الخميس، 14 نوفمبر 2013

The Illusionist 2006


The Illusionist

تحفة سينمائية تثبت لنا أن الفن هو كذبة تقول الحقيقة

 

يقول الرسام العالمي "بيكاسو" أنّ الفن هو كذبة تقول الحقيقة، وذلك من خلال المشهد المنظور الواسع للّوحة الفنية، وكل هذه الأمور: حِيَل العين، والأوهام الميكانيكية، والمهارات الفنية، والمبادئ الفلسفية، والأسئلة الغيبية، هي أمور تعيش في القلب الغامض والرومانسي لـ "الساحر"، والفيلم من إخراج "نيل برغر" والذي اقتبس نصّه من قصة "الساحر آيزنهايم" للكاتب "ستيفن ميلهوسر".
فيلم "الساحر" هو فيلم مميّز تشاهدونه في مركز الوهم، وهناك بعض السخرية في صنع فيلم حول السحر، حيث الجميع يعرفون أنّ المؤثرات البصرية أصبحت دارجة هذه الأيام ونحن على دراية تامّة أنّه بإمكان أي ممثل تأدية دور ساحر بارع بمجرد بعض الخدع السينمائية، ولا تتطلّب المسألة موهبة معيّنة، كالأشخاص الذين نراهم في السيرك أو في العروض المباشرة التي تصعب ملاحظة التلاعب فيها، ومع ذلك نكتشف أننا نرّكز في الجهة الغير أساسية. يتم التلاعب بنا أحياناً في الأفلام، وحتى حين نستمع للقصص نجعل الوهم يتوغّل فينا، فكم نحن نحب أن ننبهر بالأوهام في الفن والسياسة والحياة بشكل عام.
رئيس المفتشين بمدينة فيينا "أول" يُشغِل تفكيره بمسألة النزاع السياسي والفلسفي بين الساحر "آيزنهايم" وولي العهد الأمير "ليوبولد"، ولا ننسى نزاع الحب، حيث نرى تلك الشابّة الجميلة "سوفي" تقف بينهما، والتي التقت بـ "آيزنهايم" في مرحلة الطفولة، وكان لقاءاً عابراً، ونراها اليوم امرأة ناضجة على وشك أن تكون أميرة الإمبراطورية الهنغارية النمساوية.
"ليوبولد" يرى نفسه أنه رجل منطق، وهو متأكد أنّ "آيزنهايم" محتال ومخادع، ولكن "آيزنهايم" الغامض قد يبدو سياسياً أفضل من متقلّب المزاج "ليوبولد" الذي يؤمن بمبدأ "الغاية تبرّر الوسيلة". نرى "آيزنهايم" جالساً على المسرح ويدع شخصياته الوهمية تتحدّث بنفسها دون أن يقوم بعملٍ علني خارق للطبيعة، ويترك الجمهور في حالة ذهول وهم يحاولون تفسير ما يحدث. هذا التكتيك يعزّز من صيته الغامض ويجعله يسيطر على جماهير "فيينا" المبتهجين.
الفيلم يدور حول رموزٍ جذابة، وهي الفن والدين والسياسة، ونرى الحدود المبهمة بينهم. يعتقد "ليوبولد" أنّ شهرة "آيزنهايم" تهديد سياسي لخططه في أنْ يكون ملكاً، و"آيزنهايم" دائماً يقوم بتحدّي نفوذ الأمير في عروضه.
إذا وصل الفيلم إلى مملكة الفن، فذلك يعود إلى الوصفة السحرية للموسيقار المبدع "فيليب غلاس" ورموش المصوّر الموهوب "ديك بوب" الذي أدّى عملاً باهراً في تصوير مَشاهد الفيلم واستطاع أن يشارك في عملية الوهم بعدسته التي رشحته لجائزة أوسكار لأفضل تصوير بعام 2006، وأتمَّ المخرج اللوحة الفنية بانتقاء لقطاتٍ جميلة، خصوصاً المَشاهد الأولى في مرحلة طفولة "آيزنهايم"، حيث نرى حدود الصورة المظللة والمحاطة بالغموض من كل جانب، وبالتدريج يختفي غموض الصورة ويأتي غموض الفكرة.
قد تكون "سوفي" مخادعة بعض الشيء، ولكن ذلك أمر عابر وسريع الزوال، فهي لا تستطيع التكيّف مع صورة المرأة الفيكتورية التي تفعل ما بوسعها لتجذب الرجال، فـ "سوفي" تمتلك عقلاً راجحاً وقلباً حسّاساً، والفنانة "جيسيكا بيل" قدّمت الشخصية بشكل جميل. الفنان "إدوارد نورتن" الذي قام بدور "آيزنهايم" هو ممثل مشهور بالذكاء الوحشي، حيث أنّ وجهَهُ بريءٌ للغاية ولا ندرك أنّ وراءَه كلُّ ذلك، فهو حقاً فنان بارع وغامض.
لكن الفيلم يعتمد على الفنان "بول جياماتي" الذي قام بدور رئيس المفتشين "أول"، فقد قُدِّم لنا على أنه رجل شرير، حيث نراه يمشي في أروقة الشوارع وهو يراقب ويحلّل، وسرعان ما نجده مليء بالإنسانية ونحب وجوده في الفيلم، فتعابير وجهه وطريقة حديثه مميزة جداً، ولا ننسى "الفلاش باك" الذي شتّت تفكيره في نهاية الفيلم، فقد كان حقاً مشهداً رائعاً.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق