الاثنين، 11 نوفمبر 2013

Casablanca 1942


Casablanca

تحفة كلاسيكية راقية تبكي ندماً على الحُب الذي كان حقيقياً

 


فيلم "كازابلانكا" يعتبر من أروع الأفلام الكلاسيكية على الإطلاق. إنّه يدور حول رجلٍ وامرأة يجمعهما الحُب، والذين يضحّيان به من أجل هدفٍ أسمى. هذه القصة ستجذب المشاهدين دون شك، والفضل يعود للرائعَين "هامفري بوغارت" و"إنغريد بيرغمان".
لم يعتقد أفراد طاقم العمل أنّهم كانوا يصنعون فيلماً عظيماً، فقد كان إنتاجاً عابراً لشركة "الأخوان وورنر" وبميزانية ضيّقة، وحين عُرِضَ في دور السينما بعام 1942، لم يتوقّعوا ذلك النجاح الساحق الذي حقّقه، خصوصاً أنّه فيلم من بين عشرات الأفلام التي تناولت موضوع الحرب العالمية الثانية في ظروف مماثلة، ولا ننسى أنّ الحرب كانت قائمة آنذاك. يجب أن نعترف أنّ فيلم "كازبلانكا" كان محظوظاً جداً بوصوله إلى القمّة.
تم اقتباس النص السينمائي من مسرحية عاديّة لم يكن لها أيّ صدى في الساحة الفنّية، وهي عبارة عن مذكّرات تتألّف من قصاصات لحواراتٍ مبعثرة. ما ساعد في ترسيخ النص السينمائي في ذهن الكاتب هو تفاعل الشخصيات مع القصّة وتعاونهم جميعاً من أجل إعادة ترميمها بالشكل المطلوب.
لعب الفنان "هامفري بوغارت" أقوى دور بطولي في مسيرته السينمائية من خلال شخصية "ريك بلين"، وهو رجل أمريكي يُدير ملهىً ليلياً في مدينة كازابلانكا (الدار البيضاء) بالمغرب، والتي كانت مُحاصرة بالجواسيس والخونة والنازيّين وكذلك المقاومة الفرنسية. المشاهد الافتتاحية لا تخلو من اللمسات الكوميدية مع حوارٍ يجمع بين المرح والضجر، ثم يتحوّل إلى حِكَم بارعة وأفكار ساخرة. نرى "ريك" وهو يتجوّل بحرّية في عالمٍ فاسد، ويسأله أحدهم: "ما هي جنسيتك؟" ويجيبه قائلاً: "أنا سكّير، ولا أكترث لأحد!!".
تأتي "إلسا لوند" إلى الملهى، وهي المرأة التي أحبَّها "ريك" قبل سنوات في باريس، وقد رتّب الأمور لهروبهما من المدينة في ظل الاحتلال الألماني حاملاً معه تذكرتين للحرّية، والآن هو يعتقد أنّها تخلّت عنه وتركته ينتظر وحيداً تحت المطر في محطّة القطار. بعد كل تلك السنوات، نراها مع "فيكتور لازلو"، البطل الأسطوري في المقاومة الفرنسية.
كل تلك الأحداث تمّ التعامل معها بحرصٍ شديد وبرؤية فنيّة مذهلة، حتّى امتلكَتْ المَشاهدُ القوّةَ لتحريكِ عواطفنا كما تشاء. "سام"، عازف البيانو في الملهى وصديق العاشقَيْن في باريس، يندهش لرؤية "إلسا" التي تطلب منه عزف الأغنية الخاصة بها وبـ "ريك". يتردّد "سام" ولكنّه سرعان ما يبدأ بالعزف إلى أن يتوجّه إليه "ريك" بغضب من الغرفة الخلفية ويصرخ في وجهه قائلاً: "أعتقد أنّي أخبرتك ألّا تعزف هذه الأغنية!!"، ثم يعود إلى الماضي ويرى "إلسا" والوتر الدرامي الموسيقي الذي أحاطً بعلاقتهما السرّية في مشهدٍ راقٍ تنسكب منه دموع الندم والاستياء، والحب الذي كان حقيقياً.
الحبكة تتضمّن خطابات تصريح للخروج، والتي ستسمح لشخصين بمغادرة كازابلانكا والتوجّه إلى البرتغال والحرّية، و"ريك" يحصل على تلك الخطابات من "أوغارتي" المتملّق. الظهور المفاجئ لـ "إلسا" يعيد فتح جروحه القديمة، وحين يسمع قصّتها يُدرك أنّها أحبّته دائماً، لكنّها الآن مع "فيكتور"، و"ريك" يريد استخدام تلك الخطابات للهروب مع "إلسا". بعد ذلك، وفي سلسلة مَشاهد مستمرّة تجمع بين التشويق والرومانسية والكوميديا، يهيّئ الأمور لهروب "إلسا" و"فيكتور"، بينما هو وصديقه "لوي" رئيس الشرطة يتحمّلان المسئولية.
