الأحد، 3 نوفمبر 2013

Shadowlands 1993


Shadowlands

قصة حياة الكاتب الإنجليزي "سي إس لويس" وحُبِّه الخريفي

 

لسنوات عديدة كانت حياته تسير على نمطٍ مريح. إنّه مُدرّسٌ وكاتب، وكذلك "أعزب" يعيش في منزله مع شقيقه الوحيد. من خلال كتاباته المخصّصة للأطفال وقصصه الخرافية وتدّينه، كسب مؤيدين كُثُر، وراح يلقي العديد من المحاضرات حول منزلة الإنسان عند ربّه، وبعدها دخل إلى حياته أجمل شيء، وهو الحب.
الأحداث مبنية في الواقع على قصة الحب الخريفي بين الكاتب الإنجليزي "سي اس لويس" وامرأة أمريكية مطلّقة تدعى "جوي غريشام". التقيا بعد أن كتبت له رسالة إعجاب، وقادت المراسلات إلى قيامها بأول زيارة لإنجلترا مع ابنها الصغير. "لويس" المستقر في حياته والمنغمس في روتين التدريس، استقبلها مجاملةً، وأدرك بصعوبة ما يجب أن يفعله بعد أن اتّضح بأنّه وقع في الحب.
الفيلم وجد الممثلَيْن المثاليَيْن لتأدية دورَيْ الزوجَيْن الغير مثالِيَيْن، وهما: الفنان المخضرم "أنتوني هوبكينز" والفنانة "ديبرا وينغر". هو خجول أحياناً لدرجة أنّه يكون معقودَ اللسان. إنّه يقوم بإيماءات ويتردّد في الكلام وينظر جانباً، ويتوارى خلف صيغ المجاملة. هي أكثر جرأة منه، وصريحة جداً وتفاجئه أحياناً بأنها تتحدث بصوتٍ عالٍ ومن دون تردّد، وتقول أموراً يفكرّان بها معاً في نفس الوقت. أتحدثُ عن الأمور التي لن يقولها "لويس" أبداً. "جوي" ترى الروتين الحاد في حياة "لويس" من خلال العشاء اليومي في قاعة الطعام بالجامعة، والأمسيات أمام المدفأة، والقراءة على أنغام الموسيقى الكلاسيكية التي تذيعها محطّة BBC. إنها لا تسعى لإلقاء "القبض" عليه، بل تريد دخول عالمه واستكشافه. هو يكتشف أنّه لا يستطيع تصوّر حياته بعيداً عنها.
تودّدهما هو أمرٌ غريب حقاً. حين يدعوها للقيام بشيء، يقوم بذلك بشكلٍ ضعيف وكأنّه يعرف بالتأكيد أنّها لن تقبل أبداً. إنّه خائفٌ جداً من الزواج ولا يعرف ماذا  يجب أن يفعل وكيف ستكون حياته. "لويس" كان مقنعاً جداً في كتاباته ومحاضراته، ويعرف الغاية من المعاناة والألم: "إنّها طريقة القدر في حمايتنا، بإبعاد الأجزاء الخاطئة حتى تستمر الحياة، وترك الروح مستعدة لحياة الآخرة".
حين تصاب "جوي" بمرض السرطان، وحين تجد نفسها في ألمٍ فظيع، يجد "لويس" نفسه غير واثقٍ تماماً من نظريته، وبمواجهة احتمال افتراقهما، يخلقان معاً فكرة "حياة البشر على الأرض" التي تريحه وتواسيه أكثر من نظرياته الأخرى. إنّه رجل مؤمن، وفي لحظة ما يفقد إيمانه بكل شيء، ثم يدرك أنّه لن يستطيع أن يحيى من دون الإيمان والحب.
"شادولاندز" الذي أخرجه المبدع "ريتشارد أتينبورو" واقتُبِسَ من نصٍ مسرحي لـ "ويليام نيكلسون"، هو فيلم رائع ومؤثّر، وجُسِّدَ بشكل جميل. يوضح للمشاهدين أنه ليس كل من يقع في الحب يكون مدفوعاً برغبة جسدية، فأحياناً تكون الرغبة في عقلٍ آخر وفكرٍ آخر، وجمالٍ داخلي. الرائع "أنتوني هوبكينز" الذي أتحفنا بأداء مميز آخر في فيلم "بقايا النهار" والذي عُرِض في نفس الفترة بدور السينما عام 1993، وأدّى فيه دور كبير الخدم المنغلق تماماً على نفسه والذي يخاف من الحب ولا يكشف عن مشاعره، نجده في "شادولاندز" يقدّم دوراً مكمّلاً بشخصية الرجل الذي يفاجِئ نفسه بإيجاد الشجاعة للحب.
الفنانة "ديبرا وينغر" لا تقل روعة عنه، فقد هيّأت كل العواطف والمشاعر الهادئة في خلق شخصية "جوي غريشام"، المرأة التي وقعت في حب رجل من خلال كتاباته. شخصيتها تمر بالعديد من التحوّلات الحسّاسة، وحين تلتقي به تدرك حالاً أنّه ليس قانعاً وراضياً كما هو يعتقد. هي تؤمن بأنّ إسعاد شخصٍ ما من أهم أهداف الحياة.
الفيلم رائع جداً بكل عناصره الفنية، والمخرج "أتينبورو" تمكّن من تهيئة الأجواء الملائمة لإظهار الفيلم بهذه الصورة المذهلة، والموسيقار "جورج فينتون" أضاف لمساته الموسيقية الرقيقة التي أبهرت المشاهدين. ترشّح الفيلم لنيل جائزتَيْ أوسكار لأفضل ممثلة "ديبرا وينغر" بشخصية "جوي غريشام" وأفضل نص سينمائي مقتبس.
"أنتوني هوبكينز" ترشّح هو الآخر لجائزة أفضل ممثل في نفس العام ولكن عن دوره في فيلم "بقايا النهار" الذي لا يقل روعة، ومع ذلك حاز على العديد من الجوائز عن دوره في هذا الفيلم، ولعلّ أهمها جائزة "بافتا" البريطانية. مؤلفات "سي إس لويس" لا تزال تملأ المكتبات ويتهافت الناس على شرائها. سلسلة قصص الأطفال "نارنيا" التي ألفّها تحوّلت إلى سلسلة أفلام سينمائية ضخمة في السنوات الماضية، و أيضاً لاقت نجاحاً لافتاً.
بعد مشاهدتنا لفيلم "غاندي"، أثبت المخرج أنه سيّدُ قصصِ السير الذاتية، وجعل فيلم "شادولاندز" مقنعاً للغاية وغنياً بالمشاعر. هذا فيلم نادر يُدمِع العيون ويرفض "التلاعب" على كل المستويات ويبتعد عن استخدام عناصر الدراما المأساوية، ويعتمد بدلاً من ذلك على السرد والشخصيات.
كان "لويس" دائماً يعتقد أنّ السحر يوجد في الكتب فقط، إلى أن التقى بـ "جوي" التي سحرته بحبّها ولطفها. الفيلم ينجح في حياكة العاطفة والعقل والسرد، ونصل في النهاية إلى نسيجٍ جميل يدعى "شادولاندز".
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق