الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

Django Unchained 2012


Django Unchained

ملحمة دموية لـ "كوينتين تارانتينو" حول الحياة والحرية والانتقام

 

 

من الذي سيتحرّر في فيلم "جانغو بلا قيود"؟ البطل، وزوجته، والجمهور، والتاريخ، والسينما. هذا هو الفيلم السابع للمبدع "كوينتين تارانتينو" كمخرج وكاتب، وقد أبهرنا حقاً. في فيلمه السابق "الأوغاد المغمورون" قام بسحق "أدولف هتلر" وألمانيا النازية من خلال نص سينمائي دموي مبتكر، وفي هذا الفيلم يسلّط الضوء على العبودية التي كانت منتشرة في الجنوب الأمريكي قبل 150 عاماً.
فيلم "جانغو بلا قيود" برغم جدّية موضوعه، إلّا أنه ممتع جداً ومسلٍّ طوال مدة عرضه التي تقارب ثلاث ساعات، والتي يتوجّب أن تكون كذلك. إنّه فيلم مليء بالمفاجآت، سواء من ناحية القصة أو الشخصيات، وكذلك من حيث تداخل اللحظات المؤلمة مع المبهجة. "تارانتينو" يجعلنا نتذوّق مَشاهِد فيلمه الرائع من خلال نصّه السينمائي المبهر، ولن يكتمل ذلك إلّا بممثلين مميّزين يجيدون التحدث بـ "اللغة التاراتنينوية".
تدور أحداث الفيلم في الجنوب الأمريكي قبل اندلاع الحرب الأهلية، ونلتقي بطبيب أسنان يدعى "كينغ شولتز"، وهو أيضاً صائد جوائز، ويقوم بشراء حرّية "جانغو"، وهو أحد العبيد المنتشرين في أمريكا. يبدأ "شولتز" بتدريبه حتى يجعله صائد جوائز ليعتمد عليه كنائبٍ له في العمل، وبشكل غير متوقع يصبحان ثنائياً منسجماً، ويذهبان في رحلة تعقّب المجرمين وقتلهم، وفي تلك الأثناء يأمل "جانغو" أن يجد زوجته التي تم بيعها لمالك مزرعة.
يقوم "تارانتينو" بكشف الجانب القبيح من التاريخ الأمريكي، إذ قام بفتح الجروح القديمة ووجدها ملتهبة ولا تتماثل للشفاء. العبودية في أمريكا يتم استعراضها في الفيلم بشكل يثير الاشمئزاز، وأفعال العديد من الشخصيات تصوّر ذلك بدقّة. لم يكتفِ "تارانتينو" بذلك، فقد سخر من الطريقة المتخلّفة التي يفكر بها البِيض في ذلك الوقت باعتبار أنفسهم مخلوقات مقدّسة فوق جموع العبيد.
يتلقّى "جانغو" دروساً خاصة من "شولتز" حول التعقيدات القانونية لأعمال القتل. العمل دمويٌ بالتأكيد، ولكن الطبيب يريد أن يغرس في "جانغو" الإدراك والمعرفة لأنّ هذا ما يحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة. المناقشات بينهما تؤكّد موهبة "تارانتينو" في صياغة النص الحواري المدهش.
المصوّر الموهوب "روبرت ريتشاردسون" أبهرنا بلقطاته المذهلة للجبال المغطاة بالثلوج ولحظات الغروب الدافئة، وشعرنا حالاً بسحر أفلام رعاة البقر الكلاسيكية. الاختيارات الموسيقية المتنوعة كانت موفّقة، فـ "تارانتينو" يعرف كيف يُدرِج أي أغنية من أي عصر للفيلم ويجعلها منسجمة مع الأحداث، وخصوصاً معزوفة العملاق "بيتهوفِن".
الفنان "جيمي فوكس" يحمل ألماً في عينيه طيلة أدائه المميّز لشخصية العبد "جانغو"، وكان الأمر رائعاً برؤية هذا الألم يتحوّل إلى غضب ومن ثم إلى انتقام لذيذ. العبد المجروح يصبح الرجل المسئول عن مصيره، وذلك خلال أحداث كثيرة مليئة بالمفاجآت.
الفنان الألماني "كريستوف وولتز" هو سر جمال الفيلم، وأستطيع القول أنّه أروع ما وُجِد في عالَم "تارانتينو"، فقد أدهشنا قبل أعوام بأدائه في فيلم "الأوغاد المغمورون"، وها هو الآن يعود بأداء لا يقل روعة عن سابقه في هذا الفيلم من خلال شخصية الطبيب "كينغ شولتز". الطريقة المهذّبة التي يتحدث بها وإيماءات وجهه ونظرات عينيه تقدّم شخصية سينمائية مميّزة بشكل لم أعهده من قبل في هوليوود. طوال الفيلم كان "شولتز" بارد الأعصاب أمام سلب حياة شخص، ولكن الظلم الذي يتعرّض له العبيد يدفعه إلى نقطة الانهيار، ومن حسن حظ الجميع أنّه يحافظ على برودة أعصابه إلى حين الانفجار في اللحظة الحاسمة.
الفنان "ليوناردو ديكابريو" أدّى دور مالك المزرعة "كالفِن كاندي"، وقد أبدع في تجسيد الشر، والفنان "سامويل جاكسون" أبدع هو الآخر في أداء دور خادمه المخلص "ستيفِن" الذي يصبح بمهارته الفائقة عدوَّ "جانغو" الأول. إنّ شخصية "ستيفِن" معقّدة ويعود ذلك للطريق الذي اختاره للبقاء حيّاً بتجاهله الأمور الفظيعة التي تحدث للعبيد في مزرعة سيّده الشرير. للأسف، هذه الشخصية تذكّرني بالعديد من الأفراد في مجتمعاتنا.
حاز الفيلم على جائزتَي أوسكار لأفضل ممثل مساعد "كريستوف وولتز" وأفضل نص سينمائي أصلي، وترشّح لنيل 3 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل تصوير وأفضل مؤثرات صوتية، وذلك بعام 2012.
"جانغو" لن يتحرّر أبداً لو لم يقابل الطبيب "شولتز"، وهذا الطبيب لن يكترث أبداً لـ "جانغو" لو لم يواجه مأساة شخصية، وتلك المأساة لن تحدث لو لم يكن التاريخ أسود، وهذا التاريخ لن يكون بهذا السواد لو كان المجتمع طيّباً. كثير من الأمور تتسبّب في حدوث أمور أخرى، والنتيجة قد تكون مُرضية أو غير مُرضية، ولكن لم يكن "تارانتينو" ليصنع فيلمه لولا كل تلك الأمور. هكذا هي الحياة، مليئة بالخير والشر، وفي النهاية لن يظل الشر قائماً، فلابد للخير أن ينتصر. "تارانتينو" تجرّأ وحلم حلماً جميلاً، ثم حوّله إلى فيلمٍ أجمل، وها أنتم الآن في شوقٍ لمشاهدته.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق