الأحد، 27 أكتوبر 2013

The King's Speech 2010


The King’s Speech

قصةُ صراع رجلٍ مع نفسه من أجل خروج الكلمات

 


فيلم "خطاب الملك" يدور حول رجلٍ مجبر على مخاطبة العالم وهو يتلعثم، ومن المؤلم جداً له حتّى مخاطبة شخصٍ واحدٍ أمامه. لكن مواجهة مكبّر الصوت في محطة الإذاعة ومعرفة أنّ كل الشعب البريطاني يستمعون إليه.. حقّاً إنه أمر مخيف!! وفي الوقت الذي ذُكِر الخطاب بعنوان الفيلم، ربع سكّان الأرض كانوا من ضمن المستمعين، وخصوصاً شعب أمريكا وأوروبا، ولا ننسى أنّ ألمانيا بالذات يهمّها جداً ما سيورد في الخطاب.
الملك هو "جورج السادس"، والسنة كانت 1939م، وبريطانيا كانت ستدخل في حرب مع ألمانيا. المستمعون يريدون خطاباً حازماً وواضحاً ومؤثراً، ولا يريدون لحظات من التأتأة مصحوبة بصمت تعذيبي. هذه هي قصة رجل لم يرد أن يصبح ملكاً، وبعد موت والده انتقل العرش إلى شقيقه الأكبر "إدوارد"، لكنه تخلّى عن العرش بعد فترة قصيرة وذلك لرغبته بالزواج من المرأة المطلّقة التي يحبها، ولكونه ملكاً ورئيس الكنيسة، لا يُسمح بهذا الزواج، وبات الواجب الثقيل ملازماً للأمير "ألبرت" الذي يعاني من مشكلة التأتأة منذ الطفولة.
يفتتح المخرج "توم هوبر" الفيلم بمشهد يقوم فيه الأمير "ألبرت" بمحاولة إلقاء خطابٍ في حفل افتتاح معرض فني بعام 1925م، وقبل تجمّع الجماهير في المعرض وعند الراديو، يتّجه مسرعاً نحو مكبّر الصوت في لحظات عذاب لكي تخرج الكلمات بشكل صحيح. والده "جورج الخامس" كان دائماً يقول أنّ "ألبرت" متفوّق على "إدوارد"، لكن ما باليد حيلة إنْ كان الأمر يتطلّب من الملك أن يتحدّث إلى الجماهير في عدة مناسبات سواء عن طريق الإذاعة أو في العلن.
في خطاب عام 1925، نرى "إليزابيث" زوجة "ألبرت" ووجهها مليء بالشفقة لأنها على علم بأنه سيتعرّض للكثير من الإهانات والإحراج، وقد قام "ألبرت" بمقابلة الكثير من المتخصّصين في علاج النطق، حيث قام أحدهم بوضع عدة كُراتٍ صغيرة داخل فمه إلى أن إمتلأ وقال له: "الآن تستطيع التحدث بطلاقة"!!!، ولكن هذا الأمر أيضاً لم ينفع، فتلجأ "إليزابيث" بعد حالات اليأس إلى ممثّل أسترالي يدعى "ليونيل لوغ"، والذي يقوم بتدريب الأشخاص على تحسين النطق وفق طرقه الخاصة.
دائما أجد أن مواضيع العرش البريطاني تستهوي منتجي الأفلام، ولكن فيلم "خطاب الملك" تبّنى فكرة رائعة جداً وهي "التأتأة"، وأظهر أجواء تلك الحقبة الزمنية بشكل جميل جداً، وبيّن للمشاهدين كيف كان يفكّر الأشخاص الذين عاشوا في تلك الفترة، حيث نرى أنّ قرار الأمير "إدوارد" بالتخلّي عن العرش والزواج من امرأة مطلقة 3 مرات قراراً غريباً جداً، ولا ينبع إلى من قلب عاشق في الروايات الخيالية.
هذا الفيلم ينبّهنا لأمر مثير للاهتمام حول الأشخاص الذين ليست لديهم خلفية تاريخية حول العرش البريطاني، فهم قد لا يدركون أنّ "ألبرت" وزوجته "إليزابيث" هما في الحقيقة والدا ملكة بريطانيا الحالية "إليزابيث الثانية"، ولا نعرف ما كان سيحدث لو استمرّت الأمور كما كانت عليه، وبقي "إدوارد" ملكاً للعرش!!
المخرج "توم هوبر" استخدم في التصوير مواقع فسيحة جداً، وبدت لنا حقاً أنها بريطانيا القديمة العريقة، وقد انتقى الممثلين بعناية فائقة، فنجد الفنان "كولن فيرث" المهذّب والذي يبدو من النبلاء حقاً في دور "ألبرت"، وأيضاً الفنان المخضرم "جيفري راش" في دور "ليونيل"، الرجل الصريح الذي يصارع أكثر من "ألبرت" للتغلب على التأتأة، ولا ننسى الفنانة "هيلينا بونهام كارتر" التي يمكن أن تُظهر العطف والحب بشكل لم نعهده في أدوارها ، فقد اشتهرت بأدوارها الشريرة كالتي في سلسلة أفلام "هاري بوتر" العظيمة، ولكن هنا رأينا الشفقة والطيبة والحب العميق لزوجها، و"إليزابيث" الحقيقية أصبحت الملكة الأم المحبوبة جداً من الشعب، والتي توفيت عام 2002 وهي في سن 101، وقد عانت الكثير في حل مشكلة زوجها "ألبرت" وتربية ابنتيها "إليزابيث" و"مارغريت".
نال الفيلم 4 جوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي أصلي، وأفضل ممثل "كولِن فيرث"، وترشّح لنيل 8 جوائز أخرى لأفضل ممثل مساعد "جيفري راش" وأفضل ممثلة مساعدة "هيلينا بونهام كارتر" وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل تصميم مواقع وأفضل أزياء وأفضل تحرير صوتي، وذلك بعام 2010.
المخرج المبدع "توم هوبر" حاول جاهداً أن يُظهر المشهد الأخير بهذه الروعة. "ألبرت" يتّجه نحو مكبّر الصوت والعالم كله يستمع و"ليونيل" يقف بجانبه، وزوجته "إليزابيث" في حالة توتر شديدة. إنه المشهد الأساسي الذي يجعل الفيلم ناجحاً، وكان بحد ذاته تحفة سينمائية. في النهاية حصلنا على فيلم تاريخي راقٍ، بل أروع قطعة فنية، والشخصين الغير متوافقين أصبحا أفضل صديقين طيلة حياتهما.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق