الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

Purple Noon 1960

 

تحفة سينمائية عن رواية "توم ريبلي الموهوب" لـ "باتريشيا هايسميث"

Purple Noon


 

لطالما كان المخرج العظيم "مارتن سكورسيزي" عاشقاً للسينما الأوروبية، وخصوصاً الإيطالية والفرنسية، والتي من خلالها أصبح شغوفاً بصناعة الأفلام، حتى صار واحداً من أفضل المخرجين في تاريخ السينما، ومن الأفلام التي تأثّر بها في سنوات شبابه هو الفيلم الفرنسي العظيم "شمس ساطعة"، الذي عُرض لأول مرة في السينما بعام 1960، وبعد سنوات طويلة قام "سكورسيزي" بالتعاون مع شركة "ميراماكس" بتنظيم عرض سينمائي خاص في منتصف التسعينات للفيلم.



إنه فيلم جريمة من الطراز الأول، ولا يركز على الجريمة بقدر التركيز على الرجل الذي يرتكبها. إنه "توم ريبلي"، ذلك الشاب العشريني الفائق الجمال، الذي لا يبدو للوهلة الأولى أنه مجرم، فالجميع يظنون أنهم يرون ملاكاً جميلاً يسير في الأرض.

إذا كنتم قد قرأتم سلسلة روايات الكاتبة "باتريشيا هايسميث" التي تدور حول "توم ريبلي"، فتشعرون بالقشعريرة في جلودكم بكل تأكيد، فـ "توم" هو مجرم مكسوٌ بالدهاء والمكر. باختصار هو وحش. ليس "توم" وحده، فالكاتبة البارعة "هايسميث" تملك من الدهاء والمكر ما يؤهلها لتجعلنا متعلقين بشخصية "توم" ونشاركه أنانيته، كما لو أننا نمتلك القليل من "توم" في داخل كل شخص منا.



"السيد ريبلي الموهوب" هي أول رواية من سلسلة "توم ريبلي"، والتي نُشرت في الخمسينيات من القرن الماضي، بعد أن اشتهرت "هايسميث" بروايتها الرائعة "غريبان على متن قطار"، التي تحوّلت وقتها إلى واحد من أروع أفلام المخرج الكبير "ألفريد هيتشكوك"، والذي أعتبره من أروع الأفلام التي شاهدتها في حياتي، وقد قمت بالكتابة عنه في مقال سابق. في الروايتين كليهما، ينجذب رجل بقوة إلى آخر ويعبّر عن هوسه من خلال جريمة بغاية الدهاء والذكاء.

نلاحظ  في "توم" أنه غير مستقر ومتوتر أحياناً، فهو يقضي وقته بالتنقّل في أنحاء إيطاليا، مستهدفاً الشاب الغني واللعوب "فيليب غرينليف" وخطيبته الجميلة "مارج"، حيث نكتشف من خلال الأحداث أنه قد تم تكليفه من قبل السيد "غرينليف" للبحث عن ابنه "فيليب"، المنقطعة أخباره منذ مدة، وإعادته إلى المنزل في سان فرانسيسكو، وإذا نجح في تنفيذ المهمة سيحصل منه على مبلغ 5000 دولار، ولكن ما إنْ يتوغل "توم" في حياة "فيليب" المليئة بالترف والمغريات، يغويه ذلك بعيداً عن غايته الأساسية، أو هكذا يبدو الأمر.



كل ذلك كان مجرد تمهيد فقط، لأن جوهر القصة يكشف أن "توم" هو قاتل بلا إحساس أو مشاعر، وعلى استعداد لفعل أي شيء تقريباً للحصول على ما يريد، وعلى الرغم من وجود غنيمة لكل جريمة، إلا أنه ليس المال ما يجذب "توم". إنه يريد "الأفضل". فقط "الأفضل".

إنه يستمتع باللعب مع ضحاياه ومع الشرطة من خلال رؤيته إلى أي مدى يمكن أن يصل دون أن يتم القبض عليه. إنّ مخططاته تصبح أكثر تعقيداً بشكل تدريجي، حيث تتضمن تبديل الهويات وانتحال الشخصيات وتزوير التواقيع، وأكثر من ذلك، والشعور الوحيد الذي يظهره هو الرضا عن نجاح مخططاته وجرائمه.

الحبكة رائعة وملتوية ومليئة بالمنعطفات الوعرة والمدهشة، وأي شخص شغوف بالسينما سيسعد بمشاهدتها وهي تتكشف شيئاً فشيئاً. في أكثر من موقف، يتعمّد "توم" وضع نفسه في بؤرة محفوفة بالمخاطر، فيصبح العاتق على الفيلم ببراعته وسحره في تخليصه من الخطر المحدق.



لا شيء في هذا الفيلم متحذلق أو قابل للتنبؤ به، فالفيلم عبارة عن ساعتين من الإثارة الخالصة، التي تجعل العديد من أفلام الإثارة المزعومة في حالة من العار والخزي، والفضل يعود لرؤية المخرج "رينيه كليمون"، الذي يعتبر من أبرز المخرجين الفرنسيين، والذي فاز مرتين بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، عن فيلم "The Walls of Malapaga" بعام 1949، ولاحقاً عن فيلم "Forbidden Games" بعام 1952.

الموسيقار الإيطالي المبدع "نينو روتا" دائماً ما يذهلنا بلمساته الساحرة في الموسيقى التصويرية لأفلامه، التي أصبحت الإلهام والشغف لكبار المخرجين في هوليوود والعالم، ومن بينهم المخرج "فرانسيس فورد كوبولا" الذي اختار "نينو روتا" شخصياً لتأليف موسيقى سلسلة أفلام "The Godfather"، التي أصبحت واحدة من أجمل وأشهر الموسيقات التصويرية في تاريخ السينما لروعتها وجمالها، وفي هذا الفيلم لا أقول أنه اعتمد على الموسيقى، ولكن الثيمة الرئيسية للفيلم كانت عذبة ومذهلة، وأيضاً نشعر بارتباط موسيقي بينها وبين ثيمة "The Godfather"، فهكذا هي بصمة الموسيقار المبدع، الذي تُعرَف موسيقاه بالقلب.



أجمل ما في الفيلم هو تمثيل الفنان المبدع "ألان ديلون"، الذي هو بالفعل أجمل ممثل شاهدته على الإطلاق، فملامح وجهه تبدو وكأنها لوحة مرسومة مع عينيه الزرقائتين الساحرتين، فسبحان الله وتبارك الله أحسن الخالقين.

بقدر جماله الساحر، "ألان ديلون" يمتلك موهبة ساحرة وكاريزما قوية أمام الكاميرا، وهذا الفيلم هو نقطة التحول في مسيرته السينمائية الحافلة بنيله إعجاب النقاد والجماهير، إذ أشادوا بأدائه وبالفيلم. لكل فنان مشكلة تواجهه، و"ألان ديلون" كان جماله المشكلة الرئيسية بالنسبة له، فقد أراد أن يبرز نفسه كممثل بارع وموهوب، وليس مجرد وجه جميل للناظرين، وقد عانى أيضاً على الصعيد الشخصي والفني من الهوس الشديد به من الفتيات والنساء.

بمرور السنوات، شارك "ألان ديلون" في أفلام مهمة، فرنسية وإيطالية، وأهمها فيلم "Le Samourai"، الذي يعتبر من أقوى أفلام الجريمة والإثارة والغموض بحبكته المبتكرة آنذاك، ومصدر إلهام للعديد من المخرجين الكبار الذين تأثروا بالفيلم وانعكس ذلك في أفلامهم، مثل "مارتن سكورسيزي" و"كوينتين تارانتينو" و"فرانسيس فورد كوبولا" و"ديفيد فينتشر" والأخوين "كووين"، وغيرهم.



بشكل عام، أكثر المهووسين بأفلام "ألان ديلون" هو المخرج "مارتن سكورسيزي"، الذي يعتبر الفيلمين الإيطاليين الذي أدّى فيهما "ديلون" دور البطولة: "The Leopard" و"Rocco And His Brothers" من أفضل الأفلام التي شاهدهما في حياته.

في الدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي، وتحديداً في عام 2019، تم تكريم "ألان ديلون" بالسعفة الشرفية عن مجمل أعماله وهو في سن 84 عاماً والاحتفاء بفيلمه الأشهر والأجمل هذا، غير أنه قبل مراسم التكريم، كانت هناك احتجاجات وانتقادات كثيرة من الحقوقيين الفرنسيين وغيرهم من الخارج، حيث اعترضوا على تكريم "ديلون"، بسبب ما ورد في بعض تصريحاته في وسائل الإعلام حول المرأة والمهاجرين التي وصفوها بالعنصرية، بالإضافة لاحتقاره العلني والواضح للمثليين، واستنكاره لزواجهم ببعض وتبنّيهم للأطفال، معبّراً بذلك بأنه أمر مقرف وضد الفطرة، ولكن لحسن الحظ، ذلك لم يأثر على القائمين على المهرجان، وتم تكريمه أمام حشد كبير من الفنانين وسط تصفيق حار، واستحق ذلك بكل تأكيد.



إننا نحب "توم" ونجده رائعاً وساحراً، لأن "ألان ديلون" يجعله كذلك. إنه ليس كأي شخص شرير عادي، فهو شخص ذكي ومعقد ولديه أسباب مدروسة بعناية لكل ما يفعله، وقد يكون مضطرباً نفسياً، ولكن هناك شيء غريب بشأنه يشغلنا ويغرينا، حتى حين تكون أفعاله مثيرة للاشمئزاز، ولأن الفيلم يركز على "توم"، فهناك أوقات نجد فيها أنفسنا آملين أن تنجح مخططاته، حتى وإنْ كان ذلك فقط من أجل المتعة في رؤية ما سيفعله بعد ذلك. بقية النجوم، بمن فيهم: "موريس رونيه" بشخصية "فيليب"، و"ماري لوفوريه" بشخصية "مارج"، قدّموا أداءً مميزاً.

الجدير بالذكر أنني قبل سنوات طويلة شاهدت النسخة الحديثة للفيلم، والمقتبسة من الرواية، وأقصد بذلك الفيلم العظيم "The Talented Mr. Ripley"، للكاتب والمخرج المبدع "أنثوني مينغيلا"، والذي كان من بطولة المبدعين: "مات ديمون" و"جود لو" و"كوينيث بالترو" و"كيت بلانشيت" و"فيليب سيمور هوفمان".



الفيلمان كلاهما مبهر بطريقته الخاصة، وقد تكون هذه هي المرة الأولى بالنسبة لي بأن أحب فيلماً قديماً ونسخة حديثة مقتبسة منه بنفس الدرجة، أو قد أكون أحببت النسخة الحديثة أكثر بدرجة بسيطة جداً جداً، ليس لأني شاهدتها مسبقاً وعرفت القصة والحبكة، بل لأن هناك تفاصيل أكثر دقة، وخصوصاً المَشاهد التمهيدية للقصة مع "توم" والسيد "غرينليف" في أمريكا، بالإضافة إلى الشخصية الجديدة التي أضافها "مينغيلا" في نصه السينمائي، والتي لم تكن موجودة في الرواية، وأقصد بذلك شخصية "ميريديث لوغ"، التي أدّتها بإبداع الفنانة "كيت بلانشيت"، وقد أضافت شخصيتها مزيداً من الغموض والتشويق في أحداث القصة.

"مينغيلا" كاتب ومخرج بارع، ولا نشعر أنه تأثّر بالفيلم القديم أو حاول تقليده، بل أراد أن يصنع فيلماً مختلفاً كلياً برؤيته الخاصة، وقد نجح بامتياز، وأعتبر فيلمه هذا أفضل ما قام بكتابته وإخراجه على الإطلاق، بالرغم من أنه مشهور أكثر بفيلمه السابق الرائع "The English Patient"، الذي اكتسح موسم الجوائز في عام 1996، محققاً الفوز بـ 9 جوائز أوسكار، ومنها لأفضل مخرج.

لقد أبدع جميع الممثلين في ذلك الفيلم، وخصوصاً "مات ديمون" و"جود لو"، وبالنسبة لـ "مات ديمون" هو يعتبر الفيلم الأقرب له والمفضّل على جميع الأفلام التي قام بالتمثيل بها. لقد قمت بالكتابة عن ذلك الفيلم بإسهاب وتفصيل في مقال سابق أيضاً.



من الغريب جداً أن نقرأ أو نشاهد بطل قصة ويكون مجرماً بارعاً، ونتفاعل معه ونعيش هاجسه وجنونه، ونستمتع حين نراه يفلت من العقاب، فالأمر يتطلب شخصية مميزة ومبتكرة حقاً لكي تنال منا كل هذه الامتيازات، و"توم ريبلي" يستحقها حقاً.

نهاية هذا الفيلم مختلفة عن الرواية الأصلية ونسخة "مينغيلا"، ولم تعجب الكاتبة "هايسميث" شخصياً، بالرغم من أنها استمتعت بالفيلم بشكل عام، والتي أستخلص منها أن المخرج "كليمون" وكاتب النص السينمائي "بول جيغوف" لم يملكا الجرأة الكافية لإنهاء فيلمهما بدون تحقيق العدالة والإنصاف، ولا يمكنني أن أقول أن النهاية واضحة كالشمس الساطعة، ولكنها كانت مفتوحة، وتحتمل أكثر من تفسير.



الاثنين، 7 سبتمبر 2020

Tenet 2020

 

لا تحاولوا فهم الفيلم، بل شاهدوه بشكل عكسي ..

Tenet



 

في ظل الوضع الراهن والعصيب الذي يمر به العالم أجمع، مع تفشّي فيروس كورونا، وقرارات أغلب الدول بالحظر والإغلاق، لم يكترث الكاتب والمخرج الكبير "كريستوفر نولان" بذلك، وأصرّ على عرض فيلمه الجديد في السينما، ولم يتنازل كالبقية بتأجيل عرض أفلامهم حتى تهدأ الأمور، ولكونه ينتمي للمدرسة القديمة، هو لا يعترف بالمنصات الرقمية لعرض فيلمه فيها كخيار بديل.

بالطبع، أفلام "نولان" بالذات تتطلّب أكبر وأفخم شاشة سينمائية، لأنه يهتم كثيراً بجودة الصورة والصوت، ويستخدم أرقى المعدّات في الإنتاج، وخصوصاً كاميرا الآيماكس، فبالتالي إصراره على العرض السينمائي كان صائباً بكل تأكيد، ولكن تبقى المسألة هي استعجاله الشديد في وقت العرض، حيث أن أكثر من نصف سينمات العالم مغلقة، والمفتوحة منها يشترط فيها الالتزام بالإجراءات الاحترازية بطاقة إستيعابية لا تتعدى 50% في صالة العرض، وارتداء الكمامات وغيرها من الأمور المعتادة والمزعجة للمُشاهد.

كان من الأفضل لـ "نولان" تأجيل عرض فيلمه حتى نهاية هذا العام أو ينتظر حتى العام المقبل، أو لحين عودة الحياة إلى طبيعتها كالسابق، خصوصاً أن الاعتماد الرئيسي في الإيرادات هو من السينمات الأمريكية والبريطانية، التي لا تزال أغلبها مغلقة وفي أهم المدن، ولكن في النهاية تم عرض الفيلم في سينمات العالم، وحقّق أرباحاً جيّدة حتى الآن، فقد أراد "نولان" أن يكون هو المجازف الأول بفيلمه ذي الميزانية الضخمة ليكون المحرّك لتشغيل سينمات العالم بعد إغلاقها لما يقارب 5 أشهر، وتعود المياه إلى مجاريها، وعلى ما يبدو نجح في ذلك.


فيلم "عقيدة" هو عبارة عن مزيج من أفلام "جيمس بوند" و"مهمة مستحيلة"، مع بهارات من أفلامه السابقة، وبالأخص "Inception"، وأيضاً "Memento" و"Interstellar"، ولا أنسى "Dunkirk"، ولطالما كان "نولان" متيّماً بالحبكات التي تدور حول الزمن والعوالم المتوازية وتعدد وجهات النظر، وها هو الآن يعجن تلك الحبكات وينقلها لمستوى أعلى في هذه الملحمة التي تجوب العالم في مواقع تصوير جميلة، من إستونيا إلى سواحل إيطاليا، مروراً بالهند، ومن ثم الدنمارك، فالنرويج، وبريطانيا.

النجم "جون ديفيد واشنتون"، الذي أثبت موهبته كممثل متميز كوالده الفنان "دينزل واشنتون"، والذي قد لا يشبهه في الشكل كثيراً، ولكن نبرة صوته كوالده تماماً، وكأنني أسمع صوت "دينزل" وهي شاب. في هذا الفيلم هو يؤدي دور البطل، وفي الحقيقة لا نعرف اسمه في الفيلم أبداً، سوى أنه يطلق على نفسه لقب "الرجل الرئيسي".

إنه رجل هادئ وظريف أحياناً، ويبدو قوياً كالعملاء السريين، ونشعر أنه تلقّى تدريبات احترافية، والذي بالكاد ينجو من هجوم إرهابي مخيف في دار الأوبرا الوطنية في أوكرانيا في المشهد الافتتاحي للفيلم، حتى يتم لاحقاً تكليفه بمهمة خطيرة، وهي إنقاذ العالم من خطر وشيك يهدّد حياة البشر.


من هنا يبدأ "نولان" بإدخالنا إلى متاهته المعقدة والمليئة بالألغاز والتحديات، ونتعرف على مقادير حبكته الملتوية، حيث يمكن الآن جعل الزمن يسير بشكل عكسي، ويمكن تغيير الأحداث في المستقبل، والرصاصات يمكن أن تعود إلى المسدسات التي أُطلقت منها، والجروح تتلاشى وتلتئم، والسيارات تتلاحق بشكل عكسي، والأشخاص يسيرون للوراء، ويمكنكم تخيّل المسألة كما لو أنكم تعيدون لقطةٍ ما بالـ Rewind عبر جهاز التحكم عن بعد.

ولكن كما تنص القاعدة التي تعلمناها من أفلام السفر عبر الزمن، ستقع في مشكلة كبيرة إذا تفاعلت مع نفسك على امتداد الخط الزمني، فمثلاً إن قتلت جدك في الماضي، فكيف ستكون موجوداً في المستقبل؟! مهمة البطل هي تعقّب تاجر الأسلحة الروسي "أندريه سيتور"، الذي يمتلك سلاحاً خطيراً وسيدمّر العالم بأكمله، وقد أدّى دوره الفنان "كينيث برانا" بشكل مميز.


لطالما كان الفنان المخضرم "مايكل كاين" عنصراً أساسياً في أفلام "نولان"، وهنا يشارك معه للمرة السابعة في مشهد واحد قصير بشخصية "مايكل كروسبي"، وهو عميل بريطاني محنّك، ويلتقي بالبطل ويرشده في مهمته. النجمة الهندية "ديمبل كاباديا" المشهورة في بوليوود، تؤدي هنا شخصية "بريا"، التي تتوغّل في المهمة مع البطل.

النجم "روبرت باتينسون"، الذي لا أطيقه شخصياً، قدّم هنا أداءً متميزاً بشخصية "نيل"، وهو عميل بريطاني يشارك البطل مهمته، وأيضاً هناك النجمة "إليزابيث ديبيكي" التي أعجبني أداءها قبل سنوات في المسلسل القصير الجميل "The Night Manager"، بشخصية عشيقة تاجر أسلحة، وها هي الآن تعود مجدداً بشخصية "كات" المماثلة تماماً لشخصيتها في ذلك المسلسل، وتؤدي هنا شخصية زوجة "سيتور"، التي لا تطيقه، وستفعل أي شيء لإنقاذ ابنها والهروب من جبروت ذلك المتوحش، فتصبح شريكة في المهمة التي يخوضها البطل مع "نيل". النجم "آرون تايلور جونسون" قدّم أداءً جميلاً بشخصية "آيفيس"، الذي يشارك في المهمة معهم.


الفيلم ليس معقداً جداً أو غير مفهوم كما وصفه البعض، ولا يتطلب الأمر مشاهدته مرتين أو 3 مرات لفهم الصورة الكاملة، فالمشاهدة بتركيز شديد تكفي من المرة الأولى، والمشاهدة الثانية قد تكون أكثر متعة للتركيز على أبعاد أخرى في القصة، وترسيخ بعض الأمور التي قد تكون مبهمة أو غير واضحة، ويعتمد على ذلك على كل شخص ومدى فهمه واستيعابه لحبكة الفيلم.

افتقدت موسيقى "هانس زيمر" في هذا الفيلم، فكما يعرف الجميع هو دائماً ما يتعاون مع "نولان" في أفلامه، ويزيدها روعة بإبداعه، ولظروف الارتباط بأعمال أخرى، تم إسناد المهمة للموسيقار السويدي "لودويغ غورانسون"، الذي فاز بجائزة الأوسكار مؤخراً لأفضل موسيقى تصويرية عن فيلم "Black Panther". في الحقيقة لم يكن يستحق الفوز حينها، وموسيقاه في فيلم "نولان" لم تعجبني كثيراً، فقد كانت صاخبة ومزعجة في بعض الأحيان، بتداخلها مع المؤثرات الصوتية وحوارات الشخصيات، فأصبح الوضع فوضوياً نوعاً ما.


بالنسبة لي، لقد استمتعت بمشاهدة الفيلم المبهر بصرياً، ولكني لا أضمّه إلى روائع أفلام "نولان"، فهو أقلّهم في المستوى، فالأفلام السابقة كانت أفضل وأقوى بكل تأكيد، ولكنه أفضل من "Memento" و"Insomnia"، وهنا أنا لم أختبر حبكة جديدة أو مبتكرة، فقد كانت حصيلة من أفلامه السابقة بقليل من التلاعب المعتاد من "نولان".

 أرى أنّ "نولان" يجب أن يفكّر في تغيير أسلوبه في القصص والإخراج، بالرغم من أنني أعتبره من أفضل 10 مخرجين في السينما، ولكن التغيير حتماً مطلوب لكي يرتقي ويتطور، لا أن يدور في متاهته ويظل حبيساً فيها إلى أن لا يستطيع الخروج منها أبداً فيما بعد.

المصور السينمائي "هويت فان هويتما" أبدع في ترجمة رؤية "نولان" إلى لقطات مدهشة، ولا أنسى جهود الطاقم الفني والتقني، في المونتاج والمؤثرات، فقد كانت متعة بصرية بمشاهدة المباني وهي تنفجر ثم تعود كما كانت مرة أخرى وبعد ذلك تنفجر مجدداً، ومشاهدة الطيور وهي تطير للوراء، والجنود وهم يسيرون كما لو أنهم على سطح القمر، والشخصيات وهم يعبرون عبر الزمن. عندما تكون في مواجهة الزمن بشكل عكسي، يجب أن ترتدي قناعاً خاصاً لأن نظام عمل جسمك سيكون معطوباً، كما لو أنك تعيش مع وباء متفشّي يعكّر صفو حياتك ونظامها.



يصل بنا الفيلم إلى نهاية بتلميح واضح لنهاية الفيلم الكلاسيكي العظيم "Casablanca"، حين يقول "ريك" لـ "لوي"، في واحدة من أشهر العبارات السينمائية في التاريخ: "أعتقد أنّ هذه هي بداية لصداقة جميلة". فيلم "Tenet"، كعنوانه تماماً، يقرأ العبارة بشكل عكسي.