الاثنين، 25 نوفمبر 2013

Moonstruck 1987


Moonstruck

كوميديا رومانسيّة حول الحياة والعائلة والحُب

 


إنّ ما نشاهده من سحرٍ وروعة في فيلم "ضربة قمر" يصعب وصفه. الفيلم فريد من نوعه، ويتميّز بنغمته المميزة. نقّاد الفيلم يميلون إلى جعله يبدو مثل كوميديا عِرقيّة جنونية، فقط لا غير. لكن هناك أمور أخرى، مثل الشوق والحنين والصبا، الذين يتوغّلون في القصة برومانسية لا توصف. هناك أيضاً ميزة سحرية، والتي هي منعكسة في عنوان الفيلم.
الفيلم من بطولة الفنانة "شير" التي تلعب دور "لوريتا"، وهي أرملة أمريكية من أصل إيطالي، وعمرها 37 عاماً. لكنّها ليست الوحيدة التي تتعرّض لضربة قمر في الفيلم. هناك أيضاً "الليلة المُقمِرة" التي تخرج فيها والدتها متوجهة للمطعم وحدها، وتلتقي بأستاذ جامعي كهل، وهو متخصّص في إغواء طالباته الشابّات، غير أنّه يجد في هذه المرأة الناضجة جاذبية لا يمكن إنكارها. السيد "كاستروني"، والد "لوريتا"، يمرّ بعلاقة غرامية سريّة مع امرأة تدعى "مونا".
في قلب القصة، هناك "لوريتا" التي تكتشف أنها لا تزال قادرة على الحُب. مع افتتاح الفيلم، نجد أنّها مخطوبة للسيد "جوني"، ليس بدافع الحب بقدر الضجر والتعب، ولكن بعد سفره إلى إيطاليا ليكون بجانب والدته المحتضرة، تذهب "لوريتا" للتحدث مع "روني"، الشقيق الأصغر لخطيبها، وذلك لتدعوه إلى حفل الزفاف. الأمر الصاعق والغير متوقع هو وقوعهما فوراً في الحب.
الفيلم من إخراج "نورمان جيويسون"، وكتَبَ القصة المبدع "جون باتريك شينلي"، الذي كتب لاحقاً النص السينمائي المذهل لفيلم "الشك". إنّه عبارة عن كوميديا جماعية، والكثير من الضحكات تنبثق من الإحساس الذي خلقه كلٌ من "جيويسون" و"شينلي". هناك لحظات مرحة تنطوي على الغضب الذي تشعر به السيدة "كاستروني" تجاه والد زوجها العجوز الذي يعيش مع كلابه في الدور العلوي. تقول له ذات مرة أثناء وجبة العشاء: "قدّم إلى كلابك لُقمة أخرى من طعامي أيها  العجوز، وسوف أركلك حتى الموت!!".
بما أنّ "جوني" سيمكث مع والدته المريضة لفترة، نجد علاقة "لوريتا" و"روني" تصبح جديّة أكثر، وتعرف "لوريتا" لاحقاً سبب الخلاف والكره بين الشقيقين. يخبرها "روني" أنّه في أحد الأيام أتى إليه شقيقه "جوني" إلى المخبز وصرف انتباهه على العمل، وفي تلك اللحظة تقطّعت أصابع يديه في آلة تقطيع الخبز، ونتيجة لذلك تركته صديقته التي كان يأمل بالزواج منها. الآن هو يلبس يداً صناعية، والضغينة تملأ قلبه. في مشهد مؤثر يصيح قائلاً: "فقدتُ يدي وفقدتُ خطيبتي!! جوني لديه يده ولديه خطيبته!!".
لكن الضغائن والجروح القديمة نجدها في كل مكانٍ من الفيلم. السيدة "كاستروني" مثلاً، تعرف أن زوجها على علاقة بأخرى، فتسأل من أعماق قلبها: "لماذا يجب أن يحدث ذلك؟؟" ويُجيب الصديق: "لأنه خائف من الموت". تعرف حالاً أن هذا هو السبب. لكن، هل هذا السبب يجعلها تتعاطف مع زوجها؟ ربّما، وبصعوبة.
في إحدى الليالي، عند عودة السيد "كاستروني" للمنزل، تسأله زوجته: "أين كنت؟". يرد: "لم أذهب إلى أي مكان". ثم تقول له أنها تريده أن يعرف أمراً واحداً فقط. "أينما تذهب، ومهما تفعل.. ستموت ذات يوم، كأي شخصٍ آخر". بعد ذلك ينظر إليها بصمت.. بعَينَيْ الرجل الذي تزوّج هذه المرأة منذ أكثر من 40 عاماً، ويقول لها: "شكراً يا روز". تلك اللحظات نمرُّ بها كثيراً في حياتنا، ولكن هؤلاء يقعون تحت تأثير القمر، الذي يسحرهم بجماله ويحميهم من عواقب الضعف الذي يشعرون به.
الفيلم رائع بأداء الممثلين، والفنانة "شير" التي بدأت مشوراها الفني كمغنية ولا تزال ألبوماتها الغنائية تكتسح الأسواق، تدخل مجال التمثيل ونكتشف موهبتها، فمن النادر أن ينجح الفنان في أكثر من مجال، إلاّ أنّها قدّمت أداءاً مذهلاً. لم نرها بهذا المرح وبهذه الجديّة، وقد استحقّت جائزة الأوسكار الذي حصلت عليها لأفضل ممثلة.
الفنانة "أوليمبيا دوكاكيس" أدّت دور السيدة "روز كاستروني" وقد أبدعت في تقمّص شخصية الأم والزوجة، وقد نالت هي الأخرى جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة. السيد "كاستروني" يلعب دوره الفنان "فينسينت غاردينيا" بكل روعة، ونرى من خلاله الرجل القديم الطراز، والزوج الغريب الأطوار والمحب لزوجته وفي نفس الوقت ينجذب إلى امرأة أخرى، وقد ترشّح لنيل جائزة أفضل ممثل مساعد. حاز الفيلم أيضاً على جائزة أفضل نص سينمائي أصلي، وترشّح لجائزتَيْ أفضل إخراج وأفضل فيلم بعام 1987.
الفنان "نيكولاس كيج" بشخصية "روني" الشاب البائس العصبي والمليء بالجروح أبدع في الأداء حقاً، وشعرنا بخيبة أمله وبؤسه من خلال تصرفاته. هذا الفيلم هو نقلة فنية في حياته واستطاع خلال العشرين سنة اللاحقة إثبات موهبته والحفاظ على مستواه المتميّز.
"ضربة قمر" هو فيلم رومانسي كوميدي وُجِدَ على الإهمال العاطفي والحقيقة اللاذعة. لا يُحتسب كقصة واحدة، بل ينطوي في خمس أو ست قصص، ويعتمد ذلك على كيفية حسابكم لها، والوضع في الاعتبار أنّ بعض الشخصيات يندرجون في أكثر من قصة. إنّه فيلم يدور في مدينة "بروكلين" الخيالية. ليست "بروكلين" الشهيرة كما يعرفها الجميع. هذه "بروكلين" التي باكتمال القمر يصبح ليلها نهاراً، ويقودهم إلى الجنون في الحب. "حين يضربك القمر على عينيك، كفطيرة البيتزا الكبيرة"، هذه هي أغنية المقدمة من ألبوم المغني "دين مارتِن".
هذا الفيلم بدفئِه وسحرِه وضحكاتِه، أصنّفه من أفضل أفلام الكوميديا في تاريخ السينما. الفيلم يكشف لنا عن جمال وغموض الحياة، ويجعلنا نضحك ونشعر بالحب، ويكشف لنا سر "القمر". الكثير منّا تعرّض لضربة شمس، ولكن من منّا تعرّض لـ "ضربة قمر"؟!



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق