السبت، 22 أغسطس 2020

Laura 1944


ليس من الضروري أن يكون القاتل هو القاتل !!

Laura






هناك محقق لا يذهب إلى مقر عمله أبداً، وفتاة ميتة معظم وقت الفيلم، ورجل يغار من فتاة بجنون. هؤلاء هم أبطال الفيلم الرائع والمدهش "لورا".

يحقق "مارك ماكفيرسون" في جريمة قتل "لورا هانت"، التي عثر عليها ميتة في شقتها قبل بدء الفيلم، ويشكّل "مارك" صورة ذهنية لـ "لورا" من المشتبه بهم الذين يقوم باستجوابهم، وقد ساعده في ذلك وجود اللوحة المرسومة لها، والمعلقة على جدار شقته


لكن من كان يريد قتل فتاة وكل رجل قابلته وقع في حبها؟! ومما زاد الطين بلة هو أن "مارك" نفسه يجد أنه وقع في حبها أيضاً، ثم في إحدى الليالي، وهو متوغل في عملية التحقيق، يحدث أمرٌ غريب وغير متوقع أبداً، يجعله يعيد التفكير في القضية بأكملها.



سر روعة الفيلم تكمن في الموسيقى التصويرية لـ "ديفيد راكسين"، التي أصبحت ثيمتها أيقونة هوليوودية أشهر من الفيلم نفسه، ومن المؤسف أنها لم تلقَ أي تقدير من الجوائز، ولكن ما إنْ عُرض الفيلم لأول مرة في السينما، أصبح الناس يتهافتون لطلب تسجيل موسيقى الفيلم، وبالفعل انتشرت على نطاق واسع، وعُزفت آلاف المرات، وتم استخدام لحن الثيمة الرئيسية في أغانٍ لمطربين مشهورين.


من أسرار روعة الفيلم أيضاً، صوت الراوي "والدو ليديكر". إنه كاتب وناقد صحفي، ونراه لأول مرة في حوض الاستحمام، وهو يكتب مقالاً بالآلة الكاتبة، وذلك بعد العثور على جثة "لورا"، حيث يأتي المحقق "مارك" إليه لاستجوابه بكونه من المقرّبين لها.



"
والدو" هو بمثابة الملاك الحارس لـ "لورا"، أو هذا ما يعتقده هو، ومن خلال الرجوع للماضي عبر مشاهد الفلاشباك يروي لـ "مارك" مراحل بداية علاقته بـ "لورا"، التي بدأت بتجاهلها واحتقارها في أحد المطاعم حين جاءته كمندوبة مبيعات.

لاحقاً يعتذر منها، ثم يصبح صديقها، ثم يتولى شئون حياتها، ويختار لها ملابسها وتسريحة شعرها، ويقدّمها للمجتمع الراقي، ويروّج لها ويزكّيها في عموده الصحفي.


إنه يقضي كل وقته معها، وحين يدخل إلى حياتها رجالٌ آخرون يقوم "والدو" بقصفهم في عموده الصحفي ليبعدهم عنها، ويصبح الأمر في منتهى الخطورة بالنسبة له حين يظهر الشاب "شيلبي" في حياتها ويقع في حبها ويقرر الزواج منها.


الحب لا يبدو مكتملاً في حياة "لورا"، ولا يبدو أنها و"شيلبي" مناسبين لبعضهما أو أن شرارة الحب مشتعلة بينهما، وكذلك بالنسبة لـ "والدو". إنه يكبرها في السن، ويريد امتلاكها والاستحواذ عليها، لدرجة أنه لا يكاد يلمسها.

آن تريدويل"، وهي من سيدات المجتمع، ومتيّمة بـ "شيلبي"، ولكنه لن يعرف ذلك ما لم تخبره هي، والمحقق "مارك" الذي يقع في حب الفتاة الميتة، الذي نجده في إحدى الليالي يدخل إلى شقتها، وينظر إلى رسائلها، ويتلمّس فساتينها، ويستنشق عطرها، ويشرب كأساً من قنينة خمرها، ويجلس متأمّلاً لوحتها على الجدار، كما لو أنه في موعد غرامي مع شبح.


المخرج "أوتو بريمينجر" أبدع بشكل رهيب في خلق رؤيته لهذا الفيلم، التي جعلته من أجمل أفلام الإثارة والغموض، ولا أنسى النص السينمائي المدهش والمبتكر الذي قام بصياغته كلٌّ من "سامويل هوفينستاين" و"جاي دراتلر" و"إليزابيث رينهارت"، والمبني أساساً على رواية لـ "فيرا كاسباري".

الفنانة "جين تيرني" تقمّصت شخصية "لورا هانت" بشكلٍ جميل وأخّاذ، وكان تأثيرها طاغٍ في الفيلم حتى وهي غائبة، والفنان "دانا أندروز" أبدع أيضاً بشخصية المحقق "مارك ماكفيرسون". النجم "فينسينت برايس" هو الآخر قدّم أداءً جميلاً بشخصية "شيلبي"، وكذلك النجمة "جوديث أندرسون" بشخصية "آن".



ولا أنسى الفنان "كليفتون ويب"، الذي أعتبره صاحب أقوى أداء في الفيلم، فقد قدّم أداءً مذهلاً بشخصية "والدو ليديكر"، بتعابير وجهه المريبة، ولكنته الجذّابة، وأسلوبه الخبيث، وما يدهشني أكثر هو أن هذا الفيلم الأول الناطق له في مسيرته السينمائية، فقد كان يمثّل في الأفلام الصامتة، وآخر ظهور سينمائي له كان قبل ١٩ عاماً من هذا الفيلم.


إنه أساساً ممثل مسرحي، وقد شارك في العديد من الأعمال المسرحية، ولم يقبل بالظهور في هذا الفيلم إلا بعد إلحاحات كثيرة من المنتجين، وبالفعل كان ذلك مجدياً، لأنه نجم الفيلم الفعلي.


حاز الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل تصوير، وترشّح لنيل ٤ جوائز أخرى لأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل مساعد "كليفتون ويب" وأفضل تصميم مواقع.

الشعور الجميل الذي انتباني وأنا أشاهد هذا الفيلم الرائع ينطوي في كونه مبتكرأ ويكسوه الغموض، بمزيج من بهارات "هيتشكوك" و"وايلدر"، مع حبكة صادمة وغير متوقعة، ونهاية مثالية جداً، والتي صارع المخرج "بريمينجر" المنتجين لإبقائها كما هي بعدما طالبوه بتغييرها وحذف بعض المشاهد، ولكنه لم يرضخ لهم وشكّل فيلمه كما يريد تماماً.

لقد شاهدت هذا الفيلم أكثر من مرة، وفي كل مرة لا تتبادر إلى ذهني هوية القاتل حالاً، ليس لأنه شخص مجهول أو منسي، ولكن لأن المسألة معقدة جداً، فليس من الضروري أن يكون القاتل هو القاتل.