الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

Extremely Loud & Incredibly Close 2011


Extremely Loud & Incredibly Close

شهادة سينمائية عاطفية وقوية حول ذلك اليوم الصيفي المروّع
 

لا نجد أفلاماً راقية تدور حول واقعة "11 سبتمبر"، وقد يكون السبب هو أنّه لم يمضي عليها وقت طويل والجرح لم يلتئم بعد. كما أنّ المخرجين يدركون تماماً أنّ زلّة صغيرة قد تقودهم إلى اتهامات باستغلال الواقعة للمكاسب الماديّة. فيلم "صاخب جداً وقريب للغاية"، المقتبس من رواية لـ "جونوثان سفران فور" وأخرجه المبدع "ستيفن دالدري"، هو بمثابة شهادة سينمائية قوية وعاطفية حول ذلك اليوم الصيفي المروّع.
الفيلم لا يتطرّق لـ "11 سبتمبر" كحدث عالمي. إنّه لا يكترث للإرهاب والإرهابيين، ولا يُبالي بردود فعل الدولة أو العالم. بدلاً من ذلك، يقدّم لنا قصة إنسانية حول ولدٍ صغير يفقد والده. الفيلم يوضح الألم الذي غالباً ما يُنسى في مناقشات "11 سبتمبر" والذي تعيشه العائلات التي لديها كرسي فارغ على مائدة العشاء.
كان يشغل هذا الكرسي شخص عزيز عليهم والآن فقد رحل بلا عودة. على الرغم من أنّ هذه الواقعة هي عنصر حسّاس في الفيلم، إلّا أنّه لا يدور حولها، والقصة الرئيسية هي بعد عام كامل من الحدث المشؤوم. نعم، إنّها قصة حول فقدان شخصٍ عزيز ومواجهة تلك المحنة، ولكنّها أقرب إلى حكاية أب وابنه والروابط التي تجمع بينهما.
حبكة الفيلم قد تكون سطحية في البداية بكونها تشير إلى واقعة شهيرة وتناولتها العديد من الوسائل الإعلامية مؤخراً، إلّا أنها معقّدة جداً ومليئة بالأحداث الشيّقة، مما يجعل الفيلم مهضوماً. إنّه سيسرق دموعكم وأنتم غير مدركين ذلك، ومن خلاله ستتاح لكم فرصة لتفريغ عواطفكم بقدر ما ترونها في شخصيات الفيلم.
بعض الأشخاص قد يلمحون طاقم الممثلين ويرون أسماء نجومٍ حائزين على الأوسكار كالنجمين "توم هانكس" و"ساندرا بولوك"، ويصرفون النظر عنه بادعائهم أنّه فيلم يتلاعب بالعواطف ويهدر الدموع طمعاً في الجوائز الكبرى. هذه الهجمة الاستباقية لا تسيء للعمل، ورغم أن "هانكس" و"بولوك" هما أكبر نجوم الفيلم، إلّا أنهما يشغلان أدواراً ثانوية وبالكاد نراهما.
يؤدّي "توم هانكس" دور الأب "توماس شيل" والذي توفي قبل بداية الفيلم ولا نراه إلّا من خلال ذكريات الماضي. الفيلم في الحقيقة هو مخصّص كلياً للنجم الواعد "توماس هورن" في ظهوره الأول بعمل سينمائي، وهو يظهر تقريباً في كل مشاهد الفيلم.
يؤدّي هذا النجم الموهوب شخصية "أوسكار شيل"، وهو طفل استثنائي في التاسعة من عمره. إنّ ذكاءه يفوق سنّه، ولكنه غريب في التعامل مع المواقف الاجتماعية ويواجه صعوبة في التحكّم بمشاعره، وهو مذعور من أشياء كثيرة. إنّه ليس كأيِّ طفل نموذجي في فيلم درامي، وليس ظريفاً لتقرصوا وجنتيه، وليس مزعجاً لتضربوه. إنّه طفل مختلف وسترون الفيلم من خلال عينيه.
ليس هناك أي اختلال في عائلة "شيل". "توماس" هو صاحب متجر مجوهرات ناجح ويحب ابنه كثيراً ويُمضي أكبر قدرٍ ممكن من الوقت معه، وهو يحب زوجته "ليندا"ً التي هي الأخرى تكرّس حياتها من أجل زوجها وابنها. الجدّة تعيش في المبنى المجاوز و"أوسكار" يتحدّث معها بواسطة جهاز إرسال. بعد ذلك تحدث واقعة "11 سبتمبر"، و"توماس" يعلق في الطابق 150 بالبرج ويترك 6 رسائل عبر جهاز البريد الصوتي بمنزله في الساعات الأخيرة.
بعد مرور عام، يعثر "أوسكار" على مفتاح صغير بداخل مزهرية في خزانة والده. هو يعتقد أن السعي لاكتشاف القفل الذي يتطابق مع المفتاح سيطلعه على أمرٍ مهم حول والده الراحل، فيبدأ برحلة البحث في أنحاء نيويورك ويرافقه النزيل الذي يقطن في نفس المبنى مع جدّته، وهو رجل عجوز فقد القدرة على الكلام لأسباب ستعرفونها لاحقاً من خلال أحداث الفيلم. رغم ما يبدو من استحالة في مهمة "أوسكار" إلّا أنّ رغبته الجامحة في تحقيق هدفه تدفعه للتقدّم نحو الأمام، ويستعين بدروس تعلّمها من والده في تخطّي بعض المواقف الصعبة.
واقعة "11 سبتمبر" تُقدَّم بكل احترام ومن غير دوافع استغلالية، ويتم التعامل مع الحدث بعناية فائقة. المخرج "ستيفن دالدري" لا يُسهب في عرض لقطات للمباني وهي تتحطّم، بل يعتمد على مقتطفات إخبارية عابرة. الفيلم لا يصرّ على نتيجة واضحة من مهمة "أوسكار" المستحيلة، ولكن من خلالها يكتشف هذا الطفل أموراً حول نفسه وحول والده وحول سكّان مدينته الذين يقابلونه بلطف وشفقة وأحياناً بوقاحة ولا مبالاة.
يتعلّم "أوسكار" أن يرى والدته والرجل العجوز من منظور مختلف، ويحاول مواجهة مخاوفه العديدة والتغلّب عليها بطرقٍ تجعل والده فخوراً به. المخرج في أفلامه الأربعة لم يعرقل سير القصص مهما زادت تعقيداتها، وفي فيلم "القارئ" أثبت أنّ هناك أموراً مهمة في القصة ويفضّل أن تبقى خارج إطار الفيلم، وذلك ينطبق أيضاً على فيلمه المعقّد والرائع "الساعات" الذي تم اقتباسه من رواية تستند على رواية أخرى. هذا الفيلم هو أقرب في رأيي إلى فيلمه الأول "بيلي إليوت" لكونهما يسيران وفق حركة البطل الصغير في القصة.
هذا المزيج السينمائي يثبت جدارته وروعته مع المخرج "دالدري" وكاتب النص "إيريك روث" الذي يبق وأن كتب نصوصاً رائعة لأفلام مميزة مثل "فورست غامب" و"الحالة المحيّرة لبنجامين بوتن"، ولا ننسى الأداء الرائع للنجم "توماس هورن" في شخصية "أوسكار"، والآن أنا أترقّب أعماله القادمة بشغف كبير. هذا الفيلم يفتح لنا بوابة نادرة نرى من خلالها "نظرة الأطفال للواقع"، والتي تختلف بالتأكيد عن منظور الكبار، ونواجه كل تلك المآسي والتساؤلات والمخاوف كما يواجهها "أوسكار" تماماً.
الفنان "توم هانكس" والفنانة "ساندرا بولوك" رائعان كعادتهما بدور الأب والأم برغم ظهورهما القصير، وكذلك الفنانة "فيولا ديفيس" لها إطلالة مميزة بدور "آبي بلاك"، والفنان السويدي المخضرم "ماكس فون سايدو" قدّم أحد أجمل أدواره في شخصية الرجل العجوز، فقد كان أداءاً مؤثراً ولقاء ذلك ترشّح لنيل جائزة أوسكار لأفضل ممثل مساعد، والمفاجأة الغير متوقعة هي ترشيح الفيلم لجائزة أفضل فيلم بعام 2011.
فيلم "صاخب جداً وقريب للغاية" هو أقرب للحبكة السعيدة من الحزينة. إنّه يلمس القلب من غير أن يُغضِب العقل. يقول "أوسكار" وهو حزين: "إذا انفجرت الشمس، لن تعرف ذلك لمدة 8 دقائق لأنّها المدة التي يستغرقها الضوء للوصول إلينا، وطوال هذه المدة سيبقى العالم مشرقاً ودافئاً.. ومضت سنة منذ أن توفّي والدي وشعرت بدقائقي الثمانية معه وهي تمضي... ثانية... ثانية!!".
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق