الاثنين، 21 أكتوبر 2013

The Talented Mr. Ripley 1999


The Talented Mr. Ripley

حين تكون "الشخصية المزيّفة" أفضل من "النكِرة الحقيقية"


الأشرار عادةً لا يبقون صامدين في روايات الجرائم، أمّا الأخيار هم من يصلحون للبقاء على امتداد سلسلة روائية كاملة. هذا إحباطٌ كبير لمؤلّفيها، لأنّ الأشرار في الغالب أكثر حيوية وتلوّناً من الأخيار.
روايات "باتريشيا هايسميث" حول "توم ريبلي" هي الاستثناء الفريد، فهي سلسلة قصصٍ حول رجلٍ سيئٍ للغاية، فوق ذلك هو وسيم وذكي ومدرك تماماً للثمن الذي يدفعه لأسلوب حياته الغير أخلاقي.
"السيد ريبلي الموهوب" هي أول رواية من السلسلة، والتي تكشف لنا "ريبلي" وهو في مرحلة ابتكار نفسه وإيجاد عملٍ في حياته. لقد كان رجلاً فقيراً وأراد بشدّة أن يكون غنياً.


إنه رجلٌ غير معروف لا يريد أن يكون مشهوراً بقدر أن يكون شخصاً آخر. بعض الرجال يحسدون الآخرين على سياراتهم أو زوجاتهم أو أموالهم. "توم ريبلي" يطمع في "هويّاتهم". الأحداث تكشف لنا قيامه بضم حياة وهويّة رجل يدعى "ديكي غرينليف" وحول قراره بقدرته على أن يكون "ديكي"، أو حتّى أفضل من "ديكي" في أن يكون هو نفسه.
"توم ريبلي" هو شخص انتهازي يعثر على بوابة الدخول إلى حياة "ديكي"، ويقتحمها. يقوم بارتداء سُترة كالتي يلبسها طلّاب جامعة "برينستون" ليعزف على البيانو في حفلة بـ "مانهاتن"، ويأتي إليه أحد الرجال الأغنياء مع زوجته و"يفترضان" حالاً أنّه يعرف ابنهما "ديكي". يقول لهما: "نعم، أعرفه"!!
السيّد والسيّدة "غرينليف" قلقان على "ديكي" الذي أهمل الدراسة في الجامعة وانجرف في حياة الترف والانحلال في مختلف أنحاء أوروبا ولا يبدو أن لديه نيّة في العودة إلى وطنه، فيعرضان على "توم ريبلي" صفقة بأنهما سيتكفّلان بتمويل رحلته الخاصة إلى أوروبا، وسيدفعان له ١٠٠٠ دولار إذا عاد ومعه ابنهما. تنقلنا الكاميرا إلى شاطئٍ بإيطاليا، حيث نجد "ديكي" مستلقٍ تحت أشعة الشمس مع صديقته "مارج شيروود"، والخدعة الأصلية تتحوّل إلى الشر.

تذكّروا أنّ "توم ريبلي" سبق له أن انتحل شخصية أخرى في البداية: الزميل القديم لـ "ديكي" في الجامعة. هذه الحيلة تنطلي على "ديكي"، ويقول لصديقته "مارج": "لقد نسيته كليّاً". لكنّه يستاءل في نهاية المطاف عمّا إذا كان كل ما يخبره به "توم ريبلي" هو الحقيقة ولا شيء غير ذلك.
"توم ريبلي" إلى هذه اللحظة لا يزال يطوّر المهارات التي من شأنها أن تؤهّله لخوض عدّة مغامرات أخرى. إنّه يعرف بالغريزة أنّ أفضل طريقة للكذب هي "عَيش الكذبة"، وأنّ الاعتراف بالحقيقة لا يكون إلاّ في وقتٍ مناسب وبوضعٍ مريح.
حين يقوم "ديكي" بسؤاله حول مواهبه، يجيبه قائلاً: "تزوير التواقيع، والكذب، وانتحال شخصية أياً كان". هذه هي الحقيقة، وبعد ذلك يقوم بانتحال شخصية السيد "غرينليف" بشكل تقشعر له الأبدان وهو يقول له أن يعيد "ديكي" معه إلى أمريكا. يردّ "ديكي" وهو في قمة الدهشة: "أشعر كما لو أنّه هنا بالفعل"، بما أنّ "توم ريبلي" قام بتقليد صوت والده.

بهذا الاعتراف الذي أدلى به حول المهمة الموكلة إليه، يتقرّب "توم" أكثر إلى "ديكي"، ويُزال جدار الغموض بينهما، وسرعان ما يدخل إلى دائرة صداقته التي تتضمّن صديقاً مغروراً يدعى "فريدي مايلز". خلال هذه الرحلات في أنحاء أوروبا، نلتقي بامرأة ثرية تدعى "ميريديث لوغ"، والتي تعرف أموراً بشأن "توم ريبلي" ولا يُسمح أبداً لـ "ديكي" أن يعرفها.
أنا الآن أزيد الغموض، ويجب عليّ ذلك، لأنّ المحور الرئيسي للفيلم هو إظهار "توم ريبلي" وهو يتعلّم كيفية استخدام الحيلة والارتجال والتفكير العبقري السريع تحت "الضغط" حتى يصبح "ديكي غرينليف".

"باتريشيا هايسميث" كتبت رواية "السيد ريبلي الموهوب" بعد ٥ سنوات من كتابتها لرواية "غريبان على متن قطار" التي أخرجها للسينماً المبدع "ألفريد هيتشكوك" في فيلم إثارة رائع بعام ١٩٥١، وقد صُنِّف كأحد أفضل أفلامه، وقد تناولت الفيلم في مقال آخر. 
الروايتان متشابهتان تقريباً. رواية "غريبان على متن قطار" تدور حول رجل يلتقي برجل آخر ويعرض عليه اتفاقاً بتبادل الجرائم بينهما: "أنا سأقتل الشخص الذي تكرهه، وأنت ستقتل الشخص الذي أكرهه، وبما أنّ لا أحد منّا لديه علاقة بالضحيتين أو أي دافعٍ لقتلهما، فلن يُقبض علينا أبداً". رواية "السيد ريبلي الموهوب" تجعل "ديكي" مُلاماً بحادثة غرق امرأة في البلدة، و"توم" يستخدم تلك الجريمة في نسج خطّته الشريرة.
فيلم "غريبان على متن قطار" ينبّه وبمهارة فائقة على شعور شاذ في شخصية مدبّر الفكرة، و"توم ريبلي" أيضاً يبدو أن لديه مشاعر تجاه "ديكي" على الرغم من أنّ الأفكار النرجسية والجنسية مختلطة جداً ومضطربة في ذهنة لدرجةٍ قد تبدو أنّه يريد أن يكون "ديكي" وذلك من أجل أن "يحب" نفسه.

الفنّان "مات ديمون" يبدو لطيفاً وطبيعياً بشخصية "توم ريبلي"، ثم يبدأ بالتلوّن شيئاً فشيئاً، وقد استطاع أن يصدمنا بالصورة المكوّنة عنه في بداية الفيلم وما مرّت به من تحوّلات مضطربة مع توالي الأحداث. إنّ هذه الشخصية المعقّدة تتطلّب ممثلاً بارعاً بقدر "مات ديمون" الذي أثبت جدارته بانتحال هذه الشخصية في الفيلم.
الفنّان "جود لو" يجعل "ديكي" يستحق مصيره بسبب الطريقة التي ينتقي بها أصدقاءه ومن ثمّ ينبذهم من حياته. إنّ هذا الدور هو من أفضل ما قدّمه في مسيرته السينمائية، حيث كان أداؤه للشخصية مميزاً للغاية.
دور "كوينيث بالترو" شائكٌ ومعقّد. صحيح أنّ "ديكي" هو صديقها، إلاّ أنّه بارد المشاعر ولا يعاملها جيّداً، وهناك أوقات حين نجدها على وشك أن تستشعر السر الرهيب والمخيف، إلّا أن استياءها من "التغيّرات الكثيرة" في "ديكي" يشتّت ذهنها ويعرقل تفكيرها. على الرغم من كل هذه التعقيدات إلّا انها لعبت الشخصية بكل إبداع. الفنانة "كيت بلانشيت" أضافت لمسات رائعة على الفيلم في شخصية "ميريديث لوغ"، وكذلك الفنان "فيليب سيمور هوفمان" قدّم أداءً رائعاً بشخصية "فريدي مايلز".

المخرج المبدع "انتوني مينغيلا" الذي توفّي حديثاً بعد صراع مع المرض، قدّم للمشاهدين فرصة للدخول إلى عالم هذا الرجل الغامض والتوغّل فيه إلى درجة الجنون. لقد أبدع في اقتباس نص الرواية وصياغتها للسينما بأسلوب مدهش ومشوّق، وأيضاً في اختياره للطاقم الفنّي المميز، وعلى رأسهم الموسيقار "غابرييل ياريد" الذي أتحفنا بموسيقاه الرقيقة الرائعة، والمصوّر السينمائي "جون سيل" بكاميرته القلقة التوّاقة لمعرفة خفايا "توم ريبلي".
رأينا ابداعهم في فيلم "The English Patient" ولاحقاً فيلم "Cold Mountain". ترشّح هذا الفيلم لنيل ٥ جوائز أوسكار بعام ١٩٩٩ لأفضل ممثل مساعد "جود لو"، وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل نص سينمائي مقتبس.

"السيد ريبلي الموهوب" هو فيلم إثارةٍ ذكي. إنّه يغدر بنا في الطريقة التي تقودنا لتحديد شخصية "توم ريبلي". إنّه محرّك القصة، ونرى كل شيء من خلال عينيه. "ديكي" أساساً غير محبوب، ولذلك نشعر أنّنا بجانب "توم ريبلي" ونتآمر معه. إنّه "وحش"، ومع ذلك نريده أن يُفلِت من العقاب. هناك مشهد في الفيلم يشمل شقّة وصاحبة المكان والشرطة وصديق يعرف "ديكي" الحقيقي، ويعتمد كلياً على "التوقيت الدقيق المدروس بعناية" و"الارتجال"، وإن جعلناه "أسرع" قليلاً، فلن نحصل على هذا الفيلم الرائع.


 




هناك 4 تعليقات:

  1. شكراً على المجهود الفيلم جد رائع

    ردحذف
  2. هل الفيلم مثلى الجنس ؟!!

    ردحذف
  3. الفيلم ذكرني بالمقوله ان المجرم يغوص اكثر فاااكثر ويقع بشر اعماله ولابد ان يترك ادله هنا او هناك ويظهر الدليل الهام خواتم ديكي

    ردحذف