الاثنين، 18 نوفمبر 2013

No Country For Old Men 2007


No Country For Old Men

ظلٌّ أسود يسير معنا بنفس الوتيرة مثل المُطارِد في كابوس مخيف

 

يُفتتح الفيلم بصوت هادئ لرجلٍ يصف قاتلاً مراهقاً كان قد أرسله إلى كرسي الإعدام من فترة. هذا الصبيّ قتل صديقته، والصحف قالت أنها "جريمة عاطفية". يواصل صاحب الصوت الهادئ قائلاً: "وقد قال لي أنّها ليست عاطفية بالمرّة، وأنّه كان يخطّط لقتل أحدٍ منذ الأزل وإنْ أطلقت سراحه سيفعلها مرّة أخرى، وقال أنّه يعرف أنّه ذاهبٌ إلى الجحيم".
بدت هذه الكلمات غريبة بعض الشيء وأنا أسمعها في فيلم "لا وطن للمسنّين". ذلك الصوت أخرج الكلمات بنبرة عاطفية مهّدت للفيلم كلّه، والتي دارت حول رجلٍ شرّير لا يرحم. إنّه يدعى "أنتون شيغور" وهو طويل القامة مع شعرٍ أسود وابتسامة مخيفة، ويتنقّل عبر مدينة تكساس حاملاً اسطوانة هواء مضغوط ويقوم بقتل الناس. إنّه يصوّب الأسطوانة نحو رؤوسهم ويطلق رصاصة الموت.
"أنتون" هو شخصية مهّمة في هذه الحبكة الملتوية، وكذلك رئيس الشرطة "إد توم بيل"، ولا ننسى "للوين موس" الرجل الفقير الذي يعيش مع زوجته في مقطورة. في أحد الأيام يذهب "للوين" في رحلة صيد ويجد شيئاً لم يكن يتوقعه أبداً، فقد كانت هناك صفقة مخدّرات في الصحراء لم تسِر على ما يرام. الوضع رهيب ولم يبقَ أحدٌ على قيد الحياة، ويتجوّل "للوين" في مسرح الجريمة ويعثر بداخل إحدى السيارات على مبلغٍ طائلٍ من المال.
يريد "للوين" أن يجعل هذا المبلغ الطائل من نصيبه، و"أنتون" يحاول أخذه منه، ورئيس الشرطة "إد توم" يسعى لإيقاف هذا القاتل من ارتكاب مزيدٍ من الجرائم. نلتقي بزوجة "للوين" الساذجة والتي تدعى "كارلا جين"، ومُطارِد المجرمين المغرور "كارسون ويلز" ورجل الأعمال الذي يقوم بتكليفه كي يتعقّب المال المفقود من صفقة المخدّرات، وكذلك نلتقي بأصحاب المتاجر والفنادق اللذين لم يكونوا محظوظين بمقابلة "أنتون".
"لا وطن للمسنّين" هو فيلم رائع جداً وأخرجه الأخوان "كووين"، وكان شبيهاً لفيلمها السابق المميّز "فارغو" بعنصر الإثارة والمطاردة. إن هذا الفيلم يدرس الشخصيات ويرصد لنا كيف يتعاملون مع رجلٍ شرّير وقاسٍ وعديم الشعور. "أنتون" تنطبق عليه هذه المواصفات وأكثر من ذلك، مع أنّه أحياناً يبدو مرِحاً، وكما يقول مُطارِدُه "كارسون": "أنتون شيغور لديه قوانينه الخاصة".
النص السينمائي الذي كتبه الأخوان "كووين" يعتبر من أقوى النصوص وأكثرها روعة لفيلم إثارة وجريمة. لقد تم اقتباس القصة من رواية الكاتب "كورماك ماكارثي". يتبيّن لاحقاً أنّ المبلغ الطائل يشكّل خطراً على "للوين"، لأّن حياته تنقلب رأساً على عقب، ويشعر بالخوف في كل لحظة فينتقل من فندق إلى آخر للاختباء من القاتل. يمكنه الهروب ولكن لا يمكنه الاختباء، فـ "أنتون" يتعقّبه دائماً. إنّه يلازمه في ظلِّه كالموت، ولا يتسّرع، ويتحرك دائماً بنفس الوتيرة، مثل مُطارِد في كابوس مخيف.
هذا الفيلم بارعٌ جداً في استحضار عناصره: الوقت، والمكان، والشخصيات، والأمور الأخلاقية وغير الأخلاقية، والطبيعة البشرية، والمصير المحتوم. إضافة إلى ذلك، العناصر الفنية للفيلم وأهمها التصوير السينمائي المذهل للفنان "روجر ديكينز" وتحرير المَشاهد مع المؤثرات الصوتية المتقنة. النجم "جوش برولين" أدّى شخصية "للوين موس" بأسلوب مقنع جداً بملامحه التي يبدو عليها الخوف والفزع من القاتل المضطرب "أنتون شيغور" الذي قدّم دوره الفنان الأسباني "خافيير بارديم" بمنتهى الروعة والإبداع، فقد كان دوراً مغايراً عليه تماماً ونحن اعتدنا مشاهدته في أدوار طيّبة ومليئة بالعاطفة.
الفنان المخضرم "تومي لي جونز" هو صاحب الصوت الهادئ في بداية الفيلم الذي يعود لشخصية رئيس الشرطة "إد توم بيل"، وقد أدّاها بشغفٍ فنّي مليءٍ بالعاطفة. حاز الفيلم على 4 جوائز أوسكار بعام 2007 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل مساعد "خافيير بارديم"، وقد ترشّح لنيل 4 جوائز أخرى لأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
الفيلم يختبر المشاعر الإنسانية العادية التي تواجه الظلم العنيد، ويحاول الوصول إلى القمّة، وينجح في ذلك. القصّة تسير بعناية فائقة، والأحداث تتصاعد بدقّة شديدة، والكثير من مَشاهد الفيلم شُكِّلت بطريقة نريد لها أن تستمر بكل بساطة، لأنّها تخلق لنا رشفة عاطفية وترسم معالم المشهد التالي. هذا شعورٌ نادر جداً في فيلمٍ قاسٍ وعديم الرحمة بعواطفه، مثل غيمة سوداء تريد البكاء.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق