الاثنين، 18 نوفمبر 2013

The Truman Show 1998


The Truman Show

قصةُ رجلٍ انتُهِكَت منه الثقة والبراءة منذ اليوم الذي وُلِد فيه!!

 


 بعد مشاهدتي المتأخرة لفيلم "عرض ترومان" للمخرج المبدع "بيتر وير" والذي تتمحور فكرته حول الخصوصية واستراق النظر، انتابني شعورٌ نادر ومدهش برغبتي أن أشارككم هذا الاكتشاف الرائع. أدعوكم جميعاً إلى مشاهدة هذا العمل الخلّاب والمبتكر والاستمتاع به لأقصى الحدود.

عُرِض الفيلم لأول مرة في السينما بعام 1998، وقد كان عبارة عن مفاجأة للجماهير، ففي تلك الفترة بدأت التكنولوجيا الحاسوبية تطغى بشكل رهيب على معظم الأفلام التجارية التي فقدت الاهتمام بحياة الإنسان وفضّلت التركيز على ما يوّلده الحاسوب من ابتكارات. فيلم "عرض ترومان" استخدم أحدث التقنيات الحاسوبية في أعمق المعاني الإنسانية.

تدور الأحداث حول رجل شاب يدعى "ترومان بربناك"، وهو "الموضوع الأساسي" لعرض تلفزيوني مباشر يسجّل كل لحظة من حياته. الغريب هو أن "ترومان" لا يعلم أي شيء حول ذلك. منذ يوم ولادته كانت تتم مشاهدته من قِبَل الملايين، كما أنّ "والديه" و"أصدقاءه" وبعد ذلك "زوجته" و"زملاء العمل" جميعهم لُعِبَت شخصياتهم بواسطة ممثلين.

إنّه يعيش في "سيهيفِن"، وهي مدينة صناعية تم بناؤها بحرفية هائلة من أجله، قد زُوِّدت بـ 5000 كاميرا خفية كي تتعقبه وتسجّل تحركاته اليومية. العرض التلفزيوني في نطاق الفيلم هو حقيقي وأشبه بـ "سوب أوبرا"، واُطلِق عليه اسم "عرض ترومان" وقد ابتكره المخرج التلفزيوني "كريستوف".

قام "كريستوف" بتصوير البرنامج لما يقارب 30 عاماً، وبالطبع "ترومان" هو البطل، وفي الواقع هو لم يقابله شخصياً، ومع ذلك يعتبره ابتكاره الخاص. "كريستوف" سيفعل أي شيء لإبقاء "ترومان" في "سيهيفِن" ومنعه من الهروب مهما حاول. حين يدرك بطلنا أنه خاضع للمراقبة الدائمة وسجين في ذلك المكان، تبدأ ميليشيات "كريستوف" بمسيراتها لإرجاع الأمور إلى نصابها.

النجم "جيم كاري" كما لو لم نشاهده من قبل، فقد أبدع في أداء دور "ترومان" بمزجه المميز بين الكوميديا والتراجيديا، وذكّرني ذلك بأدوار الفنان الرائع "روبِن وليامز". لقد جلب المصداقية لهذه القصة المؤثرة حول الرجل الذي انتُهِكَت منه الثقة والبراءة منذ اليوم الذي وُلِدَ فيه.

هناك تحدٍّ في مشاهدة "عرض ترومان". يُطلَب منّا كنقّاد ومشاهدين أن نُصدّق أنّ الأمر تطلّب 30 عاماً من حياة "ترومان" ليُدرك أنّه مراقَبْ، وأنّه لم يُلاحظ طوال ذلك الوقت أنّ جميع من يحيطون به كانوا يمثّلون أدوارهم ببراعة. الفيلم لديه الكثير ليقوله عن أسلوب حياتنا، عن استراق النظر والنزعة الاستهلاكية، وعن المراقبة الإعلامية واختراق الخصوصية.

الفنانة "لورا ليني" هي ممثلة لعبت دور ممثلة بشكل رهيب، حيث لعبت دور زوجة "ترومان" وكذلك بقية الممثلين بما فيهم "بول جياماتي" و"هولاند تايلور" قدموا أداءاً مميّزاً، ولا ننسى الفنان "إد هاريس" الذي أبدع في أداء دور "كريستوف"، العقل المدبّر لهذا البرنامج، وقد ترشّح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد، وترشّح الفيلم أيضاً لنيل جائزتَيْ أفضل إخراج وأفضل نص سينمائي أصلي.

المخرج "بيتر وير" برؤيته الإبداعية قدّم الفيلم بشكل جميل وغامض ومشوّق، وقد أبهرنا قبل أعوام بفيلم "جمعية الشعراء الموتى" ومؤخراً بفيلم "السيد والقائد – الجانب الأبعد من العالم". الكاتب "أندرو نيكول" يُنسب له الفضل الأكبر بتأليفه قصّة رائعة ومبتكرة كهذه، والأروع من ذلك صياغته لنص الحوار المليء بالأفكار والذي يدعو للتأمّل. لم يكتفِ "نيكول" بالكتابة للأفلام، بل قام بإخراجها أيضاً، فقد أتحفنا لاحقاً بأفلام مميّزة مثل "سيمون" و"في الوقت المحدّد" و"المضيفة".

السبيل الوحيد الآن للشهرة هو أن تكونوا مُلوكاً أو كُتّاباً أو ممثلين أو سياسيّين، وما إن تصلوا إليها، ستجدون معظم الناس على معرفةٍ بكم وبمعلومات تخصكم فقط من خلال الكلمات المطبوعة أو المسموعة. رغبة التلفزيون الجامحة في جمع المواد جعلت المشاهير في حالة لا يُحسَدون عليها بالتهام حياتهم وأسرارهم. إن فكرتم قليلاً ستجدون أنّ "عرض ترومان" هو في الواقع عرض "مغالاة" يعكس نفس الظروف التي عاشتها الأميرة الراحلة "ديانا" منذ يوم ارتباطها بالأمير "تشارلز".

أنا شخصياً استمتعت بالفيلم، وأحببت "ترومان" مثلما أحببت "فورست غامب"، لأنّه كان رجلاً طيّباً وصادقاً. يقول "كريستوف" في المشهد الافتتاحي: "لقد أصابنا الملل ونحن نشاهد الممثلين وهم يقدّمون لنا مشاعر زائفة. أصابنا الإرهاق من مشاهدة الألعاب النارية والمؤثرات الخاصة، بينما العالَم الذي يحيا به مزيّف ببراعة مشهودة، لكن لا يوجد أي خداع في ترومان نفسه. لا نصوص سينمائية. لا تلقين للممثلين. إنه ليس دائماً شكسبير، ولكنه حقيقي. إنها حياة!!".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق