الخميس، 24 أكتوبر 2013

Doubt 2008


Doubt

كومة من الشُكوك القاتلة في عالم اليقين

 


قد تبدو المدرسة الكاثوليكية مثل السجن المغلق بإحكام في عام 1964، وهذا هو الحال في مدرسة "سينت نيكولاس" التي تحكمها مديرة صارمة جداً وهي الراهبة "ألويسيوس" التي تضع التلاميذ وبقية الراهبات تحت إصبعها وتحرّكهم كما تريد، وأيضاً تدخل في حرب غير معلنة مع كاهن الأبرشية الجديد، وذلك بسبب مواضيع دينية، ولكونه متحضّراً تراه غير مناسب لأن يكون كاهناً للأبرشية.

الراهبة "أليوسيوس" تكره كل المداخل التي قد تقود إلى العالم المعاصر، لدرجة أنّها تمنع الطلاب من استخدام أقلام الحبر لأنها من الأمور الجديدة في المجتمع، وعليهم استخدام أقلام الرصاص فقط!! ومَن تقف مكتوفة الأيدي تحت أوامرها هي الراهبة الشابة اللطيفة "جيمس" التي تبدو خبرتها في الحياة محدودة جداً لما تراه من نافذة العهد الكاثوليكي، وخلال الفصل الدراسي تبدأ مشكلة وتكبر بشكل تدريجي.

هناك طالب أفريقي-أمريكي أسود البشرة يدعى "دونالد ميلر"، والكاهن "فلين" دائماً ما يشجعه على ممارسة الرياضة، ويعطيه آمالا بأنه سوف يعيّنه "فتى المذبح" الذي يقوم بحراسة الصليب الموجود في الكنيسة، وكانت علاقتهما لائقة جداً كالأب وابنه، ولكن الراهبة "جيمس" تلاحظ أنّ الكاهن قد استدعى "دونالد" إلى بيت القسّيس لوحده، وهي تقتنع بأن هذا التصّرف لم يكن مناسباً، وتذهب حالاً لإخبار "أليوسيوس" بالأمر، فتشتعل نيران الغضب في عينيها، ويصبح مصير "فلين" مختوماً بالعار، على الأقل هذا رأي "أليوسيوس".

لكن الفيلم لم يقصد أن يصوّر دراما واقعية حول إغواء جنسي أو ما شابه ذلك، ومخرج الفيلم "جون باتريك شينلي" اقتبس القصة من مسرحيته التي تحمل نفس الإسم والتي حازت على جائزة "بوليتزر" وجائزة "توني" لأفضل عمل مسرحي.

فيلم "الشك" يدور حول كلمة "الشك" في عالم اليقين، وبالنسبة لـ "أليوسيوس" فإنها متيقّنة أنّ "فلين" مذنبٌ بلا شك، مع ذلك يبدو لنا أنّ "فلين" بريءٌ تماماً من التُهم المنسوبة إليه، وهذا أيضاً ما تختار أن تصدّقه الراهبة "جيمس" بعد فوات الأوان، وأنها قد تسرّعت في شكوكها الخاطئة، ويعلم "فلين" أنّ هذا الأمر سيدمّر عمله ومستقبله. حين تشاهدون المواجهات الثلاث التي تتم بين "فلين" و"أليوسيوس" ستتكشّف الأمور بشكل دقيق ومتوتر.

العالم الحقيقي يدخل إلى هذا العالم المسقوف بالقسوة والجبروت، بحضور والدة الطالب "دونالد" التي تخشى أن يُطرد ابنها من المدرسة، فقد تم اتّهامه هو الآخر باحتساء شراب المذبح، والأسوأ من ذلك هو اتّهام الكاهن "فلين" بتقديمه له، وتقابل السيدة "ميلر" مديرة المدرسة "أليوسيوس" في مشهد رائع جداً يدوم 10 دقائق، وهو أكثر المشاهد تحريكاً للعواطف والمشاعر في الفيلم.

"الشك" هو عنوان الخطبة التي يفتتحها "فلين" وهو في الكنيسة، وذلك في بداية الفيلم، ويتحدث عن أضرار الشكوك والتحدّث في أعراض الناس ويمثّل ذلك بأن يقوم أحدهم بتمزيق وسادة ريشية ويترك الريش يتطاير في الهواء، وبعد ذلك تصعب لملمته من جديد. هذا وصف دقيق للأشخاص الذين يتكلمون في أعراض غيرهم.

في فترة ما بعد اغتيال الرئيس الأميركي "جون كينيدي" وحرب "فييتنام" أصبح المجتمع في حالة شكوك دائمة. ما الذي يمكن أن تتيقّنون صحّته؟ ما هي الظروف المحيطة؟ ما هي الدوافع؟ ما هو أساس الخلاف بين "فلين" و"أليسيوس"؟؟ أهو خلاف بين القديم والجديد أو خلاف بين حالة وتغييرها أو بين العصمة وعدم اليقين؟؟

المخرج يترك المشاهدين في حالة من الشكوك، وأنا أعرف أنّ المشاهدين واثقون ومتيقّنون من النهاية التي سيرسمونها من الفيلم، ومع ذلك جميعهم سيختلفون وستتعارض آراؤهم. فيلم "الشك" رائع بكل المقاييس، والنص السينمائي كان دقيقاً وعديم الرحمة، والأحداث متسلسلة بشكل مذهل، وطاقم الممثلين قدّموا أروع الأدوار.

الفنانة المخضرمة "ميريل ستريب" لعبت دور مديرة المدرسة "أليوسيوس" بكل إبداع وإتقان، مما أدّى ذلك إلى ترشيحها السابع عشر لجائرة الأوسكار كأفضل ممثلة، ولا ننسى المبدع "فيليب سيمور هوفمان" الذي أدّى دور الكاهن "فلين" والموهوبة "إيمي أدامز" التي لعبت دور الراهبة "جيمس"، وقد قدّمت دوراً مغايرا جدا عن أدوارها السابقة، وأخيراً الفنانة "فيولا ديفيس" التي قامت بدور والدة "دونالد"، ورغم أنّ ظهورها لم يتجاوز 15 دقيقة إلاّ أنها استطاعت أن تلفت انتباه المشاهدين وتشدّهم إليها بروعة أدائها، وهذا الفيلم تمّكن من الحصول على 4 ترشيحات عن فئة التمثيل، فبالإضافة إلى ترشيح "ميريل ستريب" فقد ترشح الثلاثة الآخرون، وترشّح أيضاً لجائزة أفضل نص سينمائي مقتبس، وذلك بعام 2008.
هذا الفيلم يدخلنا في دوّامة التفكير من المشهد الأول، ولا نستطيع التوقّف حتى النهاية. فكّروا بندرة هذا الأمر في فيلم سينمائي حديث!!
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق