الجمعة، 11 أكتوبر 2013

The Age of Innocence 1993


The Age of Innocence

حياة المجتمع المخملي في عصرٍ غريب!!

 


 نحن الآن نعيش في عصر السلوكيات الوحشية، حين يتحدّث أفراد المجتمع بفجاجة حول آرائهم الشخصية، وكوميديا العصر تتركّز على الإهانة، والتحيّات مهمّشة، والفاحشة منتشرة بشكل علني وتمر أمامنا دون سابق إنذار.

فيلم "عصر البراءة" الذي تدور أحداثه في عام 1870، يبدو غريباً جداً وأقرب إلى أن يكون فنتازيا نقيّة، حيث نرى نظاماً اجتماعياً صارماً يتحكّم بالناس، في أسلوب حديثهم وسَيرِهِم ولقاءاتهم واحتفالاتهم وعشائهم، وطريقة حياتهم ووقوعهم في الحب وزواجهم، ولا توجد أيّة كلمة قد كُتِبت في هذا النظام بأي مكان، ولكن هؤلاء الناس كانوا يدرسونه منذ ولادتهم.

الفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس الإسم للكاتبة الأميركية "إيديث وارتون"، والتي توفيت في ثلاثينيات القرن الماضي. "عصر البراءة" - كما سمّته بتهكّم عنيف - كان موجوداً قبل أن تكتب الرواية بوقت طويل جداً. تدور القصة في البيئة الراقية لأقدم وأغنى العائلات في مدينة "نيويورك"، والزيجات تبدو كالمعاهدات بين الأمم، وهدفهم ليس فقط رباط الحب وإنجاب الأطفال، بل كانوا يهيّئون للإنتقال المنظّم للثروة بين الأجيال، وأي أمر يعرقل هذه العملية المتّزنة يكون مكروهاً، والمسألة لا تكترث أبداً بما يلائم الرجال والنساء حتى يضعوا رغباتهم الخاصة فوق احتياجات طبقتهم الإجتماعية.

نقابل رجلاً شاباً يدعى "نيولاند آرتشر"، وهو على وشك الزواج من شابة جميلة تُدعى "ماي ويلاند"، و"نيولاند" لديه تأثير كبير عليها، على الرغم من كونها جميلة إلا أنها ضعيفة، وتتعامل بطيبة ولطف، وهي بعيدة عن روح المرح والبهجة. الجميع يتفق على أن هذا الزواج مثالي بين عائلتين مثاليتين، و"نيولاند" يشعر بالرضا التام عن ذلك، إلى أن يأتي ذلك اليوم في دار الأوبرا حين يلتقي بإحدى قريباته التي تزوّجت وعاشت في أوروبا لسنوات عدّة. تلك المرأة تدعى "إيلين" وتلقّب بالكونتيسة "أولينسكا"، وهي لديها أفكارها الخاصة التي يتوق "نيولاند" لاكتشافها.

هي جميلة.. نعم، لكن ليس هذا ما يجذب "نيولاند" إليها، حيث نرى حماسته الشديدة في وجود امرأة تفكّر بنفسها بكل جرأة، فالكونتيسة ليست امرأة محترمة في نظر المجتمع، فقد ارتكبت "خطيئة" بالزواج من رجل ليس من طبقتها أومدينتها، وهو كونت بولندي يعيش في أوروبا، ثم قامت بارتكاب "خطيئة أكبر" بانفصالها عن زوجها وعودتها إلى "نيويورك". حضورها اللقاءات الاجتماعية كامرأة إضافية جذابة وفاتنة يسبّب ضجّة، ويصبح الأمر واضحاً للجميع أنّ وجودها يشكّل خطراً على العملية المنظّمة لزواج "نيولاند" و"ماي".

القصة وحشية ودموية، حول رجلٍ شغفه مسحوق، وقلبه مهزوم، وأكثر من ذلك. المشهد الأخير من الفيلم مؤثر بشكل لا يُطاق، لأنه يكشف أنّ ذلك الرجل ليس وحده من يمتلك المشاعر، بل أن الآخرين أيضاً كانوا قد ضحّوا من أجله، وأنّ فاجعته العميقة ليست ما فقده، بل ما لم يدرك وجوده.

"عصر البراءة" أُنتِج بأناقة. هؤلاء الأرستقراطيون الأغنياء يتحرّكون في دائراتهم الذهبية من دار أوبرا مروراً بمطعم فاخر وانتهاءاً بغرفة رسم، وذلك بأزياءٍ خاصة لكل حدث وكل وقت من اليوم. المخرج العظيم "مارتن سكورسيزي" يلاحظ أصغر الأمور الاجتماعية كانحناءة الرأس، والتصريف الحاذق للكلمات والعبارات ودرجة الصوت عند نطقها، وبالتدريج نفهم ما الذي يحصل، ولا ننسى أننا كنّا مزوّدين بصوت راوية تفهم كل ما يحدث وترشدنا وتنقل لنا الأفكار الخاصة لبعض الشخصيات، فنتعلّم قوانين المجتمع. أدّت دور الرواية الفنانة المخضرمة "جوان وودوارد".

كل الأدوار في الفيلم تحافظ على التوازن الدقيق للحرب الرومانسية، والفنان الرائع "دانييل داي لويس" أبدع في أداء دور "نيولاند" الذي يقف في المحور الرئيسي وهو مخدوع لبعض الوقت بأنه يمتلك إرادة حرّة، والفنانة "ميشيل فايفر" التي تقوم بدور الكونتيسة، تنخرط في المجتمع ومع ذلك ترفضه، وتستمتع بإغواء "نيولاند" بقوة عقلها، وفي البداية تبدو لنا "ماي" التي تقوم بدورها الفنانة الرائعة "وينونا رايدر" كضحية غير مقصودة، ولكن الأحداث تكشف لنا بالتدريج الذكاء العميق لشخصيتها، وفي المشهد الأخير، كما ذكرت، كل الأمور ستبدو واضحة ومفهومة.

المخرج "سكورسيزي" معروف بعدسته القلقة، ونادراً ما يسمح بلقطة ساكنة، ولكن هنا سيتولد لديكم الإنطباع بروعة أسلوبه البصري، وهذا الفيلم مختلف عن بقية أفلامه، فهو مشهور بإخراج أفلام الجرائم والعصابات والبعيدة كل البعد عن الدراما الرومانسية، وما يلفت النظر أكثر هو قيامه بكتابة النص السينمائي للفيلم الذي ظهر بأجمل ما قد يكون، ونال عليه ترشيحاً لجائزة الأوسكار بعام 1993، وترشّح الفيلم أيضاً لجائزة أفضل موسيقى تصويرية والتي تأسر المُشاهد لروعتها وقد ألّفها الموسيقار الراحل "إلمر بيرنستين"، وجائزة أفضل تصميم مواقع، كما ترشحت الفنانة "وينونا رايدر" لجائزة أفضل ممثلة مساعدة، والجائزة الوحيدة التي حاز عليها الفيلم هي جائزة أفضل تصميم أزياء، والتي استحقها بجدارة.

في النهاية ندرك أنّ شخصيات الفيلم يمتلكون نفس المشاعر والعواطف والمخاوف والرغبات التي نمتلكها نحن، ولكن ببساطة هم يعظّمونها أكثر، ومع ذلك لا يتقنون التعامل معها، وفي قضية الإنغماس بالملذّات لا يختارون لحظة استمتاعٍ قصيرة فوق ندمٍ رومانسيٍ أبدي.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق