الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

Cinderella Man 2005


Cinderella Man

انعكاس صورة اليأس في مرآة الواقع المرير

 

هناك لحظةٌ معينة في بداية فيلم "رجل السندريلا" حين نرى الفنان "راسل كرو" في حلبة الملاكمة وهو مليء بالثقة، وظننت أنّي عرفت المسار الذي ستتخذة القصة، ولكنّي كنت مخطئاً. في الحقيقة أنا لم أكن أعرف من هو "جيم برادوك" أبداً، ولكنّي كنت سعيداً بمشاهدتي للفيلم وأنا في قمة الجهل، وذلك لأنبَهِر بأداء "راسل كرو" المميز.
أنا أرى "راسل كرو" رجلاً صارماً، وهو معروف بمشاجراته الموسمية. نعم، إنه يلعب أدواراً غامضة ومعقّدة، كدوره في فيلم "المطّلِع" و"عقل جميل"، أو قد يلعب دور رجل حكيم، كدوره بفيلم "السيّد والقائد"، ولكنه لم يلعب أو أي أحد غيره منذ وقتٍ طويل دوراً بغاية اللطف مثل دور "جيم برادوك".
يقوم "جيم" بسلسلة من الكفاحات حتى يوفّر بيئةَ حياةٍ ملائمة لزوجته "ماي" وأبنائه "جاي" و"روزماري" و"هاورد". أيضاً نرى الفنان "بول جياماتي" مسيطراً على الشاشة بأدائه المذهل لشخصية "جو غولد" وهو مدير أعمال "جيم". تبدأ الكارثة بإصابة يد "جيم" اليمنى، وإذا به يخسر عدداً من المباريات، مما يؤدي إلى سحب رخصته، وبذلك ينجرف هو وعائلته نحو فقرٍ قاتم في بداية فترة الأزمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي.
ما هو ملحوظ في لحظات التحسّن والتدهور أنّ "جيم" يبقى رزيناً ولطيفاً وحنوناً ومهتماً بعائلته فوق كل شيء. لعلّ الأمر يتطلّب رجلاً قوياً مثل "راسل كرو" ليجعل طيبة "جيم" مقنعة. "ماي" هي الزوجة التي يستحقها حقاً، مليئة بالحب والإخلاص، وهي خائفة جداً من أن يُصاب بأذى، ولذلك ترفض حضور مبارياته أو حتى الاستماع إليها عبر الإذاعة.
الفقر يأخذهم من بيتٍ واسع إلى شقة ضيّقة، وليست مزوّدة بالكهرباء، وبالكاد يجدون طعاماً. يجد "جيم" وظيفة على الأرصفة، وهي نقل أكياس الطحين والفحم باستخدام يده اليسرى طبعاً، فقد علمنا أن يده اليمنى قد جُرِحَت مسبقاً، وعلى الرغم من أنّ الوظيفة مردودها منخفض جداً، إلاّ أنها السر وراء تسمية البطل بـ "رجل السندريلا" في نهاية المطاف من قِبَل الكاتب "ديمون رونيون".
الفيلم يجمع "راسل كرو" والمخرج "رون هاورد" مجدداً بعد أن قدّما إلينا تحفة عام 2001 وأقصد بذلك فيلم "عقل جميل" الحائز على جائزة أوسكار لأفضل فيلم. "رجل السندريلا" لا يقل روعة عن ذلك الفيلم. المخرج والكاتب استطاعا إيجادَ طرقٍ إنسانية لعكس صورة اليأس في مرآة الواقع المرير، فعلى سبيل المثال: فقر عائلة "برادوك" يشكّل حملاً ثقيلاً جداً على الابن الأكبر "جاي" بالتحديد، فقد كان خائفاً من أن يُرسَل للعيش مع أقاربه "الأغنياء"، والأغنياء هنا تعني الذين يمتلكون طعاماً!! يقوم "جاي" بسرقة قطعة نقانق من بائع في السوق، ويُمسَك به، ثمّ في مشهد مثالي لحكمة "جيم" الرقيقة لا نجده يعاقب ابنه، بل يتحدّث إليه بهدوء وجديّة، لأنه يعلم سبب قيام ابنه بالسرقة، وأنّ جرأته في القيام بذلك لها "مسوّغ" وجانب نبيل نوعاً ما.
يحصل "جيم" على فرصة خوض مباراة، وذلك بفضل سعي صديقه ومدير أعماله "جو غولد"، والوضع كان حرجاً، ولم يكن هناك وقت للتمرين، والمنافس شرس، وبذهول الجميع ينتصر عليه. انتصار يقود للآخر، إلى أن يصل الأمر في النهاية إلى قيام "جو غولد" بتنظيم مباراة لـ "جيم" مع ملاكم الوزن الثقيل "ماكس بير" الذي قتل اثنين من خصومه أثناء مباريات سابقة، والأرجح أنه سيقتل "جيم"، على الأقل هذا رأي الجميع.
ما يحصل في الحلبة سترونه جميعاً. المخرج والملاكِمان والمصوّر ومحرّر المَشاهِد يدخلون جميعاً إلى الحلبة وهم محاطين بأشباح مباريات لا تُحصى لأفلام قديمة، والأكثر تعلّقاً بالذاكرة هي مباريات فيلم "الثور الهائج" و"فتاة المليون دولار" وأفلام "روكي". إنّهم لا يحاولون تكرار ما حدث في تلك الأفلام، بل مناورتهم بعاطفية، وأقرب مثال هو فيلم "فتاة المليون دولار"، والذي يدور حول فتاة تهوى الملاكمة ودافعها الأساسي للعمل هو الخوف من الفقر، و"جيم" يقول أنه يلاكم من أجل أن يشتري حليباً لعائلته. الاستراتيجية البصرية للمباراة الكبرى مباشِرة ووحشية، ولكنها لا تعتمد بالدرجة الأولى على التصوير التقني للملاكمة على أنها نزاع بين طرفين، بل إنّ لها طابع آخر. حين يحارب أحدهم بواسطة "قلبه" بعد أن أيقن أن طاقته ومهارته غير كافيين، تكون النتيجة غير مقنعة، ولكن ليس دائماً.
"رجل السندريلا" هو فيلم ملاكمةٍ رائع يحكي قصة رجلٍ طيّب. أكثر الأفلام الجدّية تعيش في عالم التهكّم والسخرية، وأكثر الشخصيات الطيّبة القلب تعيش في أفلام سيئة، وهذا فيلم حول رجل طيب يسير في عالمٍ جميع أيامه تدعو إلى اليأس، والاستياء الشديد له مسوّغ قوي، وفعل الشيء الصحيح لا يوجد له سبب، لأنه لا أحد يرى ولا أحد يهتم.
قدمّت الفنانة "رينيه زيلويغر" أداءاً مؤثراً جداً في شخصية الزوجة الحنونة، والتي كان لها الفضل في إظهار الفيلم بهذه الروعة. ترّشح الفيلم لنيل 3 جوائز أوسكار لأفضل مكياج وأفضل مونتاج وأفضل ممثل مساعد "بول جياماتي" عن شخصية "جو غولد" وذلك بعام 2005.
إنّ "جيم برادوك" يبدو صريحاً جداً وشفافاً بطيبته البسيطة، وذلك جعل تمثيل دوره مستحيلاً، و"راسل كرو" جعله ساحراً وآسراً لقلوب المشاهدين، والأمر يتطّلب ثانية أو ثانيتين من التفكير لكي ندرك كم كان ذلك صعباً.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق