الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

The Impossible 2012


The Impossible

قصة حقيقية حول الروح الإنسانية التي تنبثق من جديد حين ينهار كل شيء


 

فيلم "المستحيل" هو فيلمُ كوارثٍ مذهل، ويدور حول واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ. في 26 ديسمبر 2004 دمّر إعصار "تسونامي" القرى والمنتجعات السياحية على طول الساحل الغربي بـ "تايلند"، والفيلم يرصد لنا الكارثة بشكل مدهش، ويدعونا للتأمُّل في الحياة من خلال القدر والأمل والشجاعة والبقاء، لنكتشف في النهاية أنّ الحياة هي عبارة عن لحظات عابرة، ولن ندرك كم هي ثمينة إلّا في الأوقات العصيبة.
تدور أحداث الفيلم حول عائلة أجنبية مكوّنة من رجل وزوجته وأولادهما الثلاثة، والذين يذهبون إلى "تايلند" لقضاء عطلتهم المثالية وهم غير مدركين للكابوس الرهيب الذي ينتظرهم. الفيلم لن يصمد من غير الرباط العائلي القوي وإرادة البقاء والتمسّك بالأمل. نلتقي بالزوج "هنري" الذي يعمل في إحدى الشركات، وزوجته "ماريا" التي تعمل طبيبة، وأولادهما الثلاثة "لوكاس" و"توماس" و"سايمون"، ونرى السعادة على وجوههم وهم يقضون عطلة جميلة في فندق فاخر يطل على الساحل. تلك السعادة ماهي إلّا صورة للجمال الزائل وتأكيد على هشاشة الخط الفاصل بين الحياة والموت.
مشهد الإعصار يبدو واقعياً جداً ومروّعاً ويشعرنا أنّه سيخترق الشاشة، والفضل يعود للمخرج الأسباني المبدع "خوان أنتونيو بايونا" الذي نقل لنا ذلك بتصوير سينمائي متقن ومؤثرات صوتية مدهشة، حتى أغرقنا في رعب عالَمٍ جُنَّ جنونه. "بايونا" ليس ساديّاً، ولكنه لا يُخفي قسوة الطبيعة.
"ماريا" وابنها الأكبر "لوكاس" ينجرفان مع الإعصار ولا يعرفان أين البقيّة، مع اعتبار أنّه يمكن أن يكونوا قد لاقوا حتفهم. "ماريا" المذهولة من الصدمة تستخدم ما تبقّى من قوّتها في إرشاد "لوكاس" لينقذ طفلاً صغيراً فُصِل عن والديه، وخبرتها الطبّية تكشف لها مدى خطورة الإصابات المنتشرة في جسمها، وبالتأكيد لن تخبر ابنها بكل ما تعرف. حافظ "بايونا" على عنصر التشويق في الأحداث، وبذلك جعلنا منتبهين طوال الوقت وفي ترقّب لما سيحدث بأعصاب مشدودة.
يقدّم الفيلم فترة استراحة لقصة "ماريا ولوكاس"، ويأخذنا إلى "هنري" والولدين الصغيرين "توماس" و"سايمون"، والوضع الرهيب يذكّرنا بهوْل وفداحة الحروب، وذلك برؤية "هنري" وهو يعرج بقدميه الحافيتين باحثاً عن بقيّة أفراد عائلته في أنحاء الجزيرة. الفنان "إيوان ماكغريغور" قدّم أداءاً رائعاً ومؤثّراً بشخصية "هنري"، التي تمرّ بعدّة تحوّلات وفق الأحداث المريرة التي تندفع على القصة. جسّد "ماكغريغور" الشجاعة والحنان والخوف والضعف واليأس، وأبدع في ذلك.
الفنانة الرائعة "نيومي واتس" قدّمت أجمل أداء في مسيرتها السينمائية من خلال شخصية "ماريا"، وبرغم قلّة ظهورها على الشاشة، إلّا أنّها ظلت مسيطرة على الفيلم وشعرنا بوجودها طوال الوقت. إنها البطلة الرئيسية ولقاء تقمّصها المذهل للشخصية فقد ترشّحت لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وذلك بعام 2012. النجوم الواعدون "توم هولاند" و"سامويل جوسلين" و"أوكلي بيندرغاست" أبهرونا بأدائهم الرائع لأدوار الأولاد "لوكاس" و"توماس" و"سايمون"، وأتوقع لهم مستقبلاً سينمائياً مشرقاً إنْ استمروا في التمثيل بهذا الإبداع.
معظم أفلام الكوارث الشهيرة تعامل شخصياتها كضحايا يُمكن الاستغناء عنهم بقدر الإمكان لإيصال فكرة أنّ الكارثة رهيبة والبقاء للأقوى فقط، وفي الحالات الهوليوودية المعتادة، البقاء للنجم والنجمة الأبرز من أجل النجاح التجاري. في هذا الفيلم هم "أفراد" يُمَثّلون بكرامة وإنسانية.
نرى "لوكاس" وهو يصارع أفكار رهيبة لم تطرأ في عقله قط، في حين والدته "ماريا" المعرضّة للموت تكلّفه بمساعدة الآخرين بقدر ما يستطيع. "هنري" وزوجته "ماريا" يواجهان المأساة بكل شجاعة، ولن يصمدا من غير عطف الغرباء الذين صادفوهما في أكثر اللحظات حرجاً على الإطلاق. إنها الروح الإنسانية التي تنبثق من جديد حين ينهار كل شيء. لا نشاهد أفلاماً كثيرة تُشعرنا بمدى أهميّة الحياة وكيف نتمسّك بها مهما وصلنا إلى أشد حالات اليأس. هذا فقط ما يجعل "المستحيل" ممكناً حقّاً.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق