الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

The Cider House Rules 1999


The Cider House Rules

رحلة طويلة وشاقّة لاكتشاف المكان الذي ننتمي إليه

 

فيلم "قوانين منزل شراب التفاح" تدور أحداثه في منتصف الأربيعينيات من القرن الماضي في أمريكا التي أسندت كامل طاقتها لقوّات الحلفاء. "هومر ويلز" لا يُسمح له بالانضمام للجيش بسبب مرض في قلبه. لقد أمضى كل حياته في ميتم بـ "سينت كلاودز". "ماين" هو المشروع المميّز للطبيب "ويلبور لارج" الذي يرى في "هومر" أملاً عظيماً ويقوم بتعليمه أساسيات الطب. مع مرور السنوات يصبح "هومر" طبيباً جيداً كأستاذه، ولكن من غير شهادة جامعية.

هناك العديد من الاختلافات بينهما. الطبيب "لارج" يقوم بعمليات الإجهاض، وإنْ كانت غير مسموحة، أمّا "هومر" فلا يفعل ذلك أبداً. تتغيّر حياة "هومر" مع وصول ضابط في السلاح الجوي يدعى "وولي وورثينغتون" وصديقته "كاندي كيندل" التي تأتي إلى الميتم من أجل عملية إجهاض، وبعد إقامة قصيرة تصبح جاهزة للعودة إلى المنزل. يقرّر "هومر" أن يترك "سينت كلاودز" ويذهب معهما لكي يرى العالم وليكوّن حياته الخاصة. تلك الحياة فجأة تتحول إلى اقتطاف التفاح ببستان بعيد والوقوع في حب "كاندي" أثناء غياب صديقها "وولي" الذي يذهب مع القوّات الجوية لمحاربة اليابان. في الوقت نفسه، نعود للميتم والطبيب "لارج" تضعف آماله في عودة "هومر" إليهم يوماً ما.

الفيلم رائع ومتقن بكل المقاييس. تحوّلات الشخصيات قوية، والحبكة تتحرك بسرعة منتظمة. هناك بعض الأمور الغير متوقعة، لكنها ليست مروعة أو يصعب تقبّلها. المشاعر المتولّدة من الفيلم تبدو صادقة وحقيقية، وليس الأمر كما لو أنّ المخرج يجبرنا على الشعور بشيء. النهاية رائعة جداً، والتي أصنّفها من أجمل النهايات في الأفلام، والموسيقى التصويرية لـ "ريتشل بورتمان" تحرّك وجداننا برقتّها وروعتها، وكذلك التصوير المبهر بعدسة الفنّان "أوليفر ستابلتون".

المحرّك الرئيسي للفيلم هو رحلة بحث "هومر" لإيجاد نفسه، وفي فترة عيشه بالميتم كان مُقرّر حياته يُعيَّن وفق توقعات الآخرين. إنه الأخ الأكبر للكثير من الأيتام هناك، وأيضاً مساعد للطبيب "لارج"، لكنه علِق في هذا المجتمع المعزول، ولم تتح له الفرصة أبداً لتحرير "هومر ويلز" الحقيقي. قدوم "وولي" و"كاندي" يفتح باباً إلى الخارج و"هومر" يندفع خلاله. فقط بعد أن يكتشف نفسه، حينها يستطيع التخطيط لمستقبله.

"هومر" هو الشخصية الوحيدة التي تمرّ بالعديد من التحوّلات المختلفة. يترك الميتم كـ "ولد" ويعود إليه كـ "رجل". العلاقات في الفيلم معقّدة، و"لارج" و"هومر" هما أقرب إلى أن يكونا أباً وابنه من أستاذٍ وتلميذه. الأولاد والبنات في الميتم يجمعهم رابط قوي جداً، وذلك نتيجة للتجارب المشتركة في شعورهم بالوحدة والاكتئاب، ففي كل مرة تأتي عائلة للتبنّي، يصاب الجميع بحزنٍ وخيبة أمل بذهاب فردٍ منهم إلى عائلة أخرى، ربّما بسبب ابتعاد هذا الشخص عنهم، أو بسبب استيائهم من عدم اختيارهم من قِبَل عائلات التبنّي. في الواقع، هناك مشاعر انتماء للعائلة وروابط قويّة في هذا الميتم أكثر من بقية المنازل التقليدية، وأيضاً هناك شعور عاطفي هائل كل مساء حين يقوم الطبيب "لارج" بترديد هذه الجملة للأيتام: "ليلة سعيدة يا أمراء ماين.. يا ملوك نيو إنغلند".

العلاقة بين "هومر" و"كاندي" مهدّدة، ويحيط بها الشك من كل جانب. ماذا سيحدث إن عاد "وولي" من الحرب؟ "كاندي" عليها أن تختار، وهذا أمرٌ لا تجيده بتاتاً. في تلك الأثناء، علاقة "هومر" بقاطفي التفّاح الآخرين تصبح ملتوية على نحو متزايد، بحيث كلما يتقرّب منهم أكثر يكتشف أسرارهم الدفينة.

الفيلم يتناول قضيتين خطيرتين: الإجهاض وزواج المحارم، ويعرض العواطف المحطّمة التي يمكن أن تنجم من وجود علاقات ملتوية في الأسرة. أداء الممثلين راقٍ جداً، والفنان "توبي ماغواير" بشخصية "هومر" نراه هنا بأداءٍ متأرجح ورائع، ومنذ نشأته في الحياة المحمية بالميتم يُظهِر في تمثيله الاتّزان والنضج الملحوظ في بعض المَشاهد وسذاجة كبيرة في مَشاهد أخرى. إنّه يلتقط الفروق الدقيقة لهذه الشخصية ويبدع في تقمّصها بشكل مميّز. الفنانة "شارليز ثيرون" تدخل في أعماق "كاندي"، والمفتاح لأداء هذه الشخصية هو الدقّة، وتنجح "شارليز" في ذلك، حيث تتجنّب أسلوب الأداء المسرحي الذي قد يحوّل الفيلم من تجربة عظيمة إلى ميلودراما مجهدة. الفنان المخضرم "مايكل كين" يقدّم أجمل الأدوار في مسيرته السينمائية على مدار السنوات بشخصية الطبيب "لارج". إنّه يثبت للمشاهدين مدى براعته في التمثيل، وفي هذا الفيلم لا نستطيع أن نحدّد ملامح شخصيته، ولا نعرف إن كان طيّب القلب أم قاسياً، فإنّه يستخدم كل المشاعر والأحاسيس في تجسيد هذه الشخصية المعقّدة التي سيحبّها المشاهدون في كل الأحوال. النجم "بول رود" أيضاً يبدع في تجسيد شخصية "وولي"، ولا ننسى بقيّة الممثلين الذين قدّموا أجمل أداء.

المخرج السويدي "لاسا هالستروم" له الفضل الأكبر في جعل الفيلم بهذه الروعة والإتقان باختياره للطاقم الفنّي وفي طريقته المميّزة في الإخراج كما شهدناه لاحقاً في الفيلم الرائع "شوكولاته". الكاتب "جون إيرفينغ" ينقل روايته المنشورة إلى السينما بصياغة نصٍ رائع لا يقل روعة عن الرواية، وقد نال عن ذلك جائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي مقتبس، وكذلك كان للفنان "مايكل كين" نصيبٌ بنيلِ جائزة أفضل ممثل مساعد. ترشّح الفيلم أيضاً لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل تصميم مواقع وأفضل مونتاج وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل إخراج وأفضل فيلم بعام 1999.

قام المخرج بإنتاج فيلم مذهل بروعة بصرية وعمق عاطفي. فيلم "قوانين منزل شراب التفاح" ينجح في الحركة بعكس عقارب الساعة تجاه سنوات الحرب ويدير ظهره عنها، وبدلاً من ذلك يروي قصّة فريدة من نوعها.. قصة شاقّة حول البحث عن النفس.. قصة التخطيط للمستقبل.. قصة العودة للماضي. في مشهد مؤثّر يقول "هومر" لـ "كاندي": "لقد رأيت الكثير من النساء.. رأيت كل شيء، ولم أشعر بشيء.. لكن حين أنظرُ إليكِ، أشعر بالألم".


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق