الأحد، 13 أكتوبر 2013

Finding Neverland 2004


Finding Neverland

تجربة مذهلة نخوضها في مخيّلتنا مع الكاتب "جيمس باري"

 

 

"العثور على نيفرلاند" هو فيلم يدور حول رجل لا يريد أن يكبر، ويكتب قصة ولد لا يريد هو الآخر أن يكبر، وهذا الولد هو "بيتر بان"، والرجل هو "جيمس باري" الذي كتب مسرحيته الشهيرة بعد أن وقع تحت تأثير امرأةٍ أرملة وأولادها الأربعة، و"جيمس" هذا كان متزوجاً في ذلك الوقت، وقد أهمل زوجته، وفضّل قضاء وقته في منزل الأرملة، وكان مهتماً بأولادها كثيراً، وأدّى الأمر إلى إثارة الشكوك بين الناس.

أداء الفنان "جوني ديب" كان رائعاً جداً، والفيلم لم يقدّم لنا "جيمس" كـ "صديقٍ للعائلة" وحسب، بل أظهر لنا مدى حبّه الصادق والعميق للأرملة وأولادها. تبدأ أحداث الفيلم في عام 1903 بمسرح في لندن حيث يتواجد "جيمس" ليرى كيف انقلبت مسرحيته الأخيرة إلى كارثة، وهو الآن في حاجة ماسّة إلى تقديم شيء جديد وسريع، لأنّ مدير المسرح يمرّ بضائقة مالية ويحتاج هو الآخر إلى عمل مسرحي قوي حتى تتملئ الكراسي في المسرح.

في حديقة "كينسينغتون" يلتقي "جيمس" بعائلة "ديفيس"، الأم "سيلفيا" التي تلعب دورها الرائعة "كيت وينسلت"، وأولادها "بيتر" و"جورج" و"جاك" و"مايكل". يشاهدهم وهم يمثّلون مسرحية صغيرة، ونرى الجوع الروحي يبدأ بالظهور من عينيه، فهم يمثّلون بكل براءة ونقاء، وأثناء مشاهدته لهم يشعر كما لو جاءته ضربة قوية على رأسه ليصبح غير قادر على التفكير في أي أمرٍ آخر.

يصبح "جيمس" صديقاً للعائلة، و"سيلفيا" أصبحت أرملة مؤخراً ولا تفكّر في علاقة رومانسية، وإن فكّرَت، لا شيء من تصرفات "جيمس" توحي أنه منجذب لها بهذه الطريقة. هو يراها مثالية جداً، وأيضاً هو مهووس بأولادها، ونراه يتحدّث عن مرحلة طفولته التعيسة، فحين توفي شقيقه الأكبر، قام والداه بمناداته باسم شقيقه، وبالتأكيد شعر أنه عاش طفولة شقيقِهِ، ولم يعش طفولته أبداً.

نشاهده وهو يلعب مع الأولاد، ويتصارع من الدب القطني، ويقودهم إلى ألعاب القراصنة ورعاة البقر والهنود الحُمر، ويرتدي أزياء غريبة ومضحكة.، ولذلك أحبَّوه الأولاد، و"سيلفيا" ممتنة جداً لاهتمامه بهم، خصوصاً بعد مرضها، فقد ظل يساعدها على رعايتهم، والمعضلة الوحيدة هي "بيتر"، الابن الثاني، الذي يلعب دوره النجم "فريدي هايمور" وقد أبهرنا بأدائه المذهل، وإذا "جيمس" لم يكبر أبداً، فـ "بيتر" ربما لم يكن طفلاً بالمرّة، فهو حكيم ويتعامل برسمية مطلقة، ومتأثر جداً بوفاة والده ويفتقد وجوده أكثر من بقيّة أشقائه، وبجرأة يقول لـ "جيمس": "أنت لست والدي!!".

امرأتان آخرتان تقفان في طريق "جيمس"، زوجته "ماري" التي بالكاد تراه في المنزل، وتزعجها علاقته بعائلة "ديفيس" على الرغم من أنها ليست غاضبة ومستاءة كما ينبغي، ويعود الأمر إلى أنها فقدت الأمل في أن ترجع علاقتهما كالسابق، ولا تتوقع منه معاملة أفضل، فهو يعيش في عالمه الخيالي الخاص. المرأة الأخرى هي "إيما دو موريير" والدة "سيلفيا" التي لم تتقبّل أبداً فكرة أن يقوم رجل في الأربعين باللعب مع أحفادها.

"جوني ديب" يُرينا في مشاهِدِهِ "جيمس" وهو في قبضةِ حماسةٍ مفعمة بقوة خفية، ودماغه يعمل في درجة عالية من الخصوصية، ويرى المسرحية في خياله قبل أن تُعرض، ويُحضِر مجموعة من الأطفال اليتامى في العرض الإفتتاحي، وتتعالى ضحكاتهم من شدة الإستمتاع والفرح. الكبار أيضاً يُدهَشون بروعة العرض.

بالنسبة لـ "جوني ديب"، فيلم "العثور على نيفرلاند" هو إثبات لموهبته الفذّة في التمثيل خصوصاً بعد ترشيحه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل بعام 2004، وقد ترشّح الفيلم أيضاً لجائزة أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تصميم مواقع وافضل تصميم أزياء وأفضل مونتاج، وفاز بجائزة واحدة فقط وهي لأفضل موسيقى تصويرية، واستلمها الموسيقار البولندي "جان إي بي كاكزمارك" الذي عزف على أوتارنا بشاعرية فائقة، وأدخلنا أبواب الفن بكل الأحاسيس، وأنا شخصياً أعتبر موسيقى الفيلم من أروع ما سمعت على الإطلاق، وشعرت أنّي حقّاً زرت "نيفرلاند".

فيلم "العثور على نيفرلاند" كان مفاجأة رائعة بالفعل في عالم السينما، والفضل يعود لكاتب النص الرائع "ديفيد ماغي" والمخرج "مارك فورستر" اللذين قدما إلينا تحفة فنية لا تقدّر بثمن، ولا ننسى الفنان المخضرم "داستن هوفمان" الذي لعب دور مدير المسرح، والفنانة البريطانية "جولي كريستي" الذي لعبت دور الجدة، فقد كان الطاقم بأكمله رائعاً من ممثلين وفنيين وغيرهم.
الفيلم يخلق لشخصية "جيمس باري" فرصة الحب من دون شروط، ومشاعره تجاه عائلة "ديفيس" هي مشاعر نزيهة ونقية بالرغم من كل ما يظهر، ويبقى شعوره تجاه زوجته سراً غامضاً، حتى هي لا تعرفه.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق