الاثنين، 20 ديسمبر 2021

The Worst Person in The World 2021

طُرفة تهكّمية ومُبالَغة ساخرة مثل ضحكةٍ مكتومة تبعث على الراحة..

The Worst Person in The World

 


"يوليا" هي طالبة طب ذكية وجامحة، وفي البداية تتخلى عن دراسة الطب لتتخصص في علم النفس، ومن ثم تجد نفسها راغبة في احتراف التصوير الفوتوغرافي، وأخيراً تعمل في مكتبة. إنّ شغفها غير محدود، ودعم والديها ثابت، ولذلك هي تتنقّل بين المهن والعشّاق والمحطات الاجتماعية. إنها غير ملتزمة بأي شيء، وغير متأكدة من كل شيء، ما عدا التزامها الثابت تجاه نفسها، رغم أن ذلك الالتزام أيضاً يبدو متذبذباً ومتغيراً يوماً عن يوم.

نعم، لقد شاهدنا أفلاماً كثيرة مُشابهة في السابق، حول شابة حريصة على بدء حياتها، وغير مدركة أن "الحياة" كانت تحدث طوال الوقت، ولكن الكاتب والمخرج النرويجي المبدع "يواكيم ترير" شيّد فيلمه بشكل مدهش وساحر وغريب ومبتكر، فقد مزج الكوميديا الرومانسية مع الدراما السوداوية بطريقة ليس لها مثيل.



الفيلم النرويجي "أسوأ شخص في العالم" هو فيلم رائع ومدهش، ومُلهم ومؤثّر، ومضحك ومبكي، وبكل بساطة هو "الحياة" بحد ذاتها. الكاتب والمخرج الكبير "كوينتين تارانتينو" غالباً ما يكتب نصوص أفلامه بطريقة الفصول كالروايات تماماً، والمبدع "يواكيم ترير" أيضاً اتّبع نفس النهج، بتقديم فيلمه في 12 فصلاً مع مقدمة وخاتمة، مع عناوين جذّابة ولاذعة لكل فصل، وقد أبدع في ذلك مع زميله الكاتب "إسكل فوغت".

"يوليا"، التي هي على مشارف الثلاثين من عمرها،  تلتقي بـ "أكسل" في معرض فني، وهو رسام قصص مصورة في بداية الأربعين من عمره. بالرغم من فارق العمر بينهما، إلّا أنها ينجذبان تجاه أحدهما الآخر وتصبح علاقتهما جدّية، ولكن "يوليا" التي لا تحب الالتزام بأي شيء تجد أنها مُحاصرة في هذه العلاقة، وسرعان ما تلقي نفسها في أحضان الشاب "إيفيند" في حفل زفاف أحد الأصدقاء.

إنه يخطف قلبها لا شعورياً، بكونه أحمق نوعاً ما وبسيطاً بالمقارنة مع "أكسل" الناجح مهنياً والمعروف في المجتمع، فـ "إيفيند" هو مجرد موظف يعمل في تحضير القهوة في أحد المقاهي، ويبدو أن "يوليا" لا تحتمل أن يكون شريك حياتها أرفع منها. الفيلم يتتبع مسارات حياتها طوال 4 سنوات.



كم هي غريبة هذه الـ "يوليا"!! إنها متوهّجة ومعقّدة وآسرة بشكل إيجابي، والفنانة "ريناتا راينسفه" جسّدت كل تناقضات "يوليا" وشكوكها وقلقها ولطفها ووحشيتها وإرادتها القوية ومسارها المبعثر. لقد قدّمت "ريناتا راينسفه" أداءً مذهلاً جداً جداً جداً بشخصية "يوليا"، واستحقّت فوزها بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي.

الفنان "أنديرز دانييلسن لي" كان أسطورياً بمعنى الكلمة، إذ أدهشني بأدائه القوي لشخصية "أكسل"، كرجل في بداية الأربعين يجد نفسه يتساءل في لحظةٍ ما عن معنى الحياة وهدفه فيها، والمشهد الذي جمع بينه وبين "يوليا" في المستشفى كان رهيباً ويلامس المشاعر وبمثابة صفعة لي ولكل مُشاهد، إذ شعرت أنني أنا المقصود من الحوارات اللاذعة والقوية التي دارت بينهما، وقد ابدع "يواكيم ترير" في ذلك المشهد بالتحديد. النجم "هيربرت نوردم" أبدع في أداء شخصية "إيفيند".



"يوليا" لا تعرف ماذا تريد، لكنها تعلم أنها تريد الاستمرار في أنْ تريد وتريد إلى الأبد، وأنها لا تتوق إلى أي من الأمور الأساسية التي تراود كل البالغين تقريباً، مثل إنجاب الأطفال. بكل تأكيد، العلاقة الثابتة والمريحة هي أسمى ما يمكن الحصول عليه من شريك حياتك، ولكن "يوليا" تشعر بأن تلك العلاقة ثابتة جداً ومريحة جداً.

إنّ "يوليا" حسّاسة جداً من فكرة أن تصبح الحياة منظّمة بدقّة، وأن تتّخذ مساراً واحداً محدداً إلى الأبد. قد يكون هذا الشعور مرتبط بأولئك الأشخاص منا الذين انتهى بهم المطاف في الثلاثين من العمر وهم لا يزالون نسبياً في مهب الريح كما كانوا في عمر العشرين. هل هناك شيء خاطئ حولهم؟ هل هم أنانيون ويبحثون دائماً عن المزيد عندما يكون هناك شيء موثوق به وجيّد، بل رائع، أمامهم مباشرةً؟ أم هل هم يخالفون التقاليد والأعراف لاتخاذ مسار فردي جديد؟

أجاب الفيلم بـ "نعم" و "لا" على كل هذه الأسئلة، من خلال اختيارات "يوليا" في كل ما يتعلق في حياتها. يمكن لـ "يوليا" أن تكون منطوية على نفسها وعنيدة ومحبَطة، مثلنا تماماً. إنها دائماً تستمع إلى نفسها، حتى لو كان الصوت الداخلي مرتبكاً في كثير من الأحيان.



رحلة الفيلم، أو إحدى الرحلات، تنطوي مع "يوليا" التي تحتضن خصوصية وجودها. إنها لا ترفض التعلم من التجربة ، لكنها تسمح لنفسها بالارتداد من زواياها الخاصة. ما يصل إلينا في نهاية الفيلم هو الشعور بمعرفة الذات وفهمها، أو بالأحرى نتعلم درساً ثاقباً حول اضطرابات مرحلة الشباب.

"يوليا" هي شخصية مائية وغير شفافة في آنٍ واحد، وكم كان تجسيدها مستحيلاً لولا إبداع الفنانة "ريناتا راينسفه". إنها نفس الشخصية المتقلبة من فصل إلى آخر، وتنضج وتتراجع في مراحل متعاقبة، وتظل متعاطفة على الرغم من إرادتها المليئة بالجنون.



هي و"إيفيند" يبدوان لطيفين وظريفين معاً كأي شخصيتين من أفلام المبدعة "نانسي مايرز" والمبدعة الراحلة "نورا إفرون"، لكن تناغمها المتوتّر والغريب مع "أكسل" هو ما يعطي الفيلم لسعته الجميلة والمؤلمة، لا سيما أن "أكسل" يعترف بانعدام الأمن في حياته، ومخاوفه من مستقبل لا يشمله.

أظن أن "ترير" كان يتحدث إلينا عبر "أكسل" بشكل مباشر حيث يقول: "لقد نشأت في وقت كانت فيه الثقافة تنتقل عبر الأشياء المحسوسة، ويمكننا العيش بينها". إنه يتحدث بمشاعر حنين إلى زمن جميل مضى.

بلا منازع، النص السينمائي الذي كتبه "يواكيم ترير" وزميله "إسكل فوغت"  هو من أقوى النصوص وأعمقها في الآونة الأخيرة، الرؤية الإخراجية لـ "ترير" بواقعيتها المفرطة أضافت الكثير للفيلم. إنه يتناول مواضيع حساسة وصعبة بتوازن ذكي من الإغاظة والعاطفة، حتى عنوان الفيلم "أسوأ شخص في العالم" هو طرفة تهكّمية ومبالغة ساخرة مثل ضحكة مكتومة تبعث على الراحة.



هل حقاً يوجد "أسوأ شخص في العالم"؟! بالطبع ليست "يوليا"، بالرغم من أنها تخون رجل وتكذب على آخر، لكننا نراها كإنسانة ضعيفة، مثل أي شابة في عمرها خائفة من سوء اختياراتها في الحياة. ربما ينطبق العنوان على "أكسل" بالنسبة لجيل النسويات، مع قصصه المصوّرة والهيمنة الذكورية العنيفة فيها. بكل تأكيد، لا ينطبق العنوان على "إيفيند" الأحمق والساذج.

بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى خاتمة الفيلم الهادئة والمليئة بالأمل، اعتارني شعور جميل ومؤلم، حول الحياة بشكل عام، وحياتي بشكل خاص. قدرة "ترير" على التوغل في مشاعري وأحاسيسي بهذه الطريقة أثارت دهشتي وإعجابي، ولا تزال كلمات أغنية النهاية تتأرجح بهدوء في أذني، والتي هي في الأساس عبارة عن قائمة من الكلمات والأفكار المبعثرة، تجعلني أتأمّل كل الجمال في الحياة. أليست الحياة جميلة؟ بالنسبة للبعض منا، نعم، وهذا يكفي.



في أكثر مشاهد الفيلم جمالاً، يتجمّد العالم حول "يوليا" لعدّة دقائق وهي تتجول عبر أوسلو لمقابلة "إيفيند"، الشخص الوحيد غيرها الذي يتحرك في العالم المتجمد والساكن. يداعب النسيم شعر الأشخاص في الشوارع وهي تتخاطهم، غير منزعجة ومبتهجة. لمرة واحدة فقط، للحظة قصيرة ساحرة، ينتظر الوقتُ "يوليا"، وكأنها تتحكم به وبالعالم كلّه، ويمكنها فعل ما تشاء في أي مكان وفي أي وقت ومع أي شخص، ولم نرها أبداً بهذه السعادة.


الأربعاء، 15 ديسمبر 2021

Spider-Man: No Way Home 2021

 

نهاية مدهشة وصادمة تعيدنا إلى ما قبل نقطة الصفر!!

Spider-Man: No Way Home

 


أنا من عشّاق شخصية "سبايدر مان"، وأعتبرها الشخصية المفضلة لدي من عالم الكوميكس والسوبرهيروز، وبالطبع هي من شخصيات عالم مارفل، وقد شاهدت ثلاثية أفلام "سبايدر مان" مع الفنان "توبي ماغواير" الذي يؤدي الشخصية، وكذلك الفيلمين اللاحقين مع الفنان "أندرو غارفيلد"، وقد استمتعت بأفلامهما، ولكنني أفضّل الأفلام الجديدة مع الفنان "توم هولاند"، الذي وجدته الأنسب والأفضل في تجسيد شخصية "سبايدر مان".

بدأ ظهور "توم هولاند" بالشخصية لأول مرة في فيلم "Captain America: Civil War"، ومن ثم الفيلم الأول الخاص به "Spider-Man: Homecoming"، ولاحقاً في فيلمَيْ "Avengers: Infinity War" و "Avengers: Endgame"، إلى أن تقوده الأحداث إلى الفيلم الثاني الخاص به "Spider-Man: Far From Home" الذي انتهى بشكل صادم وجنوني، مع الشرير "ميستيريو"، الذي كشف هوية "سبايدر مان" على الملأ، وعرف الجميع أن "سبايدر مان" هو "بيتر باركر".



يعود "سبايدر مان" بالفيلم الثالث له "سبايدر مان: لا عودة للديار"، وتستأنف الأحداث من لحظة كشف هوية "سبايدر مان"، الذي تنقلب حياته رأساً على عقب، باعتباره مجرماً تسبّب في قتل الأبرياء ودمار العالم، فلا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بالاستعانة بـ "دكتور سترينج"، فيطلب منه "بيتر باركر" المساعدة بإلقاء تعويذة سحرية من شأنها مسح حدَث كشف هويته من ذاكرة الجميع، ولكن يحدث خطأ أثناء ذلك، ويؤدي لعواقب خطيرة، وتجعل "بيتر باركر" في مأزق أسوأ مما هو عليه، فماذا سيفعل؟!

بلا منازع، هذا الفيلم هو أفضل فيلم شاهدته في عالم مارفل السينمائي على الإطلاق، ومن أفضل أفلام الكوميكس والسوبرهيروز، وبالطبع من أفضل أفلام 2021، فقد كان رائعاً ومدهشاً، ومشوّقاً لأبعد الحدود، وكان يستحق كل الانتظار، لأنه فاق توقعاتي حقاً.

"توم هولاند" في أقوى أداء له هنا، وهو ممثل موهوب فعلاً، واستشعرت ذلك في الفيلم الرائع والمؤثر "The Impossible"، الذي انطلق منه كممثل، وجعلني أترقب أعماله القادمة. بكل تأكيد، "توم هولاند" أدى شخصية "سبايدر مان" 5 مرات في السابق، وقد كان مبدعاً ومتميزاً، ولكنني لم أره يجسّد الشخصية بهذا العمق والجدّية مثلما رأيته في هذا الفيلم.



الفيلم مختلف على الفيلمين السابقين، بكونه سوداوياً وجادّاً بنسبة كبيرة، ولم نعتد هذا الجو في أفلام "سبايدر مان"، وإنّ كان لا يخلو من المفارقات الكوميدية والمواقف الظريفة، ولكن كما ذكرت، كان مختلفاً ومتميزاً عمّا سبق.

"بيتر باركر" هو شخص طائش وعفوي، وفعلياً هو مراهق وتصرفاته طفولية بعض الشيء، وهذا سر نجاح شخصية "سبايدر مان"، والسبب الرئيسي في وقوعه في المآزق الخطيرة في جميع أفلامه. إنه ساذج قليلاً، ومتهوّر، ودائماً يحسن الظن بالآخرين، وليست لديه نظرة عميقة لهم ولدوافعهم، ولا يتعلم من أخطائه، ولا يُدرك نتيجة أفعاله إلا بعد فوات الأوان.



المخرج "جون واتس" قادَ الفيلم بشكل مدهش، وكاتبا النص السينمائي "كريس ماكينا" و"إريك سومرز" أتمّا مهمّتهما على أكمل وجه، فقد كانت القصة جميلة ومبتكرة في عالم الكوميكس، وخط سير الأحداث كان سلساً ومنتظماً وجاذباً للانتباه طوال الوقت، ومدة الفيلم تصل إلى ساعتين ونصف، ولكنني لم أشعر أبداً بمرور الوقت، بل كنت أودّ مشاهدة المزيد والمزيد من هذا الفيلم الزاخم بالشخصيات والمفاجآت والأسرار، الذي يصل بنا إلى نهاية مدهشة وصادمة، وتعيدنا إلى ما قبل نقطة الصفر، وبالتالي لا أستطيع الانتظار حتى أشاهد ما سيحدث في الفيلم القادم.

المستوى الفني والتقني للفيلم كان متميزاً من جميع النواحي، ابتداءً بالتصوير الرائع من المبدع "ماورو فيوري"، الحائز على جائزة الأوسكار سابقاً عن الفيلم الرائع "Avatar"، مروراً بالمونتاج وتصميم المواقع والأزياء، ولا أنسى المؤثرات الصوتية والبصرية المدهشة. الموسيقى التصويرية للمبدع "مايكل جياكينو" كانت جميلة جداً ومنسجمة مع الأحداث.



جميع الممثلين قدّموا أداءً جميلاً، وعلى رأسهم الفنان "توم هولاند"، وكذلك الفنان "بينديكت كومبارباتش" بشخصية "دكتور سترينج" والنجمة "زيندايا" بشخصية "إم جيه" والنجم "جيكوب باتالون" بشخصية "ند ليدز"، وأيضاً النجمة "ماريسا تومي" بشخصية العمة "ماي باركر" والنجم "جون فابريو" بشخصية "هابي هوغن" والنجم "بينديكت وونغ" بشخصية "وونغ"، ولا أنسى الفنانين "ألفريد مولينا" و"ويلم ديفو" و"جيمي فوكس" و"توماس هيدن تشرتش" بشخصيات الأشرار الذين واجهوا "سبايدر مان" في أبعاد كونية أخرى.

لقد سعدت كثيراً بالمفاجأت في هذا الفيلم، وخصوصاً ظهور شخصيتَيْ "بيتر باركر" أو "سبايدر مان" من الأبعاد الكونية الأخرى، وأقصد بذلك الفنانَيْن "توبي ماغواير" و"أندرو غارفيلد"، اللذين يجتمعان مع "توم هولاند"، حيث جميعهم "بيتر باركر" و"سبايدر مان" من أبعاد كونية مختلفة، وكيف يتّحدون معاً لمواجهة الأشرار وحماية العالم من الهلاك.



المَشاهد الحاسمة التي تجمع الـ "سبايدر مان" الثلاثة كانت رائعة ومؤثرة، وأشبه بلحظات تأبينية لكل عشّاق الشخصية في جميع نسخها السينمائية، وكأنها وقفة تكريم وتقدير لـ "توبي ماغواير" و"أندرو غارفيلد" على أفلامهم وقصصهم التي لم تُكتمَل بسبب مسائل وخلافات متعلقة بشركة سوني وفريق العمل، وكأنما هذا الفيلم هو رسالة الوداع اللائقة لهما. "توبي ماغواير"، الذي غاب عن الساحة لمدة 7 سنوات، تغيّر كثيراً وتقدّم في العمر، ولكنه لا يزال محتفظاً بوجهه الطفولي البريء.




هناك أمر مهم وهو محوريّ في العديد من الأفلام، وغالباً ما يتم تجاهله والاستهانة به، وأقصد السفر عبر الزمن، أو تغيير حدث في زمن الماضي، أو محو شخصية من الوجود، أو مسح ذاكرة الآخرين لشخصية أو حدث معين. هناك تبعات لكل حدث ولكل شخصية في الماضي والحاضر والمستقبل، فإذا أنا عدت بالزمن يوماً كاملاً وغيّرت حدثاً ما، كتحاشي حادث سيارة مميت، من شأن ذلك إحداث تغيير جذري في حياتي اليوم، كأنْ أبقى على قيد الحياة بدلاً من أنْ أموت، فكيف بحياة كاملة وحافلة بالشخصيات والأحداث؟! مثل ما حدث مع شخصية "كابتن أمريكا" في نهاية فيلم "Avengers: Endgame"، وما سيحدث في نهاية هذا الفيلم، فهل أنا أبالغ؟ أو أنني أناقش أموراً منطقية في عالم فنتازي خيالي؟! هل يُفترض أن نلغي المنطق في هذا العالم؟! هل يُفترض حقاً؟! ما أستخلصه هو أنني، وبغض النظر عن كل شيء، استمتعت كثيراً بمشاهدة هذا الفيلم لأقصى الحدود.

الخميس، 9 ديسمبر 2021

West Side Story 2021

 

لأننا كبشر، لا نعرف أبداً كيف نعيش في سلام!!

West Side Story

 


النجمة الواعدة "ريتشل زيغلر" قادها الطموح للمشاركة في فيلم سينمائي، وبناءً على ذلك عليها اجتياز تجربة الأداء، ومعها 30 ألف فتاة أخرى، وواحدة فقط منهن سيتم اختيارها لأداء شخصية "ماريا" في فيلم "قصة الحي الغربي".

بالطبع، لم تكن "ريتشل زيغلر" تتوقع أن يتم اختيارها من بين آلاف الفتيات، ولكن حدثت المفاجاة وأصبحت "ريتشل" بطلة الفيلم الرئيسية بشخصية "ماريا"، وخصوصاً أنها تملك المقوّمات الأساسية للشخصية، بكونها تهوى التمثيل وتجيد الغناء، كما أنها ذات أصول كولومبية من جهة والدتها، مما يجعلها ملائمة لأداء الشخصية.



لم أكن أعرف "ريتشل زيغلر"، إذ لم أشاهدها من قبل في أي عملٍ، وتفاجأت لاحقاً أن شركة ديزني اختارتها لأداء شخصية "سنووايت" في النسخة الحيّة للفيلم الكارتوني الكلاسيكي العريق، حيث أنها حينها كانت لا تزال في مرحلة تصوير فيلمها الأول "قصة الحي الغربي".

كما يعرف الجميع أن "سنووايت" يفترض أنّ من تمثّلها تكون ناصعة البياض حسب سمات الشخصية في القصة الأصلية، و"ريتشل زيغلر" بدت لي غير مناسبة نظراً لأن ملامحها لاتينية وليست بيضاء تماماً، ولذلك لم يعجبني هذا القرار من ديزني، مثل اختيارهم لممثلة سوداء لأداء شخصية "إرييل" في النسخة الحية للفيلم الكارتوني "الحورية الصغيرة"، وبالطبع سياسات ديزني في الفترة الأخيرة كفيلة بإثارة الجدل، مع الخط الجديد الذي بدأ يطرأ على أعمالهم السينمائية والتلفزيونية بالأجندات المقرفة، كالترويج للشذوذ والتمرد على العائلة.



بعد مشاهدتي لفيلم "قصة الحي الغربي"، سأُدلي باعتراف صغير: "ريتشل زيغلر" هي "سنووايت" حرفياً!! لقد دُهِشت وذُهِلت من أول مشهد لها في الفيلم، وحين سمعت صوتها وهي تغنّي، اقتنعت تماماً أنني لن أستطيع تخيّل ممثلة أخرى غيرها تؤدي شخصية "سنووايت"، ولذلك أنا متحمّس جداً لهذه النسخة الحيّة من الرائعة الكلاسيكية، وزاد حماسي أيضاً بعد معرفة أن الفنانَيْن المبدعَيْن "بينج باسك" و"جستن بول" سيكتبان ويلحّنان أغانٍ جديدة للفيلم، بعد إبداعاتهم في الأفلام الجميلة: "La La Land" و "The Greatest Showman" و "Dear Evan Hansen".

إنها حقاً ممثلة موهوبة ومبدعة، وصوتها في غاية الروعة والرقة والنقاء والجمال، تماماً مثل ما قال المؤلف الموسيقي والشاعر الغنائي المسرحي الأسطوري "ستيفن سوندهايم" أنها تملك صوتاً كالعندليب. من المؤسف أن "ستيفن سوندهايم" توفّي قبل عرض الفيلم بأسبوعين، وهو في سن 91، تاركاً إرثاً فنياً عظيماً في المسرح والسينما، مثل رائعته الدموية "Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street".



الجدير بالذكر أن فيلم "قصة الحي الغربي" هو أساساً مسرحية موسيقية استعراضية تم عرضها لأول مرة في عام 1957، وهي مقتبسة من كتاب لـ "آرثر لورينتز" وأعدّها للمسرح المخرج المسرحي "جيروم روبينز"، بينما قام "ستيفن سوندهايم" بكتابة الأغاني كاملةً، ولحّنها الموسيقار الكبير "ليونارد بيرنستاين"، التي يعتبر من أبرز الموسيقيين الأمريكيين، وقد قام بقيادة الأوركسترا وعزف البيانو في الكثير من العروض لعمالقة الموسيقى الكلاسيكية، كما قام بتأليف أعماله الخاصة، بالإضافة إلى عمله كأستاذ موسيقى.

لقد حقّقت المسرحية نجاحاً منقطع النظير، واستمرت عروضها في مختلف أنحاء أمريكا والعالم، وفازت بـ 6 جوائز توني، التي تعادل الأوسكار في المسرح، ومنها لأفضل مسرحية موسيقية، وبناءً على ذلك قرّر المخرج المسرحي "جيروم روبينز" تحويلها إلى فيلم سينمائي، وانضم إليه المخرج السينمائي "روبرت وايز"، وقام بكتابة وإعداد النص المسرحي للسينما الكاتب المبدع "إرنست ليهمان"، الذي سبق له كتابة نصوص لأفلام رائعة مثل: "Sabrina" و "The King & I" و "North By Northwest".



عُرِض الفيلم في السينما لأول مرة في عام 1961، وأيضاً لاقى نجاحاً مبهراً على مستوى النقاد والجماهير، محققاً الفوز بـ 10 جوائز أوسكار، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل مساعد "جورج شاكيريس" وأفضل ممثلة مساعدة "ريتا مورينو" وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل تحرير صوت، كما ترشّح لجائزة أفضل نص سينمائي مقتبس، بالإضافة إلى فوز "جيروم روبينز" بجائزة الأوسكار الفخرية لإنجازاته المبهرة في فن تصميم الرقصات في فيلم سينمائي. لاحقاً، في عام 1965، قام المخرج المبدع "روبرت وايز" بالتعاون مجدداً مع الكاتب المبدع "إرنست ليهمان" في فيلم "The Sound of Music"، محققاً الفوز بـ 5 جوائز أوسكار، ومنها لأفضل فيلم وأفضل إخراج، والذي أعتبره لغاية اليوم أعظم فيلم موسيقي في تاريح السينما.

أي صانع أفلام في يومنا هذا حين يجد مسرحية ناجحة جداً نالت أهم الجوائز وتحوّلت إلى فيلم ناجح جداً نال أهم الجوائز، من الطبيعي أن لا يفكّر في في محاولة إعادة إنتاجها، فمثل هذه الخطوة تضعه في مآزق كبيرة، حيث أن تقييم النسخة الحديثة لن يكون مستقلاً كأي فيلم عادي، بل ستتم المقارنات بينها وبين الأصل، ولذلك لم يجرؤ أحد على إعادة إنتاج أفلام عظيمة مثل "Casablanca" أو "Gone With The Wind" أو ثلاثية "The Godfather"، لأن تلك الأفلام وصلت إلى درجة الكمال في السينما.



المخرج والمنتج الكبير "ستيفن سبيلبيرغ" وهو في سن 74 قرّر خوض تحدٍ جديد وصعب بإعادة إنتاج تحفة كلاسيكية عريقة في المسرح والسينما، وهي بالطبع "قصة الحي الغربي"، وما يزيد الأمر صعوبة هو أنه، طوال مسيرته الحافلة، لم يُقدِم أبداً على إخراج فيلم موسيقي استعراضي، ويُذكَر أنه كان يحلم طوال حياته بإخراج فيلم موسيقي استعراضي، وقد كان في فترةٍ ما على مشارف البدء بفيلم كهذا، ولكن الأمر لم يتم، وشعر أنه فشل.

أصبح هذا الهاجس يراوده وهو يتقدّم في السن، ففكّر وخطّط ونفّذ، والنتيجة هي ملحمة سينمائية عظيمة تتفوق بمراحل على الفيلم الأصلي. أنا لم أكن من محبّي الفيلم الأصلي، لأنه أقرب إلى مسرحية من فيلم سينمائي، وحتى مواقع التصوير كانت تبدو وكأنها في ستوديو فعلاً، وبشكل عام شعرت بالملل قليلاً، بالرغم من أنني أعشق الأفلام الموسيقية.



قام "سبيلبيرغ" بترميم المسرحية الأصلية والفيلم الأصلي، أو بالأحرى إعادة البناء من الصفر، ولم أتوقع أبداً أنه سيبهرني إلى هذه الدرجة، بالرغم من أنني أعتبره من أفضل المخرجين في تاريخ السينما، فكما ذكرت، أنا لست على وفاق مع الفيلم الأصلي القديم، ولكنه استطاع إخراجه برؤية فنية مذهلة، وأشيد أيضاً بجهود الكاتب المسرحي الكبير "توني كوشنر"، الذي رمّم هو الآخر النص إلى شاشة السينما بمنظور أعمق، وقد أتحفنا سابقاً بنصه المتميز لفيلم "Munich"، ومسرحيته المثيرة للجدل "Angels in America" التي تحوّلت إلى واحد من أنجح المسلسلات التلفزيونية القصيرة، مع كبار النجوم: "أل باتشينو" و"ميريل ستريب" و"إيما تومبسون"، التي تدور في قالب فنتازي غريب وغير مألوف حول طفرة مرض الإيدز في التسعينات.

الكاتب "آرثر لورينتز"، الذي تم اقتباس "قصة الحي العربي" من كتابه، هو أساساً استلهم قصته من المسرحية الشهيرة "روميو وجولييت" لـ "وليام شكسبير"، ومن نصوصه الرائعة في السينما: فيلم "Anastasia" وفيلم "The Turning Point".



تدور أحداث الفيلم في أحد الأحياء الغربية في نيويورك بفترة الخمسينات، حيث يعيش الأمريكيون البيض مع البورتوريكيين حياة مليئة بالأحقاد والمشاحنات والنزاعات، تتمثّل في عصابتين بالشوارع من المراهقين: عصابة "جتس" التي تتألف من الأمريكيين البيض، وعصابة "شاركس" التي تتألف من البورتوريكيين.

تأتي الحبكة الروميوجولييتية مع "توني"، العضو السابق في عصابة "جتس" والصديق المقرّب لقائد العصابة "ريف"، ويقع في حب "ماريا"، وهي فتاة بورتوريكية، وشقيقة "بيرناردو"، قائد عصابة "شاركس"، ومن هنا تتفاقم الأحداث مع الحب المحظور.



النجم الشاب "آنسل إلغورت" أصبح منبوذاً في هوليوود بسبب اتهامات بالتحرّش لم تُثبَت بعد، ولا يزال يُهاجَم مع عرض الفيلم مع طفرة حركة #MeToo والـ #CancelCulture  ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أنه فنان موهوب، ويملك كاريزما كلاسيكية تذكّرني بالفنان الكبير الراحل "مارلون براندو" في سنوات شبابه في أفلام الخمسينات، وبالطبع لا يمكن المقارنة بينهما، ولكنّ "آنسل إلغورت" قدّم أداءً جميلاً بشخصية "توني"، وكذلك استطاع أداء الأغاني بشكل متميز، واتّضح أنّ صوته جميل وكلاسيكي في الغناء، وتفوّق على نظيره السابق في الفيلم الأصلي "ريتشارد بيمر"، حيث أن صوت المغني الذي أدّى أغانيه كان مزعجاً بالنسبة لي.

بلا أدنى شك، سر جمال الفيلم وروعته هي النجمة الواعدة المبدعة "ريتشل زيغلر"، التي قدّمت أداءً رائعاً ومذهلاً وآسراً للحواس كممثلة ومغنية بشخصية "ماريا"، وبالرغم من أنها تتحدث الإنجليزية بطلاقة بكون والدها أمريكياً وأنها عاشت حياتها وترعرعت في أمريكا، إلّا أنها أدّت الشخصية بلكنة لاتينية مُلفتة وجميلة في الحوارات والأغاني، وكم أعجز عن وصف جمال صوتها، الذي أدمنته بالاستماع لأغاني الفيلم في الألبوم الذي صدر قبل العرض الرسمي للفيلم بإسبوع، وخصوصاً أغنية "Tonight" وأغنية "I Feel Pretty".



الفنانة الراحلة "ناتالي وود" التي أدّت شخصية "ماريا" في الفيلم الأصلي كانت مبدعة كممثلة، ولكنها لم تأدِّ الأغاني، وقد تمت الاستعانة بمغنية مختصة، ولم يكن صوتها جميلاً بالنسبة لي، وهذه كانت مشكلة الفيلم الرئيسية، فأبطاله الأربعة جميعهم تمت دبلجة أصواتهم في الأغاني، واكتفول بظهورهم كممثلين.

الفنانان المخضرمان "جورج شاكيريس" و"ريتا مورينو"، بشخصيتَيْ "بيرنادرو" وحبيبته "أنيتا"، كانا طاغيين على البطلين "توني" و"ماريا" في الفيلم الأصلي، وذلك لأنهما قدّما أداءً جميلاً جداً، ولذلك فازا بجدارة بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد وأفضل ممثلة مساعدة.



النجم "ديفيد ألفاريز" كان مدهشاً حقاً بشخصية "بيرناردو"، ومَشاهده كانت ظريفة وجذّابة، وكذلك النجمة "أريانا ديبوس" بشخصية "أنيتا". لقد تقمّصت الشخصية بشكل ساحر وجميل، كحبيبة "بيرناردو" وصديقة شقيقته "ماريا". بقية النجوم كانوا رائعين أيضاً، مثل "مايك فيست" بشخصية "ريك"، و"جوش أندريز ريفيرا" بشخصية "تشينو"، و"براين دارسي جيمس" بشخصية الشرطي، و"كوري ستال" بشخصية الضابط.

كما ذكرت، الفيلم الأصلي عُرض في عام 1961، وشاركت فيه الفنانة المخضرمة "ريتا مورينو" بشخصية "أنيتا"، ولقاء أدائها الجميل فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة، وبعد 60 عاماً تنضم إلى طاقم هذا الفيلم الجديد كمنتجة، وأيضاً كممثلة، حيث تؤدي شخصية "فالانتينا"، وهي شخصية جديدة تمت إضافتها في هذا الفيلم، وهي صاحبة الصيدلية في الحي الغربي، وكم كان الأمر رائعاً ومهيّجاً للمشاعر والذكريات أن نرى فنانة مخضرمة في سن التسعين وهي تعود لتنعش ذاكرة الزمن الهوليوودي المجيد من خلال ظهورها القصير والمهم، وكأنها الملاك الحارس لجميع الشخصيات، بمن فيهم "أنيتا" الجديدة. أغنية "Somewhere" التي غنّتها كانت جميلة ومؤثرة.



المسألة السلبية الوحيدة في الفيلم هي أنه خاضع تحت سلطة ديزني، فهي استحوذت مؤخراً على شركة الإنتاج الضخمة توينتيز سينتشري فوكس التي أنتجت الفيلم، فبالتالي صار هذا الفيلم ضحية ديزني، وجميعكم يعرف سياسات ديزني الجديدة في عرض أفلامها في سينمات العالم، مثل ما حدث مع فيلم "Eternals"، حيث لا تقبل أن يتم حذف أي مشهد من الفيلم من قبل رقابة دول العالم.

وصلت وقاحة ديزني إلى قمتها مع هذا الفيلم، وأؤكد لكم أن هذا الفيلم خالٍ من الأجندات المقرفة، فهو قبل كل شيء فيلم مبني على مسرحية كلاسيكية شهيرة وفيلم عريق ويقوده مخرج قدير ومرموق، ولكن يبدو أن ديزني تسلّطت على "سبيلبيرغ" وفرضت عليه أموراً قد لا يكون هو مقتنعاً بها، لإعطائه الضوء الأخضر لإنتاج هذا الفيلم.



مدة الفيلم تتجاوز ساعتين ونصف، والجزئية التي سبّبت ضجة إعلامية في منتهى التفاهة، إذ يكمن كل ذلك في شخصية جديدة تم إقحامها عنوة في الفيلم، وهي شخصية كومبارس هامشية لكائن حي يدعى "أنيبوديز"، وظاهرياً هذا الكائن الحي هو فتاة مسترجلة، والتي تحب التواجد مع شباب عصابة "جتس"، ووجودها وعدمه واحد، ومشاهدها لا تتجاوز دقائق معدودة، وحواراتها شبه معدومة، وربّما تفوّهت بعبارة غير لائقة قد تثير الجدل، ويبدو أن رقابة دول الخليج طلبت حذف تلك العبارة، ولكن ديزني رفضت ذلك فسحبت الفيلم وأوقفته من العرض بنفسها.

لذلك، ليست معظم دول الخليج من منعت الفيلم، بل ديزني العنيدة هي من لا تريد عرض الفيلم إلا بشروطها، والأمر المقرف أنها سارت على نهج المثل الشعبي: "ضربني وبكى، وسبقني واشتكى"، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الأخبارية الأجنبية بخبر عاجل أن جميع دول الخليج العربي منعت الفيلم، ويُرجّح السبب أنه لوجود شخصية "Transgender" أي "متحول جنسياً"، ويؤديها ممثل "Non-Binary" أي غير محدد الجنس، مع العلم أن دول الخليج جميعها لم تصرّح بأي خبر عن هذا الفيلم.

قبل كل شيء، أحداث الفيلم تدور في الأحياء الشعبية في نيويورك وفي فترة الخمسينات، ولا وجود لمسمى "Transgender"، ولا وجود لأشخاص متحولين، وحتى شخصية "أنيبوديز" ليست متحولة أساساً، وهي مجرد فتاة مسترجلة، أو "بوية" كما يُطلق عليها في مجتمعنا، ولا تختلف على الممثلة "شجون" في مسلسلاتها الخليجية السابقة.



ديزني تريد افتعال الفتن وإثارة الجدل كنوع من الانتقام لما حدث مع فيلم "Eternals". في الحقيقة هذه الشخصية إنْ سيُطلق عليها اسماً علمياً فسيكون "Tomboy"، أي بمعنى "فتاة مسترجلة تحب الأنشطة الصاخبة والألعاب العنيفة كالأولاد".

كما ذكرت، ظاهرياً تلك الكائن الحي هي مجرد "فتاة مسترجلة"، لا أكثر ولا أقل، ووجودها وعدمه لا يؤثر في خط أحداث الفيلم، بل فقط يخدم أجندة ديزني المقرفة بإقحام مثل هذه الشخصيات مستقبلاً وقبولهم في المجتمع بغض النظر عن جنسهم وميولهم.

أنا لا أكترث بنوع الكائن الحي الذي يؤدي شخصية "أنيبوديز"، سواء كان شاباً متحولاً إلى شابة، أو شابة متحولة إلى شاب، وفي الحقيقة لا أعلم، إذ لا يُشار إليه بـ "Him" ولا يشار إليها بـ "Her"، بل يشار إليهم بـ "Hir"، أي "غير محدد الجنس"، وقد يكون كائناً فضائياً، فلا أعلم حقاً ولا أكترث لذلك، ولا أريد الخوض في هذا الأمر أكثر، وأنتم كذلك اعتبروا هذه الشخصية غير موجودة، واستمتعوا بالفيلم لأقصى الحدود.



مشهد البلكونة هو أجمل مشهد في الفيلم، وأعادني إلى السينما الأصيلة، حيث الرومانسية الكلاسيكية، والحب البريء من الحكايات الخيالية، واللحظات الخلّابة كحب "سندريلا والأمير" و"الجميلة والوحش" و"حورية البحر والأمير"، وهناك لحظات رومانسية عظيمة في هذا المشهد تستمر نحو دقيقة واحدة، وغمرتني بمشاعر وأحاسيس يندر انبعاثها في الأفلام الحديثة، تجعلني أرفع القبعة لـ "سبيلبيرغ". لقد أسرني منذ مشهد التعارف في الحفلة الراقصة في قاعة المدرسة، ولاحقاً في مشهد الكنيسة.

كم افتقدت الأفلام الرومانسية العظيمة، وهذا الفيلم كان الهدية التي أهداني إياها "سبيلبيرغ" على الشاشة الكبيرة، وقد أبهرني حقاً، وأتمنى أن يخرج فيلماً موسيقياً جديداً، و"سبيلبيرغ" من المخرجين القلّة الذين يحبّون التنويع في الأفلام، ولا يحب الالتزام بنمط معين، ومع ذلك نشعر بلمساته الإبداعية في كل الأفلام، ولعلّ أعظم ما قدّمه في السينما هو فيلم "Schindler’s List" الذي يدور حول اليهود والهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، وأيضاً الفيلم العظيم "The Color Purple"، الذي يروي قصة امرأة سوداء تعيش حياة سوداء في مجتمعها الأسود.



من روائع "سبيلبيرغ" أيضاً فيلم "Minority Report"، الذي أعتبره من أفضل وأذكى وأعمق أفلام الخيال العلمي، ولا أنسى التحف الجميلة التي قدّمها مع الفنان الكبير "توم هانكس": "Saving Private Ryan" و "Catch Me if You Can" و "The Terminal" و "The Bridge of Spies" و "The Post".

ولا أنسى سلسلة المغامرات والأكشن والإثارة "Indiana Jones" التي تتألّف من 4 أفلام رائعة، وفيلم الفنتازيا والخيال المدهش والمبهر بصرياً "Ready Player One" وفيلم الفنتازيا والمغامرات العائلي "The BFG". أيضاً فيلم "Jaws"، الذي يعتبر من أشهر أفلام الرعب في التاريخ، وفيلمه الأول على الإطلاق "Duel"، الذي كان مشوّقاً جداً، وكذلك فيلمه الكارتوني الوحيد والمبهر بصرياً "The Adventures of Tintin".

فيلم "Munich" كذلك هو فيلم رائع بقصة حقيقية عن رحلة انتقامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفيلم "War Horse"، الذي كان تحفة فنية. إنه حقاً مخرج مبدع ومتمكّن، ومن أسرار إبداعه فريق عمله الثابت في كل الأفلام تقريباً، وعلى رأسهم الموسيقار العظيم "جون وليامز"، الذي أعتبره من أفضل مؤلفي الموسيقى التصويرية للأفلام.



هذا الفيلم من الأفلام القليلة جداً جداً الذي يغيب فيها اسم "جون وليامز" كموسيقار رئيسي في فيلم لـ "سبيلبيرغ"، وقد وُرد اسمه هنا كمستشار موسيقي فقط، إذ أن موسيقى الفيلم والأغاني هي ذاتها الأصلية لـ "ستيفن سوندهايم" و"ليونارد بيرنستاين"، وقد قام الموسيقار "غوستافو دودامل" بقيادة الأوركسترا وإعداد الموسيقى والأغاني بشكل أجمل وأروع، وكأنني أستمع إليها لأول مرة، وقد ذُهلت حقاً.

المصور السينمائي المبدع "جانوش كامينسكي"، الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل تصوير مرتين عن فيلم "Schindler’s List" وفيلم "Saving Private Ryan"، أدهشني حقاً بعدسته الرهيبة في التقاط المشاهد مع الإضاءة والظل، وأحيانأ أشعر أنني أتصفح مجلة كلاسيكية عتيقة، ولذلك أشيد أيضاً بإبداعات مصمم مواقع التصوير "آدم ستوكهاوزن"، الذي جعلني حقاً أتجول في أحياء نيويورك القديمة، ولا أنسى مصمم الأزياء "بول تازويل" الذي أبدع هو الآخر في إظهار أزياء حقبة الخمسينات بأبهى حلّة.



المونتير المبدع "مايكل كان"، الذي صاحَبَ "سبيلبيرغ" في أغلب أفلامه محققاً الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل مونتاج 3 مرات، يعود مجدداً ليبهرنا بمونتاج متقن للمشاهد وانتقال سلس وجميل بين اللقطات، وبشكل عام الطاقم الفني والتقني جميعهم أتمّوا عملهم على أكمل وجه، من المكياج وتصفيف الشعر والتحرير الصوتي والمؤثرات الصوتية، وبقية الأمور الأخرى.

"قصة الحي الغربي" هو واحد من أجمل الأفلام التي شاهدتها في حياتي، وبالتأكيد هو، وفيلم "Moulin Rouge!" أجمل فيلمين موسيقيين في الألفية الجديدة، وبعدهما "Chicago" و "La La Land" و "The Phantom of The Opera". إنه حقاً فيلم متكامل فنياً، وإنجاز مبهر لـ "سبيلبيرغ"، وتفوّق رهيب على الفيلم الأصلي، بتقييمات عالية جداً من النقاد والجمهور، وبذلك هل من الممكن أن يدخل التاريخ ليحقق في جوائز الأوسكار مثلما حققه الفيلم الأصلي قبل 60 عاماً؟



بما أنني تأثرت كثيراً بأدائها الجميل وصوتها العذب أكثر من أيّة ممثلة أخرى في عام 2021، فهل يمكن أن تترشح "ريتشل زيغلر" لجائزة أفضل ممثلة وتفوز بها؟ ماذا عن "أريانا ديبوس" التي أدهشتني بشخصية "أنيتا"؟ هل يمكن أن تترشح وتفوز؟ وماذا عن المخضرمة "ريتا مورينو"؟ هل يمكنها دخول التاريخ بالفوز بالأوسكار للمرة الثانية عن نفس الفيلم بعد 60 عاماً؟ هل سيقف "سبيلبيرغ" على المنصة ليستلم أوسكاره الثالث كأفضل مخرج؟  كل شيء ممكن ووارد، وأنا أتمنى ذلك، لأن هذا الفيلم يملك كل المقومات ليكتسح جوائز الأوسكار هذا العام، وبكل جدارة.


منذ بدء الخليقة، وقبل "شكسبير" وقبل "روميو وجولييت"، وقبل "قصة الحي الغربي"، قام "قابيل" بقتل "هابيل". فكرة النزاع بين شخص وآخر ليست وليدة الأمس واليوم، فهي متوارثة لدى كل الأجيال على مر الزمان، وهذا الفيلم يعرض لنا هذه الفكرة. أي نزاع وحقد بين شخصين، أوعائلتين، أو عصابتين، أو دولتين، أو قارتين، يقود في النهاية إلى عواقف وخيمة. هل ونحن على مشارف نهاية الزمان أدركنا أننا كبشر لا نعرف أبداً كيف نعيش في سلام؟!