الاثنين، 28 أكتوبر 2013

Forrest Gump 1994


Forrest Gump

العالم لن يبدو كما هو ما إنْ نراه من خلال عينَيه


لم أقابل أحداً مثل "فورست غامب"، ولهذا السبب لم أشاهد فيلماً كهذا الفيلم. يصعب علي وصفه، ولكنّي سأحاول. إنه كوميدي، على ما أعتقد. أو ربما دراما أو حُلم.

النص السينمائي لـ "إيريك روث" يغلب عليه التعقيد في الأدب القصصي العصري وليس في صيغ الأفلام العصرية، ويذكّرني ذلك بنصّه السينمائي الرائع في فيلم "الحالة المحيّرة لبنجامين بوتن"، والذي يتشابه مع هذا النص الذي يجعلنا نشعر بأننا عشنا حياة كاملة مع الشخصية الرئيسية طوال مدة الفيلم.

البطل شخص لطيف جداً مع معدّل ذكاء منخفض (75)، والذي عاصر فترات مهمة من القرن الماضي ليصبح جزءاً من كل حدث مهم في التاريخ الأميركي. ولحد الآن، هذه ليست قصة تقليدية حول رجل متخلّف عقلياً. هذا الفيلم صغير جداً على "فورست غامب" ويعيق حريته. الفيلم عبارة عن نظرة تأمّل وتفكير بعصرنا، كالتي نراها من خلال عَيْنَيْ رجل يفتقر للسخرية ويأخذ الأمور كما هي عليه. انظروا إلى عينيه بتمعّن وستعرفون ذلك. الفنان الكبير "توم هانكس" قد يكون الممثل الوحيد الذي يستطيع أن يؤدّي مثل هذا الدور.

لا أستطيع أن أتخيّل ممثلاً آخر في دور "فورست" بعد أن رأيت "توم هانكس" يجعله مبجّلاً جداً وواثقاً من نفسه. الأداء مذهل ويحبس الأنفاس بالموازنة بين الفرح والحزن، في قصة غنية بالضحكات الكبيرة والحقائق الساكنة.

تقوم والدة "فورست" بمساعدة ابنها بجعله يستخدم الأقواس المثبّتة في الرجلين لتسهيل حركته، وهي الوحيدة التي لا تنتقد "فورست" على تصرفاته الغريبة، ولذلك لأنّها لا تريد أن تشعره بأنه مختلف عن غيره، ثم يتّضح أنّه قادر على القيام بأمور كثيرة، و حين تسقط الأقواس عن قدميه أخيراً، يبدأ بالركض بسرعة الريح، ولهذا السبب ينال منحة لتعليم كرة القدم، وتبتسم له الحياة أخيراً. "فورست" بطل كرة القدم يصبح الفائز بوسام الشرف في "فييتنام"، ومن ثمّ بطل كرة الطاولة، وقبطان سفينة، و"فورست" مالك الأسهم المليونير، وأيضاً "فورست" الرجل التي يركض عبر "أمريكا".

الأمر يبدو غريباً مع رجل بمعدّل ذكاء منخفض مثل "فورست" الذي عقله قد لا يستوعب كل هذه الأمور التي تحدث له. ليس تماماً!! إنه يفهم كل الأمور التي يحتاج إلى معرفتها، والبقيّة - كما يعرضها الفيلم - هي الفائض فقط. إنه أيضاً يفهم كل الأمور المهمة المتعلّقة بالحب، وعلى الرغم من أنّ "جيني" - الفتاة التي أحبّها في المدرسة الإبتدائية والتي لم تبادله الشعور - تقول له: "فورست.. أنت لا تعرف ما هو الحب!!".

الفيلم بارع جداً بأخذ "فورست" في رحلته الطويلة عبر التاريخ الأمريكي الحديث، والمخرج "روبرت زيميكيس" خبير بالسحر الذي يمكن أن يحدث بقليلٍ من المؤثرات البصرية، لكونه من روّاد هذا المجال، فقد قدّم للجمهور سلسلة أفلام "العودة إلى المستقبل" الرائعة، وأذهلنا بالمؤثرات البصرية والصوتية المتقنة جداً، ومؤخراً أتحفنا بفيلميه الكارتونيين "القطار القطبي السريع" و"أنشودة عيد الميلاد" بتقنية إنتاجية عالية لدرجة أننا لا نشعر بأنّ هذه الشخصيات كارتونية بل حقيقية. هنا يستخدم تقنية متقدّمة بإدراج "فورست" في مقتطفات تاريخية مع شخصيات حقيقية.

"فورست" يقف بجانب "جورج والاس"، ويزور البيت الأبيض ثلاث مرّات، ونجده أيضاً في برنامج الحوار الشهير مع "جون لينون"، وذلك في لقطات تجعلنا نريد فرك عيوننا من شدّة واقعيتها. المؤثرات البصرية تلعب دوراً مهماً في شخصية الملازم "دان" الذي يفقد رجليه.

هذا الفيلم الرائع حصل على 6 جوائز أوسكار بعام 1994 لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل مونتاج وأفضل مؤثرات بصرية، وكذلك جائزة أفضل ممثل التي كانت من نصيب المبدع "توم هانكس" عن دوره الأسطوري، وللعلم أنّه قد حصل على الجائزة نفسها في العام السابق 1993 عن فيلم "فيلاديلفيا".

ترشّح الفيلم أيضاً لنيل 7 جوائز أخرى لأفضل تصميم مواقع وأفضل تصوير وافضل موسيقى تصويرية وأفضل مكياج وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية وأيضاً جائزة أفضل ممثل مساعد لـ "غاري سينيس" عن أدائه الرائع لشخصية الملازم "دان". كادر الممثلين رائع جداً وكان لهم الفضل في إظهار الفيلم بهذه الروعة، كالفنانة المخضرمة "سالي فيلد" التي لعبت دور والدة "فورست" والفنانة "روبن رايت" التي أبدعت في أداء شخصية "جيني".

مثلما حياة "فورست" تصبح عبارة عن رحلة عبر أمريكا، كذلك "جيني" تذهب في رحلة موازية لها ولكن مختلفة، فهي لا تملك هدفاً في حياتها ولا تستطيع أن تستقر. إنّها مدمنة على المنشّطات، ومناهضة للحروب ومحبّة للسلام. في النهاية يتّضح أنّ "فورست" و"جيني" برغم كل الأمور استطاعا تغطية كل معالم التاريخ الحديث، والمكان الذي يصلان إليه في النهاية يبدو كحلم جميل بتسوية الخلافات في مجتمعنا المعاصر. كم هو فيلمٌ رائع ومؤثّر.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق