السبت، 16 نوفمبر 2013

Far From Heaven 2002


Far From Heaven

قصة عشاء أسْوَد في مكانٍ أبيض!!

 


فيلم "بعيداً عن الجنة" هو من أقوى الأفلام التي تُصّور الحياة في خمسينيات القرن الماضي بموضوعاته وشخصياته، وهو للمخرج "تود هاينس".
يبدأ الفيلم كغيره من الأفلام ويبرز العائلة الرئيسية "ويتيكر" التي تتكون من الزوج والزوجة وأبنائهما الذين يعيشون في مدينة "كونيتيكيت". السيّد والسيّدة "ويتيكر" من الطبقات المحترمة في المجتمع. تتطوّر الأحداث وتتّضح معالم الفيلم باكتشاف الزوجة أنّ زوجها شاذ جنسياً وأنّ بستانيَّ الحديقة الأسود هو أجمل رجل شاهدته في حياتها.
"كاثي" و"فرانك" زوجان يعيشان في منزل رائع يطل على شارع جميل، حيث أوراق الخريف بدأت تتحوّل إلى اللون الذهبي كحياتهما، لدرجة أنّ محرّرة مقالات اجتماعية "مونا لودر" تكتب عن كمال حياة هذه العائلة.
تلمح "كاثي" أثناء المقابلة الصحفية مع "مونا لودر" رجلاً غريباً أسود البشرة في الحديقة، وتذهب وتسأله بلطف كعادتها إن كان يحتاج للمساعدة، فيقوم بالتعريف عن نفسه على أنّه "ريموند ديغن" ابن البستاني الراحل الذي كان يعمل في حديقة العائلة، و"كاثي" التي تمتلك قلباً طيّباً تقوم بشكل تلقائي بوضع يدها على كتف "ريموند" برفق وهي تواسيه على موت والده، وخلال هذا الموقف تتخاطف أنظار تلك المحرّرة "مونا" من المنزل نحو "كاثي"، والتي تكتب لاحقا في مقالِها أنّها "صديقة لِزنجيّ".
"فرانك" زوج "كاثي" رجل رياضي، يقضي أكثر أوقاته في ارتياد الحانات الليلية، وحين يعود للمنزل كأن شيئاً لم يحدث، وفي أحد الليالي أخطأت "كاثي" في قرارها بأن تفاجِئ زوجها وتأخذ له وجبة العشاء إلى مقر عمله، خصوصاً أنه اعتذر عن القدوم للمنزل في تلك الليلة لكثرة انشغاله، وحين فتحت باب مكتبه وجدته مع رجل في وضعٍ مشين، فانصدمت وغادرت.
الفيلم يعكس واقعية القِيَم في الخمسينيّات، ويمكنكم رؤية مدى انزعاج "فرانك" من "شذوذه" الذي يشعره بأنه شخص شرير، ممّا يدعوه الأمر لمحاولة علاج مشكلته بأي شكل من الأشكال. مفتاح القوة في هذا الفيلم هو أنّه لا يحلّل ولا يفسّر، بل يعرض انعكاسا تاما للحياة في سنة 1957 بكل قيمها وعادات مجتمعها، وذلك من خلال تصرّفات الشخصيات.
"كاثي" و"فرانك" يعيشان كزوجين أمام الناس فقط، و"كاثي" ليست منجذبة لـ "ريموند" كعشيق، بل يجذبها لطفه وحنانه، وهي تجد صعوبة في الحديث معه لخجلها الشديد منه، وفي لحظة ما تقول له: "أنا وزوجي من المساندين لحقوق الزنوج والمطالبة بالمساواة" فينظر إليها "ريموند" مبتسماً: "أنا سعيد لسماع ذلك". إنّ "ريموند" رجل لديه شهادة جامعية ومع ذلك يعمل في أعمال البستنة كتخليد لعمل والده الراحل، وهو أرمل ولديه ابنة في الحادية عشرة.
الأحداث تتطور وتتعقّد في هذا المجتمع الصغير، ويبدأ الناس بالحديث عن رؤية "كاثي" مع البستاني الأسود في شاحنته وتوجّههما لمطعمٍ في وسط المدينة، حتى يدخلان وهم على غفلة إلى "عشاءٍ أسود في مكانٍ أبيض".. إلى هذه الدرجة يصل تعظيم الأمر عند المجتمع!!
الفيلم مذهلٌ جداً برؤية المخرج العبقرية، إذ افتتحه بأسلوب الأفلام الكلاسيكية، والموسيقى التصويرية الرائعة جدا لـ "إلمر بيرنستين" أضفت شاعرية على الحوار، ولا ننسى التصوير السينمائي الراقي، وتصميم المنازل والسيارات والأزياء بالشكل الذي تبدو عليه حقاً في تلك الفترة.
الفنانة "جوليان مور" قامت بدور "كاثي" على أكمل وجه، فقد تقمّصت الشخصية بقوة وأظهرت مدى حكمة المرأة وطيبتها وغضبها وحزنها بأروع الطرق، مما نالت أكثر الجوائز عن دورها خلال السنة، ومن ضمنها ترشيحاً لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة، وقد ترشح الفيلم أيضاً لأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير، وذلك بعام 2002.
المخرج "تود هاينس" يعرض أفكاره في الفيلم ويدعونا كمشاهدين أن نركّز عليها، وأن نعير الشخصيات الاهتمام بمراعاتنا لتلك الفترة، وبالفعل أبهرَ الممثلون النقّادَ والجماهير من مختلف أنحاء العالم لأنهم أظهروا في شخصياتهم بالفيلم ما لم يتوافر فيهم من صفات - على الأقل في أفلامهم الأخرى - مما يجعلنا نشعر بأنهم ممثلون جدد في الساحة.
الحب اللاشعوري بين "كاثي" و"ريموند" مليء بالندم والحسرة لأنهما على علم بأنّ مجتمعهما لن يتقبلهما كزوجين أبداً. عندما يغادر "ريموند" مدينة "كونيتيكيت" إلى "بالتيمور" مع ابنته، تقترح "كاثي" أن تزورهما بين الحين والآخر، لكن "ريموند" يرد بلطف: "لا أعتقد أنها فكرة جيّدة!!".
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق