الأربعاء، 8 يناير 2014

Gone With The Wind 1939


Gone With The Wind

كبسولة زمنية من التجوية العاطفية لتاريخٍ عريقٍ ذهب مع الريح

 


 
فيلم "ذهب مع الريح" يوجّه نظرة عاطفية للحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب في أمريكا، والتي تخاضُ بقوّة ليس من أجل تحرير الأرض والعبيد بقدر إعطاء الآنسة "سكارلت أوهارا" قصاصها العادل. هذه التحفة الكلاسيكية الرائعة لم تفقد سحرها مع مرور الوقت.
بالنسبة للقصّة، هذا هو الفيلم المناسب في الوقت المناسب. "سكارلت أوهارا" التي نراها هي ليست فتاة من زمن القصة الفعلي، بل من الثلاثينيات. إنّها فتاة عصرية وممتلئة بالحيوية، والطريق ممهّدٌ لها بواسطة زعانف عصر الجاز والممثلات الشقراوات في تلك الفترة، ولا ننسى الأزمة الاقتصادية الكبرى التي أجبرت النساء على العمل خارج منازلهن.
كانت "سكارلت" تريد التحكّم بمغامراتها العاطفية الخاصة، وهذا هو المفتاح الرئيسي في جاذبيتها، وأيضاً سعت للتحكّم بمصيرها الاقتصادي في السنوات التي تلت انهيار "الجنوب القديم" بشروعها في زراعة القطن ومن ثم إدارتها لمشروع تجاري ناجح. بالطبع، لا يمكنها الهروب بزواجها ثلاث مرّات: الطمع من "أشلي" زوج "ميلاني" الرقيقة، ومنع زوجها الثالث من فراش الزوجية وذلك من أجل حماية خصرها الرقيق من الحمل. لقد فتنت المشاهدين ولا تزال، برؤيتها صامدة وقويّة في عالمٍ قاسٍ. لكن في نهاية المطاف، سلوكاً كهذا يجب أن ينال عقاباً، ولهذا العبارة الأشهر في تاريخ السينما: "بصراحة يا عزيزتي.. أنا لا أهتم" هي كل العقاب.
قائل العبارة هو "ريت باتلر"، والذي اعتاد الحديث مع "سكارلت" بأسلوب عاطفي جريء. حوارٌ من هذا القبيل من شأنه إشعال أحاسيس معظم الناس وإدخالهم في أوهام عاطفية تُنسيهم الواقع الأليم. ارتباك "سكارلت" يقع بين علاقتها العاطفية الفاترة بالسيّد النبيل "أشلي ويلكس" وانجذابها الغريزي للرجل الجريء "ريت باتلر"، الذي يحبّها بصدق ولكنّها تقابل حبّه بالكراهية والانتقام. الصراع الأكثر إثارة في الفيلم هو ليس بين الشمال والجنوب، بل بين شهوة "سكارلت" وغرورها.
الفنانان "كلارك غيبل" و"فيفيان لي" قدّما دورين مميزين في الفيلم الأبرز بتلك الحقبة، فقد جلبا الخبرة والغرور والذوق الرفيع لعدسة الكاميرا في أدائهما الرائع الذي لا يمكن أن يكون كذباً، فبذلك أظهرا أكثر مما تريده القصة. مركز الدراما هو صعود وهبوط المغامرات العاطفية، وخلافاً لمعظم الملحمات التاريخية، الفيلم يولّد إحساساً مقنعاً بمرور الوقت، فهو يُظهر الجنوب الأمريكي قبل وخلال وبعد الحرب، وكل ذلك نراه من خلال عينَي "سكارلت".
من خلال مشاهدة الفيلم نكتشف أهمية الشخصيات الزنوج في إضافة عنصر الإنسانية في القصة، والفنانة "هاتي ماكدانييل" بشخصية الخادمة "مامي" هي الأكثر منطقيةً من بين الشخصيات وذات رؤية واضحة طوال الأحداث. أخرج الفيلم المبدع "فيكتور فليمينغ"، وأنتجه "ديفيد أوه سيلزنيك" الذي فهِم أنّ المفتاح لجذب الجماهير هو الربط بين الميلودراما مع القيم الفنّية العالية. بعض المَشاهد في الفيلم لا تزال تمتلك القوة على حبس أنفاسنا، مثل مَشاهد حريق أتلانتا، والرحلة إلى تارا، وشارع الموتى، و"سكارلت" وهي تسير في الطُرُقات المغطّاة بالدماء، ونشعر حقاً أن الكاميرا تنزف.
تم اقتباس النص السينمائي من الرواية الشهيرة للكاتبة "مارغريت ميتشيل"، و"سكارلت" كانت انعكاساً دقيقاً لشخصيتها الجامحة. طاقم الممثلين أبدعوا جميعاً في تقمّص أدوارهم، ولا ننسى الفنانة المخضرمة "أوليفيا دي هافيلاند" التي لعبت دور الفتاة اللطيفة "ميلاني" بشكل رائع للغاية. هذه الفنانة لا تزال على قيد الحياة بعد مرور أكثر من 7 عقود على إنتاج الفيلم، وقد كان دورها فيه بداية لمسيرة سينمائية ناجحة.
حاز الفيلم بعام 1939 على 8 جوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي وأفضل ممثلة "فيفيان لي" وأفضل ممثلة مساعدة "هاتي ماكدانييل" وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع وأفضل مونتاج، كما حاز على جائزة الأوسكار الفخرية لقاء الإنجاز البارز في استخدام تقنية الألوان الحديثة، فالجميع يعلم أنّ أفلام تلك الفترة كانت غير ملوّنة، وظلّت كذلك لسنوات عديدة نظراً للتكلفة الباهضة للألوان، وأيضاً حاز الفيلم على جائزة الإنجاز التقني الخاصة لاستخدامه معدّات منسّقة في الإنتاج. ترشّح الفيلم لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل ممثل "كلارك غيبل" وأفضل ممثلة مساعدة "أوليفيا دي هافيلاند" وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات بصرية.
فيلم "ذهب مع الريح" هو مثالٌ رائع للفن الهوليوودي الأصيل، وكبسولة زمنية من التجوية العاطفية. في ذلك العالم الجميل، هناك في أرض الفرسان وحقول القطن، حيث كانت البسالة تسطر في تلك الحقبة سطورها الأخيرة بفرسانها وجمال سيداتها، وبسادتها وعبيدها. هناك في الجنوب القديم أحداث بعيدة تجدونها فقط في صفحات الكتب لأنّها الآن ليست أكثر من مجرّد حُلمٍ ذهَبَ مع الريح.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق