الجمعة، 1 نوفمبر 2013

The Magic of Belle Isle 2012


The Magic of Belle Isle

كيف يمكن لعجوزٍ مُقعَد أن يسير على قدميه وأن يرقص تحت ضوء القمر؟!

 

إنّه شعورٌ لا يُوصف حين نُشاهد أفلاماً لمخرجين حافظوا على مستواهم الرفيع لسنوات طويلة، ولم يكترثوا للمال أو الشهرة. الفنّان "روب راينر" بدأ مشواره الفني بالتمثيل في المسلسلات التلفزيونية، وخلال فترة قصيرة اكتشف موهبته في الكتابة والإخراج السينمائي، ومن أفلامه المميّزة: "الأميرة العروس" و"ميزيري"، وقدّم مؤخّراً الفيلمين الرائعين: "قائمة الدلو" و"تغيّر الحال". يعود إلينا من جديد بفيلمٍ عائلي رائع ومؤثّر بقصّته وشخصياته.
فيلم "سحر بيل آيل" أنتج بعام 2012، وهو يدور حول حياة كاتب عجوز يدعى "موني ويلدهورن"، والذي اشتهر بقصصة الخيالية المميّزة حول رعاة البقر، ولكنه تعرّض لحادث مؤسف وأصبح عاجزاً عن السير. بملازمته الدائمة للكرسي المتحرّك لم يستطع الاستمرار في الكتابة، خصوصاَ بعد أن صار مدمناً على الكحول لحزنه الشديد ويأسه من الحياة بعد وفاة زوجته والحادث الذي جعله عاجزاً.
يقوم ابن شقيقه "هنري" بتشجيعه على الابتعاد عن تلك الحياة الكئيبة والاسترخاء في منزل ريفي بالقرب من بحيرة جميلة في قرية "بيل آيل"، وذلك من أجل أن ينسى ما مرّ به من انتكاسات صحّية وعاطفية. لن يستطيع "مونتي" أن يعود إلى الكتابة ما دامت مخيّلته متوّقفة عن العمل، ولا يوجد أي شخصٍ يلهمه مثلما كانت تفعل زوجته الراحلة. يوافق أخيراً على البقاء في ذلك المنزل ولكّنه يصرّ على إبقاء حُرقته واكتآبه معه، ويتغيّر ذلك حين يلتقي بالأسرة المجاورة التي تتكوّن من سيّدة مطّلقة حديثاً وبناتها الثلاث.
هذه السيّدة هي "شارلوت أونيل"، وبناتها الثلاث هن: الكبرى "ويلو"، والوسطى "فينيغان"، والصغرى "فلورا". تتحمل والدتهن مسئولية تربيتهن بعد أن تطلّقت من والدهن، وتحاول بشتّى الطرق إخفاء حزنها وقلقها مما يمكن أن يحدث في المستقبل، خصوصاً أن بناتها مستاءات مما حدث، ويردن تواجد والدهن معهن. يلتقي "مونتي" بـ "فينيغان" في تجمّع بالقرية ونشعر حالاً برباطٍ فكري بينهما، وحين تُبدي إعجابها بموهبته في الكتابة يشعر بالإهانة لكون المعجبة طفلة صغيرة، ولكن لا ننكر أنّه أُعجِب بها وبجرأتها.
تقوم "فينيغان" بدفع بضعة دولارات لـ "مونتي" كي يكشف لها عن سر الإلهام الذي يأتي للكاتب والخيال الواسع لتأليف القصص، ويُدهّش العجوز بقدر دهشتنا من هذه الفتاة الصغيرة. يرد "مونتي" ويقول لها: "عليكِ أن تنظري حولكِ، وأن تخبريني بما لا ترينه!!".
بشكل غير متوقّع، يُصبح "مونتي" معلّماً خاصاً لتلك الفتاة التي تتوق لمعرفة أسرار الكتابة، وتأتي اللحظة الحاسمة حين تقوم والدتها "شارلوت" بدعوته على وجبة العشاء بمنزلها. خلال ذلك نشعر بتولّد رومانسية بريئة بين العجوز و"شارلوت"، وبالتحديد أثناء عزفها الرقيق بالبيانو لمقطوعة "الشفقة" للموسيقار العملاق "بيتهوفِن".
هذه الدراما الإنسانية لا تخلو من الكوميديا الخفيفة، ونعيشها مع "مونتي" الذي جاء إلى القرية بحزنه ويأسه وأفكاره السوداء بالانتحار، إلى حين تلقّيه دعوة من الجوار للحياة من جديد. القصّة مليئة بالعواطف والمشاعر الصادقة، والفضل يعود للكاتب والمخرج "روب راينر" الذي صاغ نصّاً سينمائياً يفوق الروعة وأخرجه بشكلٍ يصعب وصفه. الفنان المخضرم "مورغان فريمان" قدّم دور "مونتي" بعمق وثراء، وكعادته أبهرنا بموهبته الرهيبة في تقمّص جميع الأدوار، وقد ذكّرني ذلك بإبداعاته في أفلام سابقة، مثل: "الخلاص من شاوشانك" و"توصيل السيّدة دايزي" و"فتاة المليون دولار" والكثير غيرها.
الفنانة "فيرجينيا مادسِن" أبدعت هي الأخرى في تجسيد شخصية الأم المطلّقة "شارلوت". لقد كتمت الحزن والضعف والحب، ولكننا شعرنا بكل ذلك من خلال الدموع الحبيسة في عينيها. الممثلات اللاتي قمن بأداء شخصيات البنات كُنّ رائعات للغاية، وأتمنى مشاهدة أعمال أخرى لهن في المستقبل.
فيلم "سحر بيل آيل" هو ليس فقط سحراً لـ "مونتي"، بل لكل من سيشاهده بإحساس وشغف. كيف يمكن للحياة أن تقودنا إلى الحزن واليأس والجنون، وفي لحظة غير متوقّعة يتغيّر مسارنا ونجد أمامنا السعادة والأمل والحب؟! كيف يمكن للخيال أن يرشدنا إلى الواقع؟! كيف نجد الإلهام لكي نعبّر عن مشاعرنا؟! كيف يمكن لعجوزِ مُقعد أن يسير على قدميه وأن يرقص تحت ضوء القمر؟!


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق