والإصرار على الفوز، وقد ترشح لنيل 7 جوائز أوسكار بعام 2003 لأفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تحرير صوتي وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل مونتاج وأفضل تصوير. في أحد مشاهد الفيلم سمعت مقولة أعجبتني كثيرا لـ "تشارلز هاورد"، فقد قال: "الحصان صغيرٌ جداً، والفارس كبيرٌ جداً، والمدرّب مسنٌ جداً، وأنا غبيٌ جداً لأحدّد الاختلاف".
في نهاية الفيلم يراودنا شعورٌ جميل، وتتملّكنا رغبة في البكاء، ليس بسبب الحزن، ولكن بسبب الشجاعة والعزيمة، وبسبب تعلّقنا بالحصان "سيبيسكِت" وإحساسنا به، وبما عاناه مالِكُه من ألم، وما مرّ به المدرب "توم" من شقاء، وما حدث للفارس "ريد" أيضاً لم يكن أمراً سهلاً أبداً.
 


 

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

Moonstruck 1987


Moonstruck

كوميديا رومانسيّة حول الحياة والعائلة والحُب

 


إنّ ما نشاهده من سحرٍ وروعة في فيلم "ضربة قمر" يصعب وصفه. الفيلم فريد من نوعه، ويتميّز بنغمته المميزة. نقّاد الفيلم يميلون إلى جعله يبدو مثل كوميديا عِرقيّة جنونية، فقط لا غير. لكن هناك أمور أخرى، مثل الشوق والحنين والصبا، الذين يتوغّلون في القصة برومانسية لا توصف. هناك أيضاً ميزة سحرية، والتي هي منعكسة في عنوان الفيلم.
الفيلم من بطولة الفنانة "شير" التي تلعب دور "لوريتا"، وهي أرملة أمريكية من أصل إيطالي، وعمرها 37 عاماً. لكنّها ليست الوحيدة التي تتعرّض لضربة قمر في الفيلم. هناك أيضاً "الليلة المُقمِرة" التي تخرج فيها والدتها متوجهة للمطعم وحدها، وتلتقي بأستاذ جامعي كهل، وهو متخصّص في إغواء طالباته الشابّات، غير أنّه يجد في هذه المرأة الناضجة جاذبية لا يمكن إنكارها. السيد "كاستروني"، والد "لوريتا"، يمرّ بعلاقة غرامية سريّة مع امرأة تدعى "مونا".
في قلب القصة، هناك "لوريتا" التي تكتشف أنها لا تزال قادرة على الحُب. مع افتتاح الفيلم، نجد أنّها مخطوبة للسيد "جوني"، ليس بدافع الحب بقدر الضجر والتعب، ولكن بعد سفره إلى إيطاليا ليكون بجانب والدته المحتضرة، تذهب "لوريتا" للتحدث مع "روني"، الشقيق الأصغر لخطيبها، وذلك لتدعوه إلى حفل الزفاف. الأمر الصاعق والغير متوقع هو وقوعهما فوراً في الحب.
الفيلم من إخراج "نورمان جيويسون"، وكتَبَ القصة المبدع "جون باتريك شينلي"، الذي كتب لاحقاً النص السينمائي المذهل لفيلم "الشك". إنّه عبارة عن كوميديا جماعية، والكثير من الضحكات تنبثق من الإحساس الذي خلقه كلٌ من "جيويسون" و"شينلي". هناك لحظات مرحة تنطوي على الغضب الذي تشعر به السيدة "كاستروني" تجاه والد زوجها العجوز الذي يعيش مع كلابه في الدور العلوي. تقول له ذات مرة أثناء وجبة العشاء: "قدّم إلى كلابك لُقمة أخرى من طعامي أيها  العجوز، وسوف أركلك حتى الموت!!".
بما أنّ "جوني" سيمكث مع والدته المريضة لفترة، نجد علاقة "لوريتا" و"روني" تصبح جديّة أكثر، وتعرف "لوريتا" لاحقاً سبب الخلاف والكره بين الشقيقين. يخبرها "روني" أنّه في أحد الأيام أتى إليه شقيقه "جوني" إلى المخبز وصرف انتباهه على العمل، وفي تلك اللحظة تقطّعت أصابع يديه في آلة تقطيع الخبز، ونتيجة لذلك تركته صديقته التي كان يأمل بالزواج منها. الآن هو يلبس يداً صناعية، والضغينة تملأ قلبه. في مشهد مؤثر يصيح قائلاً: "فقدتُ يدي وفقدتُ خطيبتي!! جوني لديه يده ولديه خطيبته!!".
لكن الضغائن والجروح القديمة نجدها في كل مكانٍ من الفيلم. السيدة "كاستروني" مثلاً، تعرف أن زوجها على علاقة بأخرى، فتسأل من أعماق قلبها: "لماذا يجب أن يحدث ذلك؟؟" ويُجيب الصديق: "لأنه خائف من الموت". تعرف حالاً أن هذا هو السبب. لكن، هل هذا السبب يجعلها تتعاطف مع زوجها؟ ربّما، وبصعوبة.
في إحدى الليالي، عند عودة السيد "كاستروني" للمنزل، تسأله زوجته: "أين كنت؟". يرد: "لم أذهب إلى أي مكان". ثم تقول له أنها تريده أن يعرف أمراً واحداً فقط. "أينما تذهب، ومهما تفعل.. ستموت ذات يوم، كأي شخصٍ آخر". بعد ذلك ينظر إليها بصمت.. بعَينَيْ الرجل الذي تزوّج هذه المرأة منذ أكثر من 40 عاماً، ويقول لها: "شكراً يا روز". تلك اللحظات نمرُّ بها كثيراً في حياتنا، ولكن هؤلاء يقعون تحت تأثير القمر، الذي يسحرهم بجماله ويحميهم من عواقب الضعف الذي يشعرون به.
الفيلم رائع بأداء الممثلين، والفنانة "شير" التي بدأت مشوراها الفني كمغنية ولا تزال ألبوماتها الغنائية تكتسح الأسواق، تدخل مجال التمثيل ونكتشف موهبتها، فمن النادر أن ينجح الفنان في أكثر من مجال، إلاّ أنّها قدّمت أداءاً مذهلاً. لم نرها بهذا المرح وبهذه الجديّة، وقد استحقّت جائزة الأوسكار الذي حصلت عليها لأفضل ممثلة.
الفنانة "أوليمبيا دوكاكيس" أدّت دور السيدة "روز كاستروني" وقد أبدعت في تقمّص شخصية الأم والزوجة، وقد نالت هي الأخرى جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة. السيد "كاستروني" يلعب دوره الفنان "فينسينت غاردينيا" بكل روعة، ونرى من خلاله الرجل القديم الطراز، والزوج الغريب الأطوار والمحب لزوجته وفي نفس الوقت ينجذب إلى امرأة أخرى، وقد ترشّح لنيل جائزة أفضل ممثل مساعد. حاز الفيلم أيضاً على جائزة أفضل نص سينمائي أصلي، وترشّح لجائزتَيْ أفضل إخراج وأفضل فيلم بعام 1987.
الفنان "نيكولاس كيج" بشخصية "روني" الشاب البائس العصبي والمليء بالجروح أبدع في الأداء حقاً، وشعرنا بخيبة أمله وبؤسه من خلال تصرفاته. هذا الفيلم هو نقلة فنية في حياته واستطاع خلال العشرين سنة اللاحقة إثبات موهبته والحفاظ على مستواه المتميّز.
"ضربة قمر" هو فيلم رومانسي كوميدي وُجِدَ على الإهمال العاطفي والحقيقة اللاذعة. لا يُحتسب كقصة واحدة، بل ينطوي في خمس أو ست قصص، ويعتمد ذلك على كيفية حسابكم لها، والوضع في الاعتبار أنّ بعض الشخصيات يندرجون في أكثر من قصة. إنّه فيلم يدور في مدينة "بروكلين" الخيالية. ليست "بروكلين" الشهيرة كما يعرفها الجميع. هذه "بروكلين" التي باكتمال القمر يصبح ليلها نهاراً، ويقودهم إلى الجنون في الحب. "حين يضربك القمر على عينيك، كفطيرة البيتزا الكبيرة"، هذه هي أغنية المقدمة من ألبوم المغني "دين مارتِن".
هذا الفيلم بدفئِه وسحرِه وضحكاتِه، أصنّفه من أفضل أفلام الكوميديا في تاريخ السينما. الفيلم يكشف لنا عن جمال وغموض الحياة، ويجعلنا نضحك ونشعر بالحب، ويكشف لنا سر "القمر". الكثير منّا تعرّض لضربة شمس، ولكن من منّا تعرّض لـ "ضربة قمر"؟!



 

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

No Country For Old Men 2007


No Country For Old Men

ظلٌّ أسود يسير معنا بنفس الوتيرة مثل المُطارِد في كابوس مخيف

 

يُفتتح الفيلم بصوت هادئ لرجلٍ يصف قاتلاً مراهقاً كان قد أرسله إلى كرسي الإعدام من فترة. هذا الصبيّ قتل صديقته، والصحف قالت أنها "جريمة عاطفية". يواصل صاحب الصوت الهادئ قائلاً: "وقد قال لي أنّها ليست عاطفية بالمرّة، وأنّه كان يخطّط لقتل أحدٍ منذ الأزل وإنْ أطلقت سراحه سيفعلها مرّة أخرى، وقال أنّه يعرف أنّه ذاهبٌ إلى الجحيم".
بدت هذه الكلمات غريبة بعض الشيء وأنا أسمعها في فيلم "لا وطن للمسنّين". ذلك الصوت أخرج الكلمات بنبرة عاطفية مهّدت للفيلم كلّه، والتي دارت حول رجلٍ شرّير لا يرحم. إنّه يدعى "أنتون شيغور" وهو طويل القامة مع شعرٍ أسود وابتسامة مخيفة، ويتنقّل عبر مدينة تكساس حاملاً اسطوانة هواء مضغوط ويقوم بقتل الناس. إنّه يصوّب الأسطوانة نحو رؤوسهم ويطلق رصاصة الموت.
"أنتون" هو شخصية مهّمة في هذه الحبكة الملتوية، وكذلك رئيس الشرطة "إد توم بيل"، ولا ننسى "للوين موس" الرجل الفقير الذي يعيش مع زوجته في مقطورة. في أحد الأيام يذهب "للوين" في رحلة صيد ويجد شيئاً لم يكن يتوقعه أبداً، فقد كانت هناك صفقة مخدّرات في الصحراء لم تسِر على ما يرام. الوضع رهيب ولم يبقَ أحدٌ على قيد الحياة، ويتجوّل "للوين" في مسرح الجريمة ويعثر بداخل إحدى السيارات على مبلغٍ طائلٍ من المال.
يريد "للوين" أن يجعل هذا المبلغ الطائل من نصيبه، و"أنتون" يحاول أخذه منه، ورئيس الشرطة "إد توم" يسعى لإيقاف هذا القاتل من ارتكاب مزيدٍ من الجرائم. نلتقي بزوجة "للوين" الساذجة والتي تدعى "كارلا جين"، ومُطارِد المجرمين المغرور "كارسون ويلز" ورجل الأعمال الذي يقوم بتكليفه كي يتعقّب المال المفقود من صفقة المخدّرات، وكذلك نلتقي بأصحاب المتاجر والفنادق اللذين لم يكونوا محظوظين بمقابلة "أنتون".
"لا وطن للمسنّين" هو فيلم رائع جداً وأخرجه الأخوان "كووين"، وكان شبيهاً لفيلمها السابق المميّز "فارغو" بعنصر الإثارة والمطاردة. إن هذا الفيلم يدرس الشخصيات ويرصد لنا كيف يتعاملون مع رجلٍ شرّير وقاسٍ وعديم الشعور. "أنتون" تنطبق عليه هذه المواصفات وأكثر من ذلك، مع أنّه أحياناً يبدو مرِحاً، وكما يقول مُطارِدُه "كارسون": "أنتون شيغور لديه قوانينه الخاصة".
النص السينمائي الذي كتبه الأخوان "كووين" يعتبر من أقوى النصوص وأكثرها روعة لفيلم إثارة وجريمة. لقد تم اقتباس القصة من رواية الكاتب "كورماك ماكارثي". يتبيّن لاحقاً أنّ المبلغ الطائل يشكّل خطراً على "للوين"، لأّن حياته تنقلب رأساً على عقب، ويشعر بالخوف في كل لحظة فينتقل من فندق إلى آخر للاختباء من القاتل. يمكنه الهروب ولكن لا يمكنه الاختباء، فـ "أنتون" يتعقّبه دائماً. إنّه يلازمه في ظلِّه كالموت، ولا يتسّرع، ويتحرك دائماً بنفس الوتيرة، مثل مُطارِد في كابوس مخيف.
هذا الفيلم بارعٌ جداً في استحضار عناصره: الوقت، والمكان، والشخصيات، والأمور الأخلاقية وغير الأخلاقية، والطبيعة البشرية، والمصير المحتوم. إضافة إلى ذلك، العناصر الفنية للفيلم وأهمها التصوير السينمائي المذهل للفنان "روجر ديكينز" وتحرير المَشاهد مع المؤثرات الصوتية المتقنة. النجم "جوش برولين" أدّى شخصية "للوين موس" بأسلوب مقنع جداً بملامحه التي يبدو عليها الخوف والفزع من القاتل المضطرب "أنتون شيغور" الذي قدّم دوره الفنان الأسباني "خافيير بارديم" بمنتهى الروعة والإبداع، فقد كان دوراً مغايراً عليه تماماً ونحن اعتدنا مشاهدته في أدوار طيّبة ومليئة بالعاطفة.
الفنان المخضرم "تومي لي جونز" هو صاحب الصوت الهادئ في بداية الفيلم الذي يعود لشخصية رئيس الشرطة "إد توم بيل"، وقد أدّاها بشغفٍ فنّي مليءٍ بالعاطفة. حاز الفيلم على 4 جوائز أوسكار بعام 2007 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل مساعد "خافيير بارديم"، وقد ترشّح لنيل 4 جوائز أخرى لأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
الفيلم يختبر المشاعر الإنسانية العادية التي تواجه الظلم العنيد، ويحاول الوصول إلى القمّة، وينجح في ذلك. القصّة تسير بعناية فائقة، والأحداث تتصاعد بدقّة شديدة، والكثير من مَشاهد الفيلم شُكِّلت بطريقة نريد لها أن تستمر بكل بساطة، لأنّها تخلق لنا رشفة عاطفية وترسم معالم المشهد التالي. هذا شعورٌ نادر جداً في فيلمٍ قاسٍ وعديم الرحمة بعواطفه، مثل غيمة سوداء تريد البكاء.