ما يُثير الاهتمام هو أنّه لا توجد شخصيات رئيسية سيئة، وقد يسخرون ويكذبون ويقتلون، ولكن كما نرى أنّه في زمن الحب والحرب تسقط جميع المبادئ، ونُدرك في النهاية بتضحياتهم جميعاً أنّهم يتحرّرون من قيود الماضي. إنْ كنتم تظنّون أنّه من السهل لـ "ريك" أنْ يتخلّى عن حبّه بوضع أهمّية أكبر لِكفاح "فيكتور" وصراعه ضد النازيين، تذكّروا التعليق الشهير للكاتب "إي إم فورستر": "إذا أُجبِرتُ على الاختيار بين وطني وصديقي، آمُلُ أن أكون شجاعاً بما فيه الكفاية لأختار صديقي".
من منظورٍ حديث، الفيلم يكشف عن افتراضات مثيرة للاهتمام. دور "إلسا لوند" يتمثّل في كونها عشيقة ومساعدة لرجل شهم، والسؤال الذي يطرحه الفيلم هو: "أيُّ رجلٍ شهم يجب أن تبقى معه؟" في الواقع ليس هناك سببٌ يمنع "فيكتور" من أن يغادر على متن الطائرة وحده، ويترك "إلسا" مع "ريك"، وبالطبع هذه هي النهاية التي قد يتصوّرها المشاهدون في البداية. لكن ذلك سيكون خاطئاً كُلياً، و"النهاية السعيدة" قد تُشوّهُها "المصلحة الذاتية"، في حين يمكن للنهاية الأخرى أن تُتيح لـ "ريك" مجالاً واسعاً للوصول إلى النُبل والشهامة. الأمر لا يتطلّب الكثير لرؤية مشاكل ثلاثة أشخاصٍ عاديّين لا يعنون شيئاً لهذا العالم المجنون، ولكن على الشاشة نحن نعيش تجربة عظيمة بالدخول إلى عالم هذا الفيلم المحدود بشخصياته والممتد بأفكاره النبيلة، ونشعر بالمشكلات التي تحيط بالشخصيات ونتوق لحلّها بأيّة طريقة ممكنة.
حين تقترب الكاميرا من "إلسا" نرى وجهها الذي يعكس مشاعرها المرتبكة، حيث كانت لا تعرف أو أي شخص آخر في الفيلم من سيصعد على متن الطائرة حتّى اليوم الأخير للإقلاع. الفنّانة السويدية "إنغريد بيرغمان" لعبت دورها كاملاً من غير معرفة النهاية، وكان لذلك تأثيراً خفياً في جعل مَشاهِدِها أكثر إقناعاً ومليئة بالمشاعر، وقد أبهرتنا حقّاً بأدائها المذهل، فهي من أعظم فنانات هوليوود على الإطلاق.
المخرج المبدع "مايكل كورتيز" له الفضل الأكبر في روعة الفيلم بخلق البيئة الملائمة للقصّة والشخصيات وتمهيد الأحداث بصورة رزينة ومتوازنة، والأهم من ذلك إضافة عنصر التشويق الذي يجعل المشاهدة ممتعة للغاية. حاز الفيلم على 3 جوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي، وترشّح لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل مونتاج وأفضل تصوير وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل ممثل "هامفري بوغارت" وأفضل ممثل مساعد "كلاود رينز" الذي لعب دور "لوي" ببراعة وإتقان.
مشاهدة الفيلم مراراً وتكراراً، عاماً بعد عام، تجعل علاقتنا به أكثر ألفة، مثل المقطوعات الموسيقية التي كلّما تعمّقنا فيها زاد تعلّقنا بها. الأفلام غير الملوّنة تمتلك سحرها الخاص في إبهار المشاهدين، وفيلم "كازابلانكا" خير مثال على ذلك. نصل إلى النهاية مع أشهر مقولة سينمائية أعجبت المشاهدين والتي لا يزال صداها يتردّد في مسامعنا، حين يقول "ريك" لـ "لوي": "أعتقد أنّ هذه هي بداية لصداقة جميلة!!". وأنا أعتقد ذلك أيضاً.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق