الأحد، 10 نوفمبر 2013

About Schmidt 2002


About Schmidt

رحلة على طريق الذنب واليأس والعار مع "وارن شميت"!!

 

فيلم "حول شميت" هو فيلم ممتع وحزين، وحين شاهدته لأول مرة في السينما قبل سنوات، انتابني شعورٌ غريب ونادر حول حياة الإنسان، وبعد أن شاهدته مرّة أخرى أدركت حقيقة ذلك وغرقت في التفكير بما سيحدث في تلك المرحلة الحرجة من الحياة التي نعيشها مع الكوميديا المأساوية التي تدور حول رجل في السادسة والستّين من عمره، والذي يعيش لحظات حزينة بسبب الموت المفاجئ لزوجته التي عاش معها أكثر من 40 عاماً.
الفنان المخضرم "جاك نيكلسون" قدّم أداءاً رائعاً جداً بشخصية الأرمل المتقاعد "وارن شميت". يبدأ الفيلم بحفل عشاء التقاعد الذي أعدّه أرباب العمل من أجله، ويشعر "وارن" كما لو أنه في جنازته الخاصة لما يراه من تهذيب مبالغ فيه ومجاملات خادعة. هذه ستكون صورة مكررة لحفل الزفاف بنهاية الفيلم حيث نرى "وارن" المتشائم وهو غير قادر على التعبير عن الكراهية التي يكّنها للرجل الذي ستتزوّجه ابنته.
القيام برعاية طفل يتيم في تنازانيا هو أحد الأمور التي قام بها "وارن" بعد تقاعده، فقد شجّعته المؤسسة الخيرية على إرسال رسالة تحمل أخباره الخاصة مع مبلغ 22 دولاراً شهرياً لإعانة الطفل. إنها فرصة رائعة لنا كي نستمع إلى مناجاة "وارن" من خلال تعليقه الصوتي للرسائل التي يرسلها للطفل المسكين "إندوغو" في الجانب الآخر من العالم، حول الغضب والخوف والعزلة التي يشعر بها وهو وحيد في المنزل.
إنها المرة الأولى التي يفكّر فيها بمشاعره طوال حياته البائسة بذلك الصوت الكئيب الحزين حين يقول: "عزيزي إندوغو...." ومن ثم يطلق العنان لنفسه ويعبّر عما يشعر به بحرّية مطلقة، وخلال ذلك قد نضحك أو نبتسم ولكننا لا نستطيع أن نخفي حزننا ودموعنا السجينة التي تنتظر أن نطلق سراحها.
في تلك الرسائل يكشف "وارن" كرهه لزوجته المسّنة، وبهذا الاعتراف ننصدم جميعاً لأنّها في تلك الأثناء كانت لا تزال حيّة. رؤية "جاك نيكلسون" الابداعية للشخصية تجعلها أعظم تجسيد لحالات سأن اليأس لدى الإنسان. بعد أن تموت زوجته، يتساءل "وارن" ما إذا كانت مهذّبة جداً لتخبره كم هي خائبة الآمال بكونه فاشلاً!! كمحاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقّى من حياته البائسة، يقوم "وارن" برحلة إلى "دينفر" بسيارته الكبيرة من أجل تخريب حفل زواج ابنته الوحيدة من الرجل الذي يكرهه. "حول شميت" يصبح "فيلم طريق" يتنقل عبر الذنب واليأس والعار.
المخرج المبدع "أليكاسندر باين" قام بمزج السلوكيات الغريبة ولحظات جنون الإنسان اللاإرادية مع الكوميديا السوداء وكمٍّ معقول من التراجيديا لنحصل على هذا الفيلم الرائع المليء بالعواطف الصريحة، والأهم من كل ذلك شخصية "وارن شميت" المليئة بالتعقيدات والتي أسندها إلى "نيكلسون" وكان بالفعل الممثل الأنسب لتأديتها.
قام "باين" أيضاً بكتابة النص السينمائي مع زميله "جيم تايلور" باقتباسه من رواية للكاتب "لويس بيغلي". النجمة "هوب ديفيس" قدّمت شخصية "جيني" بأسلوب كلاسيكي رائع، وكذلك "ديرموت مولروني" أتقن أداء دور الزوج "راندال"، ولا ننسى الفنانة الرائعة "كاثي بيتس" التي أبدعت في أداء شخصية "روبيرتا" والدة الزوج. ترشّح الفيلم لنيل جائزتَيْ أوسكار لأفضل ممثل "جاك نيكلسون" وأفضل ممثلة مساعدة "كاثي بيتس"، وذلك بعام 2002. أتحفنا المخرج "أليكساندر باين" لاحقاً بفيلمين رائعين فاز عن كليهما بجائزة أوسكار لأفضل نص سينمائي مقتبس، وهما "طرق فرعية" و"الأحفاد".
الأوضاع ستصبح مشوّشة، والضحك على حياة "وارن" هو ليس ردّ الفعل الصحيح أبداً، وستتفاوت الآراء في آخر دقيقتين من الفيلم حين يتلقّى "وارن" رسالته الأولى من تنزانيا. الأمر يتطلّب قوة من "باين" لينهي الفيلم بتلك الخاتمة العاطفية التي لا تُنسى، بأن نرى تلك الصورة العميقة من خلال التجاعيد التي تحيط بعينَيْ رجلٍ عجوز يبكي. إنّه فيلم غنّي بالمشاعر وأنا شخصياً أعتبره تحفة كوميدية مأساوية. يقول "وارن" في أحد المشاهد: "أنا أعلم أننا صغار جداً في هذا العالم الكبير، وأعتقد أن أفضل ما يمكنكم فعله هو الأمل في إحداث تغيير، ولكن ما نوع التغيير الذي أحدثته؟ ماذا بحق العالم أصبح أفضل بسببي أنا؟!".
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق