الأحد، 17 نوفمبر 2013

A Room With a View 1985


A Room With a View

حين تطل نافذة الغرفة على أجمل منظر قد نراه في حياتنا

 


 

الشخصية المفضّلة لدي في فيلم "غرفة مع منظر" هي شخصية "جورج إيميرسون"، الشاب العاطفي المخلص الذي ينبض قلبه بحب "لوسي هانيشيرش". إنها امرأة محترمة من عائلة طيّبة، وقد قامت برحلة سياحية إلى إيطاليا برفقة الآنسة "بارتليت".
"لوسي" تقابل "جورج" ووالده في الفندق. بعد عدّة أيام، وتحت أشعة الشمس الدافئة ووسط الحقول الخضراء، يُكشَف عن ستار الحب بين "لوسي" و"جورج" بقُبلة وبشكلٍ غير متوقع. إنه لم يبدأ بمحادثة قصيرة، بل يقوم بتقبيلها فجأة، وبالنسبة له، أمرٌ عظيم ومهم قد حدث بينهما.
"لوسي" ليست واثقة حقّاً وتحاول ضبط أنفاسها، والآنسة "بارتليت" تظهر من فوق التل وتدعوها لشرب الشاي. بعد عدّة أشهر في لندن، تقوم "لوسي" بإعلان خطبتها على "سيسيل فايس" الشاب المنافق. "سيسيل" هو من فصيلة الرجل الذي لا يلعب التنس أبداً، ويلبس النظارات ويدهن شعره بالزيوت، ويظن أنّ الفتيات لطيفات ومهذّبات فقط لأنهن يحببن الاستماع إليه وهو يقرأ بصوت عالٍ. إنه لا يعرف أيّة معلومات أخرى حول ما قد يعجب الفتيات.
في تلك الأثناء، "جورج" ووالده يسكنان في بيت ريفي بالجوار، وفي أحد الأيام يقوم بتقبيل "لوسي" مجدّداً، ثم يلقي خطاباً مذهلاً، ويعبّر عن حبّه. "لوسي" يجب أن لا تتزوّج من "سيسيل"، ويفسّر لها ذلك، لأنّ "سيسيل" لا يفهم النساء ولن يستطيع فهمها وأنه يريدها فقط كـ "زينة" أو "زخرفة". "جورج" على الجانب الآخر، يريدها رفيقة دربه وشريكته في رحلة الحياة.
"جورج" لا يظهر في مَشاهد كثيرة بقدر ظهور "لوسي" و"سيسيل". في بقية المَشاهد، نجده يظهر بشكل جانبي، ولا يتحدث إلاّ قليلاً، لكن دوره واضح جداً. إنّه مصدر العاطفة في المجتمع الذي هو بصورة أخرى مشدود بقوة نحو التقاليد الجافة والحياء. إنّه الرجل الذي يستطيع كسر تلك القيود، ليعبّر عما يشعر به ويحرّر روح "لوسي" بكل جدارة وعزيمة، ولذلك أعتبره شخصيتي المفضّلة. إنه قوي وممتلئ بالإيمان ويعرف قيمة "لوسي".
"غرفة مع منظر" هي قصة حول "جورج" و"لوسي"، وأيضاً هي هجوم على النظام الطبقي البريطاني. ما هو منعش بشأن الفيلم هو ليس فقط التفافه حول الشخصيات المعقّدة وغريبة الأطوار، بل أيضاً إظهاره محاولاتهم لتغيير حياتهم نحو الأفضل.
الفيلم تم اقتباسه من رواية الكاتب "إي إم فوستر" من قِبَل ثلاثة سينمائيين تخصصّوا في إنتاج الأفلام المبنية على الأدب الكلاسيكي: المخرج "جيمس آيفوري"، والمنتج "إسمايل ميرشينت"، وكاتب النصوص "روث براور جابفالا". أعمالهم الأخرى المميزة وعلى نفس السياق الأدبي "البوسطنيون" و"الأوروبيون" و"حرارة وغبار" و"بقايا النهار" و"هاوردز إند" و"رحلة إلى الهند". هذا الفيلم هو أفضل ما قاموا بإنتاجه في رأيي.
إنّه فيلم فكري وثقافي حول المشاعر، ويشجّعنا على التفكير عمّا نشعر به، بدلاً من التمثيل ببساطة على مشاعرنا. إنّه يرينا امرأة شابة على وشك الزواج من الرجل الغير مناسب، ليس بسبب عاطفتها، بل بسبب قلّة تفكيرها وضعف عقلها. الفيلم يجادل ويقول: "فقط فكّروا بعاطفتكم"!! وبعد ذلك ستتخلّون عن "سيسيل" وستتّجهون نحو "جورج".
جرت العادة في الأفلام أن نجد "العقل" و"العاطفة" في اتجاهين متضادّين، ولكن هذه المرة يبدو الأمر ممتعاً حقّاً حين نراهما في نفس الإتجاه. القصة تسير وفق خطوات مدروسة تتخلّلها انقطاعات درامية موسمية لإثارة العاطفة. الحوار فخم ونظري، ومع الوقت يتحوّل إلى حوار مباشر وصادق. أداء الممثلين رائع جداً ومتوازن بين العقل والعاطفة.
فوق كل شيء تقف "لوسي"، التي تلعب دورها الفنانة "هيلينا بونهام كارتر" بكل شغف وإتقان. الفنانة المخضرمة "ماغي سميث" أتحفتنا كالعادة بأدائها المذهل لشخصية الآنسة "بارتليت". الفنان "دينهولم إليوت" الذي يلعب دور السيد "إيميرسون" استحوذ على الشاشة بشخصيته الفريدة والمليئة بالحكمة والطيبة. الفنانة الرائعة "جودي دنش" كان لها لمسة جميلة على الفيلم بأدائها دور الروائية "إلينور لافيش"، ولا ننسى المبدع "جوليان ساندز" الذي جسّد شخصية "جورج" بكل عاطفية وإحساس، وكذلك الفنان الرائع "دانييل داي لويس" أكمل اللوحة الفنية بأدائه المتميز لشخصية "سيسيل".
هذا الفيلم مذهل بكافة المقاييس، واستطاع المخرج العبقري "جيمس آيفوري" أن يقدّم لنا تحفته الفنية بكامل روعتها. حاز الفيلم على 3 جوائز أوسكار بعام 1986 واستحقها بجدارة، لأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء، وترشّح لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل ممثل مساعد "دينهولم إليوت"، وأفضل ممثلة مساعدة "ماغي سميث"، وأفضل تصوير وأفضل إخراج، وكذلك جائزة أفضل فيلم.
فيلم "غرفة مع منظر" يسير برفق وانسيابية، كما لو أننا نجلس حول مأدبة طعام فخمة ونتحرّق شوقاً للحلويات في النهاية. نريد فقط للنهاية أن تدوم لأنها لذيذة للغاية.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق