الاثنين، 7 سبتمبر 2020

Tenet 2020

 

لا تحاولوا فهم الفيلم، بل شاهدوه بشكل عكسي ..

Tenet



 

في ظل الوضع الراهن والعصيب الذي يمر به العالم أجمع، مع تفشّي فيروس كورونا، وقرارات أغلب الدول بالحظر والإغلاق، لم يكترث الكاتب والمخرج الكبير "كريستوفر نولان" بذلك، وأصرّ على عرض فيلمه الجديد في السينما، ولم يتنازل كالبقية بتأجيل عرض أفلامهم حتى تهدأ الأمور، ولكونه ينتمي للمدرسة القديمة، هو لا يعترف بالمنصات الرقمية لعرض فيلمه فيها كخيار بديل.

بالطبع، أفلام "نولان" بالذات تتطلّب أكبر وأفخم شاشة سينمائية، لأنه يهتم كثيراً بجودة الصورة والصوت، ويستخدم أرقى المعدّات في الإنتاج، وخصوصاً كاميرا الآيماكس، فبالتالي إصراره على العرض السينمائي كان صائباً بكل تأكيد، ولكن تبقى المسألة هي استعجاله الشديد في وقت العرض، حيث أن أكثر من نصف سينمات العالم مغلقة، والمفتوحة منها يشترط فيها الالتزام بالإجراءات الاحترازية بطاقة إستيعابية لا تتعدى 50% في صالة العرض، وارتداء الكمامات وغيرها من الأمور المعتادة والمزعجة للمُشاهد.

كان من الأفضل لـ "نولان" تأجيل عرض فيلمه حتى نهاية هذا العام أو ينتظر حتى العام المقبل، أو لحين عودة الحياة إلى طبيعتها كالسابق، خصوصاً أن الاعتماد الرئيسي في الإيرادات هو من السينمات الأمريكية والبريطانية، التي لا تزال أغلبها مغلقة وفي أهم المدن، ولكن في النهاية تم عرض الفيلم في سينمات العالم، وحقّق أرباحاً جيّدة حتى الآن، فقد أراد "نولان" أن يكون هو المجازف الأول بفيلمه ذي الميزانية الضخمة ليكون المحرّك لتشغيل سينمات العالم بعد إغلاقها لما يقارب 5 أشهر، وتعود المياه إلى مجاريها، وعلى ما يبدو نجح في ذلك.


فيلم "عقيدة" هو عبارة عن مزيج من أفلام "جيمس بوند" و"مهمة مستحيلة"، مع بهارات من أفلامه السابقة، وبالأخص "Inception"، وأيضاً "Memento" و"Interstellar"، ولا أنسى "Dunkirk"، ولطالما كان "نولان" متيّماً بالحبكات التي تدور حول الزمن والعوالم المتوازية وتعدد وجهات النظر، وها هو الآن يعجن تلك الحبكات وينقلها لمستوى أعلى في هذه الملحمة التي تجوب العالم في مواقع تصوير جميلة، من إستونيا إلى سواحل إيطاليا، مروراً بالهند، ومن ثم الدنمارك، فالنرويج، وبريطانيا.

النجم "جون ديفيد واشنتون"، الذي أثبت موهبته كممثل متميز كوالده الفنان "دينزل واشنتون"، والذي قد لا يشبهه في الشكل كثيراً، ولكن نبرة صوته كوالده تماماً، وكأنني أسمع صوت "دينزل" وهي شاب. في هذا الفيلم هو يؤدي دور البطل، وفي الحقيقة لا نعرف اسمه في الفيلم أبداً، سوى أنه يطلق على نفسه لقب "الرجل الرئيسي".

إنه رجل هادئ وظريف أحياناً، ويبدو قوياً كالعملاء السريين، ونشعر أنه تلقّى تدريبات احترافية، والذي بالكاد ينجو من هجوم إرهابي مخيف في دار الأوبرا الوطنية في أوكرانيا في المشهد الافتتاحي للفيلم، حتى يتم لاحقاً تكليفه بمهمة خطيرة، وهي إنقاذ العالم من خطر وشيك يهدّد حياة البشر.


من هنا يبدأ "نولان" بإدخالنا إلى متاهته المعقدة والمليئة بالألغاز والتحديات، ونتعرف على مقادير حبكته الملتوية، حيث يمكن الآن جعل الزمن يسير بشكل عكسي، ويمكن تغيير الأحداث في المستقبل، والرصاصات يمكن أن تعود إلى المسدسات التي أُطلقت منها، والجروح تتلاشى وتلتئم، والسيارات تتلاحق بشكل عكسي، والأشخاص يسيرون للوراء، ويمكنكم تخيّل المسألة كما لو أنكم تعيدون لقطةٍ ما بالـ Rewind عبر جهاز التحكم عن بعد.

ولكن كما تنص القاعدة التي تعلمناها من أفلام السفر عبر الزمن، ستقع في مشكلة كبيرة إذا تفاعلت مع نفسك على امتداد الخط الزمني، فمثلاً إن قتلت جدك في الماضي، فكيف ستكون موجوداً في المستقبل؟! مهمة البطل هي تعقّب تاجر الأسلحة الروسي "أندريه سيتور"، الذي يمتلك سلاحاً خطيراً وسيدمّر العالم بأكمله، وقد أدّى دوره الفنان "كينيث برانا" بشكل مميز.


لطالما كان الفنان المخضرم "مايكل كاين" عنصراً أساسياً في أفلام "نولان"، وهنا يشارك معه للمرة السابعة في مشهد واحد قصير بشخصية "مايكل كروسبي"، وهو عميل بريطاني محنّك، ويلتقي بالبطل ويرشده في مهمته. النجمة الهندية "ديمبل كاباديا" المشهورة في بوليوود، تؤدي هنا شخصية "بريا"، التي تتوغّل في المهمة مع البطل.

النجم "روبرت باتينسون"، الذي لا أطيقه شخصياً، قدّم هنا أداءً متميزاً بشخصية "نيل"، وهو عميل بريطاني يشارك البطل مهمته، وأيضاً هناك النجمة "إليزابيث ديبيكي" التي أعجبني أداءها قبل سنوات في المسلسل القصير الجميل "The Night Manager"، بشخصية عشيقة تاجر أسلحة، وها هي الآن تعود مجدداً بشخصية "كات" المماثلة تماماً لشخصيتها في ذلك المسلسل، وتؤدي هنا شخصية زوجة "سيتور"، التي لا تطيقه، وستفعل أي شيء لإنقاذ ابنها والهروب من جبروت ذلك المتوحش، فتصبح شريكة في المهمة التي يخوضها البطل مع "نيل". النجم "آرون تايلور جونسون" قدّم أداءً جميلاً بشخصية "آيفيس"، الذي يشارك في المهمة معهم.


الفيلم ليس معقداً جداً أو غير مفهوم كما وصفه البعض، ولا يتطلب الأمر مشاهدته مرتين أو 3 مرات لفهم الصورة الكاملة، فالمشاهدة بتركيز شديد تكفي من المرة الأولى، والمشاهدة الثانية قد تكون أكثر متعة للتركيز على أبعاد أخرى في القصة، وترسيخ بعض الأمور التي قد تكون مبهمة أو غير واضحة، ويعتمد على ذلك على كل شخص ومدى فهمه واستيعابه لحبكة الفيلم.

افتقدت موسيقى "هانس زيمر" في هذا الفيلم، فكما يعرف الجميع هو دائماً ما يتعاون مع "نولان" في أفلامه، ويزيدها روعة بإبداعه، ولظروف الارتباط بأعمال أخرى، تم إسناد المهمة للموسيقار السويدي "لودويغ غورانسون"، الذي فاز بجائزة الأوسكار مؤخراً لأفضل موسيقى تصويرية عن فيلم "Black Panther". في الحقيقة لم يكن يستحق الفوز حينها، وموسيقاه في فيلم "نولان" لم تعجبني كثيراً، فقد كانت صاخبة ومزعجة في بعض الأحيان، بتداخلها مع المؤثرات الصوتية وحوارات الشخصيات، فأصبح الوضع فوضوياً نوعاً ما.


بالنسبة لي، لقد استمتعت بمشاهدة الفيلم المبهر بصرياً، ولكني لا أضمّه إلى روائع أفلام "نولان"، فهو أقلّهم في المستوى، فالأفلام السابقة كانت أفضل وأقوى بكل تأكيد، ولكنه أفضل من "Memento" و"Insomnia"، وهنا أنا لم أختبر حبكة جديدة أو مبتكرة، فقد كانت حصيلة من أفلامه السابقة بقليل من التلاعب المعتاد من "نولان".

 أرى أنّ "نولان" يجب أن يفكّر في تغيير أسلوبه في القصص والإخراج، بالرغم من أنني أعتبره من أفضل 10 مخرجين في السينما، ولكن التغيير حتماً مطلوب لكي يرتقي ويتطور، لا أن يدور في متاهته ويظل حبيساً فيها إلى أن لا يستطيع الخروج منها أبداً فيما بعد.

المصور السينمائي "هويت فان هويتما" أبدع في ترجمة رؤية "نولان" إلى لقطات مدهشة، ولا أنسى جهود الطاقم الفني والتقني، في المونتاج والمؤثرات، فقد كانت متعة بصرية بمشاهدة المباني وهي تنفجر ثم تعود كما كانت مرة أخرى وبعد ذلك تنفجر مجدداً، ومشاهدة الطيور وهي تطير للوراء، والجنود وهم يسيرون كما لو أنهم على سطح القمر، والشخصيات وهم يعبرون عبر الزمن. عندما تكون في مواجهة الزمن بشكل عكسي، يجب أن ترتدي قناعاً خاصاً لأن نظام عمل جسمك سيكون معطوباً، كما لو أنك تعيش مع وباء متفشّي يعكّر صفو حياتك ونظامها.



يصل بنا الفيلم إلى نهاية بتلميح واضح لنهاية الفيلم الكلاسيكي العظيم "Casablanca"، حين يقول "ريك" لـ "لوي"، في واحدة من أشهر العبارات السينمائية في التاريخ: "أعتقد أنّ هذه هي بداية لصداقة جميلة". فيلم "Tenet"، كعنوانه تماماً، يقرأ العبارة بشكل عكسي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق