الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

The Silence of The Lambs 1991


The Silence of The Lambs

دعوة لدخول عقلٍ إجرامي والتوغّل في خفايا النفس البشرية

 



السرُّ في روعة فيلم "صمت الحملان" هو أنّه لا يبدأ مع آكل لحوم البشر، بل يصل إليه من خلال عينَي وعقل امرأةٍ شابّة. إنّها قصّة "كلاريس ستارلينغ"، المتدرّبة في مكتب التحقيقات الفيدرالي. الدكتور "هانيبال ليكتر" يتربّص في قلب القصّة، وعلى الرغم من أن ظُهوره خبيث، إلّا أنّه محبّبٌ بطريقةٍ ما. "هانيبال" يجلس على الجانب و"كلاريس" في وسط الحلبة.
شعبية الفيلم ستستمر ما دام هناك جمهورٌ خائف، مثل ما حدث مع فيلم "المُختلّ" للرائع "ألفريد هيتشكوك" وغيره من الروائع. أفلام كهذه تظلُّ باقية في قلوب الجماهير. الخوف هو شعور عالمي لا يمحوه الزمن، وفيلم "صمت الحملان" ليس فقط عرضاً مشوّقاً، بل هو شهادة تقدير لاثنتين من أهم الشخصيات في تاريخ السينما: "كلاريس ستارلينغ" و"هانيبال ليكتر".
إنّهما يشتركان في أمورٍ كثيرة، فكلاهما يُنبذ من العالم الذي يريد البقاء فيه. "هانيبال" بوساطة الجنس البشري لأنّه قاتل متسلسل وآكل للحوم البشر، و"كلاريس" بوساطة قانون مهمّة الإنقاذ لكونها امرأة. كذلك يشعران بالعجز، فهو يقبع في سجنٍ بحراسة شديدة مكبّلاً بالأصفاد مثل "كينغ كونغ" حين انتقل إلى المدينة، وهي محاطة برجالٍ يعيقون حركتها. كلاهما يستخدم قوّة الإقناع للهروب من المأزق، ولا ننسى أنّهما حظيا بطفولة مؤلمة مماثلة، فقد تأثّر "هانيبال" حين علِم أنّ "كلاريس" فقدت والديها في سنٍّ مبكّرة ثم انقلت للعيش مع أقاربها الذين لم يعاملوها جيّداً، لأنّه أيضاً كان ضحيّة لمثل تلك الظروف العصيبة.
حاز الفنان "أنتوني هوبكينز" والفنانة "جودي فوستر" على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل وممثلة عن أدائهما المذهل لشخصيتيْ "هانيبال" و"كلاريس"، بالإضافة إلى 3 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس، وترشّح لنيل جائزتين لأفضل مونتاج وأفضل تحرير صوتي، وذلك بعام 1991.
مدّة ظهور "أنتوني هوبكينز" على الشاشة أقل بكثير من الوقت المخصّص لـ "جودي فوستر"، ومع ذلك كان لظهوره القصير أثراً لا يُمحى لدى الجماهير. حُضوره الأول على الشاشة لا يُنسى أبداً، وحين تنزل "كلاريس" على السلالم وتسير في الممرّات، تُظهِرها الكاميرا وهي في حالة ذهول ما إنْ ترى "هانيبال" قابعاً في زنزانته. إنّه يقف ساكناً، ويبدو كتمثال شمع لنفسه. لقد كان لقاؤهما مدهشاً للغاية بفضل عبقرية المخرج "جوناثان ديمي" وكاتب النص السينمائي الرائع "تيد تالي" الذي اقتبسه من رواية للكاتب "توماس هاريس".
"كلاريس" ليست فقط فتاة يتيمة، بل محرومة وغير مأهولة، وقد عملت بجدّ واجتهاد للوصول إلى ما هي عليه الآن، وقضيّة "هانيبال ليكتر" والغموض الذي يحيط بها من كل جانب يكشف عن شخصيتها القويّة وإصرارها على حل الألغاز، بما فيها لغز المجرم الغامض "بوفالو بيل". الأمر الذي يجعل الفيلم جذّاباً هو أنّ المشاهدين يحبّون "هانيبال"، وذلك لأنّه معجب بـ "كلاريس" ونشعر أنّه لا يريد إيذاءها، كما أنّه يساعدها في البحث عن المجرم "بوفالو بيل" والفتاة التي يسجنها.
قد لم أتطرّق لقصّة الفيلم بقدر شخصيتيه الرئيسيتين، "هانيبال" و"كلاريس"، ولكنّي أؤكّد لكم أنّ هاتين الشخصيتين هما روحُ الفيلم والقاعدة التي يقف عليها، ومن دونهما لن يقوى أبداً على الصُمود. المخرج والكاتب حرصا على الالتزام بجوهر الرواية، والنتيجة هي فيلم مثير ورائع. في أحد المشاهد المميّزة يقول "هانيبال" لـ "كلاريس": "إنّكِ صريحة جدّاً وأعتقد أنّه سيكون أمراً رائعاً لو عرفتكِ في حياةٍ مختلفة". تلك العلاقة الغريبة بينهما تدعونا للتفكير العميق، وعندئذِ سنكتشف الفاصل العجيب بين الخير والشر.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق