السبت، 30 نوفمبر 2013

The Secret Life of Bees 2008


The Secret Life of Bees

قصة تتوغّل في اكتشافات الماضي ومشاكل الحاضر وآمال المستقبل

 

كصورةٍ واقعية للحياة في ريفِ "كارولاينا الجنوبية" بعام 1964، فيلم "الحياة السرّية للنحل" يحلم حلماً مستحيلاً. كقصةِ حبٍّ وأمل، إنّه ساحرٌ وخلّاب. هل يجب أن يكون مؤلماً؟ ليس بالضرورة، فنحن نستشعر الألم في قلب السعادة، والحياة بلا ألم لا تجلب الأمل.
إنّ هذا الفيلم سيُرضي كل عشّاق الرواية الشهيرة التي كتبتها "شو مونك كيد"، وقد وصفها أحد النقّاد بالرواية الخضراء، الحلوة، الرقيقة، وكذلك وصفها بـ "الصحّية"، وكم هو وصفٌ غريب ونادر. بمشاهدة هذا الفيلم سنرى أنّ كل تلك الصفات موجودة في قلب القصّة.
قبل كل شيء، الفيلم يحتوي على شخصيات رائعة يؤديها نجومٌ رائعون. الفنانة "كوين لاتيفا" تمزج الإيمان والفكاهة والعظمة في شخصية "أوغست بوترايت"، والتي تبدو كعرّابة جنيّة. إنّها تعيش في منزلٍ لونه مثل لون أرنب عيد الفصح، وتقوم بجمع العسل من أجل كسب لقمة العيش، ومعها شقيقتيها "جون" وهي عازفة على آلة التشيلو وناشطة حقوق مدنية، و"ماي" التي تعيش حالة اكتئاب ولا تقوى على أي شيء يثير الحزن والألم.
على بُعد أميال، تعيش الفتاة المراهقة "ليلي أوينز" مع والدها القاسي. صديقتها المقرّبة ومن تدافع عنها هي الخادمة السوداء "روزالين"، وتتحمّل قسوة الأب لأنّها لا تريد الابتعاد عن "ليلي". في أحد الأيام تصل الجرأة بـ "روزالين" لأن تحاول تسجيل اسمها في التصويت العام، وإثر ذلك تتلقّى الضرب المبرح من العنصريين. النتيجة بالطبع هي اعتقالها، فتقوم "ليلي" بمساعدتها على الهروب، ومعاً تتّجهان إلى مدينة "تيبورون" التي تعرفها بسبب عثورها على شيء أثار فضولها في مقتنيات والدتها الراحلة، وهذا الشيء هو ملصق لزجاجة عسل.
تصل "ليلي" و"روزالين" إلى عتبة باب منزل "أوغست". تقوم بإدخلاهما على الرغم من استياء شقيقتها "جون". هنا تماماً تبدأ القصة الرئيسية التي تتضمن اكتشافات الماضي ومشاكل الحاضر وآمال المستقبل. هناك العديد من الأحداث الميلودرامية في الفيلم، وقد تم عرضها بأسلوبٍ شيّق، ولن يفيد أن أكشفها لكم هنا.
النجمة "داكوتا فانينغ" لطالما بدت كامرأة ناضجة أكثر من مجرد فتاة مراهقة، وفي هذا الفيلم أبدعت في تقمّص شخصية "ليلي" بجرأتها وصراحتها. النجمة البريطانية "سوفي أوكونيدو" تضفي للفيلم نكهة حزينة ولكن رائعة من خلال أدائها المميز لشخصية "ماي" التي تمر بالعديد من التحوّلات العاطفية، والأسباب مقنعة جداً. أداؤها المبهر في فيلم "فندق رواندا" كان سبباً رئيسياً لاختيارها لهذا الدور. الفنانة "أليشا كيس" تثبت أنها ليست فقط مغنيّة بل ممثلة موهوبة أيضاً، فقد لعبت شخصية "جون" المعقّدة بشكل جميل للغاية.
الفنانة "جينيفر هادسون" أبهرت الجميع بأدائها المذهل في الفيلم الموسيقي الاستعراضي "فتيات الأحلام"، وقد كان فيلمها الأول، إلّا أنّ ذلك لم يمنعها من الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة. في هذا الفيلم أدّت دور الخادمة "روزالين" بإبداع وأثبتت لنا موهبتها الفريدة. المخرجة "جينا برينس بيثوود" قدّمت عملاً رائعاً في تجربتها الاخراجية الأولى للسينما، وهي أيضاً من كتبت النص السينمائي باقتباسه من الرواية الأصلية.  تم إنتاج الفيلم بعام 2008.
"الحياة السرّية للنحل" هو فيلم رائع ومؤثر يعيدنا إلى الماضي لنعرف مِن أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون، ويعلّمنا كيف نتغلّب على الحزن لنجعل حياتنا أكثر إشراقاً وسعادة. لقد تأثرت كثيراً بالفيلم لأنه يكرّم رواية أحبّها الكثير من القرّاء لأسباب كثيرة. وجود عائلة مثل "أوغست بوترايت" وشقيقتيها هو حلم جميل، وفي تلك الأيام العصيبة، كان المجتمع بحاجة لأن يحلم.
 


 

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

Seabiscuit 2003


Seabiscuit

قصة ثلاثة رجال وأسطورة عظيمة!!

 

"سيبيسكِت" كان حصاناً صغيراً وكسولاً، ووظيفته الوحيدة هي الأكل والشرب، ولم يكن يحسن التصرّف. كان هذا قبل أن يقابل الرجال الثلاثة الذين جعلوا منه أعظم أسطورة رياضية محبوبة من قبل الجماهير في ثلاثينيات القرن الماضي.
الرجال الثلاثة هم: المالك "تشارلز هاورد" الذي برع في مجال السيارات، والمدرب "توم سميث" الذي سُمِّيَ بالأحمق لمجرد التفكير في أن بإمكانه معالجة الأحصنة التي يعجز غيره عن معالجتها فيقتلونها، والفارس "ريد بولارد" الذي بدأ بالعمل كمنظّف اسطبل، ولأنه يمر بحالة من الإكتئاب الشديد، لم يتردّد في أداء أي عملٍ كان.
فيلم "سيبيسكِت" مقتبس من الكتاب الذي حقّق أعلى المبيعات للمؤلفة "لورا هيلينبراند" وهو يحكي بالتفصيل قصة هؤلاء الرجال الثلاثة مع الحصان في ظل الأزمة الاقتصادية في تلك الفترة. الاكتئاب سيطر على أمريكا لأقصى درجة، وأفراد المجتمع أرادوا شيئاً يؤمنون به، وبطريقة ما وجدوا الحصان "سيبيسكِت" والرئيس "روزفيلت" شيئين جديدين.
القصة تمتلك المادة الكلاسيكية لفيلم رياضي، وتدعو الجميع للجلوس على المدرّج لمشاهدة سباقِ أحصنةٍ رهيب في النهاية، ولكن المخرج فضّل التروّي في فصول الفيلم، وافتتحه بمقدمة عذبة لتلك الفترة من الزمن، وحياة هؤلاء الرجال الثلاثة قبل ظهور الحصان، ومن جديد نرى المعركة الكلاسيكية بين السيارة والحصان، لكون السيارة اختراعاً حديثاً يطغى على بساطة الحصان.
"تشارلز هاورد" يبدأ حياته كبائع دراجات، وبعد فترة يتخصّص في تصليح السيارات، وإذا به يتحوّل إلى مليونير يشتري مزرعة ضخمة ويحوّل الاسطبلات إلى مواقف للسيارات، وبعد مأساة عائلية يغيّر نشاطه ويصبح مالك ومربّي أحصنة، ومع توالي الأحداث يلتقي بـ"ريد بولارد" و"توم سميث"، ويكتشف "تشارلز" أنه يمتلك كل شيء إلا حصاناً، و"توم" لديه ثقة بالحصان "سيبيسكِت"، ويشعر أنه يستطيع أن يتواصل معه بقلبه.
الفيلم لا يرتكب الخطيئة الكبرى بمعاملة الحصان كإنسان. إنه حصان طوال الوقت!! حصان قادر على الركض بسرعة رهيبة وتصعب هزيمته، وذلك حين يكون تحت تأثير استراتيجية "توم" وحُب "ريد". السباقات في الفيلم مثيرة جداً، والأمر يعود للمخرج "غاري روس" والمصوّر المبدع "جون شوارتزمان"، ونشاهد مدى روعة التصوير باللقطات القريبة للمتسابقين، ويصعب علينا أن نحدّد مكان الكاميرا، لأنّ عيوننا معلّقة طوال الوقت على الأحصنة والفرسان الذين يسعون للفوز بأيّة طريقة.
ليست الأحصنة وحدها من تتنافس، ولكن مالِكيها يتنافسون أيضاً، ونراهم ينظّمون للسباق القادم بكل جهد، ويبدأ الرهان بين الجماهير، وظهور الإشاعات، والتضخيم الإعلامي، وتوقّف الحياة تماماً إلى حين انتهاء السباق.
من أكثر الشخصيات تأثيراً في الفيلم هي شخصية "توم سميث"  الذي يلعب دوره الفنان "كريس كوبر"، وقد بدا مسناً وشاحباً وضعيفاً، ولا ننسى الفنان "جيف بريدجز" الذي أدى دور "تشارلز هاورد" بإبداعٍ وإتقان، والنجم "توبي ماغواير" في شخصية "ريد بولارد" أبدع هو الآخر في أدائها.
فيلم "سيبيسكِت" هو فيلمٌ رائعٌ جداً ويحمل رسالة إنسانية في الشجاعة والعزيمة والإصرار على الفوز، وقد ترشح لنيل 7 جوائز أوسكار بعام 2003 لأفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تحرير صوتي وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل مونتاج وأفضل تصوير. في أحد مشاهد الفيلم سمعت مقولة أعجبتني كثيرا لـ "تشارلز هاورد"، فقد قال: "الحصان صغيرٌ جداً، والفارس كبيرٌ جداً، والمدرّب مسنٌ جداً، وأنا غبيٌ جداً لأحدّد الاختلاف".
في نهاية الفيلم يراودنا شعورٌ جميل، وتتملّكنا رغبة في البكاء، ليس بسبب الحزن، ولكن بسبب الشجاعة والعزيمة، وبسبب تعلّقنا بالحصان "سيبيسكِت" وإحساسنا به، وبما عاناه مالِكُه من ألم، وما مرّ به المدرب "توم" من شقاء، وما حدث للفارس "ريد" أيضاً لم يكن أمراً سهلاً أبداً.
 


 

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

Moonstruck 1987


Moonstruck

كوميديا رومانسيّة حول الحياة والعائلة والحُب

 


إنّ ما نشاهده من سحرٍ وروعة في فيلم "ضربة قمر" يصعب وصفه. الفيلم فريد من نوعه، ويتميّز بنغمته المميزة. نقّاد الفيلم يميلون إلى جعله يبدو مثل كوميديا عِرقيّة جنونية، فقط لا غير. لكن هناك أمور أخرى، مثل الشوق والحنين والصبا، الذين يتوغّلون في القصة برومانسية لا توصف. هناك أيضاً ميزة سحرية، والتي هي منعكسة في عنوان الفيلم.
الفيلم من بطولة الفنانة "شير" التي تلعب دور "لوريتا"، وهي أرملة أمريكية من أصل إيطالي، وعمرها 37 عاماً. لكنّها ليست الوحيدة التي تتعرّض لضربة قمر في الفيلم. هناك أيضاً "الليلة المُقمِرة" التي تخرج فيها والدتها متوجهة للمطعم وحدها، وتلتقي بأستاذ جامعي كهل، وهو متخصّص في إغواء طالباته الشابّات، غير أنّه يجد في هذه المرأة الناضجة جاذبية لا يمكن إنكارها. السيد "كاستروني"، والد "لوريتا"، يمرّ بعلاقة غرامية سريّة مع امرأة تدعى "مونا".
في قلب القصة، هناك "لوريتا" التي تكتشف أنها لا تزال قادرة على الحُب. مع افتتاح الفيلم، نجد أنّها مخطوبة للسيد "جوني"، ليس بدافع الحب بقدر الضجر والتعب، ولكن بعد سفره إلى إيطاليا ليكون بجانب والدته المحتضرة، تذهب "لوريتا" للتحدث مع "روني"، الشقيق الأصغر لخطيبها، وذلك لتدعوه إلى حفل الزفاف. الأمر الصاعق والغير متوقع هو وقوعهما فوراً في الحب.
الفيلم من إخراج "نورمان جيويسون"، وكتَبَ القصة المبدع "جون باتريك شينلي"، الذي كتب لاحقاً النص السينمائي المذهل لفيلم "الشك". إنّه عبارة عن كوميديا جماعية، والكثير من الضحكات تنبثق من الإحساس الذي خلقه كلٌ من "جيويسون" و"شينلي". هناك لحظات مرحة تنطوي على الغضب الذي تشعر به السيدة "كاستروني" تجاه والد زوجها العجوز الذي يعيش مع كلابه في الدور العلوي. تقول له ذات مرة أثناء وجبة العشاء: "قدّم إلى كلابك لُقمة أخرى من طعامي أيها  العجوز، وسوف أركلك حتى الموت!!".
بما أنّ "جوني" سيمكث مع والدته المريضة لفترة، نجد علاقة "لوريتا" و"روني" تصبح جديّة أكثر، وتعرف "لوريتا" لاحقاً سبب الخلاف والكره بين الشقيقين. يخبرها "روني" أنّه في أحد الأيام أتى إليه شقيقه "جوني" إلى المخبز وصرف انتباهه على العمل، وفي تلك اللحظة تقطّعت أصابع يديه في آلة تقطيع الخبز، ونتيجة لذلك تركته صديقته التي كان يأمل بالزواج منها. الآن هو يلبس يداً صناعية، والضغينة تملأ قلبه. في مشهد مؤثر يصيح قائلاً: "فقدتُ يدي وفقدتُ خطيبتي!! جوني لديه يده ولديه خطيبته!!".
لكن الضغائن والجروح القديمة نجدها في كل مكانٍ من الفيلم. السيدة "كاستروني" مثلاً، تعرف أن زوجها على علاقة بأخرى، فتسأل من أعماق قلبها: "لماذا يجب أن يحدث ذلك؟؟" ويُجيب الصديق: "لأنه خائف من الموت". تعرف حالاً أن هذا هو السبب. لكن، هل هذا السبب يجعلها تتعاطف مع زوجها؟ ربّما، وبصعوبة.
في إحدى الليالي، عند عودة السيد "كاستروني" للمنزل، تسأله زوجته: "أين كنت؟". يرد: "لم أذهب إلى أي مكان". ثم تقول له أنها تريده أن يعرف أمراً واحداً فقط. "أينما تذهب، ومهما تفعل.. ستموت ذات يوم، كأي شخصٍ آخر". بعد ذلك ينظر إليها بصمت.. بعَينَيْ الرجل الذي تزوّج هذه المرأة منذ أكثر من 40 عاماً، ويقول لها: "شكراً يا روز". تلك اللحظات نمرُّ بها كثيراً في حياتنا، ولكن هؤلاء يقعون تحت تأثير القمر، الذي يسحرهم بجماله ويحميهم من عواقب الضعف الذي يشعرون به.
الفيلم رائع بأداء الممثلين، والفنانة "شير" التي بدأت مشوراها الفني كمغنية ولا تزال ألبوماتها الغنائية تكتسح الأسواق، تدخل مجال التمثيل ونكتشف موهبتها، فمن النادر أن ينجح الفنان في أكثر من مجال، إلاّ أنّها قدّمت أداءاً مذهلاً. لم نرها بهذا المرح وبهذه الجديّة، وقد استحقّت جائزة الأوسكار الذي حصلت عليها لأفضل ممثلة.
الفنانة "أوليمبيا دوكاكيس" أدّت دور السيدة "روز كاستروني" وقد أبدعت في تقمّص شخصية الأم والزوجة، وقد نالت هي الأخرى جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة. السيد "كاستروني" يلعب دوره الفنان "فينسينت غاردينيا" بكل روعة، ونرى من خلاله الرجل القديم الطراز، والزوج الغريب الأطوار والمحب لزوجته وفي نفس الوقت ينجذب إلى امرأة أخرى، وقد ترشّح لنيل جائزة أفضل ممثل مساعد. حاز الفيلم أيضاً على جائزة أفضل نص سينمائي أصلي، وترشّح لجائزتَيْ أفضل إخراج وأفضل فيلم بعام 1987.
الفنان "نيكولاس كيج" بشخصية "روني" الشاب البائس العصبي والمليء بالجروح أبدع في الأداء حقاً، وشعرنا بخيبة أمله وبؤسه من خلال تصرفاته. هذا الفيلم هو نقلة فنية في حياته واستطاع خلال العشرين سنة اللاحقة إثبات موهبته والحفاظ على مستواه المتميّز.
"ضربة قمر" هو فيلم رومانسي كوميدي وُجِدَ على الإهمال العاطفي والحقيقة اللاذعة. لا يُحتسب كقصة واحدة، بل ينطوي في خمس أو ست قصص، ويعتمد ذلك على كيفية حسابكم لها، والوضع في الاعتبار أنّ بعض الشخصيات يندرجون في أكثر من قصة. إنّه فيلم يدور في مدينة "بروكلين" الخيالية. ليست "بروكلين" الشهيرة كما يعرفها الجميع. هذه "بروكلين" التي باكتمال القمر يصبح ليلها نهاراً، ويقودهم إلى الجنون في الحب. "حين يضربك القمر على عينيك، كفطيرة البيتزا الكبيرة"، هذه هي أغنية المقدمة من ألبوم المغني "دين مارتِن".
هذا الفيلم بدفئِه وسحرِه وضحكاتِه، أصنّفه من أفضل أفلام الكوميديا في تاريخ السينما. الفيلم يكشف لنا عن جمال وغموض الحياة، ويجعلنا نضحك ونشعر بالحب، ويكشف لنا سر "القمر". الكثير منّا تعرّض لضربة شمس، ولكن من منّا تعرّض لـ "ضربة قمر"؟!



 

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

No Country For Old Men 2007


No Country For Old Men

ظلٌّ أسود يسير معنا بنفس الوتيرة مثل المُطارِد في كابوس مخيف

 

يُفتتح الفيلم بصوت هادئ لرجلٍ يصف قاتلاً مراهقاً كان قد أرسله إلى كرسي الإعدام من فترة. هذا الصبيّ قتل صديقته، والصحف قالت أنها "جريمة عاطفية". يواصل صاحب الصوت الهادئ قائلاً: "وقد قال لي أنّها ليست عاطفية بالمرّة، وأنّه كان يخطّط لقتل أحدٍ منذ الأزل وإنْ أطلقت سراحه سيفعلها مرّة أخرى، وقال أنّه يعرف أنّه ذاهبٌ إلى الجحيم".
بدت هذه الكلمات غريبة بعض الشيء وأنا أسمعها في فيلم "لا وطن للمسنّين". ذلك الصوت أخرج الكلمات بنبرة عاطفية مهّدت للفيلم كلّه، والتي دارت حول رجلٍ شرّير لا يرحم. إنّه يدعى "أنتون شيغور" وهو طويل القامة مع شعرٍ أسود وابتسامة مخيفة، ويتنقّل عبر مدينة تكساس حاملاً اسطوانة هواء مضغوط ويقوم بقتل الناس. إنّه يصوّب الأسطوانة نحو رؤوسهم ويطلق رصاصة الموت.
"أنتون" هو شخصية مهّمة في هذه الحبكة الملتوية، وكذلك رئيس الشرطة "إد توم بيل"، ولا ننسى "للوين موس" الرجل الفقير الذي يعيش مع زوجته في مقطورة. في أحد الأيام يذهب "للوين" في رحلة صيد ويجد شيئاً لم يكن يتوقعه أبداً، فقد كانت هناك صفقة مخدّرات في الصحراء لم تسِر على ما يرام. الوضع رهيب ولم يبقَ أحدٌ على قيد الحياة، ويتجوّل "للوين" في مسرح الجريمة ويعثر بداخل إحدى السيارات على مبلغٍ طائلٍ من المال.
يريد "للوين" أن يجعل هذا المبلغ الطائل من نصيبه، و"أنتون" يحاول أخذه منه، ورئيس الشرطة "إد توم" يسعى لإيقاف هذا القاتل من ارتكاب مزيدٍ من الجرائم. نلتقي بزوجة "للوين" الساذجة والتي تدعى "كارلا جين"، ومُطارِد المجرمين المغرور "كارسون ويلز" ورجل الأعمال الذي يقوم بتكليفه كي يتعقّب المال المفقود من صفقة المخدّرات، وكذلك نلتقي بأصحاب المتاجر والفنادق اللذين لم يكونوا محظوظين بمقابلة "أنتون".
"لا وطن للمسنّين" هو فيلم رائع جداً وأخرجه الأخوان "كووين"، وكان شبيهاً لفيلمها السابق المميّز "فارغو" بعنصر الإثارة والمطاردة. إن هذا الفيلم يدرس الشخصيات ويرصد لنا كيف يتعاملون مع رجلٍ شرّير وقاسٍ وعديم الشعور. "أنتون" تنطبق عليه هذه المواصفات وأكثر من ذلك، مع أنّه أحياناً يبدو مرِحاً، وكما يقول مُطارِدُه "كارسون": "أنتون شيغور لديه قوانينه الخاصة".
النص السينمائي الذي كتبه الأخوان "كووين" يعتبر من أقوى النصوص وأكثرها روعة لفيلم إثارة وجريمة. لقد تم اقتباس القصة من رواية الكاتب "كورماك ماكارثي". يتبيّن لاحقاً أنّ المبلغ الطائل يشكّل خطراً على "للوين"، لأّن حياته تنقلب رأساً على عقب، ويشعر بالخوف في كل لحظة فينتقل من فندق إلى آخر للاختباء من القاتل. يمكنه الهروب ولكن لا يمكنه الاختباء، فـ "أنتون" يتعقّبه دائماً. إنّه يلازمه في ظلِّه كالموت، ولا يتسّرع، ويتحرك دائماً بنفس الوتيرة، مثل مُطارِد في كابوس مخيف.
هذا الفيلم بارعٌ جداً في استحضار عناصره: الوقت، والمكان، والشخصيات، والأمور الأخلاقية وغير الأخلاقية، والطبيعة البشرية، والمصير المحتوم. إضافة إلى ذلك، العناصر الفنية للفيلم وأهمها التصوير السينمائي المذهل للفنان "روجر ديكينز" وتحرير المَشاهد مع المؤثرات الصوتية المتقنة. النجم "جوش برولين" أدّى شخصية "للوين موس" بأسلوب مقنع جداً بملامحه التي يبدو عليها الخوف والفزع من القاتل المضطرب "أنتون شيغور" الذي قدّم دوره الفنان الأسباني "خافيير بارديم" بمنتهى الروعة والإبداع، فقد كان دوراً مغايراً عليه تماماً ونحن اعتدنا مشاهدته في أدوار طيّبة ومليئة بالعاطفة.
الفنان المخضرم "تومي لي جونز" هو صاحب الصوت الهادئ في بداية الفيلم الذي يعود لشخصية رئيس الشرطة "إد توم بيل"، وقد أدّاها بشغفٍ فنّي مليءٍ بالعاطفة. حاز الفيلم على 4 جوائز أوسكار بعام 2007 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل مساعد "خافيير بارديم"، وقد ترشّح لنيل 4 جوائز أخرى لأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
الفيلم يختبر المشاعر الإنسانية العادية التي تواجه الظلم العنيد، ويحاول الوصول إلى القمّة، وينجح في ذلك. القصّة تسير بعناية فائقة، والأحداث تتصاعد بدقّة شديدة، والكثير من مَشاهد الفيلم شُكِّلت بطريقة نريد لها أن تستمر بكل بساطة، لأنّها تخلق لنا رشفة عاطفية وترسم معالم المشهد التالي. هذا شعورٌ نادر جداً في فيلمٍ قاسٍ وعديم الرحمة بعواطفه، مثل غيمة سوداء تريد البكاء.
 


 

The Truman Show 1998


The Truman Show

قصةُ رجلٍ انتُهِكَت منه الثقة والبراءة منذ اليوم الذي وُلِد فيه!!

 


 بعد مشاهدتي المتأخرة لفيلم "عرض ترومان" للمخرج المبدع "بيتر وير" والذي تتمحور فكرته حول الخصوصية واستراق النظر، انتابني شعورٌ نادر ومدهش برغبتي أن أشارككم هذا الاكتشاف الرائع. أدعوكم جميعاً إلى مشاهدة هذا العمل الخلّاب والمبتكر والاستمتاع به لأقصى الحدود.

عُرِض الفيلم لأول مرة في السينما بعام 1998، وقد كان عبارة عن مفاجأة للجماهير، ففي تلك الفترة بدأت التكنولوجيا الحاسوبية تطغى بشكل رهيب على معظم الأفلام التجارية التي فقدت الاهتمام بحياة الإنسان وفضّلت التركيز على ما يوّلده الحاسوب من ابتكارات. فيلم "عرض ترومان" استخدم أحدث التقنيات الحاسوبية في أعمق المعاني الإنسانية.

تدور الأحداث حول رجل شاب يدعى "ترومان بربناك"، وهو "الموضوع الأساسي" لعرض تلفزيوني مباشر يسجّل كل لحظة من حياته. الغريب هو أن "ترومان" لا يعلم أي شيء حول ذلك. منذ يوم ولادته كانت تتم مشاهدته من قِبَل الملايين، كما أنّ "والديه" و"أصدقاءه" وبعد ذلك "زوجته" و"زملاء العمل" جميعهم لُعِبَت شخصياتهم بواسطة ممثلين.

إنّه يعيش في "سيهيفِن"، وهي مدينة صناعية تم بناؤها بحرفية هائلة من أجله، قد زُوِّدت بـ 5000 كاميرا خفية كي تتعقبه وتسجّل تحركاته اليومية. العرض التلفزيوني في نطاق الفيلم هو حقيقي وأشبه بـ "سوب أوبرا"، واُطلِق عليه اسم "عرض ترومان" وقد ابتكره المخرج التلفزيوني "كريستوف".

قام "كريستوف" بتصوير البرنامج لما يقارب 30 عاماً، وبالطبع "ترومان" هو البطل، وفي الواقع هو لم يقابله شخصياً، ومع ذلك يعتبره ابتكاره الخاص. "كريستوف" سيفعل أي شيء لإبقاء "ترومان" في "سيهيفِن" ومنعه من الهروب مهما حاول. حين يدرك بطلنا أنه خاضع للمراقبة الدائمة وسجين في ذلك المكان، تبدأ ميليشيات "كريستوف" بمسيراتها لإرجاع الأمور إلى نصابها.

النجم "جيم كاري" كما لو لم نشاهده من قبل، فقد أبدع في أداء دور "ترومان" بمزجه المميز بين الكوميديا والتراجيديا، وذكّرني ذلك بأدوار الفنان الرائع "روبِن وليامز". لقد جلب المصداقية لهذه القصة المؤثرة حول الرجل الذي انتُهِكَت منه الثقة والبراءة منذ اليوم الذي وُلِدَ فيه.

هناك تحدٍّ في مشاهدة "عرض ترومان". يُطلَب منّا كنقّاد ومشاهدين أن نُصدّق أنّ الأمر تطلّب 30 عاماً من حياة "ترومان" ليُدرك أنّه مراقَبْ، وأنّه لم يُلاحظ طوال ذلك الوقت أنّ جميع من يحيطون به كانوا يمثّلون أدوارهم ببراعة. الفيلم لديه الكثير ليقوله عن أسلوب حياتنا، عن استراق النظر والنزعة الاستهلاكية، وعن المراقبة الإعلامية واختراق الخصوصية.

الفنانة "لورا ليني" هي ممثلة لعبت دور ممثلة بشكل رهيب، حيث لعبت دور زوجة "ترومان" وكذلك بقية الممثلين بما فيهم "بول جياماتي" و"هولاند تايلور" قدموا أداءاً مميّزاً، ولا ننسى الفنان "إد هاريس" الذي أبدع في أداء دور "كريستوف"، العقل المدبّر لهذا البرنامج، وقد ترشّح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد، وترشّح الفيلم أيضاً لنيل جائزتَيْ أفضل إخراج وأفضل نص سينمائي أصلي.

المخرج "بيتر وير" برؤيته الإبداعية قدّم الفيلم بشكل جميل وغامض ومشوّق، وقد أبهرنا قبل أعوام بفيلم "جمعية الشعراء الموتى" ومؤخراً بفيلم "السيد والقائد – الجانب الأبعد من العالم". الكاتب "أندرو نيكول" يُنسب له الفضل الأكبر بتأليفه قصّة رائعة ومبتكرة كهذه، والأروع من ذلك صياغته لنص الحوار المليء بالأفكار والذي يدعو للتأمّل. لم يكتفِ "نيكول" بالكتابة للأفلام، بل قام بإخراجها أيضاً، فقد أتحفنا لاحقاً بأفلام مميّزة مثل "سيمون" و"في الوقت المحدّد" و"المضيفة".

السبيل الوحيد الآن للشهرة هو أن تكونوا مُلوكاً أو كُتّاباً أو ممثلين أو سياسيّين، وما إن تصلوا إليها، ستجدون معظم الناس على معرفةٍ بكم وبمعلومات تخصكم فقط من خلال الكلمات المطبوعة أو المسموعة. رغبة التلفزيون الجامحة في جمع المواد جعلت المشاهير في حالة لا يُحسَدون عليها بالتهام حياتهم وأسرارهم. إن فكرتم قليلاً ستجدون أنّ "عرض ترومان" هو في الواقع عرض "مغالاة" يعكس نفس الظروف التي عاشتها الأميرة الراحلة "ديانا" منذ يوم ارتباطها بالأمير "تشارلز".

أنا شخصياً استمتعت بالفيلم، وأحببت "ترومان" مثلما أحببت "فورست غامب"، لأنّه كان رجلاً طيّباً وصادقاً. يقول "كريستوف" في المشهد الافتتاحي: "لقد أصابنا الملل ونحن نشاهد الممثلين وهم يقدّمون لنا مشاعر زائفة. أصابنا الإرهاق من مشاهدة الألعاب النارية والمؤثرات الخاصة، بينما العالَم الذي يحيا به مزيّف ببراعة مشهودة، لكن لا يوجد أي خداع في ترومان نفسه. لا نصوص سينمائية. لا تلقين للممثلين. إنه ليس دائماً شكسبير، ولكنه حقيقي. إنها حياة!!".



الأحد، 17 نوفمبر 2013

A Room With a View 1985


A Room With a View

حين تطل نافذة الغرفة على أجمل منظر قد نراه في حياتنا

 


 

الشخصية المفضّلة لدي في فيلم "غرفة مع منظر" هي شخصية "جورج إيميرسون"، الشاب العاطفي المخلص الذي ينبض قلبه بحب "لوسي هانيشيرش". إنها امرأة محترمة من عائلة طيّبة، وقد قامت برحلة سياحية إلى إيطاليا برفقة الآنسة "بارتليت".
"لوسي" تقابل "جورج" ووالده في الفندق. بعد عدّة أيام، وتحت أشعة الشمس الدافئة ووسط الحقول الخضراء، يُكشَف عن ستار الحب بين "لوسي" و"جورج" بقُبلة وبشكلٍ غير متوقع. إنه لم يبدأ بمحادثة قصيرة، بل يقوم بتقبيلها فجأة، وبالنسبة له، أمرٌ عظيم ومهم قد حدث بينهما.
"لوسي" ليست واثقة حقّاً وتحاول ضبط أنفاسها، والآنسة "بارتليت" تظهر من فوق التل وتدعوها لشرب الشاي. بعد عدّة أشهر في لندن، تقوم "لوسي" بإعلان خطبتها على "سيسيل فايس" الشاب المنافق. "سيسيل" هو من فصيلة الرجل الذي لا يلعب التنس أبداً، ويلبس النظارات ويدهن شعره بالزيوت، ويظن أنّ الفتيات لطيفات ومهذّبات فقط لأنهن يحببن الاستماع إليه وهو يقرأ بصوت عالٍ. إنه لا يعرف أيّة معلومات أخرى حول ما قد يعجب الفتيات.
في تلك الأثناء، "جورج" ووالده يسكنان في بيت ريفي بالجوار، وفي أحد الأيام يقوم بتقبيل "لوسي" مجدّداً، ثم يلقي خطاباً مذهلاً، ويعبّر عن حبّه. "لوسي" يجب أن لا تتزوّج من "سيسيل"، ويفسّر لها ذلك، لأنّ "سيسيل" لا يفهم النساء ولن يستطيع فهمها وأنه يريدها فقط كـ "زينة" أو "زخرفة". "جورج" على الجانب الآخر، يريدها رفيقة دربه وشريكته في رحلة الحياة.
"جورج" لا يظهر في مَشاهد كثيرة بقدر ظهور "لوسي" و"سيسيل". في بقية المَشاهد، نجده يظهر بشكل جانبي، ولا يتحدث إلاّ قليلاً، لكن دوره واضح جداً. إنّه مصدر العاطفة في المجتمع الذي هو بصورة أخرى مشدود بقوة نحو التقاليد الجافة والحياء. إنّه الرجل الذي يستطيع كسر تلك القيود، ليعبّر عما يشعر به ويحرّر روح "لوسي" بكل جدارة وعزيمة، ولذلك أعتبره شخصيتي المفضّلة. إنه قوي وممتلئ بالإيمان ويعرف قيمة "لوسي".
"غرفة مع منظر" هي قصة حول "جورج" و"لوسي"، وأيضاً هي هجوم على النظام الطبقي البريطاني. ما هو منعش بشأن الفيلم هو ليس فقط التفافه حول الشخصيات المعقّدة وغريبة الأطوار، بل أيضاً إظهاره محاولاتهم لتغيير حياتهم نحو الأفضل.
الفيلم تم اقتباسه من رواية الكاتب "إي إم فوستر" من قِبَل ثلاثة سينمائيين تخصصّوا في إنتاج الأفلام المبنية على الأدب الكلاسيكي: المخرج "جيمس آيفوري"، والمنتج "إسمايل ميرشينت"، وكاتب النصوص "روث براور جابفالا". أعمالهم الأخرى المميزة وعلى نفس السياق الأدبي "البوسطنيون" و"الأوروبيون" و"حرارة وغبار" و"بقايا النهار" و"هاوردز إند" و"رحلة إلى الهند". هذا الفيلم هو أفضل ما قاموا بإنتاجه في رأيي.
إنّه فيلم فكري وثقافي حول المشاعر، ويشجّعنا على التفكير عمّا نشعر به، بدلاً من التمثيل ببساطة على مشاعرنا. إنّه يرينا امرأة شابة على وشك الزواج من الرجل الغير مناسب، ليس بسبب عاطفتها، بل بسبب قلّة تفكيرها وضعف عقلها. الفيلم يجادل ويقول: "فقط فكّروا بعاطفتكم"!! وبعد ذلك ستتخلّون عن "سيسيل" وستتّجهون نحو "جورج".
جرت العادة في الأفلام أن نجد "العقل" و"العاطفة" في اتجاهين متضادّين، ولكن هذه المرة يبدو الأمر ممتعاً حقّاً حين نراهما في نفس الإتجاه. القصة تسير وفق خطوات مدروسة تتخلّلها انقطاعات درامية موسمية لإثارة العاطفة. الحوار فخم ونظري، ومع الوقت يتحوّل إلى حوار مباشر وصادق. أداء الممثلين رائع جداً ومتوازن بين العقل والعاطفة.
فوق كل شيء تقف "لوسي"، التي تلعب دورها الفنانة "هيلينا بونهام كارتر" بكل شغف وإتقان. الفنانة المخضرمة "ماغي سميث" أتحفتنا كالعادة بأدائها المذهل لشخصية الآنسة "بارتليت". الفنان "دينهولم إليوت" الذي يلعب دور السيد "إيميرسون" استحوذ على الشاشة بشخصيته الفريدة والمليئة بالحكمة والطيبة. الفنانة الرائعة "جودي دنش" كان لها لمسة جميلة على الفيلم بأدائها دور الروائية "إلينور لافيش"، ولا ننسى المبدع "جوليان ساندز" الذي جسّد شخصية "جورج" بكل عاطفية وإحساس، وكذلك الفنان الرائع "دانييل داي لويس" أكمل اللوحة الفنية بأدائه المتميز لشخصية "سيسيل".
هذا الفيلم مذهل بكافة المقاييس، واستطاع المخرج العبقري "جيمس آيفوري" أن يقدّم لنا تحفته الفنية بكامل روعتها. حاز الفيلم على 3 جوائز أوسكار بعام 1986 واستحقها بجدارة، لأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء، وترشّح لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل ممثل مساعد "دينهولم إليوت"، وأفضل ممثلة مساعدة "ماغي سميث"، وأفضل تصوير وأفضل إخراج، وكذلك جائزة أفضل فيلم.
فيلم "غرفة مع منظر" يسير برفق وانسيابية، كما لو أننا نجلس حول مأدبة طعام فخمة ونتحرّق شوقاً للحلويات في النهاية. نريد فقط للنهاية أن تدوم لأنها لذيذة للغاية.
 


 

السبت، 16 نوفمبر 2013

Sweeney Todd – The Demon Barber of Fleet Street 2007


Sweeney Todd – The Demon Barber of Fleet Street

فيلم موسيقي استعراضي يجسّد الانتقام الدموي العنيف لـ "سويني تود"

 

المخرج المبدع "تيم برتون" والفنان الرائع "جوني ديب" يجتمعان معاً من جديد للمرّة السادسة في عمل مُبهر كالعادة. هناك انسجام غريب بين قوّيتيهما المتضاربتين، ومعظم أفلامهما تبدو متناقضة، بمزج الظلام مع النور، والألم مع السرور، والفكاهة مع الحزن. في فيلم "سويني تود – الحلاق الشرير في شارع فليت" سنختبر هذا التناقض المدهش بشكل لم نعهده في أفلامهما السابقة، حيث سنرى - بالإضافة إلى ذلك - مزيج الموسيقى والدم، وسنعيش الأجواء الانتقامية الدموية بصحبة الأغاني الاستعراضية الخلّابة.

الفيلم مأساوي وملحمي وفريد من نوعه، وهذا ما يجعله واحداً من أروع الأفلام الموسيقية الاستعراضية في الفترة الأخيرة. قصة الفيلم مقتبسة من مسرحية شهيرة لـ "هيو ويلر" و"ستيفن سوندهايم"، وقد قام "سوندهايم" نفسه بتأليف الموسيقى وكتابة الأغاني للنسخة السينمائية، أما نص الحوار فقد كتبه المبدع "جون لوغن" الذي أتحفنا بنصوصه المميّزة لعدّة أفلام منها: "الطيّار" و"المحارب" و"الساموراي الأخير"، ومؤخراً فيلمَي "رانغو" و"هيوغو".

كان الحلّاق "بنجامين باركر" يعيش بسعادة مع زوجته وابنته الصغيرة في لندن، ولكن القاضي البغيض "توربين" دمّر حياته السعيدة وأرسله إلى سجن في أستراليا بتهمٍ باطلة، وفوق ذلك أخذ زوجته "لوسي" وابنته "جوانا" للعيش تحت قبضته. "لوسي" سمّمت نفسها تاركة "جوانا" مع "توربين". نعود مرّة أخرى إلى لندن، ونلتقي بـ "بنجامين" الذي قضى 15 عاماً في المنفى، وقد غيّر اسمه إلى "سويني تود"، والآن هو يسعى للثأر.

يقوم "سويني تود" بزيارة جارته السابقة السيدة "لوفيت" التي تبيع فطائر اللحم في المتجر الذي يقع بنفس البناية التي كان يقطن فيها، ولحسن الحظ احتفظت السيدة "لوفيت" بشفرات الحلاقة الخاصة بـ "سويني تود" طوال هذه السنوات. يعيد من جديد فتح محل الحلاقة، وهدفه الأسمى هو تقديم حلاقة لائقة لـ "توربين". كيف سيكون مصير هذا القاضي وتلك الشفرات الحادّة تحلق ذقنه؟!

مع توالي الأحداث نلتقي بالشاب "أنتوني" الذي يقع في حب "جوانا"، ويسعى بكل الطرق إلى تحريرها من قبضة "توربين". "سويني تود" لا يعلم أنّ ابنته على قيد الحياة، ولذلك لذّته الانتقامية في أقوى درجاتها. مثل أي فيلم آخر لـ "برتون"، المؤثرات البصرية في غاية الروعة والإتقان، حيث نرى مدينة لندن بألوانٍ باهتة ومغطاة بالدخان، وشوارعها ضيّقة وقذرة.

الفنان "جوني ديب" والفنانة "هيلينا بوهام كارتر" لهما الفضل الأكبر في إنعاش القصّة بأدائهما الرائع، بالقفز من الحوار إلى الأغاني. لقد كانا ثنائياً مميّزاً جداً بشخصيتَيْ "سويني تود" والسيدة "لوفيت". الممثلون الآخرون أبدعوا أيضاً في تقمّص أدوارهم، وخصوصاً الفنان "ألان ريكمان" الذي لعب دور القاضي "توربين" بإبداع وقد تمكّن من جعلنا نكرهه ونتوق للحظة الانتقام منه. النجم "ساشا بارون كوهين" كانت له إطلالة مميّزة في دور الحلّاق الأجنبي "بيريللي". حاز الفيلم على جائزة أوسكار لأفضل تصميم مواقع وترشّح لنيل جائزتين لأفضل ممثل "جوني ديب" وأفضل تصميم أزياء، وذلك بعام 2007.

المخرج "تيم برتون" برؤيته السينمائية المذهلة سمح للفيلم بإدخال بعض اللحظات الفكاهية التي زيّنته وجعلته أروع مما هو عليه. الأغاني الرائعة بأصوات الممثلين والموسيقى المميّزة كان لها أثراً كبيراً في إبراز الفيلم، خصوصاً مع المشاهد الدموية العنيفة. لم أشاهد من قبل فيلماً موسيقياً استعراضياً بهذا العنف الدموي الذي ذكّرني بأفلام المخرج المبدع "كوينتين تارانتينو".

الدقّة في استخدام الألوان في المَشاهِد كانت خطوة حكيمة من المخرج، إذ أشعرنا بحقيقة مشاعر الشخصيات من خلال الألوان الباهتة، وفي مشهد البحر الذي يجمع "سويني تود" والسيدة "لوفيت" شعرنا بسعادتهما الغامرة بالألوان الخلّابة التي غمرت الشاشة، ونحن سعدنا أيضاً بالرغم من كونه مشهداً وهمياً وليس حقيقياً.

هذا الفيلم ليس للجميع. عليكم أن تكونوا من محبّي الأفلام الموسيقية الاستعراضية، وأن تقدّروا الكوميديا السوداء الملتوية وأن لا تمانعوا مشاهدة العنف وإراقة الدماء بين الحين والآخر. بالنسبة لي، هذا الفيلم من أروع الأفلام الاستعراضية الحديثة، وأتوق لمشاهدته مرّة أخرى.



Far From Heaven 2002


Far From Heaven

قصة عشاء أسْوَد في مكانٍ أبيض!!

 


فيلم "بعيداً عن الجنة" هو من أقوى الأفلام التي تُصّور الحياة في خمسينيات القرن الماضي بموضوعاته وشخصياته، وهو للمخرج "تود هاينس".
يبدأ الفيلم كغيره من الأفلام ويبرز العائلة الرئيسية "ويتيكر" التي تتكون من الزوج والزوجة وأبنائهما الذين يعيشون في مدينة "كونيتيكيت". السيّد والسيّدة "ويتيكر" من الطبقات المحترمة في المجتمع. تتطوّر الأحداث وتتّضح معالم الفيلم باكتشاف الزوجة أنّ زوجها شاذ جنسياً وأنّ بستانيَّ الحديقة الأسود هو أجمل رجل شاهدته في حياتها.
"كاثي" و"فرانك" زوجان يعيشان في منزل رائع يطل على شارع جميل، حيث أوراق الخريف بدأت تتحوّل إلى اللون الذهبي كحياتهما، لدرجة أنّ محرّرة مقالات اجتماعية "مونا لودر" تكتب عن كمال حياة هذه العائلة.
تلمح "كاثي" أثناء المقابلة الصحفية مع "مونا لودر" رجلاً غريباً أسود البشرة في الحديقة، وتذهب وتسأله بلطف كعادتها إن كان يحتاج للمساعدة، فيقوم بالتعريف عن نفسه على أنّه "ريموند ديغن" ابن البستاني الراحل الذي كان يعمل في حديقة العائلة، و"كاثي" التي تمتلك قلباً طيّباً تقوم بشكل تلقائي بوضع يدها على كتف "ريموند" برفق وهي تواسيه على موت والده، وخلال هذا الموقف تتخاطف أنظار تلك المحرّرة "مونا" من المنزل نحو "كاثي"، والتي تكتب لاحقا في مقالِها أنّها "صديقة لِزنجيّ".
"فرانك" زوج "كاثي" رجل رياضي، يقضي أكثر أوقاته في ارتياد الحانات الليلية، وحين يعود للمنزل كأن شيئاً لم يحدث، وفي أحد الليالي أخطأت "كاثي" في قرارها بأن تفاجِئ زوجها وتأخذ له وجبة العشاء إلى مقر عمله، خصوصاً أنه اعتذر عن القدوم للمنزل في تلك الليلة لكثرة انشغاله، وحين فتحت باب مكتبه وجدته مع رجل في وضعٍ مشين، فانصدمت وغادرت.
الفيلم يعكس واقعية القِيَم في الخمسينيّات، ويمكنكم رؤية مدى انزعاج "فرانك" من "شذوذه" الذي يشعره بأنه شخص شرير، ممّا يدعوه الأمر لمحاولة علاج مشكلته بأي شكل من الأشكال. مفتاح القوة في هذا الفيلم هو أنّه لا يحلّل ولا يفسّر، بل يعرض انعكاسا تاما للحياة في سنة 1957 بكل قيمها وعادات مجتمعها، وذلك من خلال تصرّفات الشخصيات.
"كاثي" و"فرانك" يعيشان كزوجين أمام الناس فقط، و"كاثي" ليست منجذبة لـ "ريموند" كعشيق، بل يجذبها لطفه وحنانه، وهي تجد صعوبة في الحديث معه لخجلها الشديد منه، وفي لحظة ما تقول له: "أنا وزوجي من المساندين لحقوق الزنوج والمطالبة بالمساواة" فينظر إليها "ريموند" مبتسماً: "أنا سعيد لسماع ذلك". إنّ "ريموند" رجل لديه شهادة جامعية ومع ذلك يعمل في أعمال البستنة كتخليد لعمل والده الراحل، وهو أرمل ولديه ابنة في الحادية عشرة.
الأحداث تتطور وتتعقّد في هذا المجتمع الصغير، ويبدأ الناس بالحديث عن رؤية "كاثي" مع البستاني الأسود في شاحنته وتوجّههما لمطعمٍ في وسط المدينة، حتى يدخلان وهم على غفلة إلى "عشاءٍ أسود في مكانٍ أبيض".. إلى هذه الدرجة يصل تعظيم الأمر عند المجتمع!!
الفيلم مذهلٌ جداً برؤية المخرج العبقرية، إذ افتتحه بأسلوب الأفلام الكلاسيكية، والموسيقى التصويرية الرائعة جدا لـ "إلمر بيرنستين" أضفت شاعرية على الحوار، ولا ننسى التصوير السينمائي الراقي، وتصميم المنازل والسيارات والأزياء بالشكل الذي تبدو عليه حقاً في تلك الفترة.
الفنانة "جوليان مور" قامت بدور "كاثي" على أكمل وجه، فقد تقمّصت الشخصية بقوة وأظهرت مدى حكمة المرأة وطيبتها وغضبها وحزنها بأروع الطرق، مما نالت أكثر الجوائز عن دورها خلال السنة، ومن ضمنها ترشيحاً لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة، وقد ترشح الفيلم أيضاً لأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير، وذلك بعام 2002.
المخرج "تود هاينس" يعرض أفكاره في الفيلم ويدعونا كمشاهدين أن نركّز عليها، وأن نعير الشخصيات الاهتمام بمراعاتنا لتلك الفترة، وبالفعل أبهرَ الممثلون النقّادَ والجماهير من مختلف أنحاء العالم لأنهم أظهروا في شخصياتهم بالفيلم ما لم يتوافر فيهم من صفات - على الأقل في أفلامهم الأخرى - مما يجعلنا نشعر بأنهم ممثلون جدد في الساحة.
الحب اللاشعوري بين "كاثي" و"ريموند" مليء بالندم والحسرة لأنهما على علم بأنّ مجتمعهما لن يتقبلهما كزوجين أبداً. عندما يغادر "ريموند" مدينة "كونيتيكيت" إلى "بالتيمور" مع ابنته، تقترح "كاثي" أن تزورهما بين الحين والآخر، لكن "ريموند" يرد بلطف: "لا أعتقد أنها فكرة جيّدة!!".