الاثنين، 14 أكتوبر 2013

Goodbye, Children 1987


Goodbye, Children

حين نُنصِت لصوتٍ حزينٍ يقول: "وداعاً، أيها الأطفال"

 

 من منّا لا يستطيع تذكُّر لحظة معينة حين قلنا أو فعلنا شيئاً خاطئاً لا يمكن إنكاره؟ لحظة الانتهاء من الفعل أو الكلام التي أحرقتنا بالعار والندم، وما قمنا به حينها لا يمكن إصلاحه أبداً. تلك اللحظات نادرة، ومعظمها تحدث في مرحلة الطفولة، حيث لم نتعلّم بعد أن نفكّر قبل أن نتصرّف. "وداعاً أيها الأطفال" هو فيلم حول تلك اللحظة. حول لحظة غافلة خاطفة تودي بحياة أربعة أشخاص.
الفيلم كتبه وأخرجه للسينما "لوي مال"، والقصة مبنية على ذكريات طفولته التي تحكمها الدموع المنهمرة من عينيه في ليلة عرض الفيلم لأول مرة بعام 1987. تلك الذكرى التي سبّبت له الألم لسنوات عدّة. القصّة تدور في عام 1944 بمدرسة كاثوليكية داخلية في فرنسا المحتلة من النازيين. في بداية الفصل الدراسي، يلتحق ثلاثة طلّاب جدد، وندرك حالاً أنهم من اليهود بعد أن تُزَوَّرُ أسماؤهم وهويّاتهم في محاولة لإخفائهم من النازيين.
بانسبة لـ "جوليان"، مع كل ذلك، لم يبدُ له الأمر واضحاً. "جوليان" الذي يُقصَد به أن يكون المخرج "لوي مال" كمّا صوّره في سيرته الذاتية، لم يعرف تماماً الفرق بين اليهود والوثنيين في دولة يحكمها النازيون. كل ما يعرفه هو أنه يحب أحد هؤلاء الطلّاب الجدد، والذي يدعى "جان بونيت" وسرعان ما يصبحان صديقين.
"جان" ليس اجتماعياً ولا يندمج مع الطلّاب الآخرين، الذين يتبعون تلك الممارسة القديمة بالنفور من أي طالب جديد ينضم إليهم. كما أنّ "جوليان" هو الآخر ليس اجتماعياً. الولدان حالمان ويفكّران بعمق ولديهما خيال واسع بالشكل الذي ينبغي أن يكونا عليه كمراهقَيْن.
الفيلم ليس محشوّاً بالأحداث الدرامية المريرة كما يُوْحَى للبعض، خلافاً لبعض أفلام هوليوود المأساوية، فلا توجد حاجة للأحداث المأساوية الكئيبة التي تقود المُشاهِد إلى إحباط شديد. بدلاً من ذلك، ندخل إلى حياة هؤلاء الأولاد، ونرى الروتين اليومي للفصل الدراسي، والتدريبات على تجنّب الغارات الجوية، ورؤية الطرق الخاصة لكل معلّم في كيفية التعامل مع مشاكل الانضباط والسلوك.
أكثر من أي شيء آخر، نشعر بتناغم وإيقاع المدرسة. قال المخرج "لوي مال" بعد قيامه بزيارة موقع مدرسته بعد سنوات عدّة أنّ المبنى قد اختفى والمدرسة أصبحت منسية، لكن بالنسبة لطالب التحق بالمدرسة، القواعد والطقوس تبدو خالدة، ويشعر بعد أن أقرّتها أجيالٌ لا تُعد ولا تُحصى أنّها ستظل تُمارَس إلى الأبد. الطالب في المدرسة لا يُتوَقَّع منه أن يستوعب بسرعة أنّه يمكن للعنف والشر تغيير كل شيء.
"جوليان" و"جان" يلعبان معاً، ويدرسان معاً، ويقومان بأمور طائشة معاً. في أحد الأيام الباردة يذهبان إلى الغابة القريبة للاستكشاف، ويحل الظلام ويشعران بالخوف، وفي هذه المغامرة تتوطّد علاقتها أكثر ويصبحان صديقين مقرّبين. يكتشف "جوليان" لاحقاً أنّ "جان" هو ليس الاسم الحقيقي لصديقه.
بعد بضعة أيام، حين تأتي والدة "جوليان" في زيارة إلى المدرسة، يقوم بدعوة "جان" للانضمام إليهما على وجبة الغداء في أحد المطاعم، ويبدو الأمر مثيراً للاستغراب لأنه لا يُسمح لليهود بالدخول إلى المطاعم في ظل الحُكم النازي، فكيف بجلوس أحدهم في طاولة مع أشخاص آخرين؟! "جوليان" لا يعرف شيئاً عن اليهود. يسأل شقيقه الأكبر: "لماذا نكرههم"؟؟ يرد شقيقه ويقول: "إنهم أذكى منّا، وقد قتلوا المسيح". "جوليان" لا يزال غير مقتنع ولم يستوعب الأمر بتاتاً.
هذا الفيلم هو واحدٌ من أجمل الأفلام الفرنسية على الإطلاق، مليء بالمشاعر والعواطف، ونشعر بأحاسيس المخرج وما يريد إيصاله للمشاهدين من ذكرى مؤلمة وشعور مرير. الولدان "جوليان" و"جان" هما روح الفيلم وكيانه، وقد قام كل من "غاسبراغد مانسي" و"رافاييل فيجتو" بأداء شخصيتيهما بكل براعة وإتقان. ترشّح الفيلم لنيل جائزتي أوسكار لأفضل فيلم أجنبي وأفضل إخراج بعام 1987.
هل هذا الفيلم هو فقط حول الشعور بالذنب؟ كلّا، على الإطلاق. إنّه شُيِّدَ بمهارة فائقة لإظهار أنّ "جوليان" لم يُدرك تماماً طبيعة المشكلة. على كل حال، الأمر ليس كما لو أنّ "جوليان" يعلم تماماً أنّ "جان" كان يهودياً. أظن أن "جوليان" امتلك الكثير من المعلومات ولم يعرف كيف يرتّبها، وحين أتى النازييون للبحث عن اليهود المختبئين، أدرك "جوليان" فجأة ما تعنيه معلوماته. اللحظة التي ارتكب فيها ذلك الخطأ الفادح، ربّما هي أيضاً اللحظة التي فهِمَ فيها لأول مرّة الحقيقة الفظيعة للعنصرية. نصل إلى النهاية وننصت لصوتٍ حزين يقول: "وداعاً، أيها الأطفال".
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق