الاثنين، 7 أكتوبر 2013

Amadeus 1984


Amadeus

الرجل. الموسيقى. السحر. الجنون. الجريمة. الغموض. التحفة السينمائية.


 

"لا أستطيع أن أكتب الشعر.. فأنا لست شاعراً، ولا أستطيع أن أقسّم عباراتي كتقسيم النور والظل.. أنا لست رسّاماً، ولا أستطيع حتّى أن أعطي انطباعاً حول أفكاري ومشاعري بالإشارات والتمثيل.. أنا لست راقِصاً، لكنّي أستطيع أن أرقص مع النغمات.. أنا موسيقيّ... أتمنى أن تعيشون إلى حين يكون هناك لا شيء يُمكن أن يُقال بَعْد في الموسيقى" [وولفغانع أماديوس موزارت].

فيلم "أماديوس" يعتبر من أخطر التجارب التي قام بها صانع أفلام في تاريخ هوليوود. إنّه فيلم قُدِّم بسخاء حول "موزارت" الفوضوي والبذيء، ومع ذلك نال حصّته من الدراما الراقية. إنّه بعيد كل البعد عن الأفلام التعليمية الكئيبة التي اعتدنا مشاهدتها حول حياة الموسيقيين العظماء، فقد دخل عليهم الفيلم بشكل مغاير تماماً، محمّلاً بعبء العبقرية. هذا هو "موزارت"، شاب مخبول من القرن الثامن عشر، ومع ذلك هو العبقري في الفيلم.

الفيلم ليس فقط ممتع، ولكنه واقعي ومُربِك، والواقع يتمثّل في شخصية "سالييري" الذي يروي القصة، وهو ليس موسيقاراً عظيماً، ولكنه جيّدٌ بما فيه الكفاية ليتعرّف على العظمة حين يستمع إليها، ولهذا السبب موسيقى "موزارت" تُحطّم قلبه، فهو يعرف مدى جودتها، ويرى كيف يقوم "موزارت" بتأليفها بكل سهولة، ويعرف تماماً أنّ موسيقاه تبدو شاحبة وتافهة مقارنة بها.

يفتتح المشهد الأول بالإيحاء إلى أنه ربّما قام "سالييري" بقتل "موزارت"، والفيلم يختبر كل السُبُل لإثبات صحّة هذا الاحتمال، وفي نهاية الفيلم نشعر بقرابة معيّنة من "سالييري" الضعيف والغيور، والقِلِّة مِنّا يستطيعون الشعور بذلك بعبقريتهم السينمائية، ولكن الكثير مِنّا بلا شك قد شعروا بلحظاتٍ سوداء من احتقار الذات في وجه أولئك الذين تخلو حياتهم من أي مجهود أو مسئولية والتي توضح أوجه القصور فينا.

الفنان المبدع "إف موراي أبراهام" لعب ببراعة دور "سالييري" الذي يجلس متحدّباً في مستشفى المجانين ويقوم بالإعتراف إلى كاهن. الفيلم يأخذنا إلى مقتطفات لذكرياته حول "وولفغانع أماديوس موزارت"، الفتى العبقري الذي ألّف أجمل الموسيقات حتى أصبح فنّاناً عظيماً.

من أهم القرارات الحكيمة في الفيلم هي إظهار شخصية "موزارت" ليس كـ "نصف إله" وليس "الرجل الخارق"، ولكن إظهاره كأبله وغير ناضج وشبيه بالأطفال، ولا ننسى ضحكته الغريبة. الفنان "توم هولس" قام بهذه المهمة، والذي بدا في بادئ الأمر أنّه غير مناسب للعب الدور، ولكنه أثبت أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، كشابٍ مهملٍ مليء بالبهجة والسرور تجاه ما لديه وغير مدرك لما يقوم به من تجريح لـ "سالييري" وللآخرين من حوله، ولكنه متألم فقط من إهانته لوالده المتديّن والمستبد.

تميّز الفيلم بالنص السينمائي المُحكم والأداء الرائع، ونشعر بروعة كل مشهدٍ من الفيلم، وكيف تم إخراجه بعناية فائقة، وقد اقتُبِسَ من مسرحية لـ "بيتر شافير"، وتعاون المخرج "ميلوش فورمان" مع نفس الكاتب المسرحي لتقديم النسخة السينمائية، وأضافا الحياة والضحك والفن للمادة المُقتبسة، وأظهرا الفيلم بشكل أكثر إنسانية من المسرحية. الفيلم يركّز على العلاقات في حياة "موزارت" مع والده، وزوجته، و"سالييري". والده صعب الإرضاء ولا يعجبه العجب، وذلك أثّر بشكل غير مباشر على نجاح "موزارت". الزوجة شخصيتها مرِحة وتحب زوجها وتقدّم له النصح وتساعده في عمله. "القيصر" معجب جداً بأعمال "موزارت" ويراه كالملاك، وأخيراً يأتي عازف بلاط القصر "سالييري" الذي يغرق في تعذيب نفسه، لكونه حاد الذكاء ويرى الأمور من منظور لا يراه الغير، وقمة أساه هي معرفته بعدم جودة موسيقاه، وأنّ موسيقى "موزارت" ليس لها مثيل.

الفيلم لم يستخدم أيّة موسيقى تصويرية مستحدثة، ولكن تم شحنه بروائع "موزارت". الموسيقى توفّر للفيلم القاعدة الأساسية، فقد كانت قوية ورائعة، وفوق كل ذلك واضحة بطريقة تبيّن مدى عظمة هذا الموسيقار الشاب، ونُدرك حقاً كيف تتحدث الموسيقى الكلاسيكية وتنقلنا لعالم آخر جميل خالٍ من الكلمات، وكما قال الكاتب الفرنسي الكبير "فيكتور هوغو": "الموسيقى الكلاسيكية تعبّر عمّا لا يمكن أنْ يُقال وما هو مستحيل أن يبقى صامتاً".

حاز الفيلم على 8 جوائز أوسكار بعام 1984 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تصميم مواقع وأفضل تصميم أزياء وأفضل مكياج وأفضل تحرير صوتي، والجدير بالذكر هو فوز الفنان "إف موراي أبراهام" بجائزة أفضل ممثل والتي نالها بجدارة فائقة عن الأداء الأسطوري للشخصية، وقد نافسه كذلك على الجائزة الفنان "توم هولس" الذي لعب دور "موزارت". ترشّح الفيلم أيضاً لجائزتَيْ أفضل تصوير وأفضل مونتاج.

"أماديوس" هو فيلم رائع بمعنى الكلمة، ينقلنا بين الكوميديا والتراجيديا، ونتعلّم من خلال شخصية "سالييري" معنى العظمة، وإدراك قلّة معرفتنا لها أساساً. سؤال الفيلم الجوهري على ما أعتقد هو: "هل يمكننا أن نكون ممتنّين لسعادة الآخرين؟" وهذا السؤال بالتأكيد هو اختبارٌ لنا.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق