الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

The Shawshank Redemption 1994


The Shawshank Redemption

دراما رائعة ومؤثّرة تدور أحداثها وراء القضبان

 


كم هو أمرٌ غريب أنْ أدلي بتعليقٍ كهذا حول فيلمٍ تدور أحداثه داخل السجن. فيلم "الخلاص من شاوشانك" يغمر مشاعرنا بلمسته الدافئة ويجعلنا نعيش في جوٍّ مختلفٍ لم نختبره من قبل. كثيرٌ من الأفلام تقدّم لنا تجارب غير مباشرة وعواطف عابرة وسطحية، لكن هذا الفيلم يتأنّى في ذلك وينظر للأمور بتمعّن ويعتمد على هدوء ورزانة الراوي. صوتٌ يقظ يدرجنا في قصة رجالٍ قاموا بتشكيل مجتمع وراء القضبان. إنّه أعمق وأغنى من أي فيلم حول استمرارية الحياة بالصداقة والأمل.

على الرغم من أنّ بطل الفيلم هو مصرفي سابق مُدان ويُدعى "أندي دوفرسن"، إلّا أن الأحداث لا تُرى من منظوره الخاص أبداً. المشهد الافتتاحي في الفيلم يرصد لنا لحظة الحُكم عليه بالسجن المؤبّد لاقترافه جريمة قتل زوجته وعشيقها، ثم ننتقل وبشكل دائم إلى وجهة نظر تمثّل جميع نزلاء السجن، وخصوصاً السجين "ريد" المحكوم عليه بالسجن المؤبّد. إنّه صوته وهو يتذكّر أول مرّة رأى فيها "أندي"، حيث يقول: "يبدو أنّ أيّة نسمة هواء في هذا المكان كفيلة بتدميره"، ويتوقّع بشكل خاطئ أنّه لن يستطيع الصمود في السجن.

من لحظة وصول "أندي" إلى السجن ولغاية نهاية الفيلم، نرى فقط كيف يراه الآخرون: "ريد" الذي يصبح صديقه المقرّب، و"بروكس" أمين المكتبة، و"نورتون" آمر السجن الفاسد، وأيضاً الحُرّاس والسجناء. "ريد" هو المحرّك الرئيسي ومن يشعرنا بهويّة القصّة. نتعلّم من "أندي" أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن لا نفقد الأمل وأن نقدّر الوقت، وأن نبحث عن الفرصة المناسبة لتحقيق الهدف.

هيكل الفيلم هو ليس حول بطلهِ، بل حول علاقتنا معه، بفضولنا وبشفقتنا وبإعجابنا. إنْ كان "أندي" هو مركز البطولة ويصمد في وجه الصعاب بشجاعة، لكان هذا الفيلم تقليدياً جداً وأقل تشويقاً. لكننا نتساءل حول هذا الرجل، فهل قام حقّاً باقتراف جريمة قتل شخصين؟؟ لماذا نشعر بأنّه يخفي الكثير من الأسرار؟؟ كيف يستطيع التجوال في باحة السجن مثل رجلٍ حر في نزهة، في حين نجد الآخرين لا تخترق عقولُهم قضبانَ السجون؟؟

المشاهدون يحبّون الإثارة في الأفلام، ويبدأون بالعنوان. الأفلام التي تدور حول "الخلاص" لا يُقترب منها إلّا بحذرٍ شديد، والكثير منهم لا ينجذبون للأفق الواسع والرؤية الفنية للفيلم العظيم، ويشعرون كما لو أنّهم يعملون أو يؤدّون وظيفة غير محبّبة ولا يستمتعون بالمشاهدة. لكن هناك توق لرسائل الأمل، وحين يقدّم الفيلم واحدة من هذه الرسائل تظّل قوتّها تجبر المشاهدين على الجلوس حتى وإن لم "تقبض" على الجمهور فوراً.

عندما عُرض الفيلم لأول مرّة بعام 1994، حاز على إعجاب النقّاد ولكنه لم يحقق نجاحاً جماهيرياً. الأرباح لم تغطّي تكاليف الإنتاج ولم يُنصَف الفيلم، فعنوانه سيئ ويندرج ضمن "دراما السجون"، والنساء لا ينجذبن لذلك. إنّه لا يحتوي على مشاهد حركة كثيرة، ونجوم الفيلم كانوا يحظون باحترامٍ كبير إلّا أنّهم ليسوا مشهورين حينها، كما أنّ مدّة عرضه تتجاوز الساعتين والربع. من الواضح جداً أن الفيلم احتاج إعلاناً قوياً لكي يجد جمهوراً، وبالطبع لم تكن النتائج مُرضية، ولكنها تحسّنت بعد أن انتُزِعَ من صالات السينما.

بشكل غير متوقع، وجد الفيلم طريقه الصحيح وجمهوره الحقيقي عبر الأشرطة والأقراص المدمجة والعروض التلفزيونية، وخلال خمس سنوات أصبح الفيلم "ظاهرة" وتهافتَ الناس على شراء نسخ منه إلى أن وصل الفيلم لأعلى رتبة عند الجماهير، وتصدّر المرتبة الأولى لأعظم فيلم في تاريخ السينما ولا يزال في الصدارة إلى اليوم، وذلك حسب الموقع الإلكتروني الشهير imdb.

عائدات البيع والتأجير تعكس شعبية الفيلم، ولكنّها لا تفسّر سبب إعجاب الجماهير المفاجئ، ربما لأنّه يبدو كتجربة روحية أكثر من كونه فيلماً سينمائياً. نرى العديد من اللحظات المرحة، ولكن معظم الأحداث تنطوي على الهدوء والوحدة والنقاشات الفلسفية حول الحياة. الفيلم يرفض التعليق على معاناة "أندي" بعد الضرب، ونراه بلباقة في لقطة بعيدة كما لو أن الكاميرا لا تريد التركيز على جروحه وكدماته، وكبقيّة السجناء تعطيه حيّزه الخاص الذي لا يتخطّاه أحد.

شخصية "ريد" هي الناقل الروحي للفيلم، ونراه في ثلاث جلسات للإفراج المشروط بعد 20 و30 و40 عاماً. الجلسة الأولى تنطوي فيها حيلة قصصية، فالفيلم يبدأ بمحاكمة "أندي"، ثم نلتقي بأفراد مجلس الإفراج المشروط ونتوقع حالاً أن نستمع لاستئناف "أندي". لكن من نراه هو "ريد" لأول مرّة، وفي الجلسة الأولى يحاول أن يقنع المجلس بأنّه أصلح من نفسه، أما في الجلسة الثانية فيحاول مرة أخرى، وفي الجلسة الثالثة يستنكر المفهوم العام لإعادة التأهيل، وبشكلٍ ما تتحرر روحُه.

قام الفنان "فرانك دارابونت" بإخراج وكتابة نص الفيلم، وقد اقتُبس من قصة قصيرة للكاتب الشهير "ستيفن كينغ". إنّ فيلمه يمنح نفسه "وقت فراغٍ" إلى حدّ أن أغلب الأفلام تخشى المجازفة بذلك. الفيلم موزون ومتهمّل وعميق التفكير بقدر سرد الراوي "ريد"، وقد أدّى دوره الفنان "مورغان فريمان" الذي أصبح اليوم من عمالقة النجوم. تقمّصه الرائع للشخصية وصوته الهادئ أمران ليس لهما مثيل.

الفنّان "تيم روبينز" يجعل من "أندي" رجلاً هادئاً لا يتحدث كثيراً، ويبدع في ذلك. إنّ "أندي" يقضي معظم وقته وهو ينظر للأسفل حتى جاء ذلك اليوم الذي يقوم فيه بفعل شيء مميّز، حيث يبدأ بتشغيل معزوفة "زواج فيغارو" للموسيقار العملاق "موزارت"، ولأنّه لم يقدّم نفسه أو لم يثر الإعجاب بنفسه، يصبح أكثر جاذبية. غالباً ما يكون من الأفضل أن نتساءل حول ما يفكّر به الشخص على أن نعرفه.

المصوّر السينمائي "روجر ديكينز" أبدع في التحكّم بعدسته التي لا تريد الاستعراض بقدر نقلنا للأحداث بأفضل صورة. الموسيقى الرائعة لـ "توماس نيومان" تغمرنا بعذوبتها ورقّتها. الفنّان "مورغان فريمان" نال عن دوره المميّز ترشيحاً لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، وترشّح الفيلم أيضاً لنيل 6 جوائز أخرى لأفضل تحرير صوتي وأفضل مونتاج و أفضل تصوير وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل فيلم.

المخرج "دارابونت" يبني الفيلم ليراقب القصّة، وليس ليلكمها أو يزيحها أو يمدّدها. الممثلون مقتنعون في البقاء ضمن نطاق أدوارهم، والقصة تسير بانتظام شديد. يقول "ريد": "حين تسحقنا هذه القضبان، عندئذٍ نعرف أنّ كل ذلك حقيقي. الحياة القديمة تسير في غمضة عين، ولا يبقى شيء سوى كل الوقت في العالم للتفكير بهذا الأمر". بمشاهدتي للفيلم مرّة أخرى، أحببته أكثر من المرّة الأولى. تأثير الأفلام الرائعة ينمو في كثيرٍ من الأحيان مع الأُلفة، كما هو الحال مع الموسيقى الكلاسيكية.

بعض الأشخاص يقولون: "الحياة سجن. نحن ريد. وأندي هو محرّرنا"، وأنا أقول أنّه بقدر رغبة السجناء في الخلاص من سجن شاوشانك، أنا لا أريد الخلاص من هذا الفيلم الرائع. في مفارقة مذهلة يقول "ريد" لـ "أندي": "الأمل شيءٌ خطير. الأمل يقود الرجل إلى الجنون"، ولاحقاً "أندي" يقول له: "تذكّر يا ريد أنّ الأمل هو شيءٌ عظيم، وقد يكون أعظم الأشياء، والأشياء العظيمة لا تموت أبداً".


 

هناك تعليق واحد:

  1. أحب هذا الفيلم كثيرا ! شكرا على الريفيو، هنا أيضا كعادتك كتبتها بطريقة رااااائعة.

    ردحذف