الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

Inglourious Basterds 2009


Inglourious Basterds

الرؤية الفنّية الدموية الوهمية للحرب العالمية الثانية بعَيْنَي المبدع "كوينتين تارانتينو"

 
 
فيلم "الأوغاد المغمورون" للمخرج الكبير "كوينتين تارانتينو" هو فيلم حربي ضخم وجريء ومتهوّر، قد يُزعج البعض أو يدهشهم، ولكنّه يثبت موهبة المخرج الفذّة في المتعة الوهمية. إنّه يزوّد الحرب العالمية الثانية بنهاية بديلة كانت بأمَسِّ الحاجة لها.
يفتتح الفيلم بمقدّمة موسيقية رائعة للموسيقار الإيطالي "إينيو موركوني"، ويسدل الستار عن شغف المخرج وولعه بالأفلام والسينما. هناك ثلاث شخصيات بارزة رُسِمَت على نحو واسع: "البطل" و"النازي" و"الفتاة"، ومن خلالهم نرى براعة "تارانتينو" في رسم الشخصيات بتهكّم شديد يفوق الواقع.
تبدأ القصة  في "فرنسا" المحتلّة من قِبَل النازيين في بدايات الحرب العالمية الثانية حين يصل الكولونيل النازي "هانش لاندا" إلى مزرعة ألبان معزولة ويعتقد أنّ الفلّاح يُخفي عدداً من اليهود. الفنان الألماني "كريستوف وولتز" وفي ذلك المشهد الافتتاحي يكشف عن شخصيته الغريبة بإبداع شديد، ويبتكر شخصية مختلفة عن أيّ نازي، وفي الواقع عن أي شخص قد نراه في فيلم سينمائي. إنّه شرير وتهكّمي وساخر ومتصنّع وسخيف.
البطل هو الملازم "ألدو رين" وهو قائد الأوغاد، ويؤدّي دوره الفنان "براد بيت" بأسلوب كاريكاتيري ساخر وبلكنة شُبّان جنوب أمريكا. إنّه يريد من كل رجلٍ أن يحضر له مائة فروة لرؤوس النازيين. أفراد جماعته يقاومون بقوة لسنوات وينجون بأعجوبة في فرنسا والمجازر النازية، وفي أي لحظة بإمكانهم الظهور بملابس رسمية في المناسبات، والتنكّر الإيطالي خير مثال.
الفتاة هي "شوسانا"، وتلعب دورها الفنانة الفرنسية "ميلاني لورن" التي تُظهر الشخصية بشكل فاتن وغامض. هل تذكرون سبب زيارة الكولونيل النازي للمزرعة الفرنسية في بداية الفيلم؟؟ في الواقع، يحدث أمرٌ رهيب حينها ومن شأنه توليد شرارات انتقام الوجه العملاق في نهاية الفيلم!!
تنخرط "شوسانا" اليهودية في علاقة ماكرة مع "فريدريك زولير" وهو بطلُ حربٍ نازي والآن نجمٌ سينمائي. يقوم بإقناع وزير الإعلام النازي "جوزيف غوبيلز" بتقديم العرض الأول لفيلمه الحربي الجديد في دار السينما التي تملكها "شوسانا". هذا ما يولّد حبكة فرعية يستغلّها "تارانتينو" بكسر قواعد عدّة من أجل تقديم لقطات وثائقية حول بكرات الأفلام السينمائية القابلة للاشتعال. النجمة الألمانية "ديان كروغر" ظهرت بشكلٍ مميّز في شخصية الممثلة "بريدجيت فون هامرسمارك"، وكان أداؤها مذهلاً جداً. النجوم "دانييل برول" و"إيلي روث" و"مايكل فاسبيندر" أبدعوا في أداء شخصياتهم أيضاً.
لا نستطيع أن نصنّف هذا الفيلم في فئة معيّنة. إنّه ممتع للغاية بمشاهد العنف الدموي، وآسرٍ بأداء الممثلين، وعظيم برؤية المخرج. لقد قسّم الفيلم إلى فصول مختلفة، وبذلك نشعر أننا نشاهد مجموعة من القصص المترابطة والمشوّقة من غير السرد المسهب والممل. رغم أنّ مدة الفيلم تتجاوز الساعتين والنصف، إلّا أنّ الأحداث في تصاعد مستمر ولا يستطيع المشاهدون سوى الاندماج والتركيز والاستمتاع بهذه التحفة الفنيّة الدموية.
خلال مسيرته السينمائية، أخرج "تارانتينو" عدداً بسيطاً من الأفلام، وأكثرها شهرة هو فيلم "الخيال المصوّر"، وكذلك الفيلم الرائع "اقتُل بيل" بجزئيه الذي لا يقل دمويةً وروعةً عن هذا الفيلم، ومؤخرا أتحفنا بفيلمه المدهش "جانغو بلا قيود". فاز النجم "كريستوف وولتز" بجائزة أوسكار لأفضل ممثل مساعد بجدارة عن دور الكولونيل النازي، والعديد من الجوائز الأخرى المهمة كجائزة مهرجان "كان". ترشّح الفيلم لنيل 7 جوائز أخرى لأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية وأفضل مونتاج وأفضل تصوير وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل إخراج وأفضل فيلم بعام 2009.
بمشاهدتي لفيلم "الأوغاد المغمورون" تذكّرت الفيلم الهولندي الرائع "الكتاب الأسود" وكذلك فيلم "فالكيري"، اللذين كلاهما يحتويان على مواضيع وأفكار مشابهة جداً. إنّ ما نراه ليس "قائمة شيندلر"، وليس فيلماً حول الشهامة والتضحية، بل هو حول الجانب الدموي والقذر للحرب. الفيلم مغمور في الكوميديا السوداء، وهناك العديد من اللقطات المرِحة، وبعد إدراجها هنا في وسط بعض الحبكات الكئيبة يُصبِح الفيلم متوازناً للغاية.
يدور حوار شيّق في مزعة الألبان بين الكولونيل النازي والفلّاح الفرنسي. يقول الكولونيل: "الآن، إن أردنا تحديد الخصلة المشتركة بين الألمان والحيوانات، ستكون موهبة المكر والافتراس التي لدى الصقر، ولكن لو أردنا تحديد الخصلة المشتركة بين اليهود والحيوانات، فستكون التصرّف كالفئران. إنني لا أعتبر التشبيه تحقيراً، مع الأخذ بالاعتبار أنّ هذا العالم تعيش فيه الفئران وهو عالم عدائي بكل تأكيد!! إنْ دخل فأرٌ إلى هنا الآن بينما أتحدث، هل كنت لتحيّيه بكوبٍ من حليبك اللذيذ؟!" يرد الفلّاح: "على الأرجح لا"، ثم يقول الكولونيل: "توقعت ذلك. إذاً أنت لا تحبّهم، ولا تعرف حقّاً لماذا لا تحبّهم. كل ما تعرفه أنّهم بغيضون، وهذا شعور الجنود تجاه اليهود". هذا المشهد الافتتاحي بحد ذاته يعتبر تحفة سينمائية رائعة بالحوار الفلسفي المذهل للغاية. لا تفوّتوا فرصة مشاهدة هذا الكابوس الدموي الممتع والمغلّف بـ "انتقام الوجه العملاق".
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق