السبت، 9 نوفمبر 2013

Sense and Sensibility 1995


Sense and Sensibility

"العقل" يقود إلى الجنون.. "العاطفة" تقود إلى الندم!!


 

إنّه لأمرٌ غريب أن نجد أفضل اقتباس لروايات "جين أوستِن" يحدث لأضعف رواياتها. "عقل وعاطفة" هي أول رواية لها، كما هو الحال دائماً مع بداية الدخول لعالم الأدب والكتابة، حيث نجد "سطحية" لا يمكن إنكارها والمواضيع غير مكتملة، وكذلك التوصيف غير متكافئ والحبطة تسير وفق نمطٍ متوقّع. على الرغم من وجود بعض الثغرات في الرواية، إلّا أنّي أحبّها ببساطتها وعفويتها.

تختلف طبيعة النقد الأدبي عن النقد السينمائي، وفيلم "عقل وعاطفة" رائعٌ جداً على الرغم من ضعف المادة الأدبية  في المصدر الأساسي. النص السينمائي لـ "إيما تومبسون" بقي مخلصاً للأحداث وروح الرواية، في حين تمكّنت بطريقة ما أن تسدَّ بعض الثغرات وأن تضيف للقصة مزيداً من الفكاهة الخفيفة التي لا نجدها في الرواية الأصلية.

نلتقي بعائلة "داشوود" المكوّنة من سيدّة أرملة وبناتها الثلاث "إلينور" و"ماريان" و"مارغريت". "إلينور" هي أكبر شقيقاتها، والتي يحكمها "عقلها" أكثر من "عاطفتها". إنها يقظة وواقعية وتتحمّل المسئولية، وتحتفظ بانفعالاتها المكبوتة في قلبها وتُخفيها كنوع من الالتزام بقواعد اللياقة العامة. "ماريان" هي على النقيض تماماً، ونجدها حسّاسة جداً وعاطفية ومندفعة، ويبدو أنّ "مارغريت" الصغيرة تسير على خُطاها. تعيش الفتيات مع والدتهن في منزل ريفي صغير أو بمعنى آخر "منفى"، حيث يرث الأخ غير الشقيق أملاك والدهنّ الراحل، وبحسب القانون تنتقل التركة لابنه الأكبر من زواجه الأول. هذا الشقيق القاسي يقرّر أنه لا يوجد أيّ مكان شاغر لشقيقاته ووالدتهن في المنزل الكبير.

مع توالي الأحداث في الفيلم، نلتقي بثلاثة رجال في منزل عائلة "داشوود". "إدوارد فيرارس" الشاب الوسيم الذي يخطف قلب "إلينور". نلتقي أيضاً بالجار النبيل الكولونيل "براندون" الذي يقع في غرام "ماريان"، وكذلك الشاب الأنيق "ويلنبي" الذي يصبح جزءاً من خيال "ماريان" الجامح.

الفنانة "إيما تومبسون" اقتبست نص الرواية بشكل مدهش ورائع، وقد قامت بالمعالجة الدرامية الدقيقة لجعل المشاهدين قادرين على فهم الطبيعة السياسية والاجتماعية لذلك العصر. لقد حازت على جائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي مقتبس بعام 1995. هي ليست فقط كاتبة النص، بل هي البطلة الرئيسية في الفيلم، فقد أدّت شخصية "إلينور" بكل روعة وإتقان، حيث جسّدت دور امرأة يجب عليها أن تخفي قلبها المحطّم خلف مظهر متحضّر ملائم.

لم نشاهدها أبداً في شخصية تعاني مثل هذا النوع من القمع، وبذلك أثبتت قدرتها على تقمّص جميع الأدوار. ترشّحت "إيما تومبسون" أيضاً لجائزة أفضل ممثلة، إلاّ أن الحظ لم يحالفها، ويبقى فوزها بجائزة النص السينمائي أمراً رائعاً. في المشهد الأخير تتدفّق عواطف "إلينور" بقوّة وتفقد رباطة جأشها، ومن خلاله نكتشف ما تحمله في قلبها. إنّه حقاً مشهد مذهل ولا يتكرّر.

الفنانة الرائعة "كيت وينسلت" تبدع في تجسيد شخصية "ماريان" بمرورها بالتحوّلات المختلفة من فتاة مراهقة مندفعة إلى امرأة متّزنة. ترشّحت هي الأخرى لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة، وكان هذا الفيلم هو بوابتها الذهبية للدخول إلى عالم السينما وقد يكون سبب شهرتها قبل أن تؤدّي دور البطولة في فيلم "تايتانِك".

الفنّان "ألان ريكمان" أدّى دور الكولونيل بكل رقّة ومشاعر، ونرى من خلاله كل خصال الرجل النبيل، و"هيو غرانت" كذلك أبدع في شخصية "إدوارد" بخجله وطريقة حديثه. المخرج التايواني "أنغ لي" قد يبدو في البداية غير مناسب لإخراج فيلم مقتبس من الأدب الإنجليزي، لكنه أثبت عكس ذلك بإخراجه المميز وحفاظه على توازن القصّة، والنتيجة هي فيلم عظيم مليء بالعاطفة.

الموسيقى التصويرية للفيلم تفوق الروعة بنعومتها وانسجامها مع الأجواء وبالتالي حققت تناغماً مميزاً بين الشخصيات والقصّة، ويعود الفضل للموسيقار "باتريك دويل" الذي ترشّح لجائزة أفضل موسيقى. ترشّح الفيلم أيضاً لجائزة أفضل تصوير وأفضل تصميم أزياء وأفضل فيلم.

في حياتها القصيرة، ألّفت "جين أوستِن" ست روايات مميزة، وقد تكون "عقل وعاطفة" هي الأضعف من ناحية الحبكة القصصية، إلاّ أنّ ذلك لا يجعلها سيئة، بل هي متمّيزة بموضوعها المهم حول أهم محرّكين لإرادة الإنسان، والدليل هو نجاح هذا الفيلم بامتياز من كل النواحي. كتبتُ مقالاً آخر حول فيلم "كبرياء وتحامل" الذي أنتج عام 2005 واقتُبسَ أيضاً من روايتها الشهيرة التي حقّقت أعلى المبيعات، وقد ساهمت "إيما تومبسون" في إنتاجه وتمّ استشارتها في عملية كتابة النص السينمائي للرواية.

عندما يبدأ الفيلم بالتكشّف تتاح لنا فرصة للدخول إلى الشخصيات ومحاولة فهم طريقة تفكيرهم. هل يفكرون بـ "عقلهم"؟؟ هل يفكّرون بـ "عاطفتهم"؟؟ أم الإثنين معاً؟؟ في النهاية نصل إلى أنّه لا يمكن الاستغناء عن أيٍ منهما، فالعاطفة قد تندم من غير العقل، والعقل قد يجنّ من غير العاطفة.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